أمام اشتداد الأزمة الاقتصادية وبلوغ ذروتها خلال 2013، أصبح «لكريدي» بابا لا بديل عن طرقه وإن بدا الأمر في أوله حلوا فإن آخره لا أحد يتكهن بمآله، فالآلاف من المستهلكين المغاربة عجزوا عن سداد قروضهم، والتي فاقت 3800 مليار سنتيم عند متم شهر أبريل المنصرم، ولعل الرقم لن يقف عند هذا الحد مستقبلا، ليطرح السؤال عمن يحمي هؤلاء، باعتبار أن النية ليست مبيتة بعدم سداد الديون، لكن الأزمة هي من يجب أن يشار إليها بأصابع الاتهام. بعد توقيع عقد القرض يصبح المستهلك المقترض أمام التزامات يجب عليه الوفاء بها، حيث ما يلبث أن يصطدم بالواقع المر عندما تبدأ الأبناك ومؤسسات القروض بالخصم من مرتبه، أو حين يبدأ بتسديد الأقساط وفوائدها، ومجمل المصاريف التي يتحملها (غالبا بغير علم) لتعمد تلك المؤسسات إلى إخفاء التكلفة الحقيقية للقرض، مما قد يؤدي به إلى الوصول إلى درجة العجز عن السداد خصوصا أمام اشتداد الأزمة الاقتصادية واشتداد الخناق على العديد من الأجراء والمستخدمين الذين قلصت أجورهم أو في العديد من الحالات كان مصيرهم الطرد، لأن المقاولات لم تعد لها القدرة على توفير مناصب شغل، ولعل إحصائيات بنك المغرب الأخيرة تؤكد أن المغاربة المتأخرين عن سداد القروض البنكية يزدادون شهرا بعد آخر، حيث أفاد التقرير الأخير للبنك المركزي بأن إجمالي العسر في الأداء فاق 37.93 مليار درهم، أي أكثر من 3793 مليار سنتيم، إلى غاية متم شهر أبريل المنصرم، بنمو فاق 10.4 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، والتي سجل فيها المبلغ 34.4 مليار درهم، حيث انضاف خلال سنة فقط مبلغ 357 مليار سنتيم كمتأخرات لسداد القروض. المغاربة يقترضون أكثر فأكثر أكد تقرير لبنك المغرب حول «المؤشرات الرئيسية للإحصاءات النقدية عند متم شهر أبريل 2013»، نشر مؤخرا، أن إجمالي القروض التي منحتها البنوك المغربية، إلى غاية متم شهر أبريل الماضي، ارتفع إلى حوالي 704 مليارات من الدراهم مقابل 678 مليار درهم خلال نفس الفترة من 2012، بنمو نسبته 3.9 في المائة. وجاءت القروض العقارية في المقدمة، بمبلغ إجمالي فاق 226 مليار درهم عند نهاية شهر أبريل المنصرم، مقابل 220 مليار درهم عند نهاية دجنبر 2012، أي بزيادة تقدر بأكثر من 15.3 مليار درهم في ظرف سنة، أي أنه خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الحالية، اقترض المغاربة 640 مليار سنتيم موزعة ما بين الأفراد والمنعشين العقاريين، إذ بلغ جاري القروض الموجهة إلى المنعشين العقاريين حوالي 69.8 مليار درهم عند متم شهر أبريل 2013، مقابل 68.1 مليارا في دجنبر من السنة الماضية، بينما اقترض الأفراد من أجل اقتناء سكن ما مجموعه 154 مليار درهم إلى غاية متم شهر أبريل المنصرم. وأفاد المصدر نفسه بأن ديون المغاربة من القروض الاستهلاكية التي وزعتها الأبناك إلى غاية نهاية الشهر الرابع من السنة الجارية، بلغت ما يقارب 39.6 مليار درهم، مقابل 39.4 مليارا عند متم شهر مارس المنصرم، أي بزائد 225 مليون درهم خلال شهر فقط. وعلى غرار الأبناك، وزعت شركات التمويل ما مجموعه 50.5 مليار درهم إلى غاية شهر مارس المنصرم، مقابل 48 مليارا في دجنبر 2012، بنمو قارب 4.7 في المائة خلال 3 أشهر. البنك لا يعترف بالظروف الاجتماعية يشير الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود إلى أن «الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون»، وهذه هي القاعدة المعروفة ب«العقد شريعة المتعاقدين»، فعقد السلف الذي يتم بين المقترض ومؤسسات القرض يخضع، بدوره، للقاعدة المذكورة والمتعارف عليه أن شركة القرض تعد عقودا جاهزة للسلف، لا يتم فيها تغيير أي بنود باستثناء مبلغ القرض والمستفيد منه ومدته والأقساط الواجب أداؤها. حيث يؤكد نبيل شهركان، محام في هيئة البيضاء، أن هذه العقود هي التي يصطلح عليها في القانون ب«عقود الإذعان»، والتي لا يمكن للطرف المقترض أن يناقش مضمونها المحدَّد مسبقا من طرف شركة القرض، فإما أن يوقع على العقد ببنوده المحددة مسبقا أو يرفض. ويتم التنصيص ضمن بنود العقد على الإجراءات الواجب اتباعها والجزاءات المفروضة في حالة عدم أداء قسط من أقساط القرض، وغالبا ما تقوم شركات القرض بإجبار المقترض على توقيع سند لأمر (Billet à Ordre) بقيمة الدين، وفي حالة توقف المقترض عن أداء أقساط الدَّين تلجأ الشركة إلى استصدار أمر بالأداء في مواجهته بناء على سند مذكور. وعليه فإن الدَّين يكون واجب الأداء إلا إذا تعلق الأمر بحالة الوفاة أو العجز الدائم الكلّي للمقترض فإن شركة التأمين المؤمَّن لديها تقوم بأداء مبلغ الدين عوضا عن المقترض. أما عدا هاتين الحالتين، فإن مبلغ الدين يكون واجب الأداء ولا علاقة للظروف الاجتماعية للمقترض بالالتزام الملقى على عاتقه المتمثل في أداء أقساط الدين، وبالتالي فإنه لا يمكن الاعتذار بكون المقترض أصبح مريضا (دون الوصول إلى درجة العجز الكلي) أو أنه فقد عمله لأي سبب من الأسباب، فالالتزامات المتقابلة في عقد القرض تفرض على المدين أداء أقساط الدين ولاشيء يقيه منها غير الوفاة أو العجز الكلّي الدّائم. قانون المستهلك وتعذر السداد تعتبر فكرة الوقاية من الوصول إلى وضعية المديونية المفرطة غاية في الأهمية، لأنها تجنب المستهلك السقوط في حالة العسر عن السداد، وتمنحه آجالا للتفكير ومراجعة التصرفات التي تؤدي به لاقتراض قد لا تتحمله ذمته المالية، ويعتبر أهم تجديد في هذا المجال جاء به القانون 08 -31، المتعلق بحماية المستهلك، الذي صدر سنة 2011، وهو أحقية المقترض بالتراجع عن التزامه داخل أجل 7 أيام ابتداء من تاريخ قبوله العرض دون أن يتحمل مقابل هذا التراجع المذكور أي التزام، وفي حالة احتفاظ المقرض لنفسه بحق قبول أو رفض طلب القرض المقدم من لدن المقترض، فإنه في حالة قبول هذا الأخير لا يكون العقد تاما إلا بتوفر الشرطين التاليين داخل أجل 7 أيام المشار إليها أعلاه، شرط أن يكون المقرض قد أبلغ المقترض بمنح القرض، وشرط ألا يكون المقرض قد مارس حقه في هذا التراجع، وإمعانا في حماية المستهلك من ترتيب آثار عقد القرض داخل المدة التي خوله القانون التراجع فيها، فإنه لا يمكنه أن يقوم بأي إيداع برسم العملية المعنية لفائدة المقرض أو لحسابه خلال تلك المدة زيادة على ذلك إذا كان قد وقع ترخيص بالاقتطاع من حسابه البنكي أو البريدي، فإن ذلك الترخيص لا يعتبر صحيحا إلا بعد انصرام المدة المشار إليها لسريان أثر العقد، ويرى الباحثون في القانون، أن هذه المقتضيات القانونية تمثل تجديدا هاما على المستوى القانوني لفائدة المستهلك المقترض، حيث يبرز التأكيد على إعطاء مهلة تمنحه فرصة للتفكير والتروي ودراسة بنود العقد وحماية الإرادة من أي تسرع، لكن في حالة تسرعه وإغماض عينيه عن أمور عديدة تتعلق بالقرض يصبح المستهلك متحملا مسؤولية كاملة لتصرفه بدون تعقل، وبالتالي لا يمكن إلقاء اللوم دائما على مؤسسة القرض، فهذه الأخيرة تمنح القروض لمن يطلبها، ولن توقف عملها لهذه الأسباب، لكن بالمقابل يؤاخذ عليها منح معلومات خاطئة لمستهلكي القروض، وإخفاء التكلفة الحقيقية للقرض مقابل الإفراط في الدعاية والإشهار. «مركزية المخاطر» ليست كافية انطلق العمل، منذ 2009 ب«مركزية المخاطر»، وهي الهيئة التي أنشأها بنك المغرب لتجميع المعلومات المتعلقة بالزبناء الذين حصلوا على قروض وسلفات من الأبناك أو مؤسسات التمويل، بهدف الحيلولة دون الإفراط في مديونية المواطنين وحصول عجز عن تسديد المستحقات. فالقانون المتعلق بمركزية المخاطر «يجبر كل مؤسسات الائتمان على دخول هذا النظام المعلوماتي للتعرف على وضعية الزبون طالب القرض قبل الرد عليه بالإيجاب أو السلب»، كما أن «الزبون يمكنه الولوج إلى مركزية المخاطر للتعرف على المعلومات المتوفرة حول وضعيته، مما يمكنه بدوره من الدفاع عن حقه في الحصول على القرض في حال ما إذا كانت وضعيته لا تبرر عدم تلبية طلبه»، وكانت الدولة قد خطت خطوة في هذا الاتجاه بالنسبة للموظفين من خلال الاتفاق الذي تم بين مديرية الخزينة العامة وجمعية شركات القروض القاضي برفع الحد الأدنى المتبقي من الأجر بعد اقتطاع قسط الدين من 1000 درهم إلى 1500 درهم شهريا. كما تم على صعيد مديرية التعويضات والأجور بوزارة المالية إحداث نظام معلوماتي يمكن من تتبع الالتزامات القرضية المتعددة للموظف. لكن وعلى الرغم من انخراط الأبناك في هذه العملية فمازال عدد المغاربة الذين يتخلفون عن تسديد ديونهم في ارتفاع مطرد، وهو ما يجعل خلق هذه الهيئة منذ 4 سنوات، ليس كافيا للحد من الآفات الاجتماعية التي يخلقها العسر في الأداء.