يطرق كنت أبحث عن فرص لاسعاد أسرتي، لكن بعد الوقوع في حبال جمعيات القروض والسماسرة؛ وجدت نفسي محاصرة من قبل موظفي الجمعيتين والسيدة (وسيطة) التي تهددني باللجوء إلى زوجي لاستخلاص مبلغ القرض.. فاضطررت إلى إبلاغ زوجي بالأمر لمساعدتي فكان أن ثار في وجهي، وهدد بتطليقي إذا لم أتصرف وأعالج الأمر، وأتحمل مسؤولية تهوري واستهتاري.. وفي الأخير لجأت إلى بعض المقربين من أفراد العائلة لمساعدتي مخافة الارتماء في الشارع أو السجن.. وإلى حدود اليوم لازلت أعيش اضطرابا نفسيا حادا، ففي كل لحظة يطرق باب بيتي أنتفض مرعوبة، هكذا لخصت فاطنة قصتها مع قروض الاستهلاك وهي تحكي قصة وقوعها وأربع صديقات لها في شراك جمعياة القروض الصغرى. التجديد التقت بنساء حولت القروض حياتهن إلى جحيم .. ندم ورغبة في التراجع.. لكن من يأخذ بيدهن لفك الحصار الذي وضعتهم فيه الشركات المعنية؟ وفي غياب أي حماية، وفي جهل تام بمخاطر القروض الاستهلاكية، تسقط عشرات الضحايا كل يوم وهي تبحث عن مورد للتخفيف من معاناتها؛ لتجد نفسها مهددة بالسجن أو ببيع متلكاتها على تواضعها.. استهتار وندم لم تتصور فاطنة أن الحديث الذي دار في لقاء مسائي مع جاراتها بالحي سيكون سببا في تعاسة كل الأسرة، تقول بصوت حزين والندم يعتريها: نصحتنا إحدى الجارات بوجود جمعيات للقروض الصغرى، تقدم كل التسهيلات للزبناء وبدون ضمانات صعبة، وبالفعل ذهبنا -أربع نساء- وأخذنا قرضا جماعيا، إذ التزمت كل منا بضمان أداء حصة القرض الشهرية للأخرى إذا تعسر الأمر عن إحدانا، وأوهمنا الجمعية بأننا نفكر في استثمار هذه المبالغ في البيع والشراء. وبعد فترة من الصمت؛ استطردت فاطنة تحكي والدموع تملأ عيناها: أول قرض أخذته كان بقيمة 4000 درهم، وبالفعل تغلبت عليه واستطعت أداء الأقساط في وقتها، إلا أنني طمعت أكثر، وبسبب تشجيع الجمعية التي اقترضت منها، أخذت قرضا آخر بقيمة 10 آلاف درهم، لاسيما وأن عيد الأضحى كان على الأبواب، لكن ضاع المبلغ في المصاريف اليومية دون أن أغير كل أثاث المنزل..، لكن استطعت تأدية القسط الشهري لثلاثة أشهر الأولى-0001 درهم عن كل شهر-، وبعد ذلك عجزت عن أداء باقي الأقساط، فاقترضت من مؤسسة أخرى لتسديد المتأخرات، كان المبلغ 8 آلاف درهم، مقابل 4500 درهم كل نصف شهر، وبالفعل استطعت أن أؤدي بعض مستحقات القرض الأول، والباقي استهلكته في شراء بعض الملابس لي ولأبنائي، واقتنيت بعض الحاجيات للبيت، وبما أنني كنت قد أخدت القرض الثاني بدون معرفة زوجي؛ فقد حاولت التغلب على أداء الأقساط عبر التوفير من مصاريف البيت، إلا أن الأمر كان صعبا للغاية.. فأخذت قرضا ثالثا بقيمة 3000 درهم بالطالع من سيدة تقترض من المؤسسات، وتقوم بنفس الشيء مع الأشخاص بإضافة 500 درهم لكل 5 آلاف درهم تقريبا، التزمت أن أؤدي لها كل شهر 500 درهم.. الانتقال من دور الصفيح كل النساء اللائي التقطتهن التجديد تؤكدن أنهن نادمات...فهذه القروض كالمرض المزمن الذي ينخر الجسم، ولا يستطيع المريض الشفاء منه لأنه طال كل الجسم..، تقول السعدية وهي تبتسم بمرارة: لقد جنيت على كل أسرتي لكي أحقق لهم حلما طالما راودهم منذ سنوات طويلة.. الاستقرار في بيت من حجر يقيهم قسوة البرد والحرارة..بدل تلك البراكة التي كنا نعيش فيها. اقترضت السعدية من 4 جمعيات لإعادة بناء البيت الذي حصلت عليه في إطار السكن الاجتماعي، ودفعت زوجها للاقتراض أيضا.. إلا أنها لم تستطع بعد ثلاثة أشهر سداد الأقساط الشهرية المتبقية، فاضطرت ابنتها التي تعمل براتب شهري لا يتعدى 2000 درهم إلى الاقتراض أيضا، وبالرغم من ذلك لم تتغلب على الأقساط الستة، فبعد كل اقتراض تتمكن الأسرة من أداء قسط شهر أو شهرين إلا أنها تعجز عن تأدية باقي الأقساط بعد ذلك، مما دفع الإبن إلى أخذ قرض باسمه أيضا...فقد استدانت كل الأسرة، وبدون وعي كنا نضاعف أعباء السداد..، مما جعلنا نعيش إرهابا نفسيا، فالأقساط غير المؤداة تتراكم.. ورواتب زوجي لا تكفي لأداء جميع الفواتير فصرنا نعيش جحيما يوميا. وللتغلب على الأزمة المادية والنفسية التي صارت تعيشها الأسرة؛ اقترحت الجمعيات المقرضة إعادة الجدولة، وذلك بتطويل مدة التسديد، وتقديم تسهيلات في الأداء... حل يؤدي إلى مصيبة أخرى، تتمثل في ارتفاع معدل الفائدة، إلا أنه وسيلة لكي لا يدخل أحدنا السجن.. تشدد السعدية بأسف. أحالتنا السعدية على جارة لها، أخذت قرضا دون أن تخبر زوجها الذي أبى أن يساعدها على التسديد، واعتبر الأمر درسا لها لأنها مغفلة ومنحت ثقتها في شركات لا هم لها إلا امتصاص دم الفقراء-تقول جارة السعدية-. وكلما جاء الوقت لسداد القسط المدين يطلب الزوج من موظف الجمعية المقرضة أن يأخذ زوجته إلى السجن لأنها غبية مادامت قد استسلمت لتلك الجمعيات. وهكذا يعيش الآلاف من الأشخاص في مرارة بسبب تراكم الديون والعجز عن الأداء، مما جعل إحدى السيدات تغادر بيت الزوجية إلى وجهة غير معروفة لكل أفراد الأسرة، تاركة الديون المتراكمة وراءها. مسؤولية مزدوجة حمل محمد أحد العاملين بمؤسسة للقروض الصغرى مسؤولية المشاكل التي تترتب عن منح هذه القروض إلى المؤسسة والمقترض معا، موضحا أن المؤسسات أو الأبناك التي تشتغل في هذا القطاع تتنافس فيما بينها لاستمالة الزبون، ولجذب أو اصطياد أكبر عدد من الزبناء من خلال إغرائهم بشتى الوسائل. ومن بين وسائل الإغراء يقول محمد، تعمل المؤسسات على تنويع الخدمات قروض جماعية، فردية، قروض موجهة من أجل إصلاح السكن، من أجل اقتناء خروف العيد.. قروض خاصة بالعطلة الصيفية، وبالدخول المدرسي...، هذا بالإضافة إلى التسهيلات التي تقدمها المؤسسات، ومن قبيل ذلك، تبسيط المساطر، وسرعة أداء القرض.. إلا أن المقترض يتحمل أيضا مسؤولية منح رقبته لتلك المؤسسات التي لا هدف لها غير الربح مهما كان الثمن يقول محمد بابتسامة ماكرة..، وفي الوقت الذي يحاول فيه الموظف المسؤول عن القرض تعسير الأمر، نجد المقترض ينهج كل الطرق لإقناعه بحاجته لذلك المبلغ... وفي بعض الأحيان يقدم البعض على تقديم الرشوة ليقبل طلبهم، دون قراءة حتى بنوذ العقد التي تتضمن في جانب منها مثلا بالنسبة للعقود المتعلقة بالبنك الشعبي: إذا اضطرت مؤسسة القروض الصغرى إلى اللجوء للقضاء من أجل استخلاص ديونها، فإننا نوافق على تحمل جميع الصوائر القضائية وأداء غرامة مالية قيمتها 10 في المائة من المبلغ الإجمالي للدين بما فيه الأصل والمصاريف والتوابع حال المطالبة بها، وهو بنذ خطير لأنه يشدد على أعباء مادية إضافية سيتحملها المقترض، والسبب حسب محمد هو أن ثقافة الاستهلاك وبدون وعي صارت اللغة السائدة لدى الأغلبية. وللمزيد من التوضيح تساءلنا عن الطرق التي تجلب بها المؤسسات الزبناء من غير الإغراء، فرد قائلا: منذ سنوات، كانت مؤسسات القروض الصغرى بالخصوص تعمل عبر شبكة من الموظفين بشكل كبير على مستوى القرى وضواحي المدينة، وتقدم كل التسهيلات اللازمة لاستمالة الزبناء، وكان الموظفون يبدعون في إغراء الزبناء، فكلما كثر العدد حصل الموظف على علاوة إضافية آخر الشهر، إلى درجة أن العلاوات كانت أكبر بكثير من الراتب الشهري... لكن اليوم كثرت المؤسسات المتخصصة في ذلك، وصارت البنوك تقدم نفس الزبناء، وبالمقابل صار الجميع يعرف بالقروض الوسطى، وفي كل حي يوجد زبناء أوفياء لمؤسسة معينة، يساعدون في جلب زبناء آخرين... وبالرغم من أن هذه القروض وسيلة لحل بعض المشاكل المادية، إلا أن الفوائد التي تفرضها تقسم ظهر المقرض؛ خاصة في حالة عسر الاسترداد. قضايا أمام المحاكم أمام سيل الإغراء والإشهارات المختلفة بالشوارع، وبوسائل الإعلام المكتوبة والمرئية.. التي تستعملها المؤسسات والأبناك لجلب الزبناء بشعارات مغرية: قروض مع تخفيض الفائدة، أو بدون فائدة..، وأمام الحاجة الملحة للبعض للتغلب على مصاريف الحياة من جهة، و للمساهمة في تخفيف بعض الأعباء المادية الطارئة؛ يقبل آلاف الأشخاص على الاقتراض بكثافة دون احتساب توابع ذلك، لاسيما ذوي الدخل المحدود، وفي حال تعسر تسديد القرض، يقترضون ثانية وثالثة... فالمناسبات لا تنتهي والإغراءات متواصلة، يجد المرء نفسه في مواجهة فواتير التسديد...، وحالات عديدة تنتهي بالمحاكم، التي أصبحت منذ بضع سنوات تعج بقضايا وملفات قروض الاستهلاك، فمئات القضايا تحاول الأبناك أو المؤسسات المقرضة أن تقدم لها كل التسهيلات للأداء، مع حفظ ربح أوفر لها، فكلما طالت مدد السداد كلما ارتفعت قيمة الفوائد... وبدون أن يعير المقترض الذي يبحث أيضا عن أي سبيل للابتعاد عن السجن اهتماما للمبالغ الخيالية التي قد تصل إلى نصف القرض أو أكثر، يستسلم لأي إجراء محاولة منه للخروج من الأزمة. وأول مسطرة تتخذها الأبناك حسب ملفات لمؤسسة البنك الشعبي للقروض الوسطى المعروضة في حق مجموعة من الزبناء الذين عجزوا عن أداء الدين بعد التسهيلات الأولية للسداد، هي مراسلة الزبون رسالة إنذارية من أجل أداء ما بذمته خلال 15 يوما، وإذا لم ينفذ تلجأ إلى المحكمة قصد مقاضاته مع تحمل تبعات ذلك، وتتمثل التبعات طبعا في أداء المبلغ، مع إضافة قيمة 10 في المائة تعويضا عن التأخير في الأداء، أو الحجز على الأرض أو العقار. ربع الموظفين مرهونون بالقروض الاستهلاكية أكدت الجمعية المهنية لشركات التمويل أن171 ألف موظف استفادوا من قرض استهلاكي أو أكثر، وأن أزيد من 80 ألف موظف يعيشون بأجرة أقل من 500 درهم، و4300 موظف يعيشون بأقل من 1000 درهم. وحسب وثيقة للجمعية فإن عدد ملفات قروض الاستهلاك وصلت إلى 369 ألفا، وبلغت القروض المقدمة للموظفين حوالي 13 مليار درهم إلى حدود نونبر من سنة ,2008 بالإضافة إلى أن 75 في المائة من الموظفين لهم قروض أقل من 40 في المائة من رواتبهم. وتبين هذه الأرقام أن نسبة الموظفين الذين لهم قروض استهلاكية أو أكثر تزيد عن 25 في المائة، أي ما يمثل ربع موظفي القطاع العمومي البالغ عددهم 676 ألفا و468 موظفا. ويرى عدد من المحللين أن من بين أسباب ارتفاع مديونية الموظفين هو ضعف الأجور. إذ أفادت الخزينة العامة للمملكة أن عدد الموظفين الذين لهم أجر شهري أقل من 5000 درهم، يبلغون 412 ألفا و247 موظفا بنسبة 60 في المائة، من مجموع الموظفين. وتصل نسبة الموظفين الذين يتقاضون أقل من 3000 درهم شهريا إلى 16 في المائة ويبلغ عددهم 112 ألفا و508 موظف، والذين يتقاضون أقل من 4000 درهم يبلغون 40 في المائة، ويبلغون 276 ألفا و129 موظفا.