يعيش التلاميذ، وأسرهم، ابتداء من اليوم، لحظات عصيبة مع انطلاق امتحانات شهادة الباكالوريا، التي أضحت تعني للكثيرين مناسبة للخلاص، رغم أنها لم تعد في السنوات الأخيرة غير مجرّد وثيقة يمكن أن تقود إلى أبواب البطالة الجامعية.. اليوم، أضحت جلّ المدارس العليا والمعاهد، بل وحتى بعض التخصصات الجامعية، تفرض معدلات عليا ونتائج جيدة ليضمن الطالب موطئ قدم فيها.. ولذلك لم تعد الشهادة هي الرّهان، بل أصبح معدل هذه الشهادة هو المطلوب. لكنْ لتحقيق هذا الحلم، الذي يؤرّق الأسر أكثر مما يؤرّق المُمتحَنين، يضطرّ الكثيرون إلى الاحتماء ببعض المدارس الخاصة، التي تفرض رسومَها، التي لا تجد الأسر إلا أن تؤديها بدون تردّد في ظلّ منافسة يقول أصحاب المؤسسات الخصوصية إنها تحتكم إلى منطق السوق ومبدأ العرْض والطلب.. ولأنّ هذه المدارس تدرك أنّ كل رأسمالها هو الرفع من نسبة النجاح ومن مستوى المعدلات التي تتحقق، فقد اهتدت إحدى المؤسسات، في سابقة فيها بعض الغرابة وبعض التجديد، إلى صيغة لإدخال تلامذتها إلى ما يشبه «المعسكر الإعداديّ»، الذي تدخله الفرق والمنتخبات استعدادا لمباراة فاصلة. ولأنّ الباكالوريا هي مباراة فاصلة، فقد تم تجميع التلاميذ في حجرات، حيث وفرت لهم المؤسسة وجبات الأكل والمبيت والترفيه، بموازاة دروس الدعم والتقوية.. ولا يحق للتلميذ أن يغادر المؤسسة خلال مدة هذا «المعسكر».. ينتظر الجميع ما ستسفر عنه هذه التجربة، بعد أن تظهر النتائج.. لكن هذه المؤسسة لن تراهن على الفشل حتما في استثمارها هذا، والذي جاء بتوافق مع آباء وأولياء التلاميذ، بل إن النتائج ستعزز موقعها، وقد تدفع آخرين إلى الدخول فيها مستقبلا. غير أنه خلف هذه الحماس والاهتمام الذي اختاره بعض التلاميذ للرّفع من منسوب استعدادهم لمحطة الامتحان، يستعدّ آخرون بطرُق خاصة جدا عنوانها هو البحث عن أي صيغة للغشّ.. اليوم، أصبح الغشّ في الامتحان يعتبر، خصوصا حينما يتعلق الأمر بشهادة الباكالوريا، هو «الأصل»، فيما الاعتماد على الذات هو بقية الفروع.. لذلك تعيش أسرة التربية والتعليم لحظات عصيبة مع الحراسة والضبط. ورغم هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة وهي تضع قانونا يُجرّم الغشّ ويُهدّد المعتدين على هيئة الحراسة بأوخم العواقب، فإنذ ذلك لا يبدو كافيا، بعد أن أصبحت الظاهرة متفشية بشكل مثير لن تنفع معه النصوص القانونية، بل أشياء أخرى. اليوم، يعرف جلّ المنتمين لقطاع التربية والتعليم أن الغشّ ينطلق من أقسام الدرس، ومن بعض المُدرّسين، سامحهم الله، الذين «يبيعون» نقط المراقبة المستمرة «ملفوفة» في دروس الدعم والتقوية.. لذلك سيكون من الأفيد لوزارة السيد محمد الوفا أن تفتح هذا الملف الحساس لتقطع الطريق عن سلوك يسيء إلى القطاع، وينشر التواكل لدى لتلاميذ. واليوم، يعرف الجميع، أيضا، أنّ كل وسائل الاتصال الحديثة أضحت توظف في عملية الغشّ، وتحديدا الهواتف الذكية و»الآي باد» و»الآي فون» وما إلى ذلك، حيث يتوصل التلميذ وهو داخل قاعة الامتحان بالأجوبة الشافية من الخارج.. ولذلك بدأ المستعدّون للتجربة قبل هذا التاريخ، في التجريب وفي الانخراط في «بروفات» للاستئناس بأداة الغشّ. ورغم أنّ بعض الأصوات نادت بإمكانية محاربة الظاهرة فقط بخلق أدوات التشويش على مراكز الامتحان بعد أن تدخل الدولة بكل ثقلها على الخط، وتقنع الفاعلين في مجال الاتصال بجدوى هذا التشويش لكي تحميّ فلذات أكبادنا من هذا العالم الموبوء، الذي ينتج لنا أشباه المتعلمين، فإنّ المعنيين بالأمر صمّوا آذانهم، واختاروا الهروب إلى الأمام. لذلك لن يجديّ هذا القانون نفعا. وقد تفاجئنا الأحداث بطرُق جديدة في الغش. بقيّ فقط أن أحكي لقراء «المساء التربوي» عن حالة تلميذة بدلا من أن تدخل معسكرا إعداديا للامتحان، راحت تبحث عن تبان بسلسلة يمكّنها من أن تضع فيه هاتفها الذكي لكي تستقبل الأجوبة!.. لا أملك إلا أن أشفقَ لحال حارس هذه التلميذة إذا ضبطها في حالة غشّ..