الجنائية الدولية تحكم بالسجن على قائد ميليشيا "الجنجويد" قتل وإغتصب وحرق قرى بأكملها    احتجاج داخل المستشفى الجهوي بطنجة بسبب مشروع "المجموعات الصحية الترابية"    تفاصيل أول يوم للمسطرة الجنائية    الرباط.. إطلاق الاستراتيجية الخماسية للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    أكادير.. انعقاد اجتماع التخطيط الرئيسي لتمرين "الأسد الإفريقي 2026"    مؤسسة طنجة المتوسط تكثّف جهودها لدعم التفوق الدراسي بإقليم الفحص أنجرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    ضعف حاسة الشم قد يكون مؤشرا مبكرا على أمراض خطيرة    طاقة الأمواج .. مجلة أمريكية تبرز التقدم التكنولوجي الهام في المغرب    مجلس النواب ينظم غدا الأربعاء المنتدى البرلماني السنوي الثاني للمساواة والمناصفة    هذا المساء فى برنامج "مدارات" . الحسن اليوسي : شخصية العالم وصورة الشاعر    لقاء تواصلي لوسيط المملكة لتعزيز التفاعل المؤسساتي    2025 تقترب من السنوات الثلاث الأشد حرا    فيفا يعتمد استراحات لشرب المياه أثناء مباريات مونديال 2026    12 سنة سجناً وتعويض ب 32 مليار سنتيم للمدير السابق لوكالة بنكية    مخططات التنمية الترابية المندمجة محور ندوة علمية بالمضيق    رونار: المغرب أصبح اسماً يرهب الكبار.. والبرازيل نفسها تحسب له ألف حساب    مانشستر يونايتد يتفوق برباعية على وولفرهامبتون    مكتب الصرف.. تسهيلات جديدة لإنجاز عمليات صرف العملات بواسطة البطاقات البنكية الدولية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    2025 تقترب من السنوات الثلاث الأشد حرا    بعد ستة عقود من أول لقاء..المغرب وسوريا يلتقيان في ربع النهائي    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يسلط الضوء على أشكال العنف الرقمي ضد النساء    هزة أرضية متوسطة القوة تضرب قبالة سواحل الحسيمة    مباراة إيران ومصر تتحول إلى جدل حول المثلية في كأس العالم 2026    لاعبو فنربهتشه وغلطة سراي في قلب تحقيقات فضيحة التحكيم    الصين تعدم مسؤولا مصرفيا كبيرا سابقا أُدين بالفساد    قراءة سياسية وإستشرافية للزيارة الملكية لدولتي الإمارات ومصر و هندسة جيوسياسية عربية جديدة.    أكبر تسريب بيانات في كوريا الجنوبية يهز عملاق التجارة الإلكترونية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    المندوبية السامية للتخطيط: دخل الفرد بالمغرب يقارب 29 ألف درهم    السكوري يؤكد فقدان 15 ألف مقاولة خلال ال8 أشهر الأولى من 2025    أطر التعاون الوطني في ال"CDT" يحتجون على تأخر النظام الأساسي    "مراسلون بلا حدود": إسرائيل أسوأ عدو للصحفيين وأكثر دولة قتلا لهم    مقتل 67 صحافياً خلال سنة واحدة    بث تلفزيوني وإعلانات.. عائدات المغرب تقدر ب22.5 مليون دولار من "كان 2025"    دراسة تكشف فوائد الذهاب للنوم في التوقيت نفسه كل ليلة    كيوسك الثلاثاء | عودة "أوبر" إلى المغرب تعيد إحياء النقاش حول اقتصاد المنصات الرقمية    4 قطاعات تستحوذ على 66% من أحجام الاستثمارات الأجنبية في الأدوات المالية    طنجة.. استنفار سكان إقامة بعد انبعاث دخان من مطعم في الطابق الأرضي    الكاف تعلن عن شعار "أسد ASSAD "... تميمة لكأس أمم إفريقيا المغرب    المشروع الاتحادي : إعادة الثقة إلى السياسة وربط المواطنة بالمشاركة الفاعلة    الإدارة تتغوّل... والبلاد تُدار خارج الأحزاب وخارج السياسة    الدورة الرابعة لمهرجان مكناس للمسرح : مكناس خشبة لمسارح العالم    سطات.. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية «نوافذ»    سليلة تارجيست سهام حبان تنال الدكتوراه في القانون بميزة "مشرف جدا" مع توصية بالنشر    مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية    المغرب لن يكون كما نحب    مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل "الباك" تحت رحمة الغشاشين- بقلم حسن بويخف
حسن بويخف
نشر في التجديد يوم 06 - 06 - 2012

إن وطننا العزيز بحاجة إلى خضخضة ثقافية تسقط الكثير من الأمراض الاجتماعية التي لن تفيد فيها القوانين ولا العقوبات الزجرية...
مع قرب امتحانات الباكلوريا تبرز إلى واجهة الأحداث قضية حماية الشهادة الوطنية من الغش الذي يتهددها في مصداقيتها وقيمتها العلمية بين شواهد الأمم، وتعيد المناسبة وقائع إحدى أشهر عملية غش في الباك والتي أسدل الستار عنها في شهر دجنبر الماضي في هيأة الحكم بالمحكمة الابتدائية بعين السبع بالدار البيضاء، بتوزيع أحكام بالسجن وغرامات مالية على طاقم تربوي وإداري تورط في تحرير أجوبة أسئلة خمس مواد من مواد الباك لابن قاض متقاعد. وكاد التلميذ الغشاش أن ينجح لولى نباهة أستاذة في مركز التصحيح عارفة بالمستوى الدراسي لثانويته جعلت نقطته مثيرة للاستغراب في إحدى المواد والتي لم تكن أقل من 17 على 20، والتي لاحظت أيضا الفروق بين خط الأجوبة وخط كتابة الاسم وغير ذلك، وحررت تقريرا في الموضوع لتنطلق عملية الكشف عن المستور وتفتضح العصابة التي باعت دمتها وشرف التدريس بستة ملايين سنتيم !
هذه القصة المقتضبة أثارتها الإجراءات التي أعلن عنها وزير التربية الوطنية لمحاربة الغش في امتحانات الباكلوريا الاثنين الماضي. وهي إجراءات مهمة في حد ذاتها غير أنها لا تقدم حلا لمثل قضية البيضاء المشهورة المشار إليها سابقا، كما لا تقدم مقاربة شاملة لاجتثاث الغش من المؤسسة التعليمية وليس من قاعة الامتحان و شهادة الانتقال فحسب.
فالوزارة قررت وضع آليات، من جهة أولى، لحماية الشهادة الوطنية من الغش على مستوى الوثيقة الرسمية حيث " أن شهادة الباكلوريا ستحمل من الآن فصاعدا ختم ضمانة من أجل تأمينها ضد أية عملية تزوير". و من جهة ثانية، على مستوى قاعة الامتحانات حيث قررت الوزارة منع إدخال الهاتف النقال وكل الوسائل الإلكترونية ذات نفس الاستعمال مع اعتبار كل من ضبطت بحوزته تلك الوسائل يعتبر معنيا بالغش وستطبق عليه المساطر القانونية.
غير أن الغش الذي يتهدد الباك، تماما كما هو الشأن بالرشوة في الإدارات العمومية، بنيوي لا يمكن التساهل معه بل والتطبيع معه في كل الامتحانات والفروض ما دون الباك و نحاول استئصاله في الباك.
فالغش بتزوير الوثيقة ليس في أحد وجوهه سوى عملية تدارك لعدم القدرة على الغش أثناء الامتحان، أما الغش أثناء الامتحان فهو وليد تراكم عبر مختلف مراحل التعليم و تؤطره ثقافة قائمة يشترك فيها ثلاث فاعلين أساسيين هم التلميذ والإطار التربوي والطاقم الإداري.
وفي هذه الثقافة تختلط عوامل منها ما يتعلق بالخوف من انتقام التلميذ الذي أصبح بفعل التطبيع مع الغش يرى أن من حقه الغش ومن واجب المراقب مساعدته أو غض البصر عنه، لذلك فهو يلجأ إلى كل الوسائل المادية منها والمعنوية إلى حد استعمال العنف أو التهديد به حتى أنه أحيانا يذهب الخيال إلى اعتبار الحل في تكليف قوى الأمن والجيش بمهام الحراسة ! ومنها ما يتعلق بالإطار التربوي الذي أصبح في كثير من الحالات يرى أن التغاضي عن الغش شكل من أشكال التضامن مع التلميذ، إن لم يكن بسبب الخوف منه خاصة لدى النساء، وقد يكون ذلك نوعا من الانتقام اللاشعوري من الوضع بتدمير "الملك العام" كما هو سائد في ثقافة المجتمع لدينا، وقد يكون بدافع إثبات الشجاعة والسخاء وغير ذلك من الاعتبارات. ومنها ما يتعلق بالإدارة حيث تتحرك لغة النفوذ و المال وسلطة العلاقات الاجتماعية والسلطوية، وقضية الدار البيضاء تقدم نموذجا لذلك.
إن حالات الغش المعلنة سنويا والتي بقدرة قادر تتراجع كل سنة، لتنتقل من قرابة 600 سنة 2009 إلى قرابة 400 سنة 2011، تخالف الواقع الذي يحكيه الأساتذة الذين يشاركون في حراسة الامتحانات، والذين يؤكدون أن تلك الأرقام المعلنة ليست سوى ما ظهر من "جبل جليد الغش"، وأنها لا تمثل سوى الحالات التي تم التبليغ بها واتخذت فيها إجراءات، أما الحالات التي "هضمتها" ثقافة الغش واستوعبتها آلياتها فلن ترى النور أبدا.
إن الغش الذي نستشعر خطورته في مستوى الباك، لأنه يهدد الشهادة الوطنية بفقدان المصداقية والقيمة العلمية بين شواهد الأمم الأخرى، ليس سوى نتيجة لتنشئة مختلة عبر كل مراحل التعليم، يساهم فيها الإعلام الذي يقدم الغش خيارا مقبولا أو إنجازا بطوليا أو يقدمه مادة للمرح والضحك. كما يساهم فيها النظام الدراسي الذي تفاعلت فيه عوامل اجتماعية وتربوية واقتصادية لتفرز وضعا لا تتكافأ فيه الفرص يتم فيه التطبيع مع الغش ، ويتحول فيه الأستاذ في كثير من الحالات، إلى "تاجر" يبيع حصص دروس التقوية لمن يملك المال، و يتحول باقي التلاميذ إلى أخد حصص الغش والتسلح بفنونه لدخول معركة انتزاع النقطة و"الانتقال". وتتحول فيه المدرسة الحرة إلى وسيلة "للنفخ" في النقط دون استحقاق... كما تساهم فيه أيضا الثقافة السائدة في المجتمع عموما وداخل الأسر والتي لا تجرم الغش حقيقة بل تزكيه وتعتبره أحيانا إنجازا بطوليا.
إن وطننا العزيز بحاجة إلى خضخضة ثقافية تسقط الكثير من الأمراض الاجتماعية التي لن تفيد فيها القوانين ولا العقوبات الزجرية. وإن جهودا متضافرة للمربين و للمجتمع المدني والإعلام والخطباء والوعاظ والفنانين والمثقفين وكل الفاعلين المتدخلين بشكل مباشر وغير مباشر في التنشئة الاجتماعية هي وحدها الكفيلة بتخليص التعليم من آفة الغش وما تسببه تهديد للقيمة العلمية للشواهد والمستويات الدراسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.