دخلت المدرسة المغربية خطها المستقيم لتقييم سنة دراسية، بحلوها ومُرّها.. وفي هذه اللحظة، تكون امتحانات آخر السنة هي «التيرموميتر» الذي بموجبه يتم قياس ما الذي تحقق، وما الذي يحتاج إلى بعض العلاج. وتشكل شهادة الباكالوريا اليوم رهانَ عدد من التلاميذ والأسر التي تعيش لحظات عصيبة من أجل أن يكون ختام الموسم مسكا، وليس شيئا آخر.. تشعر وزارة التربية الوطنية، بكل مكوناتها مركزيا وجهويا ومحليا، بقيمة هذ المحطة، لذلك تسارع الخطو من أجل أن تمرّ محطة الامتحان على الخصوص في أجواء سليمة. وبموازاة الإعداد المادّي، الذي يعترف كل المشتغلين في القطاع بأنه متوفر بشكل جيّد، لا تخلو بعض المحطات هنا وهناك من مشاكل، لعلّ أقواها هو المتعلق بالظاهرة الغريبة عن المدرسة المغربية، والتي اسمها الغشّ. يعيش رجال ونساء التعليم، سواء الذين يتحمّلون مسؤولية الإشراف المباشر أو غير المباشر على سير العمليات، حرباً نفسية رهيبة على امتداد أيام الامتحان.. وكل همّهم هو الخروج من قاعات الإمتحان بأقلّ الخسائر، بعد أن تحولت ظاهرة الغش من الاستثناء لتصبح القاعدة التي يعتبرها الكثيرون السبيلَ إلى النجاح، خصوصا بعد أن دخلت على الخط كلّ التقنيات الممكنة اليوم، من هواتف ذكية و»أي باد» و»أي فون» و»بلوتوت».. وما إلى ذلك. وتتحول بعض قاعات الدّرس إلى ما يشبه قاعة لا سلكية، حيث تصل الأجوبة إلى تليمذ مستعد للغشّ عن طريق هاتفه الذكي. ويبدو أنّ حماس وزارة الوفا اليوم، مع كل الخرجات التي أقدمت عليها وكل القرارات الكبرى التي وضعتها نصب العين، لم تقوَ على الوصول إلى صُلب القضية التي تجعل المدرسة المغربية اليوم بدون مصداقية، حينما تطلع علينا الأخبار بما يحدُث من أساليب غش هنا وهناك، وبكل التقنيات الممكنة.. وصُلب القضية هو أن تبحث الوزارة عن صيغة جديدة لمحاربة ظاهرة الغشّ وإعطاء بعض القيمة لشهادة من حجم الباكالوريا.. الأكيد هو أنّ الوزارة تمطر المؤسّسات ومراكز الامتحان بعدد من المذكرات التي تنبّه إلى خطورة الظاهرة، وتدعو إلى محاربتها بكل الجدية والقوة، لكنّ هذه المذكرات لم تعط كل أكلها. والحصيلة هي أنّ بعض الحجرات تصبح ساحة مواجهات بين الحرّاس والمُمتحَنين في يوم الامتحان. ما الذي يمنع السيد الوفا، الذي يقول في كل محطة إنه مع إصلاح كل اختلالات المدرسة المغربية، من اتخاذ قرار يمكن أن «يشوّش» لا سلكيا على مراكز الامتحان؟.. وقتها، سيجد كل هؤلاء الذين يوظفون «الأي باد» أو»الأي فون» وكل الهواتف الذكية وغير الذكية أنفسَهم في مواجهة الحقيقة. صحيحٌ أنّ الأمر يحتاج الكثير من الإقناع مع كل الفاعلين في قطاع الاتصال، وصحيحٌ أنّ الأمر في حاجة إلى تدخل جهات أكبرَ من محمد الوفا، لكنّ مصداقية النتائج المدرسية هي أكبر من الوزير ومن حكومته.. لذلك يمكن أن تكون هذه الخطوة بداية لجعل المُمتحَن في مواجهة الحقيقة، حقيقة أن يكون مبدأ الامتحانات، بكل أصنافها، هو تكافؤ فرص المُمتحَنين. تملك الدولة كلّ السلط لتفعيل هذه العملية، رغم أنّ خسائرها المادية ستكون مهمّة، لكنها خسائر لا توازي كل هذه الخسائر التي تخلّفها امتحانات آخر السنة، التي تصبح علامتها الكبرى هي الغشّ بكل الطرّق وكل الأساليب، خصوصا أنّ بعض الدول المجاورة جرّبتها وكانت نتائجها جيدة، حيث قطعت الطريق على كل الذين يُحولون محطة الامتحانات، خصوصا ما يتعلق بشهادة الباكالوريا، إلى سوق كبير يُحرّكه الغشّ والتدليس. لقد حان الوقت للنظر في طريقة تدبير شهادة الباكالوريا.. وحان الوقت لكي تستعيد هذه الشهادة هيبتها، وأول الطرق المؤدية إلى هذا الحلم، الذي يراود الأسر، كما يراود كل المشتغلين في قطاع التربية والتعليم، هي محاربة الغشّ والتدليس يوم الامتحان. لكنْ، قبل هذا اليوم، هناك أيضا ضرورة لإعادة النظر في ما يعرف بنقط المراقبة المُستمرّة، والتي حولها البعض إلى أسلوب للكسب والرّبح السّريع!.. ولم يعُد اليوم سرا أنّ عددا من رجال ونساء التعليم يفرضون على تلامذتهم ساعات إضافية بمقابل، فقط لكي يضمن التلميذ معدّلا أو نقطة عالية، قد لا يستحقّها. والخلاصة هي أنّ إصلاح هذه الشهادة يمكن أن ينطلق من تعديل بعضِ ضوابطها، ومن محاربة الغشّ في يوم امتحانها. وقتها، يمكن أن تصفّق الأسر للسيد الوزير لأنه سيكون قد وضع اليد على واحد من مَواطن داء المدرسة المغربية، التي أضحت الهواتف الذكية هي التي يتحكّم فيها.