هم عندنا فئة لابأس بها في المطلق، رغم تواضع كتلتها في الواقع، قياسا إلى التاريخ والديموغرافيا، وبالنظر إلى ما ينبغي أن يكون، ويشكل قراء المقاهي شريحة محترمة منهم، رغم أن كثيرا من هؤلاء غير جدير بالاحترام، لا في شخصه وإنما في مسلكه الذي قد لا يخلو من رعونة أحيانا. لا داعي إلى التوقف عند مدى قانونية قراءة الجرائد بالمجان أو عرضها على العموم دون مقابل، مادامت هناك ألف طريقة للالتفاف على القانون وتبرير خرْقِ بعض بنوده غير القابلة للتطبيق والمراقبة اللصيقة. يكفي أن يحصل بعضُ التواطؤ بين الشركاء كي لا ترى العين ولا يوجَع القلب. الجرائد في حاجة إلى مبيعات قارة والمقاهي تبحث عن زبناء إضافيين. ولأن قانون السوق له مخالب وأنياب فنصف خسارة أجدى من خسارة كاملة. ونظرا لكون سياسة المقاهي ببلادنا في تنامٍ لا يَعرف الكلل، مع ما يقتضيه قانون المنافسة من تقديم الخدمات والعروض، وبما أن الجرائد سلعة وخدمة، فإنه لا مجال للتدقيق في التفاصيل. المسألة لحد الآن عادية أو تكاد، والخطأ ليس في الجرائد ولا المقاهي إنه في القراء، بل في بعضهم على وجه التحديد. لقد صار مألوفا لدينا اكتظاظ المقاهي آناء النهار والليل، وكأن أيام الله كلها عطل وأعياد، كما صار مألوفا أيضا أن ينحشر المدخنون وسط الجموع ليعلنوا حقهم في تلويث الفضاءات الخاصة والعامة، وإشراك الجميع، رغم الأنوف، في وليمة الدخان، وتلك حكاية أخرى. أما قراء الجرائد العامة ضمن هذه الحشود فطامة عظمى. بعضهم تستهويه الكلمات المتقاطعة والمسهّمة- ولاجناح عليه- لولا أنه يتخذ من الجريدة ملكية خاصة فيراجع فيها أميته لساعات وكأنها اقتنيتْ خصيصا له، وهذا أمر مستهجن ومرفوض. حتى أن بعض أرباب المقاهي صاروا يشطبون على الشبكات بأقلام قاتمة أو يبترونها تماما من الصفحات دون أن يفلحوا في تلقين الدروس لمن لا يتعلمون من الدروس أصلا. بعض القراء يستحوذ، في لؤم، على أكبر عدد ممكن من الجرائد، ينفث دخانه وأنانيته فيها، فلا هو يقرأها ولا هو يترك الآخرين يقرأون..والأنكى أن بعض القراء قد يصنف ضمن خانة» المثقفين»، الذين يعيدون إنتاج «أخلاق العوام». الحكاية المختلة ذاتها تتكرر حيث الشخوص البليدة والحوار الأطرش واللغة الرديئة والأمكنة التي لا تسر الناظرين ولا أحد منا يفلح في كسر دائرة» البداوة «المتمثل في القول والفعل. ونحن هنا لا نبغي إلقاء المواعظ على أحد، ولو أننا نلقي اللوم على الجميع. كما أننا لا ننتظر من مقالة ركيكة- أو بليغة حتى- أن تهذب سلوك قراء لا يقرأون ولا يتركون من يقرأ. فالعطب بالغ والغمة نافذة. فقط نريد الهمس في آذان رواد المقاهي بأن الجرائد في الأمكنة العمومية خدمة عمومية، حين توضع رهن إشارة الجميع للتصفح السريع لا للاستحواذ البليد. * كاتب