مجلس الحكومة.. هذه هي الأسماء التي تمّ تعيينها في مناصب عليا    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    تراجع طفيف لأسعار النفط وسط توقعات بتحسن الاقتصاد الصيني    "ناسا" تعلن أن مركبة فضائية تابعة لها "آمنة" بعد اقترابها من الشمس    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    ملاحقة هوليودية لسيارة تقل الأشخاص بالتطبيقات الذكية تتسبب في اعتقال ثلاثة سائقي طاكسيات    كيوسك الجمعة | المغرب يغطي 96 بالمائة من الطلب على الكهرباء بالإنتاج المحلي    "باغيين نظموا كأس العالم" بمسؤولين مثل الخليع.. غضب بسبب الفوضى في حركة القطارات وتأخر الموظفين عن عملهم كل يوم    الوزير بركة يستقبل مورو لتسريع مشاريع البنيات التحتية بجهة الشمال    الحسيمة: غاز البوتان يرسل 6 أشخاص إلى المستشفى    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    70 مفقودا في غرق قارب مهاجرين    نواب كوريا يعزلون رئيس البلاد المؤقت    وهبي يقدم عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    مجلس الحكومة يصادق على قائمة الرخص الاستثنائية التي يستفيد منها القضاة    الحكومة تحدد شروط منح تعويض لمؤطري التكوين المستمر بوزارة التعليم    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بتحديد مبالغ الحد الأدنى القانوني للأجر    تونس.. هجوم بسكين على عنصر أمن نفذه شقيق مشتبه به في قضايا إرهاب    ثلوج وقطرات مطرية في توقعات طقس الجمعة    روبوت مزود بقدرات شحن ينضم إلى المهمة الصينية للهبوط على القمر    مباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية    بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    الثورة السورية والحكم العطائية..    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة في معترك الصّراع بين القوى الدولية
غدت مركزا لجواسيس «الحلفاء» وتجاذبَها السوفيات والأمريكان وظلت مطمع إسبانيا وفرنسا
نشر في المساء يوم 22 - 04 - 2013

رغم أنّ التاريخ المتداوَل بشأن الفترة الدولية في طنجة يحصرها في 33 سنة، بين سنة 1923، تاريخ توقيع اتفاقية باريس، وسنة 1956، تاريخ استقلال المغرب عن الاستعمارَين الفرنسي والإسباني،
فإنّ جذور الصراع حول المدينة وامتداد وضعها الخاص يرجع إلى ما قبل ذلك بفترة طويلة، فمعظم الدول الاستعمارية آنذاك كانت تحاول أن تضع لها موطئ قدم في المدينة الإستراتيجية، وأبرِمتْ بشأن ذلك العديدُ من المعاهدات والاتفاقيات الثنائية والجماعية. فمنذ مطلع القرن العشرين، توالت الاتفاقيات التي صبغت المدينة بمنطق التوافق بين القوى العالمية الرئيسية، رغم أنّ التوتر كاد يشعل فتيل المواجهة بينها مرارا..
وكان أول اتفاق في هذا الصدد هو الذي وقعته فرنسا وإنجلترا سنة 1904، بهدف بسط السيطرة المشتركة بينهما على المدينة، وهو ما لم يرُقْ باقي القوى الكبرى، التي حاولت تغيير هذا الواقع الجديد، عبر الزيارات المتكرّرة لعدد من كبار القادة الأوربيين، كانت أبرزَها زيارة الإمبراطور الألماني غيوم الثاني للمدينة في شهر أبريل من سنة 1905.
وتجلت المطامع الأوربية في المغرب عموما، وفي طنجة على وجه الخصوص، في مؤتمر الجزيرة الخضراء، الذي انعقد سنة 1906، بمشاركة 12 دولة أوربية، وحضور الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت، لكنّ المؤتمر لم ينتهِ إلى نتيجة في ما يخصّ وضع المدينة، وظلت طنجة على حالها كذلك بعد توقيع معاهدة الحماية الفرنسية والإسبانية سنة 1912، والتي قسّمت المغرب بين البلدين، فاحتلت فرنسا وسط المغرب، وسيطرت إسبانيا على شماله وصحرائه، بينما ظلت منطقة طنجة فضاء دوليا غيرَ تابع لأي طرف.
وتنافست الدول العظمى في تكثير عدد مواطنيها في منطقة طنجة، كوسيلة من وسائل كسب النفوذ وتعزيز موقعها في المدينة الإستراتيجية، حتى صارت تحتضن أكبرَ عدد من المستوطنين الأجانب بين المدن المغربية، بل وتعدّى الأمر استجلاب المواطنين الأجانب إلى إعلان إدخال مواطنين مغاربة تحت حماية بعض الدول.. فمنحت إيطاليا، مثلا، حمايتها ل30 أسرة يهودية في طنجة، وشملت الولايات المتحدة بحمايتها 100 أسرة مغربية، فيما تجاوز ممثل بريطانيا ذلك إلى مدّ حمايته على قرى كاملة في ضواحي طنجة، حيث كان يمارس هواية الصيد..
بلغ الصّراع حول طنجة بين فرنسا وإسبانيا وإنجلترا أشدّه في سنة 1912، وظهر أنه ليس من السهل مد الجسور بين مختلف الأطراف المتصارعة، ففرنسا اعتبرت المنطقة جزءا من المغرب وينبغي أن تظل تابعة لسيادة السلطان، أي تحت حمايتها، واعتبرت إسبانيا أنّ طنجة امتداد لمنطقة نفوذها في الشمال، بينما أصرّت بريطانيا على تدويل المنطقة.
واستمر التضارب في وجهات النظر واحتدام التنافس بين الدول الثلاث وغيرها في طنجة لعشر سنوات أخرى، كانت الفوضى الإدارية والقضائية هي السائدة خلالها في المنطقة، فيما تزايد استقرار الأشخاص ورؤوس الأموال الأجنبية فيها، إلى أن قرّرت القوى العالمية الجلوس -مرة أخرى- إلى طاولة المفاوضات من أجل الخروج من «الباب المسدود»، لتصل بعد سلسلة طويلة من المؤتمرات إلى توقيع اتفاقية تدويل المدينة، في متم سنة 1923، وهي الاتفاقية التي نظمت الإدارة الدولية للمنطقة بصورة نهائية..
لكنّ لاعبَيْن جديدين دخلا على خط الصّراع حول المدينة، رغم دخول النظام الدولي حيز التنفيذ، حيث رفضت الولايات المتحدة الأمريكية التنازل عن نظام الامتيازات الذي كان معمولا به قبل الاتفاقية، واستمر تمنعها إلى ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما اعتبر موسوليني، ديكتاتور إيطاليا الفاشي، أنّ المكانة التي خُصّصت لإيطاليا في الإدارة الدولية لطنجة لا تستجيب لطموحات سياسته المتوسطية النشيطة، وطالب بأنْ تكون إيطاليا ممثلة في النظام الجديد على قدم المساواة مع فرنسا وإسبانيا.
وانعكس موقف إيطاليا والولايات المتحدة على إدارة طنجة خلال تلك الفترة، حيث شهدت نوعا من الازدواجية في التسيير، باستمرار العمل بنظام الامتيازات القديم بالموازاة مع المؤسسات الجديدة، ولم يتم الخروج من هذا الوضع إلا بتعديل الاتفاقية، مرة أخرى، سنة 1928، بينما ظلت الولايات المتحدة ترقب الوضع دون الانخراط فيه فعليا.
وبدا لفترة من الزمن أنّ الاتفاق يُرضي المطامح الاستعمارية لجميع الأطراف، لكنّ إسبانيا كانت ما تزال تنتظر الفرصة الموالية لتحقيق حلمها التقليدي ببسط نفوذها الكامل على المدينة، ولاحت هذه الفرصة أمام فرانكو مباشرة بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وانشغال القوى العالمية بالمعارك الطاحنة، فرسَتْ قواته في طنجة، متذرّعاً بضرورة المحافظة على حيادها، ونصّب فيها حاكما إسبانيا للسيطرة على إدارتها، بعد حل جميع المؤسسات الدولية، واستمرّ الوضع على هذا الحال طيلة سنوات الحرب العالمية الثانية..
في هذا السياق يؤكد عدد من المؤرخين الذي اهتمّوا بتاريخ طنجة خلال النصف الأول من القرن العشرين أنّ مرحلة الاستعمار الإسباني كانت الأسوأ على المدينة، كما أنّ الفترات التي كانت تتولى فيها إسبانيا الرئاسة الدورية للإدارة الدولية لطنجة كانت تتسم بالسّوء نفسه..
مباشرة بعد وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، التفتت الأطراف الدولية إلى طنجة مجددا، وألزمت قوات فرانكو بالانسحاب منها في صيف سنة 1945، لتعرف هذه المرحلة انخراط للولايات المتحدة الأمريكية الفعليَّ في تسيير شؤون المدينة، وهو الأمر الذي جرّ القطب الشرقي من الكرة الأرضية إلى التدخل -بدوره- في طنجة، حيث شارك الاتحاد السوفياتي في المؤتمر الذي عُقد في باريس بعد انتهاء الحرب، وتم إدخال تعديلات على نظام تسيير المدينة بالشكل الذي يسمح لقطبَي العالم آنذاك بالمشاركة في إدارتها.
جاء انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى تسيير مدينة البوغاز نتيجة تشكل قناعة جديدة لدى واشنطن بضرورة السّيطرة على الجزء الغربي من البحر المتوسط، خصوصا أنّ الجالية الأمريكية في طنجة أصبحت تحتلّ مركزا مُهمّاً، بعدما كانت قليلة نسبيا بالمقارنة مع الجاليات الأجنبية الأخرى قبل اندلاع الحرب.
ولم تكتفِ الولايات المتحدة بالمشاركة في تسيير المدينة، بل عملت على إنشاء ثلاث محطات لا سلكية في ضواحيها، يشتغل فيها عدد كبير من الموظفين المدنيين والعسكريين، زيادة على أعضاء السلك الدبلوماسي وأعداد متزايدة من رجال الأعمال، واستعملت المحطات لأغراض إعلامية وعسكرية، وفي أعمال التجسس..
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أنّ احتلال الجنرال فرانكو لطنجة خلال الحرب العالمية الثانية كان بأمر من الزّعيم النازي هتلر، رغبة من هذا الأخير في مراقبة المضيق والتمكن في الوقت نفسِه من توفير مركز للاستخبارات في هذه المدينة، والتي تحولت إلى «جنة» للجواسيس الإيطاليين والألمان والأعوان النازيين والمتعاونين معهم من قادة نظام فرانكو..
جعلت هذه المعطيات الاتحادَ السوفياتي يرفض عودة إسبانيا للمساهمة في الإدارة الدولية لطنجة، وفرض في نصّ معاهدة عودة الحكم الدولي لسنة 1945 فقرة تتحدّث عن تحفظه على ذلك، جاء فيها: «يأبى الوفد السوفياتي إلا أن يؤكد أنه لا يحيد عن التشبث بوجهة نظره المُعبَّر عنها من قبل، ويعتقد بموجبها أنّ مساهمة إسبانيا في الهيئات الإدارية لمنطقة طنجة لا يمكن قبولها إلا إذا تم إقرار نظام ديمقراطيّ في إسبانيا مكان نظام الجنرال فرانكو الذي لم يتحقق إلا بمساهمة دول المحور»..
لم تهدأ الصّراعات والتجاذبات حول طنجة طيلة فترة الحكم الدولي، والتي انتهت مع إعلان استقلال المغرب سنة 1956، لتبدأ مرحلة جديدة كان عنوانها صراع داخليّ حول وضع طنجة بعد عودتها إلى الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.