اعتبر الدكتور جامع بيضا، مدير مؤسسة أرشيف المغرب، أنّ وطأة النظام الدولي المُعتمَد في طنجة إبان فترة الاستعمار كان أقلَّ وطأة من نظام الحماية في باقي ربوع المملكة، وقدّم بعضا من صور الازدهار الذي عرفته المدينة، وسبقها في عدد من الميادين خلال تلك الفترة، كما شرح أسباب التهافت الدولي على إيجاد موطئ قدم فيها. - كيف كانت أوضاع المواطنين المغاربة خلال الفترة الدولية داخل منطقة طنجة؟ لا يمكن فهم الأوضاع العامّة للمغاربة خلال الفترة الدولية لمنطقة طنجة إلا بالرجوع إلى التحولات الكبرى التي شهدتها مدينة البوغاز في القرن التاسع عشر ومستهلّ القرن العشرين. ففي واقع الأمر، كانت هذه الحاضرة «دولية» قبل أن تخضع للنظام الدّولي، ذلك أن احتضانها مقرّات المفوضيات الأجنبية المُعتمَدة في المغرب قد جعلها تستقطب جاليات من أجناس عديدة ومختلفة، من أوربا وأمريكا، مع ما يعنيه هذا الأمر من تأثيرات جلية في العمران وفي الحياة الاقتصادية والتجارية والثقافية والدينية.. وما كان للمغاربة أن يظلوا زمنا طويلا في معزل عن تلك التحولات جميعا، ففي تلك المدينة، اكتشفوا الصحافة -أو الجوازيط بمصطلح ذلك العصر- كما وقفوا على تعدّد اللغات والعادات والشعائر الدينية.. فقد لا يعلم القارئ الكريم، أن الشهب الاصطناعية، على سبيل المثال لا الحصر، أطلِقت في سماء طنجة في يناير 1888، احتفاء بذكرى تربّع البابا ليون الثالث عشر على عرش الفاتيكان.. كما قد لا يعلم القارئ الكريم أن مدينة طنجة عرفت اقتراح أول مشروع في المغرب سنة 1908، وهو ذلك المشروع الذي نُشِرت فصول منه في جريدة «لسان المغرب»، التي كان يُصْدرها آنئذ في طنجة شاميان مارونيان هما فرج الله نمور وأرتور نمور.. هذه الخلفية التاريخية ضرورية، إذن، لفهم مصير المدينة وأهلها من المغاربة في ظل النظام الدولي المفروض عليها بموجب اتفاقية 1923، والتي دخلت حيّزَ التطبيق سنة 1925 . وطبعا، في ظل النظام الجديد، الذي قنّن الموروث التاريخي، لم تكن هنالك قطيعة مع الماضي، خاصة في ما يتعلق بحياة الأهالي. - هل يمكن القول إنّ النظام الدولي كان أسوأ من الاستعمار أو نظام الحماية؟ من حيث المبدأ، إنّ الاستعمار ملة واحدة.. ولكن واقع الأمر يجعل الباحث يُقرّ بأنّ وطأة النظام الدولي على المغاربة كانت أقلَّ شدة مما كانت عليه الأحوال في كل من المنطقتين الخليفية، الواقعة تحت الاحتلال الإسباني، والسلطانية، الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي. - لماذا كل هذا التهافت على مدينة طنجة من طرف القوى العالمية خلال تلك الفترة؟ أسباب التهافت على طنجة قديمة، ولعلّ القرب الجغرافي من أوربا يأتي في مقدمتها.. وعلاوة على ذلك، فقد كان المخزن حريصا على ألا تقيم المفوضيات الأجنبية في العاصمتين التقليديتين، مراكش وفاس، تفاديا لضغوطها كلما كانت هناك أزمة بين الطرفين. وجاء مؤتمر مدريد سنة 1880 فكرّس هذا الواقع، ثم تلاه مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، فازدادت قيمة طنجة في عيون الأجانب ك«مرصد» يراقبون منه تطورات البلاد والعباد في الإيالة الشريفة. وبموازاة ذلك يسعى كل طرف أجنبي إلى ترجيح كفة مصالحه في خضمّ ما كان يُنعت في ذلك ب«المسألة المغربية». وباتفاقية 1923، أعيد ترتيب الأدوار بين تلك الدول في ضوء المُستجَدّات المحلية والدولية لفترة ما بعد الحرب العالمية الأولى. - ما الذي كانت تمثله منطقة طنجة بالنسبة إلى الحركة الوطنية، في شقيْها السياسي والمُسلح؟ استطاعت الحركة الوطنية أن تستغلّ الخلافات القائمة بين القوى الغربية لتجعل من طنجة قاعدة خلفية لأنشطتها في كل من المنطقتين السلطانية والخليفية. وقد برز ذلك بجلاء غداة الحرب العالمية الثانية، عندما مرّت الحركة الوطنية من مرحلة المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة الصّريحة بالاستقلال. وقد ساهمت في ذلك، أيضا، حالة الضعف التي أصبحت عليها فرنسا، التي تعرّضت للاحتلال والإهانة في عقر ديارها.. كما ساهم في هذا التطور دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى المنطقة وبحثها عن مَوطئ قدم على حساب القوى الاستعمارية التقليدية.. إنها عناصر تضافرت جميعا لتمنح الحركة الوطنية منبرا كانت في أمسّ الحاجة إليه للدفاع عن القضية المغربية على الصعيد الدولي. ولعلّ زيارة السلطان سيدي محمد لطنجة في أبريل 1947 تمثل أحسن إشارة إلى هذا التوجّه.