حقا إن مغرب اليوم مغرب عجيب! لقد كان الوطنيون المغاربة، هم أول من دعا الشعب المغربي للاحتفال بعيد العرش... وتناول الكتاب والمفكرون هذا الموضوع بغيرة وحماس... ولعل أول مقال وضح فيه المغزى الوطني والسياسي لتأسيس عيد العرش تحديا للاستعمار الذي فرق وحدة المغرب ، هو ما كتب إذ ذاك بتوقيع : أبو الفداء الشيخ محمد مكي الناصري، عن عيد العرش، في جريدة الحياة التي كانت أول جريدة بمدينة تطوان يكتب فيها أدباء من الشمال والجنوب، وذلك يوم 19 نونبر عام 1934. ويسرنا أن نقتطف من مقال أبو الفداء ما كتبه في تلك الفترة عن عيد العرش. حقا إن مغرب اليوم مغرب عجيب! مغرب اليوم مغرب مفكك الأجزاء، مقطع الأوصال... مغرب اليوم أصبح عدة مغاربة... وإلا فلماذا هذه الحدود الفاصلة بين منطقة وأخرى، ولماذا الجمارك والجوازات المتعددة داخل المملكة هنا وهناك، ولماذا هذه الإدارات المختلفة، ولماذا هذه التشريعات المتباينة، ولماذا هذه السياسات المتناقضة... ولماذا ولماذا..؟؟ في المغرب اليوم ثلاث مناطق معروفة، كل واحدة منها مستقلة عن الأخرى إداريا، وقضائيا وتشريعيا، وعسكريا، وماليا، واقتصاديا، وفي المنطقة السلطانية وحدها توجد 12 منطقة، يكاد بعضها يستقل عن المناطق الأخرى استقلالا تاما، عملا بالمبدأ الاستعماري الروماني القديم : فرق تسد. نعم كل هذا واقع، وحاضر المملكة سيئ، ومستقبلها مجهول، ولكن بقي مع ذلك شيء عظيم، وجامعة كبرى تجمع المغاربة من أقصى البلاد إلى أقصاها. لقد بقي العرش المغربي قائم الدعائم ! وكفى به ضمانة أدبية وتراثا خالدا ! العرش المغربي قائم، يمثله جلالة الملك في المنطقة السلطانية، ويمثله سمو خليفته المفوض العام في المنطقة الخليفية، ويمثله سعادة مندوبه في المنطقة الطنجية. العرش المغربي يمثل سلطته الدينية، رجال الشريعة والقضاء الإسلامي، ويمثل سلطته الزمنية، رجال الأحكام السلطانية من باشوات وقواد، وعمال، وأشياخ، ممن يفصلون بين مواطنيهم في مناطق المغرب، إلى جانب المحاكم الإسبانية، والمحاكم الفرنسية، والمحاكم الدولية القائمة في مختلف المناطق. العرش المغربي هو الضامن الوحيد للجنسية المغربية الموحدة التي لا تزال محفوظة لجميع المغاربة في كافة المناطق، معترف لهم بها إلى اليوم. العرش المغربي هو الحارس الأمين للأرض المغربية التي لا تزال من الوجهة القانونية والدولية، منفصلة عن الأراضي الأوربية، غير ملحقة بها، ولا معدودة من مقاطعتها. العرش المغربي هو عماد الدولة المغربية التي لا تزال قائمة معترفا بوجودها في عالم السياسة والقانون. العرش المغربي هو حامي الراية القومية الحمراء التي لا تزال مرفرفة فوق مباني الإدارات والمؤسسات العامة. ولولا أن العرش المغربي موجود، لانمحت الجنسية المغربية من الوجود، ولأصبح مغاربة كل منطقة مندمجين في جنسية الأجانب المسيطرين أو المشرفين عليها. ولولا بقاء العرش المغربي في عالم القانون والحقيقة، لأصبح المغرب مستعمرة من المستعمرات الأجنبية، ولما كانت له حكومة تعتبر حكومة محمية، ولسقط من قائمة الدول اسم الدولة المغربية، ولمنع المغرب من عقد المعاهدات وتقديم الاحتجاجات الدولية ولألغيت الوزارة السلطانية والوزارة الخليفية، ولأقفلت المحاكم الشرعية والمحاكم المخزنية، ولما بقي في بلادنا أي أثر من آثار السلطات الوطنية، ولما هنالك حاجة إلى إصدار الأحكام باسم جلالة السلطان داخل المحاكم الأجنبية في المملكة المغربية، ولمزقت من بين رايات الأمم رايتنا القومية. لهذا كله، كان العرش المغربي في نظرنا هو حارس القومية المغربية، وحافظها من الانحلال والاندماج في غيرها من القوميات، ولهذا وغيره، كان العرش المغربي عنوانه الحيوية المغربية، وعماد السلطة الوطنية، ورمز الوحدة القومية، دينيا، ومدنيا، ودوليا. مجلة "دعوة الحق" العدد 278