هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإشعاع النضالي للزعيم علال الفاسي بتطوان
نشر في العلم يوم 14 - 09 - 2010

مداخلة القاها بمقر حزب الاستقلال الأستاذ محمد الحبيب الخراز عضو المجلس الوطني للحزب ، بمناسبة شهر المعظم ، والاحتفالات بذكرى مرور مائة سنة لميلاد علال الفاسي .
متانة الارتباط النضالي لعلال الفاسي بمدبنة تطوان ظل قويا ومستمرا ومتواصلا ، جسدته العلاقة الأخوية والوطنية مع ثلة من أصدقائه .
ونشأت هذه العلاقة مبكرا عن طريق الكراسي الدراسية بجامعة القرويين بفاس في رحلات علمية متواصلة من أبناء شمال المغرب، إذ كانت مدينة فاس وجهتهم وقبلتهم ، ومن لم يدرس بفاس فليس بعالم .فعاصر الأستاذ علال الفاسي ضمن مجموعة من الطلبة الواردين على صروح العلم والمعرفة بالديار الفاسية ، منهم الأستاذ عبد الخالق الطريس والفقيه الطنجي والفقيه اطنانة ومحمد داود والقائمة طويلة .
وكان علال الفاسي كما هو معروف عنه منذ شبابه مهتما بما يجري بمحيط المغرب داخليا وخارجيا ، ويشهد له التاريخ النبوغ المبكر، والضمير اليقظ ، والغيرة الوطنية العارمة ، التي ملأت كيانه ، وغمرت إحساسه ، وقادت فكره ليحمل هموم بلده ومصير وطنه ، وهو يرى هذا المغرب الذي يبسط فيه الاستعمار بكلكليه على حدوده الجغرافية الموزعة بين الشمال والجنوب ومنطقة النفوذ الدولي بطنجة التي صارت تتصارع فيها الأطماع الاستعمارية ، وتتوزع عنها خرائط التقسيم لتفتيت العالم العربي من جهة ، والأوروبي من جهة أخرى .فدخل المعترك النضالي السياسي وهو في الثامنة عشرة من عمره، " وهو لصغر سنه معدود في صف الشباب ولكنك إذا جلست إليه وتحدثت معه ، لم تتأخر لحظة في الحكم بأنه ليس له من الشباب إلا سنه ، ونشاطه، وإقدامه، أما العقل والرزانة وأصالة الرأي، فكل ذلك قد فاق فيه كثيرا من كبار الشيوخ المجربين " هكذا قال في حقه الأستاذ محمد داود مؤرخ تطوان في العدد الأول من مجلة " السلام " التي صدرت بتطوان سنة 1933.
في فورة الشباب العارمة يقوم بتأسيس " جمعية سرية "في سنة 1928 م، الغرض منها كما يقول علال الفاسي مقاومة الاستعمار ومحاربته بوسائل النشر والدعاية كما ورد في أول رسالة له الى داود بتاريخ22 نونبر 1928، وخطط لها برنامج عمل، ووفر لها من الأطر الوطنية ما يكفي ، منها: عبد القادر التازي، ومحمدالحسن الوزاني، الحسن بوعياد، والعربي بوعياد، واحمد بوعياد، ومحمد الديوري وادريس برادة ،واحمد مكوار، وعمر بن عبد الجليل، وعبد السلام بنونة، ومحمد داود، ومحمد غازي." وأعطي لكل منهم، اسما رمزيا من أجل تضليل الاستعمار وأذنابه ، حفاظا على مصير أعضائه
لم يكن علال الفاسي على دراية ومخالطة مع المرحومين الحاج عبد السلام بنونة وأخيه الحاج محمد وهما من القيادين البارزين في الحركة الوطنية بتطوان ، فأراد علال الفاسي أن يخبر مسارهما الوطني في مجال كتمان السر بشأن هذا التنظيم الجديد ليضيفهما الى قائمة أعضائه ، ولذلك استفسر عنهما الأستاذ محمد داود في رسالة وجهها اليه :" أرجوك أن تخبرنا عن الأخوين محمد وعبد السلام من وجهة كتمان السر ولا بد " وألح علال الفاسي عندما لم يصله أي جواب من الفقيه داود ، على معرفة شأنهما فكتب الى داود بتاريخ 15 يناير 1929بعد شهر تقريبا على الرسالة الأولى قائلا :" غير أنني أريد منك الإفصاح التام عن ما سألتك عنه من قبل ،وهو كتمان الأخوين بنونين، ولا يخفاك أن مانحن بصدده يحتاج لكل رؤية واختيار، ونحن لم نخالطهما مخالطة تمكننا من معرفة مقدار كتمانهما لما يبثه أخو السرار؟ فعرفنا بذاك ولا بد . وثق باخلاصي وودادي ."
وهذا التنظيم السري الذي سمي فيما بعد" بالزاوية " يظهر لأول مرة في تاريخ المغرب العربي لمقاومة الاستعمار، انطلاقا من برنامجه المؤسس على الدعاية والنشر لإضعاف مخططاته ومؤامراته الاستعمارية. ويعطي إشارة قوية تبدد كل الشكوك والتشكيك في أن الحركة الوطنية بالمغرب حينما قامت كانت حركة واحدة بين الشمال والجنوب ، تحرى علال الفاسي أن تكون كذلك موحدة ، ومنسجمة ، ومتلاقية ، ومتواصلة، خدم فيها البريد الإنجليزي بتطوان دورا كبيرا في تبليغ الرسائل بين هذا التنظيم السري وبين أعضائه ، ولذلك ألح علال الفاسي في رسالة 22 نونبر 1929مخاطبا داود بقوله " اكتب لي عاجلا في هذا بواسطة البريد الانجليزي ص.ب عدد4 ."، كما أن اللقاءات المباشرة كانت عاملا آخر في تقوية عمل التنظيم .
التنظيم السري بتطوان كان المخاطب الوحيد بشأنه هو الفقيه محمد داود، المحرك الديناميكي الى جانب الحاج عبد السلام بنونة، ولذلك تعرض محمد داود لبعض التأنيب من طرف علال الفاسي كلما تأخر في الكتابة اليه، أو عن الجواب على المعطيات المطلوبة،
ونجد أن الحركة الوطنية بتطوان احتدت حذو التنظيم السري بالجنوب، فأنشأت هيأة سرية برموز اسمية مستعارة لأشخاصها، نشرها الأستاذ التهامي الوزاني يتفصيل في مذكراته، والأستاذ محمد عزوزحكيم في كتابه " اب الوطنية "
ولما كانت اسبانيا الملكية تغلي بمشاكل اقتصادية وسياسية، ومطالب نقابية ، وتنتشر فيها الأفكار الجديدة الداعية الى تغيير مفهوم السلطة التي يجب أن تكون قوية، ومنفتحة، ومتحررة، ومتشبعة بالفكر الحر، تطرد العنف، والإقصاء، والقصر، والإبعاد ،في أحلك فترة من معاناة الشعب الاسباني مع الحملات الدكتاتورية المتعسفة التي قادها الجنرال " بريمو دي الريبيرا" الرجل الحديدي الأول الذي كان يحكم اسبانيا كرئيس لوزرائها في أواخر عهد الملك كارلوس الثالث عشر الذي عجز عن مقاومة الغضب الشعبي، ولما تنازل | بريمو " عن رئاسة الوزارة، وأجريت انتخابات بلدية يومي 12 و13 ابريل 1931 أعطت الغلبة للحزب الجمهوري ، حينها غادر الملك كارلوس الثالث عشر العرش الإسباني مفضلا النفي الاختياري بفرنسا . و أعلنت الجمهورية الاسبانية يوم 14 ابريل 1931.
ولما سار الخبر بتطوان نظم الاسبانيون في نفس اليوم مظاهرة مؤيدة لقيام الجمهورية الاسبانية رفعوا فيها العلم الاسباني، وأعقبتها مظاهرة يوم 5 ماي 1931 التي تعد أول مظاهرة توجه ضد الاستعمار من طرف العمال المغاربة بتطوان انضمت اليها شرائح أخرى مدنية للمطالبة بتسوية المنافع والأجور مع العمال الاسبانيين ووصلت في موكب كبير الى المقيمية العامة التي تولى رئاستها المقيم الجمهوري الخنرال " سانخورخو "
وكان علال الفاسي يتتبع هذه التطورات المستجدة على الساحة الاسبانية ، ورأى فيها مكاسب للمغرب إذا استغلت المناسبة ، فسارع بالكتابة إلى الحاج عبد السلام بنونة بتاريخ 22 ابريل 1931 من بين فقراتها :" لقد علمتم بلا شك خبر انقلاب الحالة الحكمية في بلاد اسبانيا إلى شكل جمهوري وتولى زامورا الذي كان محكوما عليه بالإعدام رئيسا للحكومة المؤقتة ، وانتم تعلمون أن زامورا هو رئيس حزب المعارضة للحكومة القديمة ، وهو الذي طالما جاهر بوجوب إخلاء اسبانيا من المغرب إبان الحرب الريفية ، وقد تساءلت إحدى كبريات الصحف الانكليزية هل سينفذ هذا الحزب وقد أصبح له الأمر فكرته الجلائية عن البلاد أم سيظل في مركزه الاستعماري ؟." وورد في فقرة أخري من الرسالة:" نرى في هذا الانتقال فرصة عظيمة قد يستفيد منها المغرب إذا جاهد إباؤه فوائد جليلة لأننا نعلم أن الأحزاب تكون متشددة في تنفيذ مبادئها أول ما تؤسس وأن كل الهيآت تتطرف في التمسك بتنفيذ أفكارها في أوائل وجودها، ... وفي نقلة أخرى يقول : فلا نستبعد أن يحصل المغرب على أي نفع ولو كان قليلا إن لم يكن من الجهة السياسية ، فمن الناحية العلمية والأدبية، لهذا أو ذاك فإننا باتفاق نقترح على سعادتكم أن تشكلوا هيئة من أفاضل منطقتكم تذهب إلى مدريد حيث ترفع تهانيها الخالصة للحكومة الجديدة وتقدم للرئيس عريضة ممضاة من قبلكم مشتملة على أهم المطالب التي ترون المنطقة في حاجة ماسة إليها سواء من الناحية العلمية وخصوصا الحالة الشخصية، أم من ناحية تحسين الحكم بها وإيجاد حكومة مسؤولة . ويضيف علال الفاسي ثم يجب على هذا الوفد أن يبين في شيئ من الشيطنة خطر إتباع سياسة الأم الحنون في إشارة إلى فرنسا وما تقوم به من الأدوار السيئة لإضعاف اسبانيا وإفساد سمعتها ..
ويختم علال الفاسي هذه الرسالة الموجهة إلى عبد السلام بنونة قائلا :"
وبما أن حزب زامورا هو الذي كان يطالب بالجلاء عن المغرب فيجب أن يعمل الوفد على أخذ تصريح من الوزارة يبين أن موقف اسبانيا في المغرب ليس استعماريا ، وانه لضرورة حماية الشواطئ من فرنسا ، وأن وجودها هنا يزول بزوال هذه العلة . أما نحن من جهتنا فإننا سنعضدكم برسالة للوزارة تؤيد مطالبكم وتشرح موادها مع الاستماع لما أشرت به في الموضوع ، ولا ينبغي أن يتطرق إليكم فتور في هذه المسألة فإن انتهاز الفرص واجب والمحاولة اذا لم تنفع لم تضر ويكفي ما يحصل للأم الحنون من التشويش بإعلان هذه المحاولة . أما إذا نجحت فذلك حمى التيفوس على أكبادهم ان شاء الله ."
وما هي إلا مدة قصيرة حتى بعث علال الفاسي إلى تطوان المرحوم احمد بلافريج لتتبع الاقتراح ، واستقبله كما يقول الطيب بنونة في كتابه نضالنا القومي صفحة 215"( التحق احمد بلافريج فعلا بتطوان، واستقبله الحاج عبد السلام بنونة في سيارته بسبتة ليلا وأتى به إلى تطوان، وأنزله في بيته، وفرحت الجماعة بمقدمه، وبقي يومين في مذاكرات طويلة مع اللجنة التي كانت حررت عريضة المطالب قبل قدومه، وقد أدخلت تعديلات بناء على نصائحه واقتراحاته وتم بمحضره تحرير المطالب التي حملها الوفد الوطني إلى مدريد."
ان علاقة علال الفاسي بتطوان كما نرى كانت مبكرة، وتبدد كل الشكوك التي كانت تدعي بأن هذه العلاقة كانت بعد تأسيس حزب الاصلاح الوطني.
واشتدت هذه العلاقة في رحاب الفكر والأدب محورها مجلة " السلام " التي أصدرها الفقيه محمد داود في مارس 1933، وتعد أول مجلة وطنية ظهرت في سماء المغرب ، ووجدت إقبالا وحماسا من القراء المغاربة، واحتضنت الكثير من الأقلام الوقتية ، مشرقا ومغربا، ورسخت للفكر النضالي وللثقافة الثورية لمناهضة الاستعمار، وحولها علال الفاسي شاعر الشباب آنذاك إلى معركة نضالية بطلها القلم وسهامه، الى جانب ثلة من الأساتذة المفكرين امثال: عبد الخالق الطريس، ومحمد بنونة،والحسن بوعياد واحمد بلافريج، ومحمد المهدي الحجوي، وغيرهم، فكانت فيها الأبحاث والدراسات والقصائد الشعرية، التي تلهم الوجدان، وتلهب حماس القلوب، وتنبه من سنة السكر، والكسل.
في مجلة " السلام " تفتقت عبقرية علال الشاعرية ، فانساق قلمه يخط أبيات الأشجان والنيران والأحزان والحرمان والولهان، إنها شجرة ميلاد لثورة أدبية، ناقدة ومنتقدة، قادها علال الفاسي من مدينة تطوان دفاعا عن وطنه، مولها من حال شعبه الحزين، يبكي عليه في كل وقت وحين، يذود عنه، ويحمي حماه ، ويتطلع لحياة مغرب حر، كيف يريده؟. ولما توقفت " السلام " اضطراريا بعد منع الحماية الفرنسية من دخولها الى المنطقة السلطانية بأمر عسكري.حين علا شأنها، وارتفع سهمها، وانتشر صيتها، خاف منها الاستعمار كما لا يخاف من قوة السلاح الضاري. سلمت المشعل لمجلة " المغرب الجديد " التي أصدرها الشيخ محمد المكي الناصري في يونيه 1935، كامتداد لمعركة القلم، ومنها واصل علال الفاسي نشر مقالاته الادبية ،وقصائده الشعرية الملتهبة ، التهاب سنه الباكر، حماسا، وعشقا وحبا لوطنه. والمتتبع لأعداد ها يدرك سر هذا التوجه الفكري النضالي القائم على حماية السلفية المغربية وتجديد منهجها، والدفاع عن اللغة العربية في مواجهة الظهير البربري، والتغني بفروسية المغاربة وجهادهم، وإحياء تاريخ مغرب الأمجاد.
في 21 غشت سنة 1933 زار تطوان الأستاذ علال الفاسي وحل ضيفا على صديقه محمد داود الذي زار علال الفاسي بفاس سنة 1930 للتنسيق مع أعضاء الهيأة الوطنية، ومع رفقائه في " القرويين"، وحظي علال من العناية والتقدير ما لم تحظ به شخصية أخرى، واجتمع عليه من أهل العلم والوطنية عدد وفير، وكانت أول مأدبة غذاء أقيمت على شرفه بمنزل رفيقه عبد الخالق الطريس تعدت مائة شخص، يوم 23 غشت وكتب عنها الطريس في مذكراته" أقمت مأدبة غذاء تكريما للأخ سيدي علال الفاسي واستدعيت لها نحو مائة شخص كان من بينهم الإخوان العاملون بالقصر الكبير ، والعرائش وشفشاون .
وفي المساء أقامت جمعية الطالب المغربية حفلة استقبال على شرف ضيفنا العزيز فكانت حفلة قل نظيرها "
هذه الزيارة أثارت شكوك الاستعمار الاسباني في مبناها ومحتواها ، ولم تستطع عيون الجاسوسية أن تصل إلى تفسيرها ، إذ أحيطت بكتمان شديد، ولكن كثرة الوفود لتي تعاقبت على تطوان لتحية علال الفاسي والسلام عليه والاجتماع به من مختلف مناطق الشمال جعلت اسبانيا تشعر بخطورة هذه اللقاءات المتكررة ، فعزمت على اتخاذ قرار أشار إليه عبد الخالق الطريس في نهاية مذكرته ليوم 25 غشت 1933 قائلا :" علمت في آخرالنهار أن سيدي علال الفاسي ذهب صحبة الفقيه محمد داود إلى سبتة من أجل التفسح وعندما أراد العودة إلى تطوان منع سيدي علال من الدخول الى المنطقة من طرف الشرطة الاسبانية بمركز الحدود بالفنيدق،وذ لك بالرغم من أن سيدي علال يتوفر على جواز يحمل تأشيرة القنصل الاسباني بفاس يخول له حق الدخول الى منطقتنا، وقد اضطر كل من سيدي علال والفقيه داود للرجوع الى سبتة ."
وفي مفكرته ليوم 26 غشت يقول الطريس:" للاطلاع على حقيقة منع سيدي علال الفاسي من العودة الى تطوان أمس، ذهبت إلى سبتة حيث أخبرني رئيس الشرطة بأن الإقامة العامة هي التي أصدرت الأمر بالمنع ، وعندئذ توجه سيدي علال وداود إلى الجزيرة الخضراء ومنها الى طنجة".
وقد ترتب عن هذا المنع احتجاج شديد من الهيأة الوطنية التي عقدت اجتماعا مستعجلا ترأسه الأستاذ الطريس وكتب عنه في مفكرته ليوم 27 غشت ما يالي :" اجتمعت الهيأة الوطنية لبحث قضية منع سيدي علال الفاسي من العودة الى تطوان ،واتفقنا على رفع الاحتجاج إلى رئيس الحكومة الاسبانية لأن الأمر نفذ من طرف الشرطة التابعة لمدينة سبتة لامن طرف شرطة الحماية ."
" وقد حررت البرقية بالاسبانية ووقعها معي كل من سيدي التهامي الوزاني والحاج عبدالسلام بنونة ومحمد المصمودي كما وجهت رسائل الى كل من الأخ ميمون مختار ورافولس وبرايباربمدريد.
وفحوى الرسالة "الحمد لله وحده تطوان 6 شتمبر 1933.
حضرة صاحب الفخامة السيد ضون اخوان موليس (وقد كان مقيما عاما لاسبانيا بتطوان)
فإن الموقعين أسفل هذا المكتوب يحتجون من صميم قلوبهم على منع شاعر الشباب السيد علال الفاسي من الدخول للمنطقة المشمولة بالنفوذ الاسباني رغم مغربيته وحمله لجوازه المؤشر عليه من قنصل اسبانيا بفاس.
وإننا يا صاحب الفخامة نتألم كل الألم لمنع المغربي مند خول بلاده ونرى في هذا الحادث وأمثاله كقضية إخراج الأستاذ الكبير المكي الناصري من المنطقة ما من شأنه أن يفسد العلاقة بين الاسبانيين والمغاربة تلك العلاقة التي نحن في مقدمة من يحرص على تمتينها وتقويتها .ونرجو ألا يتكرر حادث من هذا النوع وأن تتقبلوا صادق تحياتنا وأخلص تمنياتنا:
الامضاءات " الطريس المصمودي الوزاني بنونة.
وقد نشر بتفصيل الأستاذ محمد داود في العدد الخامس من مجلة " السلام " هذه القضية وأفرد لها فسحة مهمة في مجلته محتجا على المعاملة الاسبانية اتجاه علال الفاسي من الدخول الى وطنه."
يتبع
وعاد الفقيه محمد داود إلى تطوان ،بعدما ودع الأستاذ علال الفاسي الذي توجه الى طنجة، ثم عاد الى الجزيرة الخضراء في انتظار أن يعود إلى تطوان ، ولكن القرار الاسباني بالمنع كان نهائيا ، ولما أثر ت رطوبة الهواء بالجزيرة الخضراء على صحة علال الفاسي كتب رسالة إلى الأستاذ داود يوم فاتح شتمبر1933 ورد فيها:"
عزيزي داود: لا يكون الأخ سيدي ج عبد السلام إلا أطلعك على الرسالة التي كتبتها له، ولا أظن إلا أن الجواب عنها في الطريق. أما هذه الرسالة فإني أرجوك أن توجهها إلى الأخ بلافريج لأني لم أذكر عنوانه الذي تركه بفاس والذي أطلب أن توجهه إلي هو وما يحتاج اليه من عناوين الإخوان.
أنا مشتاق إليكم كثيرا ، ومنتظر القرار النهائي قي مصيري، لأن هواء الجزيرة رطب ما أظن أنه يوافقني، وحتى إذا كان الإخوان لا يزالون مماطلين بعد في الأمر، فالذي يظهر أن أذهب إلى الأسكوريال حيث أنعم (على الأقل) بمطالعة الكتب والاستفادة من أسفارها القيمة، فما رأيكم؟
سلامي ورفيقي لكل أصدقائنا المخلصين مع شكري وامتناني لشخصكم المحبوب.
1 شتمبر 1933 محمد علال الفاسي، وبهامش الرسالة التاريخ الهجري 11 جمادى الأولى 52.
وفي كتاب الحركات الاستقلالية في المغرب العربي كتب علال الفاسي عن هذا الحادث قائلا: في اوخر غشت 1933 سافرت لطنجة ثم لتطوان، فأقامت لي الكتلة الوطنية بشمال المغرب حفلة تكريم خطب فيها صديقنا الأستاذ عبد الخالق الطريس، وصديقنا الحاج محمد بنونة وغيرهما من رجال الوطنية، ثم ارتجلت كلمة شرحت فيها الغاية من حركتنا وأنها تحرير البلاد والوصول بها للاستقلال عن طريق التقدم، وبينت لهم أن المرحلة الأولى التي نسير فيها منذ الساعة من جهة الإصلاح الداخلي للشعب هي الاهتمام بتأسيس أمور ثلاثة وتحقيقها، وهي المدرسة والمعمل والصحيفة."
ويقول في فقرة أخرى:" لم يعجب الولاة الاسبانيون أن اتناولهم بالنقد في خطابي، كما تناولت الفرنسيين، ولم يسرهم أن أقف في تطوان لأعلن وحدة الغاية التي يعمل لها وطنيو الشمال ووطنيو الجنوب متآخين متضامنين، ولذلك فقد أصحبوني ثلاثة من رجال البوليس السري الاسبانيين الذين كانوا ملازمين لي ملازمة الظل ، وبعد ثلاثة ايام سافرت صحبة الأخ داود لزيارة قصيرة لمدينة سبتة على أمل العودة لتطوان ومنها لطنجة حيث أرجع لاستئناف دروسي في القرويين، ولكني لما حاولت الرجوع في اليوم نفسه وجدت أمرا لدى رجال الجمارك الذين ابلغوني أن الإقامة العامة الاسبانية منعتني من الدخول لمنطقة حمايتها."
" وهكذا عدنا لسبتة ثم سافرنا إلى الجزيرة الخضراء، ومنها في الباخرة إلى طنجة، وما وصلت إلى هذه المدينة حتى رأيت أحد أصدقائنا الفاسيين يقترب مني ويبلغني رسالة كلفه بحملها من فاس زملائي الوطنيون"
" قرأت الرسالة وإذا بها نبأ يقول: إن الكتلة استطاعت أن تتصل بنص برقية وردت من باريس تأذن في إلقاء القبض على ، ووضعي تحت المراقبة بجهة تختارها الإقامة العامة ، وأن الكتلة اجتمعت ورأت أن اعتقالي سيؤدي لا محالة إلى مظاهرات واصطدامات عنيفة لا ترى من المصلحة وقوعها في الوقت الحاضر ، ولذلك طلب مني السفر إلى باريس ريثما يتغير الموقف ، وفي صباح الغد غادرت طنجة إلى جبل طارق ، ومنها إلى اسبانيا . حيث التحق بي في مدريد صديقنا المرحوم الحاج عبد السلام بنونة واخوه الحاج محمد ، وكونا هناك وفدا قام بعدة اتصالات في الأوساط الاسبانية ، وعقد عدة اجتماعات مع نخبة من المفكرين الاسبانيين ، في نادي ( الأثينيو) بمدريد لشرح الحالة العامة في المغرب ، وتبيين أغلاط السياسة الاسبانية ، ثم رفعت مذكرة للمكتب المغربي في رئاسة الوزارة الاسبانية أحتج فيها على موقف اسبانيا في قضيتي ، وعلى التغطرس الذي أظهره المقيم العام السنيور موليس الذي رد لإخواننا بتطوان برقية احتجاج موجهة إليه ، وقد قررت الحكومة الاسبانية بعد ذلك إعفاء موليس والسماح لي بدخول المنطقة ."
ومن هذا الكلام يتضح أن مؤامرة إبعاد علال الفاسي من تطوان وعدم السماح له بالدخول الي المنطقة الخليفية تم بتواطؤ مع فرنسا لتشديد الخناق على تحركاته ، وإلقاء القبض عليه كما تريد فرنسا من خلال برقيتها إلى المقيم العام الفرنسي..
وبقي علال الفاسي شهورا بمدريد ووطد علاقات متينة مع رجال اسبانيا ومفكريها ، وكان تردده على مكتبة الاسكوريال عاملا آخر في تقوية نسيجه السياسي والأدبي والمعرفي .
وفي شهر دجنبر1933 سافر صحبةالحاج محمد بنونة إلى جنيف ، والتقيا هناك مع الأمير شكيب ارسلان، و بشأن هذه الزيارة كتب الأمير إلى عبد السلام بنونة بتاريخ 6 دجنبر من نفس السنة يقول له فيها :" تفضل بزيارتنا هذه المدة الأستاذ النابغة السيد علال الفاسي وكان لنا بلقائه سرور وأي سرور ورأينا ه فوق ما كنا نسمع عنه وسنمسكه عندنا هذه المدة .
ولقد كان الزعيم علال الفاسي منفتحا على أصدقائه يتبادل معهم الرسائل تلو الأخرى في قضايا وطنية ، ومصيرية ، يستجلي منهم الأخبار ، ويستشيرهم في أمور أخرى ، ويبلغهم هو الآخر بما يجري داخل كتلة العمل الوطني من نقاشات ، وما يتخذ فيها من قرارات ، فكانت رسائل متبادلة بينه وبين الأستاذ داود نشرت في كتاب ،( الرسائل المتبادلة بين علال الفاسي ومحمد داود) و أخرى نشرها الأستاذ علال الفاسي في الحركات الاستقلالية مع مجموعة أخرى من الاخوان ، امثال عبد الخالق الطريس ، والطيب بنونة ، والمهدي بنونة ، ومحمد داود وغير هم كثير في مذكراتهم .
وكانت " جريدة الحياة " التي أسسها الطريس في 5 مرس 1934 فسحة كبيرة لينشر فيها علال الفاسي المزيد من الأفكار ، والنظريات ، والمقالات السياسية ،كان قلم علال الفاسي فيها ، قويا بثقل معرفي، شعري، أدبي، سياسي، فعد من الصحافيين الأوائل في المغرب، منطلقه مدينة تطوان.
ولقد كان الزعيم علال الفاسي منفتحا على أصدقائه يتبادل معهم الرسائل تلو الأخرى في قضايا وطنية، ومصيرية، يستجلي منهم الأخبار، ويستشيرهم في أمور أخرى، ويبلغهم هو الآخر بما يجري داخل كتلة العمل الوطني من نقاشات ، وما يتخذ فيها من قرارات ، فكانت رسائل متبادلة بينه وبين الأستاذ داود نشرت في كتاب ، و أخرى نشرها الأستاذ علال الفاسي في الحركات الاستقلالية مع مجموعة أخرى من الاخوان، وهكذا،
. ورغم نفي علال الفاسي إلى الكابون في سنة 1934، فإنه ظل ملتصقا بتطوان ييتبع أخبار المغرب بواسطتها، وحتى عند تأسيس مكتب المغرب العربي كان ملازما للطريس، والمهدي بنونة ، وامحمد بن عبود ، وغيرهم كثيرا، تقوى كل ذلك بعد حالات النفي من دخول علال الفاسي إلى الجنوب ، وعبد الخالق الطريس إلى الشمال والتي أسفرت عن الحوادث الدامية التي وقعت بتطوان يوم 8 فبراير 1948 وسقط فيه الشهيد عبد اللطيف المدوري وعبد السلام البوفراحي ، في ساحة الشرف ، وجرح فيها الكثير من الضحايا، وتم فيها اعتقال أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاصلاح الوطني.
فكانت طنجة ملجأ لهؤلاء القادة علال الفاسي وعبد الخالق الطريس ، والمكي الناصري، والحسن الوزاني، وفيها تأسست الجبهة القومية المغربية التي وحدت الأحزاب في النهج السياسي المستقبلي لتحرير المغرب سنة 1948. وبعد تأسيس مكتب المغرب العربي وعقد مؤتمره بالقاهرة في 15 فبراير 1947.
ان ميثاق طنجة هذا زاد في تقوية الصلات بين حزب الاصلاح والوطني وحزب الاستقلال أظهر للخصوم السياسيين في الداخل والخارج هما حزبان متناسقان في الأهداف والغايات، ولم تستطع اسبانيا وفرنسا معا تقويض صرحهما السياسي الوحدوي ، وقد اهتمت جريدة لومند بهذا الالتئام بين الحزبين في أول سابقة سياسية في تاريخ المغرب العربي والإفريقي، فأجرت استجوابا مع عبد الخالق الطريس بتاريخ الاربعاء 20 يناير 1954 ، طرحت فيه سؤالا على الطريس جاء فيه : ( يظهر أن حزبكم يتمتع في المنطقة الاسبانية من المغرب بحرية العمل ، فما هي الوسائل التي تباشرون بها نشاطكم؟ وما هي الفروق الموجودة بين حزبكم و"حزب الاستقلال المغربي ؟ فأجاب الطريس في معرض الشق الثاني من السؤال" : بأن أهدافنا الأساسية واضحة: أولا = عودة صاحب الجلالة محمد الخامس إلى وطنه وعرشه، ثانيا = استقلال المغرب ، ثالثا وحدة المغرب، وهذه الأهداف هي أيضا أهداف " حزب الاستقلال" الذي لا يفرقنا عنه أي خلال جوهري، ومن الحق أن لكل من الحزبين وجهة نظره الخاصة، بخصوص بعض القضايا الثانوية، غير أن هذا الخلاف لا يصح إلا في الأحوال العادية، أما الآن فإن المغرب وحزب الاستقلال يمران بمرحلة صعبة جدا، وهذا هو السبب في كوننا نقدم له عوننا المجرد عن كل تحفظ ، كما نعبر له عن عطفنا الأخوي و"ميثاق طنجة " يلزمنا بذلك التعضيد "
وقد جاء هذا التصريح اثر المهرجان الخطير الذي نظم بملعب سانية الرمل بتطوان بتاريخ الخميس 21 يناير 1954 وبحضور عبد الخالق الطريس وأنصار حزب الإصلاح الوطني وفعاليات أقاليم الشمال ، ترأسه المقيم العام الاسباني الخنرال ضور كرسيا فالينيو والذي أعلن فيه في خطاب مفتوح تضامن اسبانيا مع الملك محمد الخامس ، ومعارضتها للسياسة الفرنسية بشأن نفيه عن وطنه وعرشه ، وتسلم من نائب الصدر الأعظم للخليفة السلطاني عريضة موقعة بإمضاء أربعمائة وثلاثين نسمة من كبار رجال الحكومة الخليفية والقادة والمفكرين والشرفاء والأعيان بإعلان تضامنهم مع الملك الشرعي، وعدم اعترافهم بابن عرفة . فأحدث هذا التصريح حالة الغضب الفرنسي ضد اسبانيا ، وكان هذا اليوم الحد الفاصل في المقاطعة السياسية الفرنسية الاسبانية إلى أن استقل المغرب .
الغرض من هذا أن الدوائر الاستعمارية الفرنسية بالمغرب حاولت بلبلة الرأي العام المغربي والدولي بشأن تضامن اسبانيا مع محمد الخامس ، واستنكارها لتعيين محمد ابن عرفة سلطانا، فنسبت لعلال الفاسي تصريحات أدلى بها لراديو المغرب ، فتصدى لها علال الفاسي بالنفي القاطع من ذلك ما ورد على لسانه من بيان الحقيقة تحت عنوان ( علال الفاسي يكذب مذاييع البهتان بواسطة برقية مستعجلة الى راديو " المغرب " جاء فيها :( نسب لي " راديو المغرب " أنني صرحت تعليقا على مظاهرة تطوان متهما اسبانيا بمحاولة تكسير الوحدة المغربية نهائيا ، وإنني أكذب تكذيبا قطعيا ما نسب إلى وأؤكد أنني لم أصرح بأي تصريح ولم أعلق أي تعليق في هذا المعنى " وقد نشرت جريدة " الأمة " هذا التكذيب في الصفحة الأولى من عدد 134 بتاريخ30 يناير 1954 ، وعلق علال الفاسي فيما بعد على التصريح الإسباني " بأن ما أظهره الاسبانيون في المغرب قد أحدث تقاربا عربيا اسبانيا يقوم على قاعدة متينة من التفاهم المتبادل "
ولما انتقمت فرنسا من حزب الاستقلال بإغلاق مقره وفروعه ، وتعطيل صحفه في أكبر نكبة سياسية، صار الاستقلاليون إما مبعدين او منفيين عن الوطن ، وإما معتقلين في السجون ، أو معدومين ، تحولت جريدة " الأمة " إلى تغطية المحاكمات ، والأعمال الفدائية ، ومن حين لأخر كان علال الفاسي يغطي فيها بعض الأخبار ، والتعليقات ، والتصريحات بوصفه زعيما لحزب الاستقلال .من ذلك البلاغ الذي نشرته جريدة " الأمة " بتاريخ فاتح يونيه 1954 في صفحتها الأولى بما يالي " بلغنا ان السيد محمد الزغاري يجري في المغرب وفي فرنسا ، مخابرات مع الحكومة الفرنسية مدعيا موافقة حزب الاستقلال ، ونحن نعلن بأنه ليس للسيد محمد الزغاري أي حق في إجراء مفاوضة باسم الحزب، كما نعلن معارضتنا التامة لكل مخابرة ترمي إلى جعل السيادة المغربية سيادة مزدوجة" علال الفاسي .
وظلت اخبار علال الفاسي لصيقة بالصحافة الوطنية بتطوان خاصة الحرية والريف ثم الأمة. تنشر نشاطه بالقاهرة ، ولبنان ، وسوريا ، و نشاطه بطنجة ، وتنقلاته عبر فرنسا ، واسبانيا التي ظل مرتبطا بها،.
وكان حدث ادماج حزب الاصلاح في حزب الاستقلال تاريخيا، توج بصدور بلاغ مشترك بمدينة طنجة بتاريخ الاحد 5 شعبان 1375 18 مارس 1956 ورد فيه :" بعد المذاكرات التي جرت في المدة الأخيرة بين اللجنة المركزية لحزب الإصلاح الوطني وبين اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال،والتي استعرضت فيها التطورات التي طرأت على سير القضية المغربية اتفق الكل على ضرورة توحيد جهود جميع المواطنين لجعل الاستقلال المعترف به حقيقة واقعية وتوطيد دعائم الوحدة الترابية للبلاد في ظل صاحب الجلالة سيدي محمد الخامس نصره الله ، وبناء على ذلك وعلى ما بين الحزبين من تاريخ مشترك في الكفاح الوطني وبعد استشارة المسؤولين في الحزبين قرر أن يندمجا في بعضهما ويصبحا حزبا واحدا يحمل اسم " حزب الاستقلال". وفي الخطاب التاريخي الذي القاه علال الفاسي بملعب " مارشان " بطنجة يوم18 مارس 1956في عشرات الألوف من المواطنين والمواطنات أشار إلى هذا الإدماج بقوله " ( لذلك وحبا في تحقيق ، وحدة العقيدة الوطنية فإنني أزف إليكم أيها الاخوان بالنبأ العظيم إلى ما توصل إليه رجالكم العاملون وهو توحيد جزب الإصلاح وحزب الاستقلال ، وإنه ليسعدني وأخي الزعيم الكبير الأستاذ عبد الخالق الطريس الموجود معنا أن أوافيكم بجزء بسيط من التاريخ الذي لا تجهلونه وهو أن حزب الإصلاح وحزب الاستقلال ما كانا في يوم واحد ، مختلفين ولكنهما كانا دائما في صعيد واحد ، وفي مبادئ واحدة ، ، ولقد بدأت الحركة الوطنية يوم بدأت باسم كتلة العمل الوطني. وكانت تضم كتلة العمل الوطني جميع الرجال الذين أسسوا حزب الإصلاح ، وجميع الرجال الذين أسسوا حزب الاستقلال ، ولكن ظروفا أجنبية خارجة عن إرادتنا جعلتنا نقبل أن يعمل كل واحد منا في استقلال نوعي إلى أن تأتى الوقت الذي نرجع فيه إلي الحقيقة الوطنية وهي التوحيد."
في 7 ابريل 1956 حمل الملك الرحل المجاهد محمد الخامس بشرى استقلال المغرب بعد عودته الأخيرة من مدريد، فكانت تطوان بهذه الحظوة الكبيرة عاصمة للمغرب يزف منها أكبر حدث في تاريخ العالم العربي والاسلامي، حدث الاستقلال، برهنت فيه عن فرحتها العارمة بالاستقبال المنقطع النظير الذي خصص لمالكها، ولوفائها بعرشه، وجهاد المغرب كله لتحقيق النصر، والوحدة ،والحرية. وتشاء الأقدار أن تكون تطوان في لحظة وجود ملكها المحبوب محمد الخامس بين أحضانها، يحل علال الفاسي ضيفا على تطوان في عهد الاستقلال يوم الأربعاء 28 شعبان عام 1375 الموافق ل 12 ابريل 1956 فخصصت له جماهير المدينة أكبر استقبال للأبطال اذ خرج سكانها بكاملهم تستقبله ، حتى رفعت سيارته على الأكتاف اعترافا بنضاله وجهاده الوطني، وعد هذا اليوم يوم وحدة وطنية عارمة جمعت قادة شمال المغرب بجنوبه ،وفي مقدمتهم محمد الخامس وأنجاله الكرام ، وأعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، احمد بلافريج ، وعمر بن عبد الجليل ، ومحمد غازي ، وابوبكر القادري ، والمهدي بن بركة ، ومحمد بوستة ،مدير جريدة " الاستقلال " ورئيس تحرير العلم قاسم الزهيري ، وغيرهم .وأقام بها أياما من شهر رمضان الأبرك ، حدث فيها في مساجد تطوان ، وحاضر بنادي الحزب ، واتصل في جولة عبر المدينة بمختلف شرائحها ، يتواصل معهم بالتحية والسلام ، وظل شهر رمضان من كل سنة، سنة حميدة لعلال الفاسي يحضر فيها الى تطوان ، عالما ، وخطيبا ، ومحدثا، ومشرفا على كل نشاط حزبي وشبابي ، وتشهد هذه القاعة التي نجتمع فيها اليوم مئات الأحداث السياسية التي مرت فيها ، من اجتماعات حزبية وطنية ، وندوات علمية ، وفكرية ، وأدبية، ولقاءات مستمرة ، ومتواصلة لأعضاء الحزب وخلاياه تغطي الأنشطة السياسية والفكرية ، والرياضية ، والدينية ، والموسيقية التي تنظم بمناسبة هذا الشهر الفاضل ، و في الشأن الديني واظب علال الفاسي على إلقاء درس ديني بمسجد سيدي عبد الله الحاج ، او المسجد الأعظم ، في قضايا العصر وارتباطها بالإسلام ، وفي فرع الحزب كان يحاضر عن المستجدات ، والأبعاد السياسية المغربية ، محللا ، ومنتقدا ، وموجها ، ومطرا للشباب ، وارتباطه في هذا مع الأطر الاستقلالية كان خاصا ، وملحوظا ، فقد وزع العشرات والعشرات من الجوائز الهامة ، في الشطرنج ، في الرياضة ، في الأدب ، مما يطول ذكره أيضا .
لم يغب علال الفاسي عن تطوان ، وكم يكون سعيدا للحضور كلما ترأس نشاطا ، او اجتماعا
حياته هنا ظلت من نعومة شبابه إلى وفاته رحمه الله .
هي إشارات فقط لمحطات نضالية طويلة، كان علال الفاسي بطلا من أبطالها ، وطنيا ، ومربيا ، وسياسيا ، وعالما ، وزعيما . وقد حظيت تطوان بالزعامات السياسية ، فيها عبد السلام بنونة ، وعبد الخالق الطريس ، وعلال الفاسي ، والمكي الناصري ، والأمير شكيب ارسلان وغيرهم ، مما يجسد المكانة العالية لهذه المدينة المجاهدة .التي ارتبطت بهم ، وارتبطوا بها وأولهم علال الفاسي .رحمه الله رحمة المؤمنين الصادقين ، والشهداء الأبرار .
والسلام عليكم ورحمة الله .
تطوان في خامس عشر رمضان 1431
26 غشت 2010-08-26
محمد الحبيب الخراز
عضو المجلس الوطني للحزب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.