نم قرير العين مع الزعيم علال الفاسي فقد واصل رفاق دربكم النضالي وتلامذتكم في حزب الاستقلال المسيرة بكل تفان وإخلاص احتضنت مدينة القنيطرة مساء يوم الجمعة الماضي حدثا بارزا واستثنائيا لم يكن مقتصرا على تنظيم التجمع الجماهيري الاستقلالي الحاشد، بل كان حدثا وازنا من حيث الموضوع حيث كان يتعلق بتخليد الذكرى الأربعين لوفاة زعيم الوحدة عبد الخالق الطريس، مجاهد ومناضل ورجل دولة حقيقي مد جسور الوحدة الحقيقية بين المقاومة من الشمال إلى الجنوب وقاد النضال السياسي بعد الاستقلال، وحينما تقرر قيادة حزب الاستقلال تنظيم هذا الحدث بعاصمة الغرب الشراردة فإن دلالة الحدث سياسيا تكون بارزة. جماهير استقلالية وغير استقلالية حجت إلى قاعة البلدية بمدينة القنيطرة التي لم تتسع للحشود، وكان أن اكتظ الفضاء المجاور لها، حضور بارز لشخصيات سياسية من توجهات كثيرة، وحضور متميز لعائلة زعيم الوحدة تقدمتها كريمته الفاضلة كنزة الطريس، ووسط هذه الأجواء المؤثرة فعلا ترأس الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي مهرجانا خطابيا حاشدا، وكان لحضور الأستاذ عبد الكريم غلاب عضو مجلس الرئاسة دلالة خاصة. تخليد الذكرى تميز بالخطاب الشامل والوازن الذي ألقاه الأمين العام للحزب والذي ربط فيه بين خصال الزعيم الطريس وبين الدلالات البليغة التي زخرت بها جميع الأحداث التي كان الطريس وراءها خصوصا اعلان قرار الوحدة التاريخي. ونجح الأخ شيبة ماء العينين في تأجيج مشاعر الحاضرين بإلقائه قصيدة شعرية بالمناسبة جد مؤثرة، وتلاه الأخ رضوان حدادو الذي اختار أن يسلط الأضواء الكاشفة عن نضال الزعيم الطريس من أجل استقلال مدينتي سبتة ومليلية والثغور التابعة لهما. بيد أن الأخ لحسن بنساسي تطرق في مداخلة قيمة إلى نضال زعيم الطريس في المؤسسة التشريعية، قبل أن يختتم مفتش الحزب بالإقليم الأخ محمد حمور اللقاء بكلمة شكر باسم مناضلات ومناضلي الحزب بالإقليم. وفي الختام أشرف الأمين العام للحزب على تسليم الجوائز على الفائزين في المسابقات الرياضية التي نظمت بالمناسبة. نص كلمة الأمين العام والتدخلات الأخرى في الصفحتين... أيتها السيدات؛ أيها السادة؛ يسعدنا أن نخلد اليوم وللمرة الثانية بمدينة القنيطرة المناضلة، ذكرى وفاة زعيم الوحدة الأستاذ المجاهد المرحوم عبد الخالق الطريس، وفاء منا لما كان يمثله من قيم نبيلة، وتقديرا لما بذله من جهد نضالي صادق في سبيل تحرير الوطن، وإكبارا لمواقفه التاريخية وتضحياته الجسام من أجل الدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية لبلدنا. لقد كان زعيم الوحدة أحد الرواد الشباب المجاهدين، الذين قيضهم الله لوطننا في بداية القرن الماضي، في فترة من أحلك وأعقد فترات تاريخنا المعاصر، ليرسموا معالم طريق إنهاض الأمة من كبوتها، وبعث روح العزة والكرامة لدى الأفراد والجماعات للانتفاض في وجه المحتل، فشكلوا بسلوكهم ومواقفهم ثلة من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، الأمر الذي يجعل تخليد ذكراهم بالنسبة لنا محطات تأمل واستحضار لما ينبغي أن تستخلصه الأجيال المتوالية من دروس عميقة الدلالة، من سيرهم ومواقفهم، بغية النسج على منوالهم لتثبيت الخطى على النهج القويم الذي درجوا عليه بثقة وصمود رغم التيارات المعاكسة، حتى حققوا لوطننا الحرية والاستقلال، ودشنوا مسار النضال الديمقراطي والتنموي. كان محط تقدير وإكبار كل من عايشوه وواكبوا مساره أيتها السيدات؛ أيها السادة؛ لقد عرف الأستاذ بين رفاق دربه النضالي بدماثة الأخلاق، إذ كان سموحا عطوفا، كريما، متواضعا في هيبة، ومرحا بشوشا، متسامحا مع أصدقائه وخصومه على السواء، بسماحة العظيم المترفع عن الضغائن، فهو الذي يصف الرجل العظيم بقوله: «قلب العظيم أضيق من أن يسع الحقد، وأوسع من أن يضيق عن الحلم، وقد تسخر منه الأيام وتعظه التجارب، فلا يزداد إلا تسامحا، ولو كان يرى الناس على خلاف صورته لانعدمت صفات العظمة منه». وقد جسد هذه المعاني طيلة مساره النضالي، فما حاد عن تلك الصفات الحميدة، رغم تقلبات الظروف المساعدة والمعاكسة، فكان محط تقدير وإكبار كل من عايشوه وواكبوا مساره الغني بالعطاء، منذ أن كان طالبا، ورئيسا لجمعية الطالب المغربي، وزعيما لحزب الإصلاح، ومديرا للمعهد الحر، ومديرا لإدارة الأحباس، ومؤطرا أساسيا للجناح الشمالي للحركة الوطنية. وقد مكنته مميزاته الأخلاقية وملكاته الفكرية من ربط علاقات واسعة مع رجالات الفكر التحرري داخل الوطن وخارجه، وخاصة بالعالم العربي الإسلامي، وفي مقدمتهم الأمير »شكيب أرسلان« ، وعيا منه بما تتطلبه مواجهة أوضاع البلاد من تعبئة الجهود الصادقة لإذكاء الروح الوطنية ، وإشاعة الوعي بضرورة التصدي لمخططات المستعمر على أكثر من واجهة. ولذا تجاوزت اهتماماته الدفاع عن وطنه المغرب ، لتعانق قضايا الأقطار المغاربية وأمته العربية والإسلامية، حيث أسهم في تأسيس جمعية الدفاع عن القضية المغربية بالقاهرة، وكذا جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بباريس. وقد كان مقتنعا بأن الكفاح التحرري جزء من الدفاع عن حقوق الإنسان، فكان من أوائل المدافعين عن حقوق الإنسان في وطننا، إذ كان له إيمان قوي بضرورة تمتع المواطن بحقوقه كاملة في مفهومها الشامل، الأمر الذي يتطلب خلق آليات للتأطير والتوعية والدفاع وإشاعة الوعي بذلك لدى الأفراد والجماعات، الشيء الذي حدا به إلى أن يسهم بفعالية في تأسيس أول عصبة للدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب وفي العالم العربي سنة 1933، والتي ترأسها المجاهد الكبير والوطني الغيور، المرحوم الحاج عبد السلام بنونة. أولى عناية خاصة لحث الشباب على ولوج المدارس في الداخل والخارج ووعيا منه بأن التعليم يشكل إحدى الركائز الأساسية للرسالة التحررية التي يناضل من أجلها، أولى عناية خاصة لحث الشباب على ولوج المدارس في الداخل والخارج، وعمل على تشجيع التعليم الحر الذي كان من الأعمدة الأساسية التي ارتكزت عليها الحركة الوطنية على امتداد التراب الوطني، فأنشأ المعهد الحر سنة 1935. كما أولى الجانب الإعلامي أهمية خاصة باعتباره إحدى أهم الواجهات النضالية المؤثرة في تعبئة الرأي العام، فأصدر جريدة (الحياة) سنة 1934 ، التي كانت منبرا وطنيا متميزا. ولقد كانت المجهودات النضالية التي يقوم بها مع رفاقه في الشمال متناسقة مع ما يقوم به الزعماء الوطنيون في باقي أرجاء الوطن ، وخاصة مع الزعيم علال الفاسي ورجالات الكتلة الوطنية التي انتخب على رأس جناحها بالمنطقة الخليفية سنة 1936. أبرز رواد الوحدة الوطنية والترابية ولما اقتضت تطورات الأحداث إقدامه على تأسيس حزب الإصلاح، جعل منه مدرسة للعمل السياسي الوطني في الشمال، وآلية جديدة لتعميق وتطوير العلاقات النضالية بين الوطنيين في الشمال والجنوب ؛ إذ عرف بتشبعه بالقيم الوحدوية، فكان بحق من أبرز رواد الوحدة الوطنية والترابية الذين جسدوا بالنهج والقول والعمل الخيار الوحدوي، وجعلوه أساسا للخط الفكري الذي آمنوا به، وبوصلة محدودة لمعالم المسار السياسي الذي اتبعوه على الدوام، في عمل الكتلة الوطنية، والحزب الوطني، وصولا إلى حزب الاستقلال، مع إحكام التنسيق في المواقف، والتشاور في المبادرات، داخل الوطن وخارجه، في المشرق العربي وأوروبا، فيما يدرك المستعمر والرأي العام الدولي أن الحركة الوطنية في بلادنا موحدة الجهود في الشمال والجنوب، الشيء الذي تبلور في عدة محطات نضالي ة، نذكر منها على سبيل المثال: تأييده للمطالب المستعجلة التي قدمتها كتلة العمل الوطني في المنطقة الخاضعة للنفوذ الفرنسي سنة 1936، وذلك بتقديمه للخليفة السلطاني، والحاكم الإسباني بالمنطقة الخليفية، مذكرة مطالب الأمة المغربية في مارس 1938. كما قدم في 14 يبراير 1943، عريضة للمطالبة باستقلال المغرب شماله وجنوبه. يقول الزعيم (علال الفاسي) في (الحركات الاستقلالية) : « في سنة 1946 وجه حزب الإصلاح وفدا برئاسة أمينه العام الأستاذ الطيب بنونة للرباط، وقابل جلالة الملك، وعقد معه المجلس الأعلى لحزب الاستقلال اجتماعا تقرر فيه استئناف عمل الحزبين وتوحيد خطتهما للمطالبة باستقلال البلاد ووحدتها تحت التاج العلوي الشريف والعدول في المنطقة الخليفية أيضا عن سياسة المراحل والاغترار بما يلوح به المستعمرون من إصلاحات مشوهة». وأضاف الزعيم: وعلى إثر رجوع الوفد ألقى الأستاذ الطريس خطابا بتطوان جاء فيه: «إن حزب الإصلاح في الشمال وحزب الاستقلال في الجنوب، قد عقدا العزم وعاهدا الله والوطن على أن يعملا لتحقيق هذه الغاية، وألا يرضيا باستقلال البلاد ووحدتها بديلا». ويضيف (الطريس): «وكما أنه لا يصح أن يكون هناك فرق بين شمال المغرب وجنوبه، ولا بين جلالة مولانا الملك وسمو خليفته، كذلك يجب أن تتحد اتجاهات حزب الإصلاح مع حزب الاستقلال». وأمام هذا التطور الهام لدرجة التنسيق بين الحزبين، حاولت السلطات الإسبانية إغراء الوطنيين في الشمال بإحداث وزارات جديدة يشاركون في تحمل بعض حقائبها في إطار الإصلاحات الجديدة، إلا أن حزب الإصلاح رفض ذلك بقيادة الأستاذ عبد الخالق الطريس. يقول الزعيم علال الفاسي في الحركات الاستقلالية: «وقد أصدر حزب الإصلاح بيانا أكد فيه عدم استعداد الإصلاحيين للدخول في الحكومة، وأن وقت التلويح بالوزارات قد انتهى، وأن المغاربة مقتنعون بأن الإصلاحات الاستعمارية لا تصدر إلا مشوهة». «وأصدر حزب الاستقلال في الوقت نفسه بيانا بنفس المعنى أكد فيه تضافر الوطنية المغربية في الشمال والجنوب في مطالبها ووسائل العمل لتحقيقها» وقد شكلت هذه المحطة منعطفا حاسما في طبيعة المواجهة مع المحتل، وأعطت دفعة قوية للتنسيق بين جناحي الحركة الوطنية الاستقلالية المدعومة من طرف جلالة الملك المجاهد المغفور له محمد الخامس، الذي شكلت زيارته لمدينة طنجة سنة 1947، مناسبة وطنية تاريخية أبانت عن التحام العرش والشعب، وانطلاقة تحطيم الحدود الوهمية بين أجزاء الوطن الواحد، المتمسك بأواصر البيعة للعرش الموحد، الشيء الذي عبر عنه الخطاب الذي ألقاه الأستاذ عبد الخالق الطريس أمام جلالة الملك باسم وفد حزب الإصلاح وأعيان المنطقة الخليفية. يقول الزعيم (علال الفاسي) في كتاب (الحركات الاستقلالية) عن هذه الزيارة : «وقد تكلم الأستاذ (عبد الخالق الطريس) وسط الجماهير الهاتفة بحياة المغرب فقال: «إلى حامي الملة والدين، باسم هذا الجيل الذي لا يتزحزح عن مملكتكم السعيدة، نتقدم بإجلالنا، وتعظيمنا، وولائنا لأمير المؤمنين، راجين من مولانا أيده الله ونصره أن يتقبل هذه الهدية المتواضعة، كرمز لمحبتنا وإخلاصنا لعرش أسلافكم الخالد، يا مولانا إننا بكم نهتدي، وبمثلكم نقتدي». ويضيف الزعيم علال: «لقد كانت الهدية التي تقدم بها الأستاذ عبد الخالق الطريس باسم الوفد عظيمة الدلالة، إذ كانت عبارة عن خريطة للمغرب الموحد، مرسومة على سبيكة من الفضة الخالصة، وصندوق من الذهب مملوء بتراب من سهول وجبال المنطقة، كتبت عليه العبارة التالية: «بمناسبة زيارة الملك لطنجة، يقدم أهالي تطوان هذا التراب المخضب بدماء الشهداء الأبطال، كرمز لوحدة المغرب تحت العرش العلوي المجيد». وأمام هذا الموقف الوطني التاريخي، ما كان من السلطات الإسبانية إلا أن منعته من العودة إلى تطوان، مما أثار موجة استنكارات شعبية، وانطلاق مظاهرات عارمة تضامنا مع الزعيم والمطالبة بعودته إلى قاعدة نشاطه السياسي. ولم تزده مضايقات المستعمر إلا تمسكا بأفكاره، والعمل على توسيع دائرة نضالاته داخل الوطن وخارجه، حيث أسهم بفعالية في تأسيس مكتب المغرب العربي ، ولجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة، وعرف بنضاله من أجل الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني. كما كان في طليعة الداعين إلى انتفاضة الشعب عندما أقدمت سلطات الاحتلال على نفي جلالة الملك محمد الخامس وأسرته الكريمة في 20 غشت 1953. وتواصلت مجهوداته في دعم المقاومة وجيش التحرير وتنسيق أعمالها في المنطقة الخليفية إلى أن طلعت شمس الحرية والاستقلال، ويعلن جلالة الملك محمد الخامس استقلال الجزء الأكبر من المملكة في 7 أبريل 1956، لينطلق مسار بناء المغرب المستقل واستكمال الوحدة الترابية. صلة وثيقة برجالات الحركة الوطنية في أقاليمنا الصحراوية وفي هذا السياق، يجدر التذكير بأن الأستاذ الطريس كانت له صلة وثيقة برجالات الحركة الوطنية في أقاليمنا الصحراوية منذ سنة 1935، حيث كانت له مراسلات واتصالات مباشرة مع المجاهد العلامة الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين بالصحراء، مؤكدا بذلك وحدة العمل الوطني بين جناحي الحركة الوطنية الاستقلالية في الشمال والجنوب، الشيء الذي يؤكد وحدة الشعب والوطن، رغم ما يعانيه من واقع التجزئة الذي كان هو ورفاق دربه مؤمنين بأنه مجرد ظرف عابر، سينتهي بتحقيق الاستقلال ليتم توحيد كل أجزاء الوطن. تلك الوحدة التي طالما ناضل من أجلها الزعيم عبد الخالق الطريس على أكثر من واجهة، وسعى إلى تحقيقها على كل المستويات، الشيء الذي بلوره في أروع صوره عندما قرر باسم إخوانه مناضلي حزب الإصلاح، الاندماج في صفوف حزب الاستقلال، معطيا بذلك أروع المثل في حب الوطن ونكران الذات، والتعالي عن الحسابات الجزئية الضيقة. وقد عبر عن هذه الروح العالية والخلق الرفيع في الكلمة القيمة التي استقبل بها وفد حزب الاستقلال في بيته بتطوان حيث قال: «لعلنا في ساعة من ساعات العمر التي قل أن يجود الزمان بمثلها، فقد حقق الله لنا ما كنا نطمح إليه، فجمع بين الشمال والجنوب، وحقق الوحدة المنشودة، ولعلكم تنتظرون ماذا سيكون مطلبي في التنظيم والتسيير المقبلين، إني أبادر فأقول لكم إنني واحد منكم، فحزبنا هو حزب الاستقلال، وإذا كانت هناك تنظيمات ماضية اقتضتها الظروف الاستعمارية المفتعلة، فإن هذه الظروف قد زالت، ولذلك فإنني أعلن أمامكم أنني وحزب الإصلاح بكل تشكيلاته وتنظيماته نعتبر أنفسنا مندمجين دون قيد أو شرط في حزب الاستقلال، فلم يبق هنا حزب الإصلاح، وهناك حزب الاستقلال، وإنما هو حزب واحد موحد وهو حزب الاستقلال، فلنسر جميعا على بركة الله، رائدنا خدمة وطننا وتحقيق أماني مواطنينا». وبهذا الموقف التاريخي يكون الأستاذ عبد الخالق الطريس قد أعطى مثلا ساميا في التضحية ونكران الذات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن زعيم الوحدة أراد أن يعطي بهذه المبادرة الاندماجية الوحدوية درسا للأجيال الصاعدة. وفي هذا السياق، تجده يوجه رسالة هامة إلى مؤتمر الشبيبة الاستقلالية بفاس، ليلفت انتباههم إلى أهمية الحدث وضرورة استخلاص العبرة منه مستقبلا بما يخدم المصلحة العليا للوطن فيقول: «يسرني أن تكون كلمتي هذه إلى شباب حزب الاستقلال المحتشد في عاصمة المغرب الروحية، من الكلمات الأولى التي أوجهها للشعب المغربي بعد أن تم الاتحاد الكامل بين حزبي الاستقلال والإصلاح، ليستخلص رجال الغد ومسؤولو المستقبل درسا وعبرة من خطواتنا التي نرجو أن تدر نفعا كبيرا على بلادنا في هذه المرحلة التاريخية من حياتنا». ويضيف: «فمعنى ما عملنا هو قتل كل أنواع الأنانية والتسامي في خدمة الصالح العام، إلى درجة تضمحل معها كل الاعتبارات الخاصة، من أجل الوفاء للتعاون الذي شملتنا روحه منذ فجر الوطنية إلى ساعتنا الحاضرة.... فإذا فهمتم يا شباب الاستقلال كل ذلك حق الفهم، أدركتم أن للمغرب رجالا يهون عليهم كل شيء في سبيل المصلحة العليا للأمة والوطن». كان مناضلا صلبا، وصحافيا مقتدرا، وأستاذا متمكنا، ودبلوماسيا متمرسا ناجحا، وسياسيا محنكا أيتها السيدات؛ أيها السادة؛ إن المقام لا يسمح باستقصاء كل مناقب وعطاءات هذا الزعيم الفذ، نظرا لتنوع جوانب شخصيته المتميزة، وتعدد مستويات أنشطته ؛ إلا أنه لابد من التذكير بأنه كان مناضلا صلبا، وصحافيا مقتدرا، وأستاذا متمكنا، ومسيرا إداريا بارعا، ودبلوماسيا متمرسا ناجحا، وسياسيا محنكا ؛ علاوة على كونه من أبرز الخطباء الذين عرفهم العالم العربي منذ بداية القرن الماضي، حيث استقطب إعجاب أعلام الفكر والسياسة، بما أوتي من ملكة الخطابة، وجزالة اللفظ. كما استمال الجماهير بقدرته على إبلاغ أفكاره، فقد كان خطيبا مفوها جريئا في طرح أفكاره، حاضر البديهة، قوي الحجة، مقنعا في تحليلاته، واضحا في تصوراته. وقد مكنته هذه المؤهلات الفكرية والخطابية من أن يشد إليه أنظار وأفكار المتتبعين للتجربة البرلمانية التي عرفتها بلادنا في الستينيات، حيث كان رئيسا لفريق الوحدة والتعادلية، وكان متميزا في كل مداخلاته، وخاصة مرافعاته حول الديمقراطية والحرية، وكشف مظاهر التزوير إبان مناقشة ملتمس الرقابة التي جاء فيها: «إننا من أعداء اغتصاب الحكم، سواء كان من طرف الذين يأتون من وراء الحدود، أو الذين يلوحون بالمسدسات والرشاشات من الجبال أو في الشوارع، ونحن أيضا أعداء الذين يغتصبون الحكم عن طريق التزوير والتدليس». وقد سبق لي أن أكدت في ذكرى مرور خمسين سنة من الوحدة سنة 2006: «أن تدخلات الأستاذ الطريس وخطبه في البرلمان قد بلورت في حينها، المفهوم السامي للمعارضة البناءة التي تستند إلى القيم ، وتطرح البدائل التي تعكس انتظارات المواطنين، بعيدا عن المزايدات والمهاترات السياسوية، وأسست تدخلاته مدرسة لترجمة مفاهيم الديمقراطية الحقة، ومواجهة المخططات التي تستهدف تمييع الديمقراطية، وتشويه مبدإ التعددية الحزبية وتزييف الخريطة السياسية. أيتها السيدات؛ أيها السادة؛ إننا إذ نحيي اليوم ذكرى هذا الزعيم الوحدوي، الغيور على أمته ووطنه، نستحضر المثل والقيم التي ناضل من أجلها هو ورفاقه الرواد المجاهدون، وفي مقدمتها التصدي لكل مظاهر الانزلاقات الفكرية والمناورات السياسية، الهادفة إلى النيل من الوحدة الوطنية لشعبنا، وتمزيق وحدتنا الترابية، ومحاولة إضعاف متانة الارتباط الروحي، والسياسي، والوطني، القائم بين العرش والشعب. فقد أفشل الزعيم ورفاقه في الماضي بصدق إيمانهم وصلابة إرادتهم تلك المخططات الاستعمارية، بفضل تلاحم الأمة والعرش في إطار ثورة الملك والشعب. ونود بهذه المناسبة التي تخيم عليها أجواء الوفاء للقيم الوطنية ورجالاتها، أن نؤكد قناعتنا بأنه لن تفلح كل المحاولات اليائسة الهادفة إلى إعادة زرع بذرة التفرقة والتجزئة البغيضة والمجتثة من أرضنا، مؤمنين بأنها لن يكون لها قرار تحت أي ذريعة كانت في وطننا الموحد أرضا وشعبا، ولن تجد تربة مناسبة لها في أوساط مجتمعنا المغربي الحريص على التشبث بالقيم الإسلامية السمحة البعيدة عن كل غلو أو تطرف، والمتمسك بوحدته الوطنية والترابية والمذهبية في إطار إجماعه الوطني حول أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك محمد السادس، رمز السيادة والضامن للوحدة. مناسبات مشرقة لإيقاظ الذاكرة الوطنية أيتها السيدات؛ أيها السادة؛ إن تخليدنا لذكرى زعيم الوحدة، وغيرها من الذكريات الوطنية، تتجاوز في عمقها ودلالتها التوقف عندما تميز به هؤلاء الأعلام من تشبث بالقيم في كل أبعادها، وما حققوه من إنجازات متعددة ؛ إذ نرى أنها ينبغي أن تظل بالنسبة للجميع، مناسبات مشرقة لإيقاظ الذاكرة الوطنية، لوصل الماضي المجيد بالحاضر الناهض، والمستقبل الواعد، بشحذ همم الأجيال الصاعدة، باستحضار معاني ومرامي القيم الوطنية الحقة، بما يضمن الوفاء للثوابت الدينية والوطنية والأخلاقية التي شكلت قوام الشخصية المغربية، وحفظت لنا هويتنا وصانت إنسيتنا، وأعطتنا القدرة الكافية لاسترجاع حريتنا واستقلالنا. وإن تمسكنا بهذا التوجه الراسخ ليدعونا إلى التأكيد على أن كل تلك المحاولات اليائسة الداعية إلى صرف النظر عن تاريخ بلادنا القريب والبعيد، أو محاولة تشويهه وتحريفه، أو خدش صور رجالاته الأعلام، أو فصل بعض محطاته عن سياقها التاريخي، لن تفلح في زرع بذور الشك والتنكر في أذهان البعض منا، لأن الشعب المغربي واع بما تمثله قيمه الحضارية، متمسك بترسيخ مشاعر الاعتزاز بتاريخ وطننا وإكبار عطاءات رجالاته، وتجذير روح المواطنة في نفوس الأجيال، الأمر الذي نعتبر تكريس القناعة به في وجدان الأجيال الصاعدة من مسؤولية الأسرة والمدرسة وجميع الإرادات الخيرة في الحقل السياسي، والمجتمع المدني، وكل الفاعلين الغيورين على ديننا ومجتمعنا ووطننا. «يقول جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني بمناسبة الذكرى الخمسينية لزيارة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس لمدينة طنجة». «يتعين علينا أن نظل أوفياء لهذه القيم الوطنية والروحية، وللتاريخ الوطني الذي جسدها، وذلك بإغناء ذاكرة الأجيال الحاضرة بمعانيها، وتنوير وجدانهم بإشراقاتها، لأن ذلك التاريخ بكل بطولاته الفذة، وجهاده المستميت، وتضحياته الجسيمة، قد يستصغر شأنه اليوم، ويحمل على المباهاة الجوفاء، إذا لم يوضع في سياقه الحي، ويستحضر في نسيجه العام، بظروفه المتميزة الوطنية والدولية، فتظهر مواقف أبطال التحرير، وفي مقدمتهم جلالة المغفور له محمد الخامس في واقعها البطولي، كما عاشها المغرب في تلك المرحلة الحاسمة من تاريخه». حياة مليئة بالعطاء والتضحية ومكابدة الصعاب، من أجل الحرية والاستقلال أيتها السيدات؛ أيها السادة؛ لقد عاش الأستاذ (عبد الخالق الطريس) حياة مليئة بالعطاء والتضحية ومكابدة الصعاب، من أجل الحرية والاستقلال، وبناء المغرب الحديث على الأسس الديمقراطية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لإسعاد كافة شرائح المجتمع في كل الأقاليم والجهات. وبهذه المناسبة، نقول لروحه الطاهرة، نم قرير العين مع الزعيم (علال الفاسي) ورفاقكم المؤمنين الصادقين، فلقد واصل رفاق دربكم النضالي وتلامذتكم في حزب الاستقلال، تلك المسيرة بكل تفان وإخلاص، في إطار نضال كل الإرادات الخيرة في وطننا، التي تلاقت إرادتها مع إرادة العرش، وتمكنت بلادنا بفضل ذلك الالتحام من تخطي ما اعترض مسارها من صعاب ومعثرات، حتى حققت العديد من المكاسب والمنجزات، وفي مقدمتها استكمال الجزء الأكبر من الوحدة الترابية في تعبئة كاملة وشاملة ودائمة لصيانة مكتسباتنا الوطنية، في تعاط إيجابي وحازم مع المساعي الدولية، لإنهاء التوتر المفتعل حول صحرائنا، وفق المبادرة التي تقدمت بها بلادنا والهادفة إلى تمتيع سكان أقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، بحكم ذاتي في إطار السيادة المغربية ؛ هذا إلى جانب تطلع بلادنا الدائم بعزم أكيد ومسؤول وتفهم للأوضاع الإقليمية والدولية، إلى استرجاع مدينتي (سبتة) و(مليلية) والجزر التابعة لهما، بما يحقق عودتهما إلى حضيرة الوطن، ويضمن حقوق ساكنتهما ويصون مصالح جيراننا الإسبان. كما واصلت بخطى ثابتة مراكمة آليات وممارسات ترسيخ المؤسسات الديمقراطية التي عرفت طفرة نوعية في العهد الجديد، الذي تشهد فيه بلادنا تحولات هامة في إطار الإصلاحات الشاملة في شتى المجالات، الهادفة إلى بناء المغرب الحديث الموحد والمتضامن، الحريص على التمسك بتراثه الحضاري، الغني بتنوعه وتمازجه وتساكنه، والمتشوف إلى مستوى متقدم من الجهوية المتكاملة والمتوازنة، التي سيتم تطبيقها على ضوء ما ستتمخض عنه أشغال اللجنة الوطنية المختصة التي تحظى برعاية واهتمام جلالة الملك محمد السادس نصره الله، المتعهد بيقظة وحزم وبعد نظر لكل دعائم نهضة المغرب الجديد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لربح رهانات الحاضر، وكسب تحديات المستقبل، بما يضمن العيش الكريم لمواطنينا ويعزز مكانة بلادنا بين الأمم والشعوب. وقبل الختام، أريد أن أنهي هذه الكلمة بشهادة أحد رفاق زعيم الوحدة، المجاهد (أبو بكر القادري) أدام الله عليه أردية الصحة والعافية». «إن (عبد الخالق الطريس) يرفض الاستعمار، والتبعية، إنه ينشد مغربا متحررا مستقلا محافظا على كيانه، وذاتيته، ودينه، ولغته، وتقاليده، إنه لا يقبل مغربا مجزءا، مبتور الأطراف، ولكنه يريده مغربا موحدا بكل أجزائه ومناطقه، إنه يريد لهذا المغرب أن يلعب دوره الكامل في الدفع بالقيم الإنسانية والتعاون الإنساني لما فيه مصلحة بني الإنسان إنه يرفض كل تطاحن طبقي، وكل صراع سلالي، أو عرقي، أو مذهبي، إنه يريده مغربا مسلما مطيعا لربه، ذا ولاء لملكه». رحم الله الأستاذ (عبد الخالق الطريس) رائد الدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية، مع كل رجالات وطننا الأفذاذ الذين وهبوا حياتهم من أجل أن نعيش جميعا مواطنين أحرارا في وطن حر. «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون». صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته