بغض النظر عن محاولة إحياء مسلسل المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، والذي دخل إلى غرفة الانتظار لمدة طويلة، كان من اللافت خلال الزيارة التي قام بها كريستوفر روس، المبعوث الأممي إلى المنطقة، والتي شملت بالإضافة إلى المغرب كلا من الجزائر وموريطانيا ومخيمات جبهة البوليساريو، تأكيده في تصريحاته الصحفية في مختلف هذه المحطات على ضرورة إيجاد حل سريع لقضية الصحراء يرضي كل الأطراف، وتحذيره من انعكاس طول أمد هذا الصراع على الأوضاع المتدهورة أصلا في دول مجموعة الساحل والصحراء، وهو نفس المعطى الذي ركز عليه التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة الذي صدر الأسبوع الماضي، وهو ما يعكس قلق المنتظم الدولي من إطالة أمد النزاع، خاصة أن الأوضاع في مالي شهدت تطورات خطيرة، استدعت تدخل القوات الفرنسية تحت غطاء أممي، بعد سيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة على عدة مناطق في شمال البلاد. تطابق وجهات النظر بين الأمين العام الأممي ومبعوثه الخاص إلى الصحراء، جاء ليترجم قلق المجتمع الدولي حول التطورات الخطيرة التي تعرفها المنطقة، خاصة في ظل انعدام التنسيق الأمني بين دولتين مهمتين هما المغرب والجزائر، وهو ما يرجعه المراقبون، بالدرجة الأولى، إلى قضية الصحراء التي تقف حجر عثرة في وجه التقارب بين البلدين الجارين، خاصة أنهما يضعان قضية الصحراء على رأس أجندتهما الدبلوماسية، مما يعني أن هناك احتمالا لممارسة ضغوط دولية وأممية على البلدين من أجل تليين مواقفهما، وهو ما يعززه ما أشيع مؤخرا عن موافقة قيادة البلدين على أن يتكفل المبعوث الأممي إلى الصحراء كريستوفر روس، بمهمة الوساطة بين القيادتين، في سعي إلى إذابة الجليد، وتسهيل إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات. التقرير انتقد، ضمنيا، غياب التنسيق الأمني بين المغرب والجزائر، وهو ما يفسره إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، بالتنافر وعدم التوافق الحاصلين بين المغرب والجزائر، واللذين كانا من أهم العوامل التي ساهمت في دخول الأطراف الدولية على خط أزمة مالي، إضافة إلى الارتباك الحاصل في دول المنطقة في التعاطي مع القضايا الأمنية، خاصة من طرف الدول المغاربية، وهو ما يسمح بتزايد عدد الجماعات المسلحة، في ظل فشل مقاربات هذه الدول في التعاطي مع هذه الجماعات، «دون أن ننسى أن الجزائر كانت تحاول دائما استبعاد المغرب من الملفات الأمنية في المنطقة، وهو ما ينطوي على نوع من عدم التقدير للمخاطر التي تواجه كافة دول المنطقة، خاصة في ظل انتشار السلاح عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، وهو ما يحتم المزيد من التنسيق الأمني بين البلدين مستقبلا». واعتبر مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات في تصريحه ل«المساء»، أن منطقة الساحل والصحراء توفر مساحات شاسعة لانتشار الجماعات المسلحة، في ظل غياب شبه تام لسلطة هذه الدول على جزء كبير من مناطقها، إضافة إلى أن غياب التنمية عن هذه الدول، يجعلها مجالا خصبا لانتشار فكر هذه الجماعات، «وهي الجماعات التي لم تعد تهدد منطقة الساحل والصحراء فقط، بل امتدت تهديداتها إلى السلم والأمن الدوليين، ونحن نعرف أن المنطقة استراتيجية، وهناك عدة قضايا تربط بين دول ضفتي المتوسط، في علاقة بالهجرة والاستثمارات والقضايا الأمنية والتعاون الاقتصادي، كما يبدو أنه هناك ضغط من المجتمع الدولي مفاده أن استمرار النزاعات في المنطقة، وعدم بلورة حلول منسجمة بين دول المنطقة في إطار من التعاون والتنسيق، سيكون عامل دعم لحضور هذه المنظمات والجماعات المسلحة». وقبل صدور التقرير الأخير للأمم المتحدة، الذي تحدث عن علاقة النزاع حول الصحراء بالأوضاع الصعبة في دول الساحل والصحراء، سبق لعدة مراكز بحث ومنظمات دولية أن أشارت إلى علاقة جبهة البوليساريو ببعض التنظيمات المتشددة التي تقاتل في شمال مالي، في ظل الحديث عن اختيار مجموعة من الشباب المنتمين للمخيمات الالتحاق بفروع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وهو ما يدفع لكريني إلى القول بأن تقرير الأمين العام الأممي الأخير يشير، ضمنيا، إلى جبهة البوليساريو، خاصة وأنها لوحت غير ما مرة بالعودة إلى العمل المسلح، عكس رغبة المجتمع الدولي الذي يرغب في حل سلمي لقضية الصحراء، وهو ما دفع بان كي مون إلى التركيز على تدعيم العلاقات المغربية الجزائرية، وهو أمر مهم جدا، لأنه بدون تقارب بين المغرب والجزائر لن تكون الأجواء مناسبة لإجراء مفاوضات جادة وبناءة لحل قضية الصحراء، يمكن أن تعطي أكلها مستقبلا. ويبدو أن فرنسا ومعها باقي الدول الكبرى، التي تملك عدة مصالح في المنطقة، والتي تعتزم الانسحاب قريبا من شمال مالي، لا تريد أن تترك في المنطقة مجالا خصبا آخر لنمو جماعات متطرفة بعد القضاء على معظمها في شمال مالي، وهو ما تحذر مراكز الدراسات من أن مخيمات تندوف قد تكون المكان الأنسب للجوء زعامات هذه الجماعات المتشددة، في ظل غياب الرقابة الأمنية المشددة للجزائر، وتورط العديد من قادة جبهة البوليساريو في شبكات التهريب المرتبطة بدورها بالتنظيمات المتشددة التي تنشط بين دول المنطقة، وهو ما يفسره الضغط الذي من المحتمل أن تمارسه الدول العظمى على أطراف النزاع، خاصة الجزائر وجبهة البوليساريو، من أجل التوصل إلى حل في أقرب الآجال الممكنة.