- إلى اليوم ما يزال اسمك يُثار كوزير عدل لعب أدوارا سيئة في الحملة التطهيرية، ما مسؤوليتك في ما حصل من تجاوزات؟ الملف برمته كان يدبره إدريس البصري، بشكل أساسي، ومعه إدريس جطو ومحمد القباج بدرجة ثانية، والبقية، ومن ضمنهم أنا، لم يكن لنا دور يُذكر في الحملة، لأنني والعلمي، وزير الصحة، لم نكن نتجاوز «الحدود» التي رسمها لنا الملك.. وللأسف الكثيرون لم يرغبوا أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في ما وقع لأنه حينما بدأت تتردّد أسماء بعض المنتمين إلى عائلات كبيرة حدَثت رجّة كبيرة وتعالت أصوات من داخل الحكومة مُعبّرة عن تخوفاتها مما ستؤول إليه الأمور، ولم يكن بعض الوزراء يُخفون تذمرهم من المسار الذي اتخذته العملية، خاصة مع انكشاف ملفات كبيرة تورّطت فيها أسماء وازنة، وكان كل واحد يدافع عن مصالح رجال الأعمال المحسوبين على صفه. - ألم تعط تعليمات لقاضٍ مُعيَّن في أيٍّ ملف من الملفات التي أفرزتها الحملة؟ أقسم بالله إنّ هذا لم يحدث أبدا.. أنا كنت مسؤولا عن قطاع العدل، والقضاة كانوا يحكمون بناء على الملفات الموضوعة أمامهم، ولم يكن لديّ الحق في أن أتحدّث في الحالات التي اعتُقلت أو لم تُعتقل.. لقد كانت الأمور تتم وفق القانون وكان يتم تقديم المتهمين إلى المحكمة عند الانتهاء من التحقيقات لدى الشرطة، وفي كل مساء كان وكيل الملك يقدّم لي تقريرا بعدد الموقوفين وطبيعة السّلع المحجوزة وكمياتها، وكنت ألخّص التقارير وأرفعها إلى الملك، كما أمرني. - خلال الحملة برزت أسماء في واجهة الأحداث، خاصة بعض القضاة ونواب الملك، مثل نور الدين الرياحي.. أعرف الرياحي جيدا.. وأعرف طباعه الحادة، لكنْ أستبعد أن يظلم أي أحد، ولا أحد يمكنه أن يطعن في ذمته المالية لأنه ليس في حاجة إلى أخذ رشاوى، والحال أن والده ترك له أراضيَّ شاسعة تصل بين الدارالبيضاء ومطار محمد الخامس، تقدَّر بآلاف الهكتارات، ويملك شركات تعمل في مجال زيت الزيتون.. وأتذكر أنه في إحدى المرات وصلتني أصداء عنه تقول إنه تلقى رشاوى في بعض الملفات، وواجهتُه بالأمر لكنه نفى وزارني بعدها يحمل حقيبة كبيرة تحمل كل الرسوم العقارية والوثائق التي تثبت أملاكه التي ورثها عن أبيه.. لكنْ ما تأكد لي لاحقا هو أنه كان يسعى إلى أن يحُلّ مكاني في وزارة العدل وأن أزكيّه لدى صاحب القرار، وهو ما لم يكن ممكنا لأنّ الحسن الثاني كان سيعتبر أنّ بيننا مصالح مُشترَكة.. - هل كان يأتمر، مثل آخرين، بأوامر البصري؟ هذا أمر سمعته من إحدى السيدات أخبرتني أنّ أحذر من الرياحي، وقالت لي إنه «يستمع» إلى البصري وليس إليك، وأذكر أنني كنت حاضرا في حفل عزاء ورأيته قادما رفقة عبد العزيز العفورة فلم يعجبني المنظر، لأنّ الواقعة حدثت في عزّ الحملة، وكانت أصابع الاتهام تشير إليهما.. وفي اليوم الموالي استدعيته، ومنعت عليه أن يرافق أيَّ عامل مَهْما كان وإلا سيكون عقابه التنقيل، وبرّرتُ له الأمر بأننا في صراع مع الداخلية فكيف تكون له الجرأة ليراه الناس مع العفورة والكل يعرفون سمعته، وهو ما امتثل له، لكني لا يمكن أن أجزم أنهما لم يكونا يلتقيان سرّاً. - يعاب عليك أنك كنتَ أداة طيّعة في يد وزير الداخلية البصري، وكنت تنفذ أجندته؟ علاقتي بالبصري كانت معروفة للجميع، ومن عاشرونا يعرفون أنْ لا أحد بإمكانه أن «يَسُوق» أمالو، لأنني كنت أحظى بالحماية الدستورية للملك الراحل، وإلى يومنا هذا لم يثبُت أنّ أحدا أفتى عليّ قرار أو أعطاني تعليمات.. - هل رفضت، فعلا، التصويت لصالح توقيف الحملة، وقلت للوزير الأول: «إذا لم يأمرني أخي إدريس بتوقيفها فلن أفعل؟ لم أقل أبدا هذا الكلام.. وكيف سأقول عن البصري «أخي» وهو لم يكن يحبّني أبدا، وكان سببا في هزيمتي لأربع مرات في الانتخابات.. ورغم ذلك لم ألجأ إليه أبدا لكي يتدخل لصالحي، مثلما كان يفعل مع الكثيرين من السياسيين، ونحن نعرف كثيرين من الأسماء التي كان البصري دائما سببا في نجاحها حتى من أحزاب المعارضة.. مشكلتي مع البصري هي أنه لم يستسغ كيف يُعيّنني الملك وزيرا للعدل دون أن تكون له يد في ذلك، وحتى قبل أن ألتحق بمهمّتي سارع إلى الحسن الثاني وحاول تشويه سمعتي لديه، من خلال النبش في ملفاتي الشخصية.. فهل يمكن القول عمَن يقوم بهذا الأمر ضدّي إنه صديق لي!؟.. - قلت إنك تعرّضت لضغوط عديدة من عدد من الجهات للتدخل في بعض الملفات؟ حينما بدأت الحملة التطهيرية تقترب من بعض الأسماء والعائلات الكبيرة، وبدأ يتضح أن هذا ابن فلان وهذا صديق فلان.. بدأت التدخلات، وكأنّ كلام الحسن الثاني لم يكن مُلزِما، وهو الذي شدّد على ألا يتدخل أي أحد في أي ملف.. بالفعل، كنت أستقبل الكثيرين ممن يتدخلون لصالح المعتقلين، لكني كنت أرفض أن أستجيب لطلباتهم، وأتذكر أنّ البصري كان حين يلجأ إليه أحدهم يرسله إليّ بحجة أنني أملك صلاحية إطلاق سراح المعتقلين، وهذا لم يكن ممكنا لأنني لا أملك السلطة الدستورية للقيام بذلك.. وحينها اشتدّت عليّ الضغوط وتم توجيه بعض الصحافيين الجبناء، وأشدّد على كلمة «بعض» ليقودوا حملات تستهدف شخصي، ومن بينهم من كنت أراهم بأم عيني يلجون مكتب البصري ويغادرونه بهدايا صغيرة.. وللأسف الكل تناسى دوري الأساسي في توقيف الحملة، فحين بدأت تخرج عن حدود السيطرة، لجأتُ إلى الملك وأخبرته أنه لم يعد بإمكان السجون استيعاب الأعداد الكبيرة للمعتقلين، ولهذا قرر بعد 40 يوما من انطلاق الحملة توقيفَها لأنه اقتنع بأنّ أضرارَها أكثر من فائدتها.. - من كان من الشخصيات يلجأ إليك للتدخل في الملفات؟ كان ضمنهم مستشارون للملك ومنتمون إلى الحكومة وسياسيون من الأغلبية والمعارضة ومحامون.. لكنني كنت أرفض التدخل، لأنّ تعليمات التي تلقيتها من الحسن الثاني كانت واضحة، فقد قال لي: «أسّي عبد الرحمن أنت ما تدخّلْ حْدّ للحبس ما تخرّجْ حْدّ»، ومَنعَني من أتدخل لصالح أي كان.. والأدهى من ذلك أن البعض حاولوا شراءَ ذمّتي.. وأتذكر أنني في يوم من الأيام لدى خروجي من اجتماع عقدناه في ولاية الدارالبيضاء، لحق بي شخص معروف كان ينوب في قضية اليهودي شتريت، وهو بالمناسبة ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، فطلب أن يكلمني على انفراد وهو ما استجبت له لأفاجَأ به يعرض عليه رشوة بمبلغ 100 مليون سنتيم، فلم أشعر إلا وأنا أصرُخ في وجهه وقلت له: ألم تستحِ ممّا تقول؟ أنت محظوظ لأنك كنت أحدَ طلبتي ولو تعلق الأمر بشخص آخر لكنتُ أمرت باعتقالك فورا.. للأسف كثيرون من هذا النوع كان يطرقون بابي من جميع الأطياف والحساسيات، حتى من المكتب السياسي لحزب الاتحاد الدستوري، الذي كنت أنتمي إليه..