الآن وقد طويتْ صفحة ُالطبعة التاسعة عشرة من المعرض الدولي للكتاب، الذي احتضنته الدارالبيضاء مؤخرا، يجوز لنا الحديث عن هذه التظاهرة دونما وقوع في شطط التأويلات المغرضة، سيما أن ربط مثل كذا حديث بمطالب ذاتية أو جماعية بات، بقوة التقادم، في حكم الانتفاء أو يكاد. لذا نحن لا نستجدي أحدا ولا نلوم أفرادا بعينهم وإنما نشخص وضعا قائما يتسم بغير قليل من العطب. وعليه من حقنا القول- وبلا تحفظ- بأن الكتّاب كانوا في هذا المعرض كأيتام في مأدبة اللئام. فلئن كان هناك مَن أصابه الضر الأكبر- خلال أزيد من أسبوع -فهو الكاتب بالدرجة الأولى..لا نريد هنا استعراض ما قيل بخصوص استمرار الشللية والمحاباة أو تفادي «النيران الصديقة» بجبر الخواطر في البرمجة والاستفادة من فتات «الريع الثقافي» وهلم مغامز لن ينجو منها أي معرض من هذا القبيل في الماضي والحاضر والمستقبل، مادام المنظمون لا يمكنهم إشراك الجميع فأحرى إرضاءهم. ففي كل الحالات ستظل هناك جهات غاضبة حتى من بين أولئك الذين تمت دعوتهم إلى «الوليمة». إذ لا يكفي الذي يكفي، كما قال محمود درويش. فالذي أُشرِك مرة واحدة كان يطمح في اثنتين وصاحب الاثنتين كان يطمح في ثلاث ورباع وهكذا، فما بالك بالذين لم ينالوا حتى شرف التفكير فيهم. ناهيك عن الذين قاطعوا الحدث بمبررات مختلفة، وهي مبررات، بغض النظر عن خلفياتها، لا بد من تفهمها. لكن المسألة ليست هنا، وليست في تصنيف الكتاب المشاركين إلى طبقات من قبل الجهات الراعية، بعضهم يقبض ويقيم، وبعضهم يقبض ولا يقيم، وبعضهم لا يقبض ولا يقيم، وما خفي أعظم. فمثل هذه الأمور تقع باستمرار و لا مفر من وقوعها تشفع لذلك» إكراهات «تنظيمية ومادية يسهل عملها، وإنما في كون المعرض وكأنه نُظِّم، بالأساس، لرجال المقاولات والأعمال. وهذا ليس عيبا، بل هو ضروري، إلا أن غير المستساغ هو أن على الكاتب- وتلك أولى الإهانات- إن هو أراد أن يلج معرض الكتاب أخذ تذكرة لا تراعي وضعه الاعتباري والاقتصادي، وهي تذكرة صلاحيتها محدودة في دخلة واحدة. أما إن أراد التردد أكثر من مرة في اليوم على معرض الكتاب فما عليه إلا أن يحك جنبه أكثر من مرة.وما همّ لو خرج ليتحرر من بعض الكتب المقتناة في سيارته أو في ركن ما، خارج مكان الأروقة. ولو أن المفترض في تظاهرة للكتاب- يراد لها أن تكون معرضا بحق -أن تكون مفتوحة للعموم ومن دون مقابل، هذا إذا استحضرنا عزوف الناس في بلادنا عن القراءة بوجه عام. وثالثة الأثافي أن تتم دعوة الكتاب لتوقيع إصداراتهم الجديدة، فيقدموا إلى الدارالبيضاء من أقاصي المغرب العميق، وتتم تغطية ذلك في الصحف والمجلات والنشرات ومختلف وسائل الإعلام، بشكل من الأشكال، ويحضر لذلك أصدقاؤهم وأحباؤهم للاحتفاء بهم وبكتبهم ويحظى بعض محبي الكتب بتوقيعاتهم النفيسة بعد أن يدفعوا أثمنة التوقيعات والكتب وهي أثمنة يتسلمها «الناشر» كلها ويبقى الكتّاب، وسط هذه الجعجعة، كأيتام في مأدبة اللئام.