مصباح، ميزان سنبلة، كتاب:» »نبتدى منين الحكاية»؟« هل نمتلك كل الوقت؟ بعضه؟ هل نمتلك الوقت أصلا؟ الوقت كالسيف والزمن دوار وكل حكاية سيدها الزمن، سرْديا، فلسفيا، أونطولوجيا، ولا أحد يخرج سالما من مطبات زمن الحكاية.. حكاية تأتي، حكاية تمضي، تقلبات، أوضاع مصائر ربح، خسارة، قوة، ضعف، مواجهات، تحديات، مواجهات، انتصار، هزائم، شخوص رئيسة، شخوص ثانوية. وبين هذا وذاك تُقبل الرهانات والإحْباطات، الرغبة وحدها لا تكفي تلزم الإرادة والمعرفة والقدرة كما يقول أهل السيمياء والنقد الثقافي. المصباح، متى كان بسيطا، قديما، تقليديا، وعتيقا، لا يكفي، لأنه لا يضيء إلا ما حوله، يضيء ولا ينير إلا في حدود «جغرافيته» المغلقة: بيت، كوخ، خيمة، لا يصمد طويلا كما لا يصمد في وجه الريح، أما إذا كان يتغذى على الكهرباء، فذلك رهين بآليات أخرى يعلمها الجميع: عدم الإفراط، مراقبة الاستهلاك وقياسه مع غيره في محيطه العام والخاص. مصباح البطارية لا يوثق به، وعلى من يتزود به أن يضع في اعتباره زيْفه، كذلك الميزان الذي يغري بالغش ووحده »»ميزان الذهب»« أو الماس وجملة الأحجار الكريمة، لا يمكن لصاحبه أن »»يزيد فيه» أو ينقص ومن ثم نقربه من ميزان العدالة العمياء التي يُفترض أنها لا تخطئ، السنبلة لا تنمو وحدها: إنها تنمو في حقل، مع غيرها، تتطلب الماء والعناية وتخشى الريح، كالمصباح والأعشاب السامة والحشرات والجليد، ولكل أجل «»كتاب»«، وبين الأجل والكتاب »»مكتوب»«، مصير أو مآل كذلك المكتوب مكتوب ومكتوب: مكتوب حتْمي ومكتوب مدوّن ومسطر هو الذي يسوّي وينظم حركة المرور بين المفكر فيه واللاّمفكر فيه. المكتوب المدون المسطر دستور، قانون، تشريع منذ حمّو رابي وقبله أو بعده، منذ رسالة عمر الى أبي موسى الأشْعري عندنا «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر«. غير المكتوب المدون المسطور يظل شفويا مرويا تتدخل فيه الزيادات والمبالغات ويفعل التأويل فعله الى حد الغُلو. غلوّ من هنا، غلوّ من هناك، ويتلاشى المكتوب، يتلاشى الكتاب، يتلاشى النص. يتلاشى كل شيء رغم حضوره كجواز فقط بهويات تدعي كلها أنها الاصل ومفتاح السلالة والجنيالوجيا البعيدة منذ تلقي الوحي والأمر بالدعوة. هل يحتاج الكتاب إلى إضاءة؟ إلى مصباح؟ قبل الميزان والسنبلة؟ الإضاءة الوحيدة التي يحتاج إليها الكتاب هي المعرفة، والمصباح الذي يحتاج إليه الكتاب هو العقل، في كل الحضارات والثقافات والمجتمعات والسياقات: أين نحن في حكايتنا من هذه المكونات والمواثيق والإكراهات؟ الجواب الوحيد الذي يُقدم لنا «لنا»؟ هو «»الصندوق»« الصندوق الزجاجي، وهو اللائحة والبطاقة، قول »»نعم»«، قول» »لا« «المقاطعة، الامتناع، الاستنكاف، وهو الأخطر في قاموس الممانعة والتمنع، ومن معانيه المتعددة: «»استنكف الرجل، تبرأ وامتنع أنفة وحمية واستكبارا، تجنبا للزلل واقتراف الجريرة كما يُفهم. وهو ما يترجمه موقف «»مانمشيش واللّي ليها ليها».« مقترفو هذا «الموقف» أخلاط، عدميون أو نفعيون أو مياومون أو «شناقة» يجدون أنفسهم، بعد كل ما يجري خارج الحكاية باستثناء جدلية «نعم/ لا «براجماتيا عندما تستدعي الضرورة السياسية ذلك أو تفرضه قناعات تكريس الديمقراطية على الأرض وفي الواقع لا في الوهْم والتوهّم. الاستنكاف فعل ارتدادي، نكوصي، ممارسة ارتكاسية بحثا عن »»قطبية»« لا مرد لها في صيرورة الوضوح من داخل الصراع المكشوف بصدد طبيعة السلطة، وتتخلل كل هذا معادلة تقلب الحكاية وهي تتناسل وتحول الصندوق إلى علبة باندورا،تخرج منه كل الشرور،ويظل الأمل محجوزا:»أراد زوس مرة أن يعكرصفو هدية النار التي جلبها بروميثيوس الى البشر من السماء، فأرسل الى إيميثيوس المرأة باندورا التي وهبها جميع الآلهة هدايا الجمال واللباقة مع صندوق به جميع الشرور. ورغم أن بروميثيوس كان خدّر أخاه ...» فقد قبل باندورا واتخذها زوجة له، ولما فتحت الصندوق خرجت منه كل الشرور ولم يبق فيه غير الأمل «(أمين سلامة- معجم الأعلام في الأساطير اليونانية والرومانية، مؤسسة العروبة للطباعة والنشر والإعلان، ط: 2، القاهرة، 1988 ص4) أكيد أننا، ونحن نربط السابق باللاحق، سنتصور أن باندورا لن تكون سوى انعكاس لبعض سمات وملامح السيدة الديمقراطية وقد زفّت الى «العامل»« (عاملنا) كما مهدنا لذلك في المدخل .(انظر جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 10152، الأربعاء 18 يوليوز، ص10)، بعد أن اهتدى إليها، اكتشفها (هل؟ وكيف؟) راودها ( (؟)، نصب لها كمينا؟ وقدم لها هدية ما كان / سيكون في حوزته: المصباح والميزان والسنبلة والكتاب في انتظار أن يحصل على ما هو أفضل وأثمن في جولة أخرى بعد أن يقضي وطره منها، غير أن باندورا متمنعة ويصعب أن ينالها الغرور لمجرد الغرور نهائيا نظرا لتجاربها المتعاقبة مع كل ذوي الاحتياجات الخاصة وكل الذين يريدونها وفق نمط خاص أو قالب مسكوك، خاصة عندما يتعلق الامر بطالب ودّ مشدود الى وازع متوزع بين العديد من الرغبات والهواجس والاستيهامات والقناعات الجاهزة المتداخلة، بل ملتبسة، ظاهرها بيّن لكن باطنها مضمر يتطلب كشف الحساب، وكان أن دار بخلدها أن تسأله: «»لماذا تركت الحصان ((وحيدا؟») ولم تسمح ل»لحمامة» بالاقتراب من حبات «السنبلة» لكنها تراجعتْ وغفت البصر خفرا، سايرته وقد لاح في الأفق زئير «أسد» يشق الفضاء، وعندما التفتت حولها وجدت طالب ودّها قد التجأ الى مغارة كتب عليها »»اللي خافْ نْجا«.» هذه حكاية من ضمن حكايات تحتاج الى الهدم والبناء، الى التشبيك والتفكيك وما نحتاج إليه، في القراءة والمقاربة والتحليل والتأويل، هو ضرورة الخروج من نفق الخلط بين القول والممارسة الى أفق أرحب غير الإكراه والتسليم بواقع الأمر كيفما كان وكما هو لأن المطبخ السياسي الحالي، بعد «مقامات الربيع العربي»، يحتاج الى مزيد من التدبر الى وصفات دقيقة لتحضير ما لا يسد الرمق وحده لأيتام في مأدبة لئام مما قد يترتب عنه تخمة أو عسر في الهضم يليهما إسْهال بعد اختلاط أكل «»الحمام»« و»»العوْد»« و»»الجمال»« مما سيجعل الحكاية أكثر تعقيدا ويجعل حامل المصباح مطالبا بخوض تجربة تغريبية أخرى، وقديما قيل «»البطنة تذهب الفطنة««، وقد تكون سببا في الفتنة، وتصورْ نفسك أيها المقيد في مغارة الفصول والأزمنة، وأنت تقرأ وتأكل ويصلك زئير أسد هرم طاردته/ تطارده أسودأخرى وعافته، إناثه في أرذل العمر: هل تسلمه قليلا من لحم العوْد لأنه الأجدر به أم تستمر في الأكل والقراءة الى أن تشبع وتنام ثم تصحو وتبحث عن باندورا فلا تعثر عليها؟ هذا الكتاب الذي بين يديك ليس هو حكايات إيزوب ولا «كليلة ودمنة» ولا بعض خرافات لافونتين وبعده خرافات أحمد شوقي ولا علاقة للفيلم ب «»أفاتار«« أو «جوراسيك بارك«« .إنه كتاب الكتب الذي لم يكتب، خطوطه متعددة، لغاته متشعبة، نصوصه متفرقة، طبعاته لا تتوقف، نسخه بلا حد. دعك من كتاب صاحبك الذي تورّط إذ تستهويه لعبة امتلاك كتاب دون خوف من إضاعته سهوا في لجة الهرج والمرج، وزعم طائفة على الضفة الأخرى باقتراب الطوفان، تليه القومة في فضاء الحكاية. الإطار كما قال البنيويون، قومة لا مصباح فيها ولا ميزان ولا سنبلة ولا حمامة ولا حصان ولا جمل ولا جرّار ولا باندورا أو ما شابهها، بل لا أثر للحكاية لأية حكاية غير حكاية المرشد. دعك أيضا من استنساخ النموذج وافتح كتابك الخاص إن شئت، إنما تذكر أن لكل منا كتابًا ولم نقبل من فراغ لتسد علينا الأبواب وتوضع المتاريس في الممرات قبل الطرقات وتحوم من حدائقنا ورؤوسنا ونزواتنا في الحياة. الكتاب الذي نملكه قرأت بعض فصوله قراءة عابرة، ولما وجدت نفسك عاجزا لجأت الى من ذلك على صاحب كتاب مخالف لا يمت للكتاب الأول بصلة إلا من باب «رائحة الشحمة في الشاقور»، فوجدك، مثلما وجدته، تحت تصرفه ونقل إليك شعلة السباق في حلبة مغلقة تبعك فيها آخرون ممن يقض مضجعهم اسم »»الوردة»« التي على بالك وتريدها أن تذبل في يد باندورا لتنقض عليها، وأنا أحذرك، بالمناسبة وحسب المقام، من التحرش، والتطاول على من هي في حرمة مجالدين من طينة أخرى رغم تعرضهم للبلاء غير مرة، وهذا مذكور في الكتاب الذي فزعت منه وتوجهت الى كتاب صاحبك لمعرفتك أنه مجرد كتاب مستنبت ومستخلص من كتب شتى.