تعيد وفاة تشينوا أشيبي، الذي غادر الحياة الأسبوع الماضي داخل مستشفى في بوسطن عن عمر ناهز 82 سنة، الكاتب النيجري إلى الواجهة كأحد أعمدة الكتابة الإفريقية المنتقدة للاستعمار. فرواية «العالم ينهار» الشهيرة التي انتقد فيها الاستعمار، والتي بيع منها حين صدورها أكثر من 10 ملايين نسخة، جعلت منه الكاتب الذي لا ينسى، أو كما قال عنه بيان العائلة «أحد أبرز أعلام الأدب في عصره». أما الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما فوصفه ب»أحد أعمدة الأدب الإفريقي». أما الكاتبة الجنوب إفريقية نادين غورديمر، الحائزة على جائزة نوبل للآداب، فقالت عنه إنه «لم يكن فقط كاتبا عظيما له قراء كثر، بل كان إنسانيا». كما قال عنه مواطنه وول سوينكا، والشاعر جون بيبر كلارك في بيان مشترك: «لقد خسرنا أخا، زميلا، رجل حداثة ومقاتلا شجاعا». أما الزعيم الجنوب الإفريقي نيلسون مانديلا فقال عنه بأنه «كاتب في صحبته انهارت جدران السجن» حيث قرأ مانديلا روايات الراحل وهو في السجن. من جانبه، قال مايك أوده، المتحدث باسم ولاية أنامبرا حيث مسقط رأس أشيبي، إن «العالم خسر أحد أفضل كتابه وإفريقيا فقدت جوهرة أدبية». وكان تشينوا أشيبي نشر أولى رواياته عام 1958 بعنوان «العالم ينهار»، وهي رواية اكتسبت شهرة عالمية وطبعت في الإرث الأدبي لمجموعة إيغبو الإثنية التي ينتمي إليها، وتمحورت خصوصا حول رفض الاستعمار البريطاني لنيجيريا. واشتهر الكاتب الراحل بانتقاده قادة بلاده وتنديده بسلوك الطبقة السياسية، خصوصا من ناحية الفساد المستشري فيها، كما الحال بالنسبة لكتابه المنشور عام 1984 بعنوان «المشكلة مع نيجيريا».لكن على الرغم من الشهرة العالمية التي حققها، لم ينجح أشيبي في الحصول على جائزة نوبل للآداب، خلافا لمواطنه وول سوينكا الذي كان أول إفريقي ينال هذه الجائزة عام 1986. ويذكر أن الراحل تشينوا رفض جائزة كان من المقرر أن يمنحها له الرئيس غودلاك جوناثان بسبب عدم معالجته المشاكل السياسية في نيجيريا، كما أنه كان قد رفض اللقب الوطني «قائد الجمهورية الاتحادية» في العام 2004, عندما كان أولوسيغون أوباسانجو رئيسا للبلاد. «العالم ينهار»..الرواية المعجزة كانت «العالم ينهار» أولى رواية يكتبها شينوا أشيبي وهو في الثامنة والعشرين من عمره. كتبها سنة 1958، أي قبل عامين من إعلان استقلال نيجيريا عن بريطانيا. إذ عندما كان أشيبي طالباً جامعياً قرأ رواية الكاتب الإيرلندي جويس كاري «مستر جونسون»، وهي رواية أوروبية تتحدث عن نيجيريا أيام الحكم البريطاني. ورأى شينوا فيها ظلماً أدبيا وأخلاقيا أصاب أبناء وطنه الأفارقة، فكتب»العالم ينهار» لإعطاء الصورة الحقيقية للمواطن الإفريقي. أدخلت هذه الرواية أشيبي عالم الأدب من بابه الواسع وجعلت منه واحداً من مؤسسي الرواية في أفريقيا. إذ كان أول روائي إفريقي ينقل هذا الفن الأوربي إلى عمق القارة السوداء. ترجمت رواياته «العالم ينهار» و»لم يعد مطمئنا « إلى الألمانية و الايطالية والاسبانية والسلوفينية والروسية و العبرية و الفرنسية والتشيكية والمجرية في الحرب الأهلية النيجيرية (1967 1970)، أو حرب البيافرا كما سميت، حين سعت مقاطعة البيافرا إلى الاستقلال، احتل أشيبي موقعاً في الحكومة البيافرية الناشئة. وبعد انهيار تلك الحكومة اضطر إلى مغادرة بلده والعيش في المنفى الأمريكي. «العالم ينهار» تحكي عن شعب الإيبو وسعت إلى انتشال حياة جارية من قعر النسيان وإلقاء الضوء على جماعة الإيبو، مكثفة في قرية أومونيا، عند نهايات القرن التاسع عشر، قبل وصول المستعمرين الإنجليز. أوكونكو، بطل الرواية، يرى نفسه سيّد القرية. في نظرته لنفسه تكمن القوة والسلطان. غايته الوحيدة في الحياة هي الظفر بالسلطة والجاه والشأن. وسرعان ما يغدو هذا الطموح هاجساً وسواسياً يصادر ملكات أوكونكو ويسدّ منفذ فكره وحواسه. فهو يصير أسير هذه الرغبة التي تحركه كيفما شاءت وتدفعه إلى ارتكاب الأخطاء القاتلة بحق جماعته نفسها. ينتهك حرمتها ويعتدي على أفرادها ويتجاوز الحدود المرسومة فيها. هذا الأمر يخلق هوة تتوسع بينه وبين الجماعة إلى أن يقترف جرم القتل. ومن يقتل ينفى في قانون إيبو. في فترة نفي أوكونكو (التي تستمر سبع سنوات) تصل طلائع البعثات الكولونيالية البريطانية إلى القرية. وبعد عودته من المنفى يرى أوكونكو أن القرية قد تبدلت تبدلاً كلياً. يعتبر أوكونكو المستعمرين البريطانيين خطراً على جماعته ويعلن عن رغبته في قتالهم. ولكنه يجد نفسه وحيداً. لا أحد في القرية يدعمه ويقف إلى جانبه. يقول صديقه أوبيريكا: «الرجل الأبيض استطاع كسب ود أهل القرية ولم تعد هناك رغبة في قتالهم».لكن أوكونكو يرفض التسليم بالواقع. وبطريقة مفاجئة يقتل المبعوث الذي أرسلته الإدارة الكولونيالية. وفي قانون إيبو: من يقتل ثانية يعدم. لكن أوكونكو يرفض الخضوع لهذا القانون، رغم اعترافه بجرمه، فينتحر في الأخير. تُجلي الرواية مأساة السكان الأصليين الذين يصطدمون بسلطتين طاغيتين لا رادع لهما: سلطة أوكونكو، المتغطرس، الذي يفرض نزواته الصارمة على الجماعة من جهة، وسلطة القوى الخارجية التي أتت كي تخلخل البنى القائمة على الأعراف والتقاليد المتوارثة منذ آلاف السنين من جهة ثانية. باصطدام شعب إيبو بالقيم التي يحملها الكولونياليون معهم تهتز الأرض تحت أقدامهم وتتداعى الأشياء من حولهم شيئاً فشيئاً إلى أن ينهار كل شيء. ويبدو كأن كل شيء ينبغي أن يبدأ من جديد.