رسم المجلس الأعلى للحسابات صورة قاتمة عن منطقة «ثلاثاء تاغرامت»، التي توجد بعمالة فحص أنجرة بطنجة، والتي تعيش وضعا كارثيا بسبب نهب طبيعتها وثرواتها بسبب المقالع، وأيضا بسبب الغموض الغريب في تسيير هذه الجماعة. ويتزامن تقرير المجلس الأعلى للحسابات مع احتجاجات متصاعدة لسكان المنطقة، والذين سبق لهم أن راسلوا عامل عمالة فحص أنجرة، لمئات المرات دون نتيجة، لتبقى المنطقة تعيش وضعا اجتماعيا واقتصاديا وصحيا يصعب تصديقه. دوي انفجار قوي يهز أركان القرية الجميلة، ليسري الارتباك في ثنايا مشهد بانورامي خلاب تمتزج فيه الطبيعة الساحرة بالجبال الراسية، إنها تاغرامت، القرية الجبلية التي لم يعد أهلها يلتفتون لخيراتها الطبيعية بعدما نغصت عليهم مقالع الحجارة حياتهم الهادئة. إنه تناقض غريب في مكان يعتقد زائره للمرة الأولى أنه عثر على مكان تكتمل فيه الصورة الرومانسية لطبيعة هادئة، قبل أن تفاجئه هزات أرضية تتكرر ليل نهار، ودوي ينقله في طرفة عين من وداعة الطبيعة إلى ذعر الحرب، فإذا ما هو اقتطع من وقته القليل وتحدث مع سكان هذه المنطقة يتأكد أنهم يحتاجون للكثير حتى ينزع عنهم غبنهم. إن «تاغرامت» أكثر بكثير من مجرد طبيعة ساحرة مهددة بالانقراض، إنها موت ودمار يوميان. مقالع القلق والدمار إنها الثامنة صباحا في إحدى قرى جماعة تاغرامت، صباح جميل ذاك الذي يستقبل المرء في هذه القرية الجبلية المنسية، وهدوء مفعم بالأمل يجثو أمام سكانها كل صباح، لكن هادم لذات تاغرامت يقسم أن لا يسمح لأحد بالاستمتاع بحسن القرية، حتى ولو كان ضيفا، فما هي إلا دقائق معدودة حتى تنطلق الانفجارات ويملأ دوي الديناميت عباب الدنيا كاسرا سكينة المكان. لا يبدو على أحد السكان الذي رافقنا أنه مصدوم من هذا الغزو الفجائي، «إننا نقترب من مقلع الآن، وهذا صوت المواد المتفجرة المستعملة لاستخراج الحجارة، أغلبها ممنوع قانونا ورغم ذلك تستخدم بشكل مفرط، لقد حولت هذه الانفجارات حياتنا إلى جحيم لا يطاق، لم نعد ننعم بنومنا، ففي كل ليلة يستيقظ أطفالنا مذعورين على وقع الانفجارات المستمرة بالليل والنهار»، هكذا يعلق أحد أبناء المنطقة، الذين يعتبرون أن الحياة في هذا المكان أضحت مستحيلة، لذلك فإنه يستعد للهجرة صوب طنجة، ليس فقط بحثا عن عمل، وإنما أيضا بحثا عن الحياة الطبيعية التي انقرضت من المنطقة منذ غزت المقالع تاغرامت انطلاقا من سنة 2000. «الانفجارات المخيفة ليست وحدها التي تقض مضاجع السكان، إنها ليست سوى مشكلة وحيدة ضمت سلسلة من الكوارث، هناك مشاكل أخرى أسوأ بكثير، باقي ما شفتو والو!»، يعلق مرافقنا الذي سيكشف لنا بعد قليل عن كارثة من الكوارث التي ضربت المنطقة بسبب المقالع. ننطلق إلى منطقة جبلية جميلة، حيث تمتزج خضرة النباتات بألوان الصخور الداكنة، وغير بعيد، هناك عين ماء تبدو كدمعة تسيل على خد الأرض الحسناء، شاكية هما ثقيلا جثم على صدرها، وما هي إلا لحظات حتى تبوح بسرها المؤلم «أترون ذاك المقلع هناك، لقد دمر هاته المنابع المائية، إن هذه الأرض تابعة لورثة عبد القادر بن محمد قنجاع، كانت إلى حدود سنة 2005 من أجمل جنان هاته المنطقة، إلى أن حصل أحد النافذين الذي يعد من أباطرة العقار في طنجة على رخصة المقلع، وحولها إلى خراب». نلتقي أحد الورثة ليحدثنا عن قصة «الأرض المغتصبة»، ولكي يقطع الشك باليقين يكشف عن الوثائق أولا «هذه عقود الملكية، وهذه شهادة من نائب الجماعة السلالية تؤكد أنها لا تدخل ضمن أراضي الجموع، ورغم ذلك فإن وزارة الداخلية رخصت لصاحب المقلع باستغلال الأرض، ونحن لا زلنا الآن في صراع قضائي طويل معهم، في حين هم تجاوزوا حتى المساحة القانونية التي سمحت لهم السلطات باستغلالها ومنعونا من الاقتراب من أرض أجدادنا»، يتحدث الوريث وفي حلقه غصة ألم تكشف عنها بحة صوته. المصائب لا تتوقف هاهنا، فهذا المقلع الذي لا زال محل نزاع قضائي، يهدد المنطقة بكارثة طبيعية، فبغض النظر عن تمركزه في موقع استراتيجي فوق أرض خصبة، فإنه أيضا مقام فوق منطقة تضم 7 منابع مائية تعد المزود الرئيسي لسد الحسن بن المهدي، وبفعل الاستعمال المفرط للمتفجرات، حسب شكايات سكان المنطقة التي لم تلق ردا من السلطات، طُمرت عدة منابع بالصخور، كما تلوثت المياه بأتربة المقلع وزيوت المحركات المحروقة،التي تصبها الشركة المشرفة وسط المياه، حارمة السكان من استعمالها، حيث باتت المنطقة تعيش مفارقة أخرى، فهي من أغنى المناطق الفلاحية بالمياه في شمال المغرب، لكنها صارت عاجزة عن استغلال هذه النعمة التي طالتها أيدي العابثين. الموت المنثور من فوق تل مرتفع مشرف على الطريق التي تربط التجمعات السكنية بمركز تاغرامت، تبدو سحابة غبار أصفر قاتم وكأنها عاصفة قادمة إلى المنطقة ستدمر كل ما يقف في طريقها، وبعد دقائق معدودة، تتضح الصورة، إنه رتل من الشاحنات تقارب العشرين، تنقل أطنانا من الحجارة التي يتساقط بعضها من فرط الحمولة، وتخلف وراءها أتربة تخنق من يقترب منها. إنه جانب من جوانب خرق دفاتر التحملات الخاصة بالمقالع، والتي تلزم أصحابها بتغطية الشاحنات حتى لا تخلف وراءها هذا الغبار المؤذي، ولكن ذلك ليس سوى جزء بسيط من المشكلة، فالمتفجرات التي تستخدمها المقالع بإفراط، حسب السكان، تخلف موجة من الأتربة يجزم الأهالي أنها السبب الرئيس في مآسي عديدة ألمت بالمنطقة وأهلكت الحرث والنسل. ننطلق إلى منزل سيدة في الثلاثينات، لنكتشف جانبا من هذه المآسي، تمتنع السيدة في البداية عن التجاوب مع «البْرَّاني» خوفا من «التهديدات» وتعلق «إذا عْرفوني كَنْتْكلم مع اللجنة أَوْلاَ مع الصحافة غادي يْتعدَّاوْا عْليَّا»، تعلق بعدما تفطنت إلى أن هؤلاء الغرباء الذين يسألونها «ماجين من المدينة»، على حد تعبير أهالي المنطقة. «شْكُون هادو اللِّي غادي يْتعداو عليك؟» نسألها، فتجيب بصوت خافت «المسؤولون»، ولا يسمح لها مستواها التعليمي المتواضع الذي لم يمح من عقلها الذكاء الفطري، بتحديد هوية هؤلاء المسؤولين، فكل ما تعرفه أنهم «نافذون ومُؤذون». وبعد أن تطمئن إلى أن صورتها أو اسمها لن يظهرا على صفحات الجريدة. تنادي المرأة على ابن لها في ربيعه الثاني عشر، طفل نحيل شاحب بعينين حمراوين نتيجة إصابته بالحساسية بسبب غبار المقالع، حسب والدته، ثم ترفع كم قميصه الرث لتكشف عن بقع حمراء ملتهبة، تنتشر مثيلاتها في ظهره وصدره وأنحاء أخرى من جسده، وهي أعراض أصابت أطفالا آخرين في المنطقة، وبدأت تنتشر منذ أن فتحت المقالع أبوابها. رغم الاقتناع التام الذي تبديه الأم بأن ما ألم بابنها سببه المقالع، إلا أنها تقف عاجزة عن فعل أي شيء، فالمستوصف المتهالك الذي يوجد في المنطقة خال من أي طبيب، ما عدا ممرضتين أقصى ما تستطيعان فعله هو تسليم المصابين مراهم تخفف الالتهابات، أما شكايات السكان لوزارتي الداخلية والصحة ومطالبتها بإيفاد لجنة للتحقيق في الأمر، فلم تجد من يلتفت لها، رغم أن الأمراض الجلدية والربو وأمراض العيون ارتفعت وتيرتها منذ أن بدأت المقالع عملها، بعدما كانت شبه منعدمة. وليس البشر وحدهم الذين يعانون من الغبار القاتل، الحيوانات والمزروعات بدورها حطت عليها لعنة المقالع. والحاج عبد السلام أحد الذين عانوا من هذه اللعنة، يتذكر قصة الخراب الذي تسلل إلى بيوت الأهالي قبل 13 عاما «في التسعينيات فقط كنا نعيش حياة هادئة، كنت أتاجر في المزروعات، في الطماطم وفي الفواكه، وكانت لي عشرون بقرة حلوبا وبعض العنزات، التي كانت تدر خيراتها... لكن كل شيء تغير منذ أن أتت هذه المقالع اللعينة، غبارها الأصفر قتل الأشجار أولا، ولوث المياه وجعل أراضينا الخصبة تبور فلم تعد تطرح شيئا، ثم بدأت البهائم بدورها تعاني من الأمراض، ثم صارت تنفق فجأة، لقد فقدنا كل شيء، وإن تكلمنا نتهم بالشغب... الله ياخذ الحق». وفي أرض عبد القادر قنجاع أيضا، يحكي أحد أحفاده مأساة مماثلة، فهو فقد العشرات من قطعان الماعز والخرفان، ودمر الغبار القاتل أكثر من 100 خلية نحل مملوكة له، وعندما احتج على صاحب المقلع، سيق إلى الدرك بتهمة التهجم عليه، رغم أنه أصلا يقيم مقلعه فوق أرض المتضررين. السكان يكشفون عن حقائق أخرى خطيرة، فغابات المنطقة كانت تعج بالأرانب البرية وطيور الحجل والسمان التي كانت تستوطن المكان، لكنها منذ العقد الأخير تناقصت إلى أن انقرضت أو كادت، ويحكي الناس أنهم صاروا يعثرون على حيوانات نافقة كثيرة داخل الغابة، وأخرى عمياء أو مصابة بالتهابات في العيون منذ أن غزت المقالع جماعة تاغرامت. دموع الرجال! يستطيع الزائر لجماعة تاغرامت أن يلاحظ بسهولة مظاهر الارتباك والقلق والخوف المتربصة بحياة السكان، فهؤلاء الذين عاشوا عقودا وسط أحضان الجبال الساكنة، تحميهم الغابات الممتدة وترويهم منابع الماء الزلال، صاروا اليوم بين خيارين أحلاهما مر مرارة العلقم، فإما أن يعيشوا وسط الهلع المستمر ليل نهار، جراء الانفجارات التي لا تتوقف، وأن يصبروا على الأمراض المزمنة والأضرار الفادحة في الأموال والأنفس والثمرات، أو أن يهاجروا صوب قرى أخرى أو صوب المدينة ليبدؤوا من نقطة الصفر مواجهين مصيرا جديدا غامضا. ننتقل إلى تجمع سكني بسيط بعيد نسبيا عن أقرب مقلع، أو هكذا اعتقدنا، فالانفجارات التي يحدثها هذا المقلع تصل تأثيراتها إلى هذا المكان، نرافق شيخا طاعنا في السن ليرينا شقوقا عميقة في منزله البسيط، ممتدة من الجدران إلى السقف، وأخرى في حظيرة المنزل. «إننا نعيش وسط الخطر، قمنا بعدة إصلاحات، لكن الانفجارات تظهر شقوقا أخرى... لم نعد نستطيع صبرا أنا وزوجتي المُسنة، أبناؤنا كلهم انتقلوا إلى المدينة لأنهم لم يطيقوا هذه الحياة الصعبة... خْرْجُولنا عْلَى حْياتنا الله يْنتقم منهم!» يعلق العجوز والدموع تنهمر من عينيه ليزيد المشهد تراجيدية... صعبة هي دموع الرجال، خاصة إذا كانت تنهمر بسبب الظلم، هذا الإحساس يعيشه أهل تاغرامت صابرين محتسبين، منذ 13 سنة. طريق محتل على الطريق الذي يربط القرية بباقي الجماعات القروية التابعة لعمالة الفحص أنجرة، يخبرنا المرافق أن السكان محرومون، بحكم الأمر الواقع، من استخدام هذا المسلك حفاظا على سلامتهم الشخصية أولا، مذكرا بحادث مأساوي عرفته المنطقة منذ 4 سنوات، حين فقد سائق شاحنة التحكم في عربته فاتجهت إلى مدرسة واصطدمت بمجموعة من التلاميذ، حيث دهست طفلة وقتلتها على الفور وكسرت عظام آخرين، والسبب حسب السكان، في هذا الحادث وحوادث أخرى مثله، هو أن عددا من السائقين يقومون بتوقيف محركات الشاحنات في المنحدرات وإطلاق العنان للشاحنات، بهدف توفير كميات من الوقود، دون الالتفات للأخطار القاتلة لهذه المغامرة... إنه مظهر آخر من مظاهر العبث الكثيرة في تاغرامت، هكذا يعلق مرافقنا. سبب آخر يمنع الأهالي من استعمال هذه الطريق، هو الغبار المنبعث من حمولة الشاحنات، فقبل عقد ونصف، كانت الطرق التي تربط تاغرامت بالمدينة تعج بالنسوة اللواتي يعرضن بضاعتهن الجبلية الطازجة، وكانت المنطقة معروفة بأجبانها وألبانها وخضرواتها التي يأتي الناس من طنجة وتطوان لابتياعها، مما شكل للأسر مصدر دخل ضمن لها لسنوات العيش بكرامة.. كل ذلك الآن صار مجرد ذكرى جميلة قد يكون من المستحيل أن تعود، فمن هي هذه المجنونة التي ستجلس على قارعة الطريق لتستنشق الغبار القاتل؟ وإن حدث ذلك، فأي بليد قد يغامر بحياته ليأتي إليها؟. فقر مذقع في منطقة غنية تستيقظ جماعة تاغرامت على وقع احتجاج آخر، فالأهالي لم يعد لهم من سلاح يواجهون به تسلط المقالع سوى الاحتجاج، رغم أنه سلاح يبدو بدون فاعلية في منطقة معزولة تمنع الجبال صدى أصوات أبنائها من الوصول إلى مسامع السلطات. هذه المرة السكان يحتجون بسبب الطريق التي تستعملها شاحنات الحجارة، والتي يطالبون بإصلاحها وترقيع حفرها، لعل الغبار المنبعث يقل شيئا ما، لكنها احتجاجات قد لا تسفر عن شيء في النهاية سوى بح صوت المتظاهرين. يؤكد محمد النعيمي، وهو رئيس لإحدى الجمعيات المحلية المهتمة بالتنمية والتواصل، أن الاحتجاجات ما فتئت تتكرر لأسباب مختلفة، في مقدمتها مطالبة الجماعة بإجبار المقالع على احترام دفاتر التحملات والتقليل من استخدام المتفجرات وإصلاح الطريق، «لكن الجماعة والسلطات يتجاهلون مطالبنا.. السكان تعبوا من الاحتجاج!» يعلق النعيمي. أحمد، فاعل جمعوي شاب في العشرينات، يلفت الانتباه إلى تناقض غريب «هذه المنطقة فيها 6 أو 7 مقالع مرخصة تعد من أكبر المقالع في المغرب، دون الحديث عن مقالع أخرى عشوائية، مما يعني أننا نظريا من أغنى المناطق في الشمال، لكن واقع الحال معاكس لذلك تماما.. البطالة تحاصر الشباب، والهجرة نحو المدينة تتزايد، والأسر فقدت عملها في الفلاحة أو التجارة منذ افتتحت المقالع، تصوروا أنه ليس لدينا طبيب حتى!». تلك هي الحقيقة المرة، ففي مغرب «العهد الجديد»، كما يقال، لا زالت هناك مئات الأسر في منطقة قروية، تنتظر الموت وتصبر على ما لا يطيق الناس عليه صبرا، أما الشكوى فهي «إلى غير الله مذلة»، ما دام بعض المسؤولين قد صموا آذانهم مسبقا، هكذا يقول واقع الحال. ويضيف السكان أنهم راسلوا عامل عمالة فحص أنجرة، مئات المرات، وأشعروه بواقع الظلم المزري الذي يعيشونه، لكنه لم يلتفت إليهم بالمرة، بل لا يفتح بابه لاستقبالهم وكأنهم مجرد طفيليات جاءت تنغص عليه راحته، راحة الصمت التي استمتع بها هذا العامل طويلا.
المجلس الأعلى للحسابات يكشف علاقة «فضائحية» بين جماعة تاغرامت والمقالع
منذ قدوم «المساء» إلى «تاغرامت» وهي تستمع إلى اتهامات من السكان للجماعة القروية بالتواطؤ مع أرباب المقالع، والتستر على خروقاتهم الخطيرة، اتهامات كثيرة أخرى وجهت إلى رئيسة الجماعة، نزيهة الخراز مباشرة، وتتعلق بالعلاقة «الجدلية» التي تربط بقاءها في منصبها باستمرار دعمها لشركات المقالع وتجاهل شكايات السكان، وهي اتهامات حاولت «المساء» التأكد منها مباشرة من رئيسة الجماعة، لكن الأخيرة اكتفت ببعث رسالة للجريدة من قبل تخبرنا فيها «أنها ليست سكرتيرة أحد وأنها ليست مجبرة على تقديم أي معلومة»، في خرق واضح لنصوص الدستور الذي يجعل المعلومة متاحة للمواطنين، خصوصا وأن هذه المرأة منتخبة ومسؤولة عن قطاع جماعي وليست مسؤولة عن أملاكها الخاصة. صمت رئيسة الجماعة أو كلامها لم يعودا مهمين، طالما أن تقريرا رسميا أعدته إحدى أهم مؤسسات البلد، ويتعلق الأمر بالمجلس الأعلى للحسابات، يكشف عن فضائح بالجملة في تعامل المجلس «المنتخب» مع المقالع، وهي جزء فقط من سلسلة خروقات مرصودة بخصوص تدبير المداخيل والنفقات والضرائب والرسوم على البناء والوضع البيئي المتدهور. فالجماعة، حسب التقرير الصادر الشهر الماضي، لم تقم بمراجعة إقرارات المقاولات الست المستغلة للمقالع بالمطلق منذ بدء عملها، بالرغم من توصلها برسائل من وزارة الداخلية تحدد الكميات المستخرجة منذ 2006، ولم تقم الجماعة بأي إجراء للتأكد من احترام الشركات للكميات القانونية المسموح باستخراجها. مصالح الجماعة، كما ورد في التقرير، لم تقم بمراجعة السجل الخاص بتتبع حالة المقالع وسير عمليات الاستغلال، والذي يتعين أن يرفق برسم طوبوغرافي يوضح التطور الحاصل على الطبيعة الأصلية للقطعة الأرضية نتيجة الاستغلال، الذي ينبغي تحيينه كل ثلاثة أشهر، كما تلزم بذلك دفاتر التحملات. ويقدم التقرير نماذج عن تواطؤ الجماعة مع أرباب المقالع، عبر إعفاءات غير قانونية وتغاضي عن الإقرارات الجبائية، فهي تراجعت عن مطالبة المقلع «ك» بمبلغ الرسم والغرامات المحددة في أكثر من 4.2 ملايين درهم، بعد امتناعه عن تقديم إقراره في الآجال القانونية، لتخفضها إلى النصف مكتفية ب2.2 مليون درهم، بعدما خفضت الكمية المحتسبة من حوالي 700 ألف طن، إلى حوالي 410 آلاف طن فقط، في خرق لدفتر التحملات، الذي ينص على ضرورة إجراء خبرة على نفقة المستغلين للمقالع، في حال وجود نزاع حول الحميات المستخرجة. التقرير ذاته كشف عن أن المقلع «س.م» لم يلتزم بتقديم إقراراته الضريبية للربعين الأولين من سنة 2011، دون أن تقوم الجماعة بأي إجراء تجاه ذلك، متغاضية عن ملايين الدراهم. وراسلت 7 جمعيات مدنية تنشط في جماعة تاغرامت، وزير الداخلية امحند العنصر، لمطالبته بإرسال لجنة مركزية من المفتشية العامة لوزارة الداخلية لمراقبة ميزانية جماعة تاغرامت، استنادا إلى ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ودعت المراسلة وزير الداخلية إلى الوقوف على «خطورة هذه الاختلالات واتخاذ الإجراءات الضرورية لمعالجة الوضع».