أضحت جماعة تاغرامت التابعة لإقليم الفحص أنجرة منطقة «منكوبة» كما يصفها السكان، بعدما صارت قراها تعيش في وضع وصف بالمأساوي بسبب المقالع الحجرية الموجودة بالمنطقة، التي تسببت في تلويث الفرشات المائية، ونفوق عدد كبر من المواشي، إضافة إلى الأضرار الصحية نتيجة الغبار الكثيف القادم من تلك المقالع. وحسب ممثلين عن سكان المنطقة، التقتهم «المساء»، فإن المقالع التسعة الموجودة بهذه المنطقة القروية لا تحترم دفتر التحملات وتقوم ب»خروقات» عديدة، تهدد سلامة السكان وتؤثر عليهم صحيا واقتصاديا، ولعل من أخطر المشاكل التي يضطر سكان قرى الجماعة إلى تحملها، استخدام تلك المقالع للمتفجرات، والتي تسبب انفجارات عنيفة تهز منازل المنطقة، هذه الانفجارات التي تتكرر في المتوسط ما بين 4 و5 مرات في الأسبوع. وحسب السكان، إن هذه التفجيرات تسببت في شقوق بالمساكن، إلى جانب تسببها في انهيارات صخرية تهدد المباني والممتلكات، وكذا حياة القاطنين بهذه المنطقة. ويضيف سكان المنطقة أن الانهيارات الصخرية تسببت أيضا في تدمير عدد كبير من الأراضي الفلاحية، التي امتلأت بالحصى والحجر وصارت غير قابلة للزراعة، الشيء الذي أدى إلى مشاكل اجتماعية ومادية قاسية تحملها مستغلو تلك القطع الأرضية. من جهة أخرى، يواجه سكان المنطقة موجة غبار كثيف التي تنبعث طيلة اليوم من تلك المقالع، والتي أدت إلى مشاكل صحية لدى السكان، الذين أدلوا ل»المساء» بشواهد طبية تؤكد إصابتهم بمشاكل على مستوى الجهاز التنفسي وأمراض العيون، هذا إلى جانب نفوق عدد كبير من المواشي والدواجن، الأمر الذي جعل السكان يحملون المسؤولية الكاملة للمقالع الحجرية وللسلطات المرخصة لها. مشكل آخر تسببت فيه هذه المقالع، حسب سكان المنطقة، إذ يعتبرون أنها أدت إلى تلويث 7 فرش مائية كانت تشكل مصدرا أساسيا للتزود بالمياه لسكان قرى تاغرامت، هذه الفرش المائية التي اختلطت مياهها بالغبار والأتربة والحصى وتغير لونها إلى اللون الأبيض أو الرمادي. ولم يعد السكان قادرين على الاستفادة من هذه الفرش المائية، بينما سدت الأحجار منابع مائية أخرى، الشيء الذي أدى إلى جفافها، أما المشكلة الأخطر التي يشتكي منها سكان المنطقة، فهي تحويل مجاري بعض المنابع لتتحول من الاستخدام العام إلى الاستخدام الخاص من طرف تلك المقالع، وهو الاتهام الذي يوجهه السكان أيضا إلى سلطات وسياسيي المنطقة الذين يتهمونهم ب«التواطؤ» مع شركات المقالع الصخرية، التي يعتبرون أن أخطرها هما مقلعان يستغلان من طرف شركتين أجنبيتين إحداهما بلجيكية والأخرى لبنانية. ويشير السكان بأصابع الاتهام إلى الجماعة القروية لتغرامت، وبالخصوص إلى رئيسة الجماعة، التي يقولون إنها لا تقوم بأي جهد من أجل حماية السكان، ويضيفون إلى ذلك اتهامات أخطر، لم يكن ممكنا التأكد من صحتها. ويتهم السكان الشركات المستغلة لتلك المقالع أيضا ب«احتلال» المسالك الطرقية، والتسبب في عزل قرى الجماعة، حيث إن تلك الشركات، حسب السكان، قامت بتوسيع الطرق التي أنشأها أهالي القرى، لتستغلها شاحناتها في نقل الأحجار، وتكمن الخطورة في استخدام تلك المسالك الطرقية في السرعة الكبيرة التي تسير بها تلك الشاحنات، والتي تتحرك في موكب يضم ما يقارب 300 شاحنة في الرحلة الواحدة، حسب شهود عيان، ويؤدي هذا الأمر أيضا إلى انبعاث موجة من الأتربة تغطي المنطقة. ويوجه السكان اتهامات مباشرة إلى مسؤولين بالمنطقة بالتغاضي عن ممارسات تلك الشركات وخرقها «الواضح» لدفتر التحملات، حسب تعبيرهم، مقابل الاستفادة الشخصية، ويضيف المتحدثون أن معظم تلك المقالع تجاوزت المساحة القانونية التي سمحت بها التراخيص بعشرات الأضعاف، الأمر الذي يحرم خزينة الدولة من ملايين الدراهم، نتيجة استغلال مساحات شاسعة خارج القانون، دون تأدية واجباتها، حسب السكان. وكانت لجان سبق أن استدعاها ممثلو السكان، تضم مهندسين وخبراء محلفين في مجال الجيولوجيا، إلى جانب جمعيات بيئية فرنسية وإسبانية زارت المنطقة، قد أقرت بوجود أضرار ناتجة عن الغبار والاستخدام المفرط للمتفجرات، تضر بممتلكات السكان وبصحتهم وأوصت بالالتزام بدفتر التحملات واحترام المساحة المرخص بها، فيما أوصت جهات أجنبية مختصة بالغلق الفوري لتلك المقالع، بينما رصدت جهات رسمية كذلك جملة من الخرقات بتلك المقالع، ويوضح تقرير للفرقة الإقليمية لمراقبة المقالع بمنطقة الفحص أنجرة، التابعة لوزارة التجهيز والنقل، بخصوص أحد أكبر مقالع المنطقة، والذي حصلت «المساء» على نسخة منه، أن المقلع لا يتوفر على قرار بالموافقة البيئية، كما أنه لا يوفر التأمينات الضرورية للعمال ولا يتخذ تدابير للسلامة، حسب التقرير، الذي أضاف أن المقلع لا يلتزم بجملة من الشروط التقنية التي من ضمنها تسييجه وإحاطته بأنصاب من الخرسانة، وذكر التقرير كذلك أن المقلع لا يحترم الكمية المصرح باستخراجها، ويتسبب في تناثر الغبار وتلوث الهواء ولا يحترم مجاري المياه والعيون والمحيط الطبيعي، وسجلت الفرقة أيضا أن المقلع «تجاوز بكثير» المساحة المرخص باستغلالها، بالإضافة إلى توفره على مصدرين مائيين بدون ترخيص، إلى جانب جملة من الخروقات الأخرى. ورغم كل هذه الخروقات المسجلة من جهات رسمية ومن خبراء جيولوجيين وبيئيين مغاربة وأجانب، إلا أن الشكايات التي يبعث بها السكان إلى الجهات الرسمية، وفي مقدمتها وزارة التجهيز والنقل، والطاقة والمعادن والماء والبيئة، ووزارة الفلاحة والمندوبية السامية للمياه والغابات، وإلى مؤسسات بيئية وحقوقية، والتي تجاوزت 100 شكاية، لم تلق ردا، فيما يتم رفض الدعاوى المرفوعة ضد تلك المقالع بسبب «عدم الاختصاص» أو «عدم القبول»، ويستغرب السكان سبب عدم تمكنهم من اللجوء إلى القضاء لحل هذه المشكلة.