الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    وفد شيلي يثمن طفرة التنمية بالداخلة    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    أوزين: الأمازيغية لغة 70 في المائة من المغاربة .. وعلمانية المملكة متفردة    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساء تحقق في ملف ضحايا المقالع العشوائية في تطوان
تشتغل في غفلة عن الجميع وملايير الدراهم تضيع سنويا
نشر في المساء يوم 02 - 12 - 2011

المقالع.. ثروة يسيل لها لعاب كثير من «المستثمرين» وتتضارب حولها مصالح منتخبين ورجال سلطة وسماسرة وحتى منتسبين إلى سلك القضاء..
في تطوان لا يختلف الأمر على ما هو عليه في كثير من مناطق المملكة، حيث تنتشر مئات الهكتارات من المقالع، باختلاف أنواعها.. هنا أيضا، في الجبال والمرتفعات التي تحيط بالمدينة، من جهاتها الأربع، تنشط لوبيات تترصّد كل شبر يصلح ل«الاستغلال»، وكل الأساليب مباحة للظفر بهذه الثروة.. في التحقيق التالي، انتقلت «المساء» بين عشرات المقالع الممتدة على تراب ولاية تطوان ورصدت حالات عديدة لخرق القانون، كما تعيد ترتيب بعض فصول حكايات عشرات الأُسَر التي وجدت نفسها في مواجهة مافيات تأبى إلا أن تتحدى الجميع.
البحث في ملف المقالع في تطوان أشبه بالاقتراب من عش الدبابير، فالملف واحد من طابوهات المدينة الكثيرة، ولا أحد يريد أن ينبش من موضوع شائك تلفح ناره كل غريب. هنا، يقترن ذكر المقالع بكل أصناف الخروقات، فلا قانون يُحترَم ولا مساطر تُتبع ولا حقوق تجد من يسهر على وصولها إلى ذويها، بل الأكثر من ذلك، يصير استخدام عنف السلطة وقوة المال وسيلة لكسر شوكة كل من يقف في طريق تحقيق الربح السريع.. حكايات عديدة تتناقلها الألسن جهارا، وأسماء بعينها تثار، حسب درجة تورُّطها في الخروقات. أصحاب مقالع وقياد ودركيون وأعوان سلطة ومنتخبون وحتى شهود زور مستعدون للشهادة في أي تهمة جاهزة.. ملفات وصل بعضها إلى القضاء وتسرّبت تفاصيلها إلى وسائل الإعلام، وأخرى بقيت حبيسة صدور سكان مداشر ودواوير، فقط لأنهم لم يجدوا من ينزع عنهم رداء الخوف ليصرخوا في وجه مستغلي أراضيهم وخيراتها..
حكايتان قبل البدء..
«تَمزّقتْ».. مدشر لا يتعدى عدد سكانه 250 شخصا، ينتمون إلى الجماعة السلالية ل«تمزقت» وإداريا إلى جماعة «بنقريش». أناس بسطاء يقضون سحابة يومهم في أنشطة فلاحية بسيطة. وكثيرون من شبابها اختاروا النزوح إلى تطوان، بحثا عن فرص أفضل.
لم يكن سكان المدشر يدرون، ولو للحظة، أنهم سيصيرون مادة دسمة تتناولها وسائل الإعلام لفترة طويلة. ما تزال فصول «حكايتهم» تجري إلى اليوم.. في الأسبوع الماضي فقط، كان موعدهم مع جلسة أخرى من جلسات محاكمتهم بتُهَم أثارت كثيرا من علامات الاستفهام لدى متتبّعي القضية.
بدأت فصول القصة سنة 2006، حين شرعت آليات مقاول محلي، يدعى المراكشي، في شق طريقها إلى قمة الجبل، حيث يوجد المدشر. تعامل السكان مع الأمر بحذر في البداية، قبل أن تتضح أمامهم صورة الوضع أكثر. يقول أحمد منصور، واحد من سكان المدشر: «اكتشفنا أن سعيد المرابط، الذي يملك شركة «ECMT» شرع في استغلال المقلع الحجري الموجود على قمة الجبل، ومساحته 18 هكتارا، بشكل عشوائي. ومنذ البداية، كانت لهجته تهديدية.. قال لنا إنه يملك المال، كما أن السلطة بجانبه.. وأول كلام واجهَنا به هو «غادي نْطحن دينْ باباكم كامْلين».. مع مرور الوقت وتوضح الصورة، فهمنا أن الأمر بدأ بصراع بينه وبين شخص آخر يسمى ولد مسعود، ينافسه على استغلال المقلع. وحينما احتججْنا، تدخلت السلطة وفضّت النزاع بين الجميع وطلبت من المراكشي وولد مسعود الانصراف. لكن الأمر لم يَطًل كثيرا، لنُفاجَأ بعودة المراكشي بعد ثلاثة أيام، مُصرّاً على استغلال المقلع ومهددا إيانا بنفوذه.. وكذلك كان، إذ بدأت معاناتنا معه ومع زبانيته ومُسانديه، من رجال سلطة ودرك ومنتمين إلى مختلف المصالح. ورغم تحركاتنا في جميع الاتجاهات فإننا لم نستطع توقيف المقلع، لنقرر الدخول في اعتصام مفتوح، كانت غايتنا منه لفت الانتباه إلى معاناتنا، خاصة أن آليات المراكشي وجرّافاته شرعت في شق طريق لم تسلم منها حتى مقبرة «أمشرف»، التي دُفِن فيها آباؤنا وأجدادنا، وهو ما كانت له تبعات أخرى».
دام اعتصام السكان في الطريق المؤدية إلى المقلع عبر المدشر والمقبرة أشهرا عديدة، كانت خلالها تهديدات السلطة تتوالى، بغاية فضّه والضغط في اتجاه استمرار المقلع. يقول منصور: «شرع رجال الدرك في تهديد المعتصمين، وكانت هناك حالات اقتحام للمنازل والاعتداء على نسوة الدوار، استُعمِلت فيها القوة المفرطة والكلاب المُدرَّبة. ومن أجل كسر شوكة المئات من المعتصمين، اعتُقِل أربعة شيوخ من المدشر، كنتُ واحدا منهم. لُفِّقت لنا تهمة واهيّة هي «عرقلة السير في طريق عمومي».. قضينا بسببها شهرين ونصف الشهر في السجن، تم انطلق مسلسل استدعاء السكان إلى مركز الدرك لتوقيع محاضر ولتهديدنا، وحتى محاولات تلفيق تُهَم مختلفة لم يسلم منها ابني الذي اتُّهِم بدهس سيدة بواسطة شاحنة، وجندوا لذلك عددا من شهود الزور».
لم ينفع السكانَ اعتصامُهم ولا مئات الشكايات التي جابت كل الإدارات ووصل بعضها إلى أقاصي المعمور، من آسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مرورا بعدد من الدول الأوربية في فك الحصار المضروب عليهم.. «أرسلنا شكايات إلى كل الجهات التي قد تخطر على بالك دون طائل.. حتى والي المدينة السابق خلال زيارته للمقلع زودناه بكل الصور والوثائق التي تثبت الضرر الحاصل على سكان المدشر، وأخبََرَنا أن مدشرنا سيستفيد من مشاريعَ تدخل ضمن برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وسيتم إصلاح الطريق وشبكة الأنابيب التي تزودنا بالماء الصالح للشرب، التي أتلفتها آليات المراكشي.. وأكثر من ذلك، قال بلسانه إن الأمر يتعلق بمنطقة خضراء تدخل ضمن التصميم الحضري، لا يمكن تحويلها إلى مقالع.. وصراحة، يضيف منصور، «ندمنا على ذلك، لأنه لم يقم بأي شيء يذكر. وحتى كلامه الذي أخبرنا به في أحد الاجتماعات من أنه سيسهر على نقل مشكلتنا إلى ملك البلاد لأنه «خادمْ سيدْنا»، ذهبت أدراج الرياح، وتركنا نُواجِه مصيرنا مع سماسرة المقلع».
الحكاية الثانية لا تختلف كثيرا عما جرى لسكان «تمزقت». وقعت في الجانب الآخر من المرتفعات المحيطة بمدينة تطوان، وتحديدا في دوار جماعة «السوق القديم»، قيادة «عين الحصن» في دائرة «جبالة»، على الطريق المؤدية إلى القصر الصغير، عبر «خميس أنجرة».
هنا، أيضا، تحركت آليات مقاول لتحتل هكتارات من أراضي الجموع بعيدا عن سيادة القانون وتحديا لإرادة السكان. يقول محمد عمران أحد سكان الدوار: «شرع المقاول في استغلال المقلع الطيني، ومساحته 12 هكتارا، لحساب شركة «لافارج»، والأرض في أصلها أرض سلالية تابعة لسكان دوار بونزال، وهو ما وجد فيه بعض رموز الفساد في المنطقة، بتنسيق مع بعض رجال السلطة، فرصة للترامي عليها، وعلى رأسهم الرئيس السابق لدائرة جبالة، وقائد قيادة عين لحصن وقائد قيادة الملاليين ورئيسا جماعة السوق القديم ورئيس جماعة القبيلة».. ويتابع المصدر ذاته: «حين اكتشفنا أن هناك تواطؤا من هذه العناصر مع المقاول محمد حلحول، تحركنا في اتجاه توقيف المقلع وبعثنا بعدد من الشكايات إلى الجهات المعنية، وللأسف، ضُرب حصار على قضيتنا ومورس علينا ضغط كبير لنتخلى عن مطالبنا ونكُفّ عن مطالبنا المشروعة بضرورة توقيف الأشغال وسلك المساطر القانونية التي تُمكّن الجماعة السلالية من الحصول على حقوقها القانونية، ولهذا لم يكن أمامنا سوى خوض اعتصام مفتوح أمام المقلع، استمر طيلة 20 يوما، وشاركت فيه كل الشرائح العمرية للدوار. وخلال تلك الفترة، سُجِّل خصاص في المادة الترابية المُستخرَجة لدى شركة «لافارج»، التي ضغطت على المقاول لتسليمها الكميات المُتّفَق عليها بموجب العقد الموقع بينهما، وهو ما عجز عن الوفاء به بسبب اعتصامنا، لنفاجَأ بتدخل أمني خطير، كان الهدف منه ترهيب السكان.. ولأنني كنت المحرك الأساسي للحركة الاحتجاجية، كان لا بد من التخلص مني وكذلك كان.. تفتق ذهن بعض رجال السلطة عن فكرة مفادها اتهامي بإضرام النار في كوخ للحراسة تابع للمقلع.. استعانوا بشاهد زور أكد أنني من قام بإشعال النار في الكوخ وتم اعتقالي على أساس الضغط عليّ وعلى السكان وربط مصيري بفضّ الاعتصام، وهو ما رفضه السكان، الذين استمروا في اعتصامهم لأزيد من سنة، رغم التهديدات.. فتم الحكم علي بثلاث سنوات سجنا، قضيتُ منها سنة ونصف، قبل أن يفرج عني في المرحلة الاستئنافية»..
الغريب في الأمر، يقول عمران، وربما لمكر الصدف، أن «اعترف لي المقاول، الذي لم يستطع أن يواصل عمله في المقلع بسبب صمودنا في الاعتصام، بالحقيقة وقال لي بالحرف: «دْعيتهوم لله.. وْسّخوني مْعاك».. وكان يقصد العناصر التي ورّطتني في القضية ظلما وعدوانا».
تواطؤ مكشوف..
توضح حكايتا دواري «تمزقت» و«بونزال»، بجلاء، إصرار «مقاولين» على استغلال هكتارات من الأراضي السلالية لإنشاء مقالع، في غفلة من السلطات الوصية على القطاع وفي غياب أي ترخيص من لدن اللجنة الإقليمية المكلفة بدراسة الطلبات والتحقق من مدى احترامها دفترَ التحملات والشروط البيئية، وأساسا، ضمان حقوق السكان، في حال تعلق الأمر بأراضي الجموع.
كان واضحا، حسب محامي السكان، تواطؤ السلطة، المكشوف، مع صاحب المقلع، بدليل العديد من الخروقات التي اكتُشِفت في الملف. يقول عبد الصادق البشتاوي، المحامي في هيأة تطوان: «جاء الاعتصام الذي خاضه سكان المدشر بعد استنفاذهم كل أساليب الاحتجاج السلمية، بعد أن تأكد لهم أن المراكشي لا يتوفر على أي ترخيص من الجهات المختصة للشروع في استغلال المقلع وشق الطريق المؤدية إليه. ومن خلال تتبعي القضية التي حُكِم فيها على عدد من الأشخاص بالسجن النافذ بتهمة غريبة هي عرقلة السير في طريق عمومية، والحال أن الأمر يتعلق بمسلك جبلي يؤدي إلى دوار على قمة الجبل.. وقفنا على مجموعة من الخروقات، أبرزها ما ورد في عقد الإيجار الذي حصل عليه المراكشي، بعد تفجُّر الفضيحة، والذي يشير إلى أنه «تم بين الجماعة السلالية ل«تمزقت»، الممثلة من طرف وزارة الداخلية، وبين شركة استغلال المقالع والأشغال المختلفة، الاتفاق على التعاقد على تأجير الجماعة السلالية للشركة قطعة أرضية في ملكيتها بهدف استغلالها كمقلع حجري، وهو العقد الذي استند إلى عدد من المعطيات المتناقضة، منها أن الإيجار تم بناء على الطلب الذي تقدمت به الشركة بتاريخ 16 يونيو 2006، وبناء على موافقة نواب الجماعة السلالية ل«تمزقت»، بتاريخ 25 مارس 2005، وبناء على موافقة السلطة المحلية بتاريخ 17 ماي 2005، ومحضر اجتماع اللجنة الإقليمية المكلفة بتتبع قضايا المقالع، بتاريخ 16 شتنبر 2005، ثم أخيرا بموافقة مصالح الوصاية بتاريخ 24 يوليوز 2006. وبالإمعان في هذه التواريخ، نلاحظ التناقض الصارخ فيها، فكيف يعقل أن يُسمَح لشركة بالشروع في استغلال مقلع، لم تضع طلبا في شأنه إلا بعد مرور أزيدَ من سنة و3 أشهر؟»،.. ما الذي يأتي أولا: هل الترخيص أم الطلب؟
ليس هذا الخرق القانوني فقط الذي يثيره محامي سكان المدشر، والذي يزيد الغموض في وضعية مقلع «تمزقت»، بل إن محضر دورة استثنائية للجماعة القروية دار بنقريش منعقدة بتاريخ 22 غشت 2006، يؤكد أنه تم بالأغلبية المطلقة رفض الترخيص بإحداث المقلع نظرا للشكاية التي توصل بها المجلس من طرف السكان المجاورين ونظرا للأضرار التي سيحدثها مستقبلا. لكن قبل انعقاد اجتماع المجلس، يقول البشتاوي، «انعقد اجتماع بمقر قيادة بنقريش بتاريخ 9 يوليوز 2006 وفيه تأكد للمجتمعين عدم توفر الشركة على ترخيص لفتح المقلع، لكن الذي حدث بعد 3 أيام فقط هو حصول المراكشي على رخصة، فما الذي وقع بين يومي الجمعة والاثنين حتى يتمكن المعنيّ بالأمر من الحصول على الرخصة؟»..
ورغم هذه الخروقات العديدة التي أثارها السكان عبر شكاياتهم إلى السلطات المعنية، والتي ضمّنتها جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في تطوان تقريرا أصدرته وكشفت فيه «تواطؤ» السلطات المحلية و»استعمال أساليب القمع لترهيب المحتجين». ورغم تأكيد المحكمة صدور قرار المحكمة الإدارية بتاريخ 2 يناير 2008 القاضي بتوقيف المقلع، فضلا على تواصل احتجاج السكان لأزيد من سنتين بهدف إسماع صوتهم، فإن كل ذلك لم ينفع في إعادة الأمور إلى نصابها وإلزام الشركة المستغلة للمقلع بتوقيف أشغالها والرحيل، بل تم اللجوء إلى أساليب التهديد وتلفيق التّهم وتحريض السلطات العمومية، وهو ما يعبّر عنه أحمد منصور بالقول: «حينما تأكد المراكشي، ورجال السلطة الذين يقفون في صفه، أننا عازمون على عدم الرضوخ للأمر الواقع، توصلنا بإنذار من السلطات المحلية يخبرنا بفضّ الاعتصام باستعمال القوة العمومية بتاريخ 12 مارس 2008، وفي السادسة صباحا، فوجئنا بأزيدَ من مائة عنصر أمن وقوات مساعدة، تم استقدامهم من خميس أنجرة والمضيق والفنيدق وبني حسان، يتقدمهم المراكشي، الذي كان يقود جرافة وشرع في تدمير الخيام التي نصبها سكان المدشر واستولى عماله على أزيد من 30 غطاء وعلى عدد من قنينات الغاز وأجهزة التلفزيون والأواني.. وخلال العملية، لم تسلم النسوة ولا الأطفال ولا الشيوخ من هراوات القوات العمومية وامتدت المطاردات إلى الجبال القريبة».
يقول إدريس أحمام، صهر أحمد منصور، وهو واحد ممن عاشوا مأساة مقلع «تمزقت»: «خلال اعتصامنا، تعرضنا، أكثر من مرة، لتدخل وحشي من طرف القوات العمومية، وحين كنا ننقل المصابين إلى مستشفى سانية الرمل لإجراء الفحوصات والحصول على الشواهد الطبية، كان مسؤولو المستشفى يرفضون تمكينهم منها، دون مبررات معقولة،. ولم نتمكن من ذلك إلا بعد احتجاجنا وبعد أن أدى كل مصاب 100 درهم مقابل كل شهادة طبية لم تتضمن أي معطيات تفيد نوعية إصاباتنا، ولاحقا، أخبرنا الطبيب المسؤول أنه تلقى تعليمات بالامتناع عن تسليم سكان «تمزقت» أي شهادة طبية، مهما كانت حالتهم الصحية»...
«كناش تحملات وخروقات»..
كم مقلعا قانونيا يوجد بولاية تطوان وكم مقلعا، في المقابل، يشتغل خارج القانون يستغل أصحابه غموض المساطر وتواطؤ أولئك الذين يُفترَض فيهم أنهم يسهرون على احترام القانون وتنفيذ المساطر؟ وهل وصلت الأمور إلى حد أن ينفي كريم غلاب، وزير التجهيز، في تصريح صادر عنه في عزّ الضجة، علمه بما يجري وإرجاع مسؤولية ما يجري من فوضى في قطاع المقالع في تطوان إلى الولاية ومعها اللجنة الإقليمية؟ ومحاولته إبعاد أي مسؤولية مباشرة عن مصالحه، من خلال تأكيده أن مديرية التجهيز ليست إلا عضوا في اللجنة؟
حسب إحصائيات استقتها «المساء» من مصدر في المديرية الجهوية للتجهيز، فإن عدد المقالع التي تملك رخصة هي 30 مقلعا، موزعة على عدد من الجماعات القروية، خاصة جماعات بنقريش وصدينة والواد والزينات وصولا إلى جماعة «بني حسان».. وهي المقالع التي تخضع جميعها لكناش تحملات يحدد شروط وكيفية فتحها واستغلالها من طرف شخص ذاتي أو معنوي، وأهمها تصريح يتضمن معلومات عن صاحب المقلع ومالك القطعة الأرضية ونوعية وكميات المواد المراد استخراجها، فضلا على مدة الاستغلال. ويفرض الكناش، أيضا، أن يتوفر المستغل للمقلع على عقد ملكية أو كراء ينُصّ على موافقة المالك باستغلال القطعة الأرضية كمقلع، إضافة إلى عدد من الشروط والاحتياطات المتعلقة بالبيئة والمسالك وعلامات التشوير.. لكن التساؤلات التي يطرحها متتبعون لملف المقالع في تطوان هي: كم مالك عقار يستجيب لشروط دفتر التحملات المحدد من طرف اللجنة الإقليمية لتتبع وضعية المقالع؟ وما هي السلطة الممنوحة للجن المراقبة لتحديد المخالفات وإلزام أصحابها باحترام بنود دفتر التحملات؟
نجد الجواب بين طيّات محضر معاينة أنجزتْه اللجنة الإقليمية المكلفة بتتبع شؤون المقالع في جماعة «بنقريش» بتاريخ 29 دجنبر 2010، وهي واحدة من المعاينات التي فرضتها، حسب مصدر «المساء»، الضجة التي أثيرت حول المقالع في تطوان، والتي جرّت الويلات على أكثرَ من جهة متورطة، مستندة إلى منشور الوزير الأول، الصادر بتاريخ يونيو 2010.
وأول ملاحظة تُستنتَج من محضر المعاينة، الذي شمل 9 مقالع أقيمت كلها على أراض سلالية (هي على التوالي مقالع لافارج الجير والرماح وأولاده، و«ECMT» -سعيد المرابط وكونكساج -عبد السلام لمرابط، وسيراميكا درسة وواد راس وعرغيز وعبد الرحمن الشعيري ثم أخيرا مقلع كوطيمار).. هي أنها كلها تشترك في مخالفات تقنية أهمّها غياب الموافقة البيئية والتأثير على الفرشة المائية وتصاعد الغبار، ما يشكل ضررا للسكان المجاورين ويتسبب في تضرر المسالك المؤدية إلى التجمعات السكنية وغياب علامات التشوير، فضلا على تساقط الأحجار، ما يهدد حياة المارة والسكان.
وتنفرد بعض المقالع بمخالفات أخرى، أهمّها توسيع المساحة المُستغَلة دون الحصول على رخصة أو الاستمرار في العمل رغم انتهاء المدة المحددة في عقد الإيجار أو عدم أداء المستحقات المالية المترتبة وغيرها من المخالفات، التي تقترح بشأنها اللجنة إجراءات «عقابية» لفرض امتثال المستغلين للقانون.
وحسب محضر المعاينة ذاته، فإن الإجراءات تتراوح بين مكاتبة صاحب المقلع، لحثه على الامتثال لملاحظات اللجنة، وبين دفعه إلى إصلاح المساحات المتضررة، أو في أقصى الحالات، توقيفه في انتظار تسوية وضعيته المالية والقانونية، وهو ما يرى فيه المصدر ذاته «إجراءات لذر الرماد في العيون، على اعتبار أن الإنذارات تبقى شكلية ويندر أن يستجيب صاحب مقلع لتوصيات اللجنة، التي سرعان ما يكون مصيرها الرفوف ولا يتم التأكد فعليا من تنفيذها». ليضيف: «هذا ما يتعلق بالمقالع التي تتوفر على رخصة وتكون موضوع مراسلات من طرف المديرية الجهوية للتجهيز، التي تحث مستغليها على تنفيذ مقررات لجنة المعاينة، لكن السؤال الأهمّ يجب أن يُطرَح بخصوص عشرات المقالع العشوائية المنتشرة على طول الحزام الجبلي المحيط بتطوان، مقالع لا تصلها لجن متابعة ولا يوجد أي أثر لها في سجلات المديرية الجهوية للتجهيز ولا لدى مصالح قسم الشؤون القروية في الولاية، بل حتى في الجماعات التي تحتضنها، والتي غالبا ما يستغل أصحابها جهل سكان الدواوير القريبة منها وتواطؤ جهات تجعل منها تجارة مربحة تدر عليها ثروات كبيرة، خاصة أن أصحابها يعمدون إلى استخراج كميات كبيرة من الأحجار أو التراب في وقت قياسي، ما يهدد الوضع البيئي، خاصة الغطاء الغابوي والفرشة المائية وجمالية المناطق المستهدفة».
في هذا الصدد يقول عمران، مستغربا: «كيف يمكن السكون عن شركات تخرق القانون في واضحة النهار؟».. ويتابع أن سكان مدشره قدموا كافة المعطيات التي تخص المقلع إلى رئيس قسم مديرية الشؤون القروية، وهو من أخبرنا أنه لا يوجد أي ملف متعلق بالشركة المستغِلة ولم يتمَّ الترخيص لأي كان باستغلال مقلع على هذه الأرض السلالية، وهذا يفرض وجود عقد كراء ودراسات قبلية وموافقة عدد من المصالح المعنية، وهذا ما لا يتوفر.. وللأسف، لم يقم هذا المسؤول بأي تحرك لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، وكل ما نلناه منه «كلام جميل» ووعود بتسوية المشكل، لم تتحقق إلى اليوم».
ويضيف المصدر ذاته أن «المقلع ظل يشتغل لمدة 6 أشهر كاملة، وكان المقاول يملك 10 شاحنات من الحجم الكبير، تقوم بخمس رحلات على الأقل لكل شاحنة في اليوم، ما يعني 50 حمولة في اليوم، وتباع الكميات المُستخرَجة بالكيلوغرام لشركة «لافارج»، ولكم أن تحسبوا كم يستخلصون من مبالغ مقابل الشحنات وكم يضيع على الدولة من ملايير الدراهم سنويا من أمثال هؤلاء، ثم ما نصيب ذوي الحقوق من كل الأموال التي تمر أمام أعينهم دون أن يستطيعوا فعل أي شيء؟»..
«مشاريع سيدْنا»؟..
في الحالات التي اعترض فيها متضررون على المقالع العشوائية التي يُصِرّ أصحابها على الاشتغال دون التوفر على أي رخصة، كما هو الشأن في حالة مقلعي دواري «تمزقت» و«بونزال»، غالبا ما تكون عبارة «هذا مشروع ديال سيدْنا» أو «هذه شركة تابعة للقصر» أسلوبا يتم اللجوء إليه لترهيب الممانعين. يقول أحمد منصور إن «المراكشي وزبانيته، ومعهم منتمون إلى الدرك والسلطات المحلية، غالبا ما كانوا يوجهون لنا عبارات تفيد أننا نقف في وجه مشروع ملكي وأننا سنواجه أقصى عقاب لأننا «تجرّأنا» على مواجهة القصر».
ويتابع منصور: «سمعنا قبل أسابيع فقط أن شركة «لافارج» تستعد لفتح مقلع جديد فوق رؤوسنا.. ولا يمكن، بأي حال، أن نقف في وجهها، لكننا مُصرّون على ضمان حق السكان قبل أي اتفاق مع الشركة. نحن لسنا ضد أي استثمار يستفيد منه المنتمون إلى الجماعة السلالية من ذوي الحقوق، لكنْ مع وجوب احترام القانون، لا أن تتم الأمور عن طريق الخداع والإغراءات ثم الترهيب لاحقا، كما حدث مع المراكشي، الذي، ظل يُهدّدنا بجبروته ويُوهم الجميع أننا نعارض «مشروعا ملكيا».. ما تسبب في مآسٍ كثيرة ساندته فيها أطراف كان مفروضا أن تقف في صف المتضررين لا أن تزيد الضغط عليهم».
كلام من هذا القبيل سمعه أيضا سكان دوار «بونزال»، الذين وقفوا في وجه آليات شركة محمد حلحول، التي شرعت في استغلال مقلع لصالح شركة «لافارج» دون أن يحصل على أي رخصة ودون أن يضع طلبا لذلك. يقول محمد عمران: «خلال اعتصامنا وحتى بعد دخولي السجن، كان الأشخاص الذين ذكرت، خاصة رئيسا الجماعتين، يهددون السكان بأنهما ينتميان إلى حزب الأصالة والمعاصرة (حزب سيدنا) وأن الأمر يتعلق بشركة ومشروع ملكي وبأننا «أعداء الوطن نعرقل مصالح ملك البلاد».. وهو ما كنا نرد عليه بأنه لا نزاع لدينا مع شركة «لافارج» وبأن على المقاول أن يحترم القانون في حال رغب في استغلال المقلع، لأنه لم يكن مقبولا أن يجنيّ أرباحا طائلة من نشاطه ويظل سكان الجماعة السلالية، ذوو الحقوق، محرومين من أبسط شروط الحياة الكريمة.. والحال أننا نفتقر إلى طريق معبّدة وإلى الماء الشروب والكهرباء»...
غابات ومتفجرات وشقوق
ليست الاستفادة من عائدات المقلع ما يشغل بال المنتفضين ضد إقامتها في كل الحالات التي وقفت عليها «المساء» في تطوان، بل الأمر أخطر من ذلك، ويتعلق بالتهديد الذي تمثله هذه المقالع لآلاف الهكتارات من الغطاء الغابوي والخسائر التي تلحقها بالفرشة المائية، بسبب المتفجرات القوية التي تُستعمَل لتفتيت الصخور، والتي يعمد العمال إلى تفجيرها حتى في ساعات الليل، مع ما يشكّله ذلك من ضرر للمنازل القريبة للمقالع، وتحويله حياة قاطنيها إلى جحيم.
يقول أحمد منصور، مشيرا إلى الشقوق التي خلّفتها متفجرات مقلع المراكشي في كل ركن من أركان بيته: «لم يكن بإمكاننا النوم كباقي خلق الله بسبب الضجيج الذي تُحدثه المتفجرات والجرافات وآليات تفتيت الأحجار والشاحنات، لأن العمل في المقلع كان يصل الليل بالنهار، في تحدٍّ لكل القوانين التي تؤطّر عمل المقالع، وحتى الفرشة المائية تضررت وأنابيب الماء، كما أن السقايات تعرضت للتلف دون أن تتدخل أي جهة لوقف الضرر عن السكان، دون إغفال الغبار المتطاير وخطر تساقط الأحجار الكبيرة على رؤوسنا.. والحال أن المقلع لم يكن يبعد سوى ببضع مئات من الأمتار».
«يمكن تعميم ما يحدث في مقلع دوار «تمزقت» على كل المقالع، حيث لا حاجة إلى احترام ما ينص عليه دفتر التحملات»، يقول مصدر قريب من مديرية التجهيز في تطوان، مضيفا أن «عمل لجن المراقبة لا يتعدى إنجاز تقارير بالتجاوزات، وغالبا ما لا تكون كافية لردع مستغلي المقالع، ليضيف: «يكفي أن يرفع زائر المدينة نظره نحو الجبال المحيطة بها ليعاين كيف «تآكلت» بسبب ملايين الأطنان التي تم نهبها في وقت قياسي، ولولا ما يروج من كون «سيدنا» آلمه المنظر في إحدى زياراته للمنطقة لَما توقف جشع المافيات عن تدمير المنطقة، وهو الذي كان وراء توقف عدد من المقالع وإلزام أصحابها بإعادة ترميم المساحات التي تعرّضت للحفر في أفق تشجيرها وإعادة الغطاء الغابوي إلى طبيعته».. حكاية أخرى تروج على أكثر من لسان دون إمكانية التحقق من صحتها، لكن الأساسي أن الوضع البيئي في تطوان يحتاج إلى أكثر من إشاعة لوقف نزيفه.
عمران: دخلت السجن ظلما ولاحقا بِيع المقلع بعقد مزور
لا يكاد محمد عمران يُكمل جملة أو جملتين حتى تقوده كلماته إلى الحديث عن «المؤامرات» العديدة التي كان ضحيتَها، والتي قضى بسببها سنة ونصف السنة في السجن بتُهَم إضرام النار في كوخ حارس المقلع. وبدوره، يعتبر نفسَه ضحية لجشع المستثمرين وتواطؤ السلطة وشهود الزور، يقول: «الغريب في حكاية التهمة التي لُفِّقت لي أنهم استغلوا غيابي في اجتماع رسمي مع القائد، إضافة إلى لجنة من ستة أشخاص على أساس بحث صيغة لبحث إنهاء المشكل، وأضرموا النار.. والغريب أيضا أن المحكمة في المرحلة الابتدائية رفضت الاستماع إلى شهود النفي، الذين تقدمت بهم، واستجابت، في المرحلة الاستئنافية، لطلبي بعد عدد من الشكايات التي رفعتها بهذا الخصوص.. وقد أكد هؤلاء الشهود للهيأة المحكمة أنني كنت في اجتماع مع القائد، وللأسف، حينما استدعتْه المحكمة أفادها أنني فعلا كنت في اجتماع معه رفقة آخرين، لكنه، للأسف، لعب على التوقيت وأخبر رئيس الهيأة أننا انصرفنا في وقت غير الوقت الحقيقي»... «كان دخولي السجن بمثابة رسالة تهديد لبقية السكان، لكنها كانت رسالة غير ذات تأثير عليهم، ولهذا فقد توقفت محاولات استغلال المقلع من طرف المقاول، لكن محاولات الترامي على العقار لم تتوقف، وسنفاجأ بمحاولات عديدة لاستغلاله بطرق ملتوية، حيث اكتشفنا مسألة خطيرة، قبل أشهر فقط، تتمثل في تفويت قطعة أرضية مساحتها هكتار ونصف، بالبيع لأحد الأشخاص بعقد مزور، وحينما حاول الشروع في وضع آلياته واستغلال القطعة الأرضية منعناه من ذلك.. واتضح أن من يقف وراء عملية البيع، بوثيقة عدلية مزورة، هو عون سلطة تابع إداريا لجماعة صدينة، وواجهْنا «المشتري»، الذي أدى مبلغ 180 مليون سنتيم، وكان ينوي إنشاء مصنع لنجارة الألومنيوم، بأن الأمر يتعلق بأرض سلالية، تتوفر على مطلب تحفيظي أيّدته المحكمة.. وإلى الآن، لم يُعرَف مصير عملية التفويت وما إذا تم التراجع عنها»، يقول عمران، متحسرا.



منصور.. «لا لمقلع عشوائي ولو على جثتي»
أحمد منصور شيخ على مشارف نهاية عقده السادس. لم تنل الأشهر العديدة التي قضاها في السجن من عزيمته، وهو الذي نذر حياته، أو على الأقل ما تبقى منها، ليحول دون تكرار المأساة التي عاشها وسكان مدشره، بسبب تسلط مقاول وانحياز السلطة وتنكّر آخرين فضّلوا شهادة زور مؤدى عنها، بدل شهادة تدحض كل الأكاذيب.
يتذكر منصور كيف بدأت قصة المقلع سنتين قبل بدء الأشغال، وتحديدا سنة 2004، وكيف كانت تتم عمليات شراء واسعة للمنازل والأراضي المحيطة بالمقلع، توسط فيها سماسرة لصالح شخص يدعى المراكشي وغريمه المسمى ولد مسعود، اللذين كانا يتحينان الفرصة للظفر بالمقلع، وهي العملية التي رفعت أثمان العقار بشكل خيالي، قبل أن يُكشّر المراكشي عن أنيابه ويستغل سلطته لإرغام السكان على الرضوخ لنزواته، وهو ما رفضوه، وكانت النتيجة تكسير ضلوعهم واعتقال أربعة شيوخ بتهمة واهية قضوا بسببها شهرين ونصف الشهر، ثم حكم آخر، لا يقل غرابة، بسنتين موقوفة التنفيذ و500 ألف درهم غرامة، صدر ضد قرابة عشرين آخرين ضمنهم نساء.
لا يمل منصور من إعادة سرد وقائع السنتين اللتين قضاهما أهل الدوار معتصمين أمام جرافات المراكشي وهراوات القوات المساعدة والدرك.. ما تزال ذاكرته تحتفظ بتفاصيل عن تدخلات عنيفة لم يسلم منها شيخ ولا صبيّ ولا حتى نسوة تم تهديدهن بالاغتصاب أمام أزواجهن وأبنائهن.. كما تحتفظ بأسماء قياد وأعوان سلطة ووكلاء ملك وقضاة كان لزاما عليه أن يتحمل الوقوف بين أيديهم، وهو العارف بتورّطهم المكشوف في اللعبة، لكنه مع ذلك يفضل أن يترك أمرهم لمن خلقهم، متأكدا أن مصير كل مغتصب لن يكون أفضل من المراكشي، الذي يواجه اليوم دعاوى قضائية رفعها ضده عماله السابقون وأفلست شركته بعدما تراكمت عليها الديون، وعمد إلى بيع جميع الآليات التي كان يشتغل بها، بعد أن استغلّ المقلع، بشكل عشوائي، أبشع استغلال».



الأراضي السلالية.. كيف يتحوّل النائب من «كوارطي» إلى ثري؟..
يعيد ما حدث في مدشر «تمزقت» سؤال أسلوب تدبير أراضي الجموع وحدود تصرف النواب عن الجماعات السلالية فيها ودور وزارة الداخلية، عبْر مديرية الشؤون القروية، في ضبط أي عملية تفويت وتحديد مدى قانونيتها.
في جماعة «بنقريش» لوحدها، وقفت «المساء» على وجود 9 مقالع على أراضٍ سلالية، وضمنها مقلع المراكشي، الذي يعتبر مثالا صارخا على الفوضى والتلاعبات، وهو ما تضمّنتْه شكاية لسكان مدشر «تمزقت» لا يعلمون إلى اليوم إنْ وجدت طريقها إلى ملك البلاد. تقول الشكاية إن أراضيهم «انتُزعت» منهم بواسطة «ع. أ.»، الذي «نصّب نفسه نائبا سلاليا، بدعم من السلطة وبعض ذوي المصالح، وقام بتحويلها إلى ملك خاص، لأنه حطّم الرقم القياسي من حيث كميات التفويتات التي أشّر عليها، والتي لم يعد معها الملك السلالي يضُمّ إلا القليل من الأراضي وتحول معها «النائب»، في فترة وجيزة، من «أفقر خلق الله» إلى «أغناهم».. ويملك اليوم رصيدا بنكيا «محترما» ومنزلا فاخرا ومقهى ومطعما وصالونا للحلاقة ومتجرا كبيرا وهاتفا عموميا وقاعة للحفلات.. إضافة إلى بعض العقارات.. وهذا كله بفضل أراضينا السلالية، وآخر ما قام به هو تفويت قطعة أرضية مساحتها 18 هكتارا لشركة المراكشي، التي يعارض السكان مشروعها، غير القانوني»..
ورغم لجوء المنتسبين للجماعة السلالية إلى سحب توكيلهم من نائبهم وتعيين 5 آخرين لتسيير شؤونها، ورغم أن من بقي مع النائب «ع. أ.» من توكيلات لا يتعدى 63 توقيعا، أغلبيتهم الساحقة ليسوا من ذوي الحقوق وليسوا أصلا من سكان الأصليين للدوار، ورغم كل الشكايات التي وُضِعت لدى مديرية الشؤون القروية وقسم تسيير الممتلكات الجماعية في وزارة الداخلية، فإن «دار لقمان ما تزال على حالها»، ويبقى أمل السكان من ذوي الحقوق أن تكشف حقيقة «النائب» الذي وُضع قسرا، وحقيقةَ «تواطؤ» كل من قائد منطقة دار بنقريش ورئيس الدائرة السابق في تنصيبه، عبْر قرار إداري تلتْه شهادة عدلية موقعة من طرف سكان لا تربط أزيد من ثلتهم أي صلة بالجماعة السلالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.