ما زال تدمير المجال البيئي بكل من جماعتي "المرابيح" و"توغيلت" بإقليم سيدي قاسم مستمرا، جراء الاستغلال العشوائي لمقالع الرمال بالملك العام المائي "لواد ورغة"، وغياب مراقبة مدى احترام دفتر التحملات من طرف المستغلين، إذ أن مساحات كبيرة يتم تجريفها بالوادي دون القيام بإعادة تأهيلها. فعلى بعد ثلاث كيلومترات من مدينة "جرف الملحة" التابعة لإقليم سيدي قاسم، وبالضبط على يمين قنطرة "واد ورغة"، تستفزك عشرات الحفر، وأكوام من الأتربة والرمال، وأثار انهيار التربة بالأراضي الزراعية على الضفة اليسرى لهذا الوادي، وكأن الأمر يتعلق "بساحة حرب". شهادات صادمة دخلنا دوار "بني سنانة"، وتوجهنا صوب "واد ورغة"، حيث عاينا عدة آلات تباشر عملية الحفر دون ملل، وشاحنات تحمل الرمال نحو آلات الغربلة والطحن، فوجئنا بأن عرض الوادي الذي يُستغل يزيد عن كيلومترين، وبأن مجرى الوادي تم تغييره. صرح لنا مصدر مطلع بأن: "هذه المقالع حطت وسطنا دون وجه حق، ولا تتقيد بالقانون، فمقلع الوراش مثلا يشتغل على عرض يتعدى 2 كيلومتر، و10كيلومترات طولا، وعمق الحفر يزيد عن 5 أمتار.. الأسابيع الماضية غرق هنا في هذه الحفرة تلميذ من مدينة"جرف الملحة" يقول ذات المصدر، الذي يضيف، أن هناك عشرات الشاحنات تغادر كل صباح، والعمل يستمر بالمقلع إلى حدود الثالثة صباحا، وأيام السبت والأحد، وعندما تزوره بعض اللجان يضطر صاحب المقلع إلى إخفاء آلات الحفر والشاحنات وسط الغابة، أو الضيعة المجاورة له، وكأن هنالك من يخبره بقدوم هؤلاء.. نحن فلاحون بسطاء، وجماعتنا لا تستفيد من مداخيل هذه المقالع التي تنمو كالفطر..". مصدر آخر أفادنا بأن هذه المقالع لا تحترم لا دفتر التحملات ولا القوانين، "اللي عندو علاقات مزيانة يدير اللي بغا في هاذ الواد.."، فالمقلع التابع ل"مقاولة الوراش"، يستغل مساحات شاسعة، عرضها يزيد عن 2كلم، وطولها حوالي 12كلم، ويغير مجاري المياه، "اللي تكلم من الدواور أو الناس اللي عندهم أرض بجنب الواد ينم إسكاته بطرق مختلفة.. وحتى رؤساء الجماعات ساكتين..". قدرت مصادرنا عدد الشاحنات من كل الأصناف، مابين 300و400 شاحنة في اليوم تغادر هذا المقلع، وكلها تستعمل الطريق الرابط بين "جرف الملحة" و"سيدي قاسم"، مما يؤدي إلى اختناق حركة السير بهذا المسار كل صباح، وتكسير الزجاج الأمامي للعديد من السيارات، التي تسير غالبا خلف هذه الشاحنات، حيث يتطاير الحصى من حاوياتها غير محكمة التغطية، ولا تستجيب في الغالب لشروط السلامة الطرقية، وذلك حسب شكايات مجموعة من مستعملي هذه الطريق. كما أفادت نفس المصادر بأن هناك "حرب حقيقية" بين الشركات حول هذه المقالع، بهدف الاحتكار، وآخر فصولها، منع الترخيص "لشركة بنزهة". وقدرت المصادر ذاتها مداخيل هذا المقلع مابين 60 إلى 70 مليون سنتيم في اليوم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحمولة تتراوح بين 20 إلى 50طن أو أكثر، وذلك حسب صنف الشاحنة، كما أن جماعات "المرابيح" و"توغيلت" و"الخنيشات"، لا تستفيد من هذه المداخيل، و"لا تطالب بذلك أصلا!". أضرار المقالع تحول الملك العام المائي ب"واد ورغة" إلى نقطة سوداء: تشويه في المنظر العام للوادي وإضرار بالقشرة الأرضية، وللقيم الجمالية للطبيعة التي كان يوفرها هذا المكان، فالأطنان من الرمال التي يحتاجها قطاع البناء والأشغال العمومية، والتي توفرها هذه المقالع، تترتب عنها أثار سلبية مدمرة، تتمثل في تشويه ضفتي الوادي ومجراه، مما ينتج عنه اختلال في السيلان العادي للمياه، ويهدد بفيضانات في المناطق المجاورة للوادي خاصة في فصل الشتاء، ناهيك عن الضوضاء، والتأثير على الفرشة المائية والاستعمالات المرتبطة بها، وكذا تلوث الهواء بسبب الغبار الناتج عن عملية التجريف، والطحن، والغربلة، والتعبئة، وحركة الآليات والشاحنات، والذي يحتوي - حسب تقارير لمتخصصين- على جزيئات دقيقة، قد تحدث ضررا بصحة سكان "الدواوير" المجاورة، والنباتات، والحيوانات، وعلى مجمل النظام البيئي، دون أن ننسى تلوث المياه السطحية التي يستغلها السكان للسقي، وتعتبر مورد مياه للمواشي والأبقار. إن هذا الاستغلال العشوائي، وغير السليم للمقالع في "واد ورغة"، يزيد من معاناة السكان، سيما في "دواوير أولاد دواد والزويهرات وأولاد بوبكر"، وقد يؤدي- حسب أغلب التقارير- إلى ظهور مرض ضيق التنفس(الربو) وسط الأطفال والعجزة، أما "القنبلة الموقوتة" لامتداد هذه المقالع، فهي تهديدها لمحطة الضخ المائي الموجودة بالقرب من قنطرة "الزويهرات"، والتي تزود "مدينة جرف الملحة" بالماء الصالح للشرب(وهذا فيه كلام؟)، حيث لا يفصلهما إلا أقل من كلم واحد. غياب الدور الرقابي للجماعات القروية والسلطات التنظيمية يتعلق الأمر بالمكتب المسؤول عن المقالع بالعمالة، وب"وكالة الحوض المائي لسبو"، وجماعات "المرابيح وتوغيلت والخنيشات"، وهي الجهات الرقابية التي تتولى عمليات المتابعة، ومراقبة مدى تطبيق القوانين والضوابط القانونية والبيئية المنظمة لعمل المقالع، وخاصة تلك التي لا تتوفر على أي إجراء خاص بحماية البيئة، والثروة النباتية، كما يتوجب عليها التدخل لحماية مصادر المياه من التلوث، وكذا إجراء دراسات الأثر البيئي الناجم عن تشغيل المقالع (الغبار، الدخان، الضوضاء،... الخ)، وخاصة إقامة أحزمة خضراء (التشجير)، لما لها من قدرة على تنقية الهواء من التلوث، وإضفاء فسحة جمالية، وإعادة تأهيل الأماكن التي لحقها الضرر، والتدقيق في عمليات منح رخص الاستغلال. والسؤال المطروح من طرف أغلب من التقيناهم، هو عن خلفيات "التواطؤ" المشترك بين المجالس القروية لهذه الجماعات، والسلطات الوصية، وغياب أي دور رقابي لهما، لوقف هذه الجريمة التي ترتكب في حق البيئة والساكنة، فبدل تكثيف الرقابة، وحث الشركات المستغلة على احترام كناش التحملات، والتقيد باستخراج الكميات المرخصة لوقف هدر هذه الموارد الطبيعية، وتعزيز المداخيل المالية لهذه الجماعات، لا يجد سكان هذه الجماعات إلا فوضى هدامة تأتي على الأخضر واليابس، مما يفند الشعارات الرسمية من قبيل: "الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة" و"مخطط المغرب الأخضر". أمام هذه الوضعية المقلقة التي خلص إليها التقرير، فان المُلح لدى الرأي العام المحلي، هو إيفاد لجنة مستقلة ونزيهة، لمعاينة ما يجري بهذه المقالع، ونشر وتعميم نتائج هذه الزيارات لضمان شفافيتها، وفرض عقوبات زجرية على كل المدمرين لهذا المجال البيئي..