هل يمكن لروائي شهير دأب طيلة عقود على تدبيج روايات الرعب أن يتجرأ على مطالبة الحكومة الأمريكية باتخاذ تدابير عاجلة لوضع حد لما أسماه «العنف المسلح»؟ الروائي الأمريكي، ستيفن كينغ، صاحب رواية «ذي شينين» (البريق)، يجيب عن هذا السؤال بالإيجاب. فقد أصدر الجمعة الماضي كتابا تحت عنوان «غانس» في حدود 25 صفحة وضع فيه تنامي الهجومات المسلحة بأمريكا تحت المجهر، مطالبا البيت الأبيض بإجراءات ملموسة لتفادي تكرار مآس بحجم «مجزرة نيوتاون»، التي راح ضحيتها 26 شخصا، ضمنهم 20 طفلا من تلاميذ المدرسة الابتدائية «ساندي هوك». المثير أن الروائي نفسه أصدر كتابه الجديد مباشرة بعد سحبه رواية كانت قيد الطبع تتحدث عن هجوم مسلح يستهدف مدرسة ابتدائية يسقط خلاله ضحايا كثر. اهتزت الولاياتالمتحدةالأمريكية في السنة الماضية على وقع أحداث دامية خلفت العديد من القتلى في صفوف التلاميذ إثر استهداف مدارسهم من قبل أشخاص مسلحين. المجتمع الأمريكي من أعلى سلطة فيه إلى المواطنين العاديين عبر عن صدمته الشديدة من تلك الأحداث التي ينفلت فيها مجرمون خطرون من أعين الأمن فيسقطون أرواح بضعة تلاميذ داخل المؤسسات التعليمية. ورغم هول تلك الحوادث وتعبير الحكومة الفيدرالية الأمريكية، في شخص الرئيس باراك أوباما، عن أسفها إزاء ذلك وعزمها على التصدي لها والحيلولة دون تكرارها، فإنها لم تبادر إلى اتخاذ إجراءات كفيلة بالحد من حرية اقتناء السلاح وحمله وحالات استعماله. وفي هذا السياق صدر الجمعة الماضي كتاب جديد خلق جدلا كبيرا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، نادى بشكل صريح إلى الحد من انتشار الأسلحة. ومما زاد هذا الكتاب تأثيرا حمله توقيع ستيفن كينغ، أحد أبرز وجوه «أدب الرعب» في المشهد الأدبي الأمريكي المعاصر، رغم أن عدد صفحاته لا يتجاوز 25 صفحة. يعلن ستيفن كينغ منذ البداية وبكل صراحة عن هدفه الأسمى من إصدار هذا الكتيب بالغ التأثير في المجتمع الأمريكي. إذ يراهن على أن يكون الانطلاقة الحقيقية لحوار وطني بناء من أجل إعادة تأطير حمل السلاح واستعماله من قبل الأشخاص العاديين أو الذاتيين، على اعتبار أن التحكم في الأسلحة، خاصة النارية منها، بات- وفق كينغ- مشكلا حقيقيا يؤرق الدولة الأمريكية لكي لا تتكرر المأساة المعروفة إعلاميا باسم «مجزرة نيوتاون» التي راح ضحيتها 26 شخصا، ضمنهم 20 تلميذا. الكابوس المرعب تشكل إمكانية تكرار «مجزرة نيوتاون» كابوسا يقض مضجع المسؤولين والمواطنين الأمريكيين على حد سواء. في تفاصيل الحادث المأساوي، كان كل شيء عاديا ذلك اليوم من دجنبر الماضي بمدرسة «ساندي هوك» قبل أن يداهمها مسلح ويبادر بإطلاق النار بشكل مباغت وعشوائي ويتسبب في قتل 26 شخصا، ضمنهم 20 طفلا من تلاميذ المدرسة سالفة الذكر، قبل أن ينتحر. وتعتبر هذه المجزرة ثاني أسوأ إطلاق للنار بعد المجزرة التي شهدتها جامعة «فيرجينيا تيك» سنة 2007، والتي أودت بحياة 32 شخصا. خيمت حالة من الذهول على الولاياتالمتحدةالأمريكية مباشرة بعد تناقل صور الحادث مقرونة بتقارير تحصي خسائر فادحة في الأرواح. ولهول الحادث، انتقل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، شخصيا، إلى نيوتاون من أجل مواساة أهالي الضحايا، وهناك وعد بالقيام بما يلزم لتفادي تكرار أحداث من هذا القبيل، واصفا المجزرة في كلمة تأبينية للضحايا ب«العنف الذي لا يوصف». واعترف أوباما ضمنيا بمسؤولية الحكومة الأمريكية تجاه هذا الحادث عندما أقر بأن بلاده «لم تفعل ما يكفي لمكافحة العنف الناجم عن استخدام الأسلحة». وأضاف «أعلم أن جميع الآباء في الولاياتالمتحدة يشعرون اليوم بنفس الأسى الذي أشعر به. معظم الذين قتلوا من الأطفال الأبرياء تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعاشرة. لقد كانت حياتهم أمامهم، كانت لديهم أحلامهم، وقد سقطوا اليوم وسرقت أحلامهم منهم مبكراً». يومها اعترف الرئيس الأمريكي نفسه بما ينطلق منه كينغ للتأكيد على الحاجة الماسة إلى إقرار تدابير عاجلة للحد من هذه النوعية من الحوادث التي تخطف على حين غرة أوراح الأبرياء. إذ ذكر أوباما في تأبينه لضحايا «ساندي هوك» بأن بلاده عرفت قبل ذلك «هذه الحوادث، مراراً، في مدرسة ابتدائية، وفي مجمع تجاري في ويسكونسن، وفي صالة للسينما في كولورادو»، مضيفا «كل هذه المدن والأحياء مدننا، وهؤلاء أولادنا، علينا أن نتضامن معاً من أجل وضع تدابير صارمة تمنع تكرار هذه الحوادث، دون النظر إلى أي اعتبارات سياسية». غير أن كينغ يرى بأن الإدارة الأمريكية لم تتخذ إلى حدود الساعة أي تدابير ملموسة وواقعية كفيلة بتجنيب الأمريكيين كابوسا جديدا على هذا القدر من الرعب. ومن غرائب الأقدار أن الولاياتالمتحدةالأمريكية عرفت بعد خمسة أيام فقط من طرح الكتاب الجديد لستيفن كينغ في المكتبات، أي يوم الثلاثاء الماضي، حادثا جديدا استعمل فيه سلاح ناري، ذهب ضحيته سائق حافلة مدرسية بمدينة دوتان بولاية ألاباما، في حين اتخذ المجرم من طفل كان على متن الحافلة رهينة قبل أن يلوذ بالفرار إلى ملجأ تحت الأرض، قبل أن يلقى عليه القبض في وقت لاحق من اليوم نفسه.
رهانات كينغ يضع كينغ في صدارة رهاناته العمل على عدم تكرار حوادث مماثلة من شأنها أن ترفع قائمة ضحايا الأسحلة النارية ببلاده وتقلص الإحساس بالأمس داخل المجتمع. ومن هذا المنطلق، يأمل أن يسهم كتابه الجديد في إطلاق حوار وطني في مجموع الولاياتالمتحدةالأمريكية حول السبل الكفيلة بتفادي وقوع مأساة جديدة ك«مجزرة نيوتاون». أكثر من ذلك، طالب هذا الروائي الأمريكي حكومة بلاده باتخاذ إجراءات ملموسة للتحكم في انتشار السلاح وضبط حالات بيعه ومراقبة حامليه. وأكد كينغ في أول خروج إعلامي له بمناسبة صدور كتابه الجديد بأنه صار مشغول البال بالأحداث الأليمة التي تسببت فيها الأسلحة النارية، وكانت الأماكن العمومية مسرحا لها في الآونة الأخيرة. وقد كشفت صحف أمريكية قبل أيام قليلة أن الكتاب الجديد صدر بديلا عن رواية تتحدث عن حادث إطلاق ناري في مدرسة ابتدائية يذهب ضحيته عشرات التلاميذ كاد كينغ يطرحها في المكتبات قبيل «مجزرة نيوتاون». إذ قرر مراعاة لمشاعر الضحايا والمجتمع الأمريكي بشكل عام سحب تلك الرواية من المطبعة قبل أن يبادر الجمعة الماضي إلى إصدار كتابه الجديد للمطالبة بالتحكم في سوق الأسلحة النارية. يراهن كينغ كذلك على نقل أي نقاش محتمل بخصوص هذه القضية من مكاتب المسؤولين إلى الفضاء العمومي ليشارك فيه فاعلون آخرون مثل الأسرة والمدرسة وهيئات المجتمع المدني. وللتعجيل بإطلاق الحوار المنشود بشأن هذه القضية، يدق كينغ ناقوس خطر انتقال دائرة انتشار هذا النوع من الأحداث الأليمة لتشمل فضاءات أخرى مثل المراكز التجارية والأحياء السكنية. وجاء في الكتاب «نبدو مثل سكارى حد الثمالة في حانة... هل يمكن أن تتكرر هذه الأحداث في مراكزنا التجارية؟ في أحيائنا السكنية؟ في أسرنا؟»، قبل أن يحذر من إمكانية تكرار هذه المأساة في أشكال وفضاءات متباينة، خاصة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعرف رواجا كبيرا في اقتناء الأسلحة من قبل الأشخاص الذاتيين. وتفيد الإحصائيات بأن البلاد تعرف انتشار ما بين 250 و300 مليون وحدة سلاح. ويكشف ستيفن كينغ في كتابه الجديد عن رقم صادم، حيث يقدر عدد الأشخاص الذين يقتلون يوميا بالأسلحة النارية في الولاياتالمتحدةالأمريكية بثمانين شخصا. وكان ستيفن كينغ أعلن قبل أسابيع قليلة عبر موقعه على شبكة الأنترنت خبر انتهائه من كتابة مؤلفه الجديد، معربا عن أمله في أن يكون دافعا أساسيا لإعادة ترتيب الأمور في مجال تجارة الأسلحة النارية ورواجها. وكتب الروائي الشهير يومها «أعتقد أن على جميع الأمريكين إيلاء اهتمام كبير بمسألة انتشار الأسلحة في بلادهم»، قبل أن يضيف متحدثا عن كتابه: «أنهيت صياغته، وأتمنى أن يثير نقاشا بناء حول انتشار الأسلحة ورواجها في الولاياتالمتحدةالأمريكية». نظام جديد لبيع الأسلحة اكتشف قراء ستيفن كينغ موهبة جديدة لدى هذا الكاتب عدا السرد الروائي. ذلك أن أولى القراءات النقدية لمؤلفه الجديد عن انتشار الأسلحة في الولاياتالمتحدةالأمريكية البعيد كل البعد عن الطابع الخيالي للأحداث الروائية أشادت بقدرة ستيفن كينغ على «الترافع» من أجل أمريكيين بدون أسلحة نارية، مثلما نوهت منابر إعلامية عديدة، وفي مقدمتها جريدة «واشنطن بوست»، بجرأته على طرح هذه القضية وجهده في طرح إجراءات عملية للحد من مذابح الأسلحة النارية. امتلك كينغ ما يكفي من الجرأة للحديث عن ظاهرة قلما تتم إثارتها من قبل الإعلام الأمريكي، وهي «العنف المسلح» في الولاياتالمتحدةالأمريكية. إذ ينطلق من «مجزرة نيوتاون» ليطالب بتشديد المراقبة على الأسلحة وتضييق الخناق على حاملي الأسلحة النارية، رغم أنه يتوفر بنفسه على سلاح ناري. وفي هذا السياق، يرى الروائي الأمريكي أن هناك ثلاثة تدابير أساسية للحد من ظاهرة العنف المسلح بأمريكا. يتجلى التدبير الأول في إجراء بحث مسبق، وإن بشكل عرضي، قبل إتمام أي عملية بيع للسلاح الناري. فيما يتمثل الثاني في منع المحلات التجارية الكبرى المتخصصة في بيع الأسلحة لتوفرها على مخزون كبير منها، إضافة إلى المنع الكلي لبيع الأسلحة ذات الطابع العسكري، علما بأن هذا النوع الأخير استعمل في مجزرة «نيوتاون»، وعادة ما يرفع استعماله احتمالات سقوط ضحايا أكبر في الهجومات المسلحة. وقد أجمل ستيفن كينغ مقترحاته لمواجهة كوابيس المجازر الناجمة عن الهجومات المسلحة التي يستهدف منفذوها فضاءات عمومية مثل المدارس والمراكز التجارية في ثلاثة محاور أساسية، هي: تحسين التتبع البسيكولوجي للشباب الأكثر هشاشة داخل المجتمع، ومنع الأسلحة النارية ذات القدرة على استيعاب ذخيرة تفوق عشر رصاصات دفعة واحدة، وحظر الأسلحة الحربية والعسكرية. ويرى كينغ أن المقترح الأول سيسهم في حال تفعيله في التقليص من سقوط الشباب الذين يعانون من أزمات نفسية أو مشاكل في محيطهم المجتمعي في براثن الإجرام. كما أن المتابعة الدقيقة لهذه الفئة من الشباب ستمكن لا محالة- وفق كينغ- السلطات من التدخل الحاسم قبل وقوع المأساة أو على الأقل ستسهل عملية التدخل في أسرع وقت لحظة الإحاطة علما ببدء أي هجوم مسلح. أما المقترح الثاني، فيرمي إلى منع جميع الأسلحة القادرة على تنفيذ إطلاق ناري بعشر رصاصات دفعة واحدة دونما حاجة إلى التزود بالذخيرة من جديد. ومن شأن تفعيل هذا المقترح الإسهام في تقليص عدد الوفيات الممكن حدوثها في هجوم واحد إلى عشر على أكثر تقدير، رغم أن هذا الرقم بدوره يعتبر بحد ذاته خسارة كبرى في الأرواح. وسيحد هذا الإجراء، في حالة تطبيقه، من قدرة منفذي الهجومات المسلحة على تنفيذ عمليات إطلاق ناري مكثف في وقت وجيز لحاجتهم، بالضرورة، إلى التزود بالذخيرة بعيد عشر طلقات نارية، مما سيقلل من ضحايا الهجومات المسلحة ويمنح قوات الأمن وقتا إضافيا للتدخل. ويكتسي المقترح الثالث المحدد في حظر الأسلحة الحربية أو العسكرية أهمية كبرى لما له من دور فعال في الحد من استعمال أسلحة خطيرة ذات قدرة تدميرية كبرى. ذلك أن هذا النوع من الأسلحة يمكن منفذي الهجومات المسلحة من القيام بهجمات أكثر دموية وفتكا في وقت وجيز، بفضل متانته وصلابته لكونه موجه للاستعمال العسكري في حالات الحرب، وليس لمباغتة مدنيين أبرياء خلال وجودهم في فضاءات عمومية يفترض أنها توفر أعلى معدلات الأمن والسلامة البدنية. ورغم أهمية هذه المقترحات المقدمة من قبل الروائي الشهير، فإن ناشطين مدنيين وإعلاميين انتقدوا مضمون كتاب ستيفن كينغ الجديد، وعابوا عليه عدم امتلاكه الجرأة لاقتراح حلول عملية فعالة في مجال الحد من الهجومات المسلحة وقطع الطريق أمام تزايد انتشار الأسلحة النارية. واعتبر منتقدو كينغ أن كتابه الجديد لم يتضمن جديدا أو حلولا ثورية لإشكالية العنف المسلح بالولاياتالمتحدةالأمريكية. وعلى هذا الأساس، خلص منتقدو ستيفن كينغ إلى أن كتابه الجديد لا يتعارض إطلاقا مع عدم تحرك البيت الأبيض بشكل فعال في اتجاه حل هذه الإشكالية، مؤكدين أن كينغ انشغل في كتابه بهمّ استتباب الأمن بالبلاد دون أن يتجرأ على المطالبة بالحد من حرية المواطنين العاديين في امتلاك الأسلحة النارية.
ستيفن كينغ..مبدع روايات الرعب يثور على العنف المسلح
رأى ستيفن كينغ النور في 21 شتنبر 1947. عاش طفولة صعبة بسبب تخلي أبيه عنه وأمه. لكنه برع في مساره الدراسي، بدءا من التعليم الابتدائي، مرورا بالطور الثانوي، ووصولا إلى المرحلة الجامعية. يشهد له معاصروه بنشاط نضالي في الجامعة في أواخر ستينيات القرن الماضي، ولا سيما في مجال مناهضة حرب الولاياتالمتحدةالأمريكية على الفيتنام. وقتها كتب مقالات صحافية باسم مستعار يندد فيها بتلك الحرب. ولج كينغ عالم الكتابة القصصية مبكرا. إذ كتب أولى قصة له عندما كان طالبا في الجامعة، وأصدرها بعنوان «الأرض الزجاجية». بعد ذلك، انبرى لكتابة الرواية، وكان هذا العمل ملجأه أول الأمر لتزجية الوقت فقط، وفي العام 1973 صدرت له أول رواية بعنوان «كاري» حققت نسبة مبيعات هامة ونالت استحسان النقاد. وتعتبر الانطلاقة الحقيقية لستيفن كينغ على درب إبداعات ما يعرف ب«أدب الرعب». وقد صدرت له في العقود الأربعة الماضية روايات عديدة، زادت وتيرة إصدارها بعد تركه التدريس في الجامعة وتفرغه للكتابة، ومن هذه الروايات «منطقة الموت» و«الصمود» و«البريق» و«كريستين»، علما بأن راوياته مجتمعة حققت نسبة مبيعات فاقت 350 ميلون نسخة. ولذلك لم يكن غريبا أن يجد كثير منها طريقه إلى شاشة الفن السابع مثل «البريق» و«كاري».