سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هكذا أحيى أتباع الزاوية البودشيشية ليلة المولد النبويّ في مداغ الموريدون جاؤوا من أمريكا وأوروبا ومن دول عربية واستنفار أمني مشدد بناء على تعليمات عليا
بمجرد أن يتجاوز المريد أو «الفقير»، بلغة الصوفية، الحاجز الخارجي للدرك تصبح المنطقة التي توجد بها الزواية القادرية البوتشيشية شبه دولة تكون الكلمة العليا فيها عادة لأبناء الشيخ والأشخاص المقربين منهم. إلى هنا حج آلاف من الأتباع مغاربة وأجانب من مختلف الجنسيات الأمريكية والأوربية والعربية، ليحضروا الليلة الكبرى. وبعدما ارتدوا أحسن الثياب، دخل عليهم الشيخ حمزة محمولا على سواعد مريديه المقربين والمكلفين بخدمته، لترتفع صيحات وتكبيرات المريدين الموجودين في المسجد. فتربع الشيخ على فراش في وسط المنصة ليدخلوا في طقوس «الحضرة» على وقع الابتهالات إلى ما بعد منتصف الليل. حركة دؤوبة بجوار محطة الحافلات، قرب المحطة الطرقية وسط مدينة بركان. نساء يحملن أطفالهنّ، ورجال وشباب تكدّسوا داخل حافلات حمراء كتب على واجهاتها الزجاجية «الزاوية -مداغ»، في حين يصيح سائقو عربات النقل المزدوج بجانب المحطة: «الزاوية، الزاوية».. بدا أنّ الإقبال على وسائل النقل المؤدية إلى الزاوية القادرية البودشيشية في نواحي مداغ في ذلك اليوم كان إقبالا قياسيا، خاصة أنه تصادف مع يوم إحياء ذكرى المولد النبوي، وهو اليوم نفسه الذي يعرف إقامة ليلة للمديح والإنشاد الصوفيّ، يحضر فيها شيخ الزاوية حمزة القادري بوتشيش، إضافة إلى الآلاف من مُريديه، من داخل المغرب ومن خارجه. انطلقت الحافلة المهترئة من وسط المدينة وهي تحمل بين أحشائها ركابا جاء أغلبهم من المدن القريبة من الزاوية، لتخرج بعد دقائق من المدار الحضري لبركان، وتتجه في طريق ضيقة ومليئة بالحفر، وهو ما جعلها تقطع المسافة الفاصلة بين المدينة ومقر الزاوية (13 كيلومترا) في أكثر من نصف ساعة. عبر الطريق القروية، كان السائق يتطوع، بين الفينة والأخرى، للتوقف من أجل التقاط بعض من «الفقراء» الذين يقصدون الزاوية للاحتفال كباقي المنتسبين إلى الزاوية، رغم الانتشار الكثيف لرجال الدرك في الطريق، إضافة إلى الكثير من أبناء المنطقة الذين يستغلون زيارة أعداد كبيرة من منتسبي الطريقة من أجل خلق فرص ذاتية للشغل والبحث عن فرص لتحقيق مداخيل إضافية، في ظل انتشار البطالة في المنطقة وغياب فرص حقيقية للشغل. دولة البودشيشيين أول ما يثير نظر الزائرين إلى مقر الزاوية عند أطراف مداغ هو الانتشار الكثيف لرجال الدرك والوقاية المدنية عند المداخل الرئيسية للزاوية، إضافة إلى أفراد من الأمن الخاص يكتفون بمراقبة الوافدين على مقر أكبر الزوايا الصوفية في المغرب، ما يؤكد حديث البعض عن وجود استنفار في صفوف السلطات المحلية بالتزامن مع احتفال الزاوية القادرية البودشيشية بذكرى المولد النبوي، وهو الاستنفار الذي يكون مشددا كل سنة، بناء على تعليمات صادرة من جهات أمنية عليا، بغرض ضمان سلامة عشرات الآلاف من الوافدين على المنطقة. بمجرد ما يتجاوز المريد -أو «الفقير» بلغة الصوفية- الحاجزَ الخارجي للدرك، تصبح المنطقة أشبهَ بدولة تكون الكلمة العليا فيها عادة لأبناء الشيخ وللأشخاص المُقرَّبين منهم والمكلفين بتبليغ التعليمات إلى باقي خدام الزاوية ورجال الحراسة الخاصة. انتصب العديد من هؤلاء على حواجز قَسّمت المنطقة المجاورة للزاوية إلى مناطق مفتوحة، وأخرى خاصة ب«الفقراء» القادمين من مناطق بعيدة. «ممنوع المرور من هنا، هذه المنطقة مخصصة لاستراحة الفقراء»، صاح بي أحد الشباب الذين يضعون على سواعدهم شارات تشير إلى أنهم من الحرس الخاص، الذي خصصه القيّمون على الزاوية لتنظيم حركة الزوار، قبل أن يسمح لي بالمرور بعد إبرازي هويتي الصحافية.. في الساحة المقابلة لمقر الزاوية، اصطفّت العشرات من الحافلات التي تحمل ترقيم مجموعة من المدن المغربية، بما فيها المدن البعيدة، مثل العيون وأكادير وطنجة، إضافة إلى حافلات تحمل ترقيما أوربيا، حملت جزءا من منتسبي الزاوية في مجموعة من البلدان الأوربية، خاصة فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.. في حين حلّ جزء آخر عبر مطار وجدة القريب إلى مداغ. بجانب المكان المخصص للحافلات، انتصبت خيمة كبيرة خُصّصت لعرض مجموعة من الصور لشيخ الطريقة حمزة القادري البودشيشي وأبنائه وأحفاده، إضافة إلى مجموعة من الوثائق التاريخية التي تتحدّث عن تاريخ الزاوية وتاريخ شيوخها منذ تأسيسها على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني في القرن الخامس الهجري، فضلا على مجموعة من الألبسة الخاصة بمريدي الزاوية، وأيضا بعض الأفلام والصور التي توثق للدورات السابقة لموسم الزاوية. تصوّف لا يلهي عن التجارة في ساحة خالية وراء المقرّ الرئيسي للزاوية، استغل مجموعة من المريدين توافد عدد كبير من الزوار لإحياء الاحتفالات بذكرى المولد النبوي من أجل عرض سلع تتماشى مع المناسبة الدينية. سلع تبدأ بالسبحات التي يتراوح ثمنها بين 15 درهما و200 درهم، وتنتهي بأغطية الرأس والمراهم التي تصلح لعلاج جميع الأمراض، انطلاقا من التهاب المفاصل وصولا إلى التبول اللاإرادي.. «نحن نستغلّ هذا الموسم من أجل الربح مرتين، فنحن نزور سيدي حمزة ونُحْيي معه هذه الليلة المباركة، كما أننا في الوقت نفسه نصل الرحم بباقي فقراء الزاوية ونروّج لسلعتنا، التي نرجو من ورائها نيل الأجر قبل الربح المادي»، يقول أحمد، وهو بائع متجول في الأربعينات من عمره، قبل أن يبتسم ابتسامة أظهرت أسنانه الصفراء من تحت شاربه الكثّ، قبل أن يعيد يديه المليئتين بالشقوق إلى جيوب «دربالته»، التي تشير بوضوح إلى انتمائه إلى الزّاوية. في الجهة الأخرى، أقام بعض من أبناء المنطقة خيمة خصّصوها لإعداد الوجبات الجاهزة، مستغلين بذلك غياب إمكانيات إطعام الآلاف من زوار الزاوية من طرف القيّمين عليها، حيث يصبح المريدون والزوار على حد سواء، مضطرين إلى القبول بالأثمان التي يفرضها هؤلاء، مقابل الاستفادة من بضع قطع من اللحم المشويّ، أو «طاجين» سمك مرفوق بقطع من الخضر، إضافة إلى كؤوس من الشاي أو قارورة مياه غازية.. «رغم أنني لا أحبّذ الأكل خارج المنزل بصفة مطلقة، فإنني أجد نفسي مضطرا إلى الأكل هنا، لأنّ أقرب نقطة يمكن أن أجد فيها محلات للأكل تبعد عن هنا بأكثر من عشر كيلومترات، وأنا مثل العديدين هنا لا أتوفر على سيارة خاصة لتقلني»، يقول أمين، المريد الشاب والقادم من مدينة مراكش.. تتعزز هذه الزيادات غير القانونية في الأثمنة، والمبالغ فيها في الكثير من الأحيان، في ظل غياب المراقبة الصارمة من طرف السلطات المختصة، ليبقى المواطنون هم الضحية الأولى لمثل هذه التجاوزات. زاوية عابرة للقارات من أهمّ ما يميز الطريقة القادرية البودشيشية عن باقي الزوايا الصوفية في المغرب هو أن مريديها وفقرائها لا يقتصرون فقط على أبناء البلد، بل إن إشعاعها يمتد إلى العديد من البلدان الأوربية والعربية والأمريكية. «هذا الامتداد هو ما دفعنا إلى إنشاء فروع لنا في كافة المدن المغربية تقريبا، تحت إشراف مقدّمين للزاوية، يكونون مكلفين بتدبير الأمور الإدارية والدينية في تلك الفروع، إضافة إلى فروع أخرى في العديد من الدول الأوربية والعربية، مثل فرنسا وبلجيكا وأمريكا وانجلترا والإمارات، نظرا إلى تواجد العديد من أتباع الطريقة هناك، وهي فروع تعمل على تأطير أعضائها على كافة المستويات»، يقول منير القادري بودشيش، حفيد الشيخ حمزة، والذي يشرف في الآن نفسِه على فرع الزاوية في باريس، بحكم أنه يشتغل أستاذا جامعيا هناك.. من يزور مقر الزاوية لأول مرة يتفاجأ بالعدد الهائل للأتباع من غير المغاربة ومدى حرصهم على الحضور إلى الاحتفال السنويّ الذي تقيمه زاويتهم، وحرصهم على اتباع تعاليم شيخ الطريقة حمزة القادري بودشيش، إضافة إلى أن ما يشدّ إليهم الانتباه بشكل كبير هو أن أغلبهم من الشباب، وأن معظمهم هم من ذوي المستويات التعليمية العالية، بل والمناصب الرفيعة في كثير من الأحيان.. سفيان، مهندس فرنسي اسمه الأصلي «إيريك»، شاب يبلغ من العمر 27 سنة، اعتنق الإسلام منذ ثلاث سنوات عن طريق أتباع الزاوية في فرنسا، بعد أن ظلّ لسنوات طويلة من حياته لا يؤمن بأي دين سماويّ.. «هذه هي المرة الثالثة التي آتي فيها إلى مداغ، والحقيقة أنني في كل المرات التي آتي فيها إلى هنا تكون نفسي مفعمة بالمشاعر الجياشة، خصوصا بعد أن ألتقيّ بسيدي حمزة، الذي ساعدني على التخلص من الأزمة الروحية التي كنتُ أعيش فيها لسنوات طويلة، بعد أن تعرّفت إلى الطريقة بواسطة بعض الزملاء المغاربة الذين كانوا يدرسون معي في فرنسا».. يؤكد سفيان، أو إيريك كما كان يسمّى قبل إسلامه، أن مسؤولي الطريقة يطالبون أتباعها في مختلف الدول باحترام قوانين بلدانهم الأصلية، «وربما هذه النقطة هي التي لا تجعلنا نصطدم كثيرا بسلطات بلداننا، وإنْ كنا نحن في فرنسا ما زلنا نعاني بعض الشيء، لكون الدولة الفرنسية لا تعترف بعطلنا الدينية ولا بخصوصياتنا كمسلمين»، يضيف عثمان بلغة آسفة، والتأثر بادٍ على وجهه. تجاوز إشعاع الطريقة بلدان أوربا وأمريكا ليصل إلى دول الخليج، المعروفة بكونها معقلا للمذهب الوهابيّ، الذي يكفّر معتنقي الصوفية ويعتبرهم من «أصحاب البدع». فإضافة إلى مجموعة من علماء الدين والمهتمين بالشأن الصوفي، والذين حضروا من أجل تنشيط فعاليات الملتقى العلمي للزاوية، التقت «المساء» مجموعة من أتباع الزاوية في عدة بلدان خليجية. رائد، شاب عماني (30 سنة) واحد من هؤلاء، انتسب إلى الطريقة منذ سنة 2001، وهو حاصل على ماجيستير في المالية الدولية من لندن، وأيضا على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة «واشنطن دي سي»، إذ يُشرف حاليا على تسيير مجموعة تجارية. لقائي بأحد المغاربة في واشنطن هو الذي جعلني أكتشف منهج الطريقة القادرية البودشيشية، ورغم أنني كنت متدينا قبل ذلك، ولله الحمد، فإنني وجدت في الطريقة المعنى الحقيقيَّ للإسلام، وهو المعنى القائم على صحبة الشيخ العارف بالله، والذي يدلك على الطريق الأمثل لتزكية الأخلاق.. ورغم عدم وجود عدد كبير من أتباع الزاوية في بلدي عمان، فإنني أعمل على الالتزام بالأوراد بقدْر استطاعتي».. لم تثنِ الأحكام الرائجة حول مذهب المتصوفة في بلدانهم الأم في الخليج العربي هؤلاء المشارقة عن الانتساب إلى الطريقة، خاصة أنهم زاروا مقرها في المغرب بعد أن سمعوا عنها عبر أصدقاء لهم أو زملاء دراسة من المنتسبين إلى الزاوية.. هذه الأحكام المسبقة هي ما يعمل مسؤولو الزاوية على تغييره عبر الانفتاح على وسائل الإعلام ومحاولة إيصال الصورة الحقيقية لأكبر عدد ممكن من الناس. «نحن ندعو الناس ومختلف وسائل الإعلام وعلماء الدين، سواء منهم من يتفقون أو يختلفون مع منهجنا، لزيارتنا والتعرف على حقيقية الطريقة القادرية البودشيشية.. للأسف، يروّج عنا بعضُ من يختلفون معنا في المنهج، مثل السلفيين، بعض الأمور غير الصحيحة، من أجل تنفير الناس منا، بعد أن رأوا الإقبال الكثيف والمتزايد على الزاوية سنة بعد أخرى، سواء من المغاربة أو الأجانب»، يقول لحسن السباعي الإدريسي، الناطق الرسميّ باسم الزاوية البودشيشية في دردشة قصيرة مع مجموعة من رجال ونساء الإعلام المكلفين بتغطية الملتقى. الليلة الكبرى حركة غير عادية في منزل عائلة الشيخ حمزة، المحاذي لمقر الزاوية. شباب كلفوا بالحراسة عند الباب الخارجي، وآخرون بخدمة المريدين وضيوف الملتقى الذين تحلّقوا حول جمال القادري، الابن البكر للشيخ حمزة، والذي أوصى له بخلافته على رأس الطريقة، وهم يُردّدون مجموعة من الأذكار والموشّحات التي تتغنى بمدح النبي محمد (ص). كان الجميع في أبهى حللهم، استعدادا لإحياء الليلة الكبرى في المسجد المجاور للزاوية، والذي لم يكتمل بناؤه بعدُ، بسبب ما يقول المسؤولون عن الزاوية إنه غياب للدعم الماديّ من الدولة، وهو ما يؤكد -حسبهم- أن زاويتهم ليست «مُدلَّلة الدولة»، كما يقدّمها الإعلام إلى الرأي العام.. ارتدى جميع من في الدار ملابسهم التقليدية، بمن فيهم الأطفال الصغار من أحفاد الشيخ حمزة، ليخرج الموكب، يتقدّمه حفيد الشيخ منير القادري بودشيش، والذي يتمتع -أسوة بباقي أفراد عائلة الشيخ- باحترام وتقدير كبيرين من طرف أتباع الزاوية. تصادف خروج أصحاب الدار مع تساقط أمطار خفيفة على القرية، ما حوّل أرضيتها المتربة وغير المُعبّدة إلى مستنقعات مائية، وهو ما دفع أحفاد الشيخ وباقي أفراد عائلته إلى استخدام سياراتهم الخاصة للوصول إلى المسجد، رغم أن المسافة لا تتعدى المائة متر تقريبا، في حين ذهب البقية مشيا على أقدامهم، رغم صعوبة الحركة في مثل تلك الظروف. داخل المسجد الذي لم يكتمل بناؤه بعدُ، اصطفّ ما يقارب ال100 ألف من «الفقراء» في صفوف متتالية، في حين أحيطت المنصة بستائر كبيرة من أجل حجب الرؤية عن باقي الموجودين في المسجد، إضافة إلى تخصيص طاقم حراسة من الشباب التابعين للزاوية لحراسة المنصّة وصدّ كل ما قد يفاجئ المنظمين بعد بداية الحفل.. وأكد مصدر من اللجنة المنظمة ل»المساء» أن من يقومون بالحراسة هم من الشباب المنتمين إلى الزاوية، والذين يدرسون في تخصصات الطب والهندسة في فرنسا، «وهم يتلقون تكوينا خاصا في مهنة حراسة التظاهرات الكبرى، وجلهم حاصلون على أحزمة سوداء في رياضات القتال، ونحن نستعين بهم في كل مناسبة كبرى، نظرا إلى أنهم يعرفون بعضهم، مما يمكنهم من الاشتغال في تجانس تام في ما بينهم»، يضيف المصدر نفسه. بعد دقائق طويلة من الانتظار، يدخل الشيخ حمزة إلى المنصة، محمولا على سواعد مُريديه المُقرَّبين والمكلفين بخدمته، لترتفع صيحات وتكبيرات المريدين الموجودين في المسجد.. تربّع الشيخ على فراش في وسط المنصة، في حين جلس إلى يمينه ابنه جمال، الذي أوصى له بقيادة الزاوية من بعده، في حين اصطفّ على يساره مجموعة من العلماء وضيوف الزاوية، وتوزع البقية على محيط المنصة، ليُفتتح الحفل بآيات من القرآن الكريم وكلمة مقتضبة لمنير القادري حفيد الشيخ، قبل أن يشهد الحضور تقديم مجموعة من الأمداح والابتهالات التي أدتها «المجموعة القادرية البودشيشية للمديح والسماع الصوفي»، والتي شكلت فرصة للحضور للقيام بطقس «الحضرة» على أنغام تلك الترانيم الروحانية إلى ما بعد منتصف الليل..
الشيخ حمزة: أقول لمن يستعجل موتي إنّ عمري ما زال طويلا أكثر مما تتصوّرون..
قبل أن يحين موعد الليلة الكبرى، نُظِّمت زيارة للإعلاميين المتواجدين لتغطية فعاليات الملتقى إلى مقر الشيخ حمزة، شيخ الطريقة القادرية البودشيشية، بعد أن طلب الأخير لقاء رجال الإعلام من أجل إبلاغهم رسالة ما. كان الشيخ حمزة يجلس فوق سريره مرتديا لباسا قطنيا أحمرَ اللون وطربوشا صوفيا يستر رأسه، الذي لم يعد مكسوا بالشعر، جراء تقدمه الكبير في السن (91 سنة).. كان الشيخ حاسما منذ البداية، «أرحّب بكم هنا في الزاوية، لكنني لن أجيب عن أي من أسئلتكم، ومن أراد أي توضيحات فيمكنه طلبها من أحد الإخوان المتواجدين هنا».. يقول الشيخ التسعيني بلهجة حازمة، رغم أن صوته خرج واهنا من بين شفتيه، جراء تقدّمه في السن، وهو ما انتبه إليه الشيخ ليستدرك، ممازحا: «أنا ما زلت في صحة جيدة، وقد وجدتموني أنهيتُ لتوي حصة المشي التي أمارسها هنا في غرفتي، وأقول لمن يستعجل موتي إنّ عمري ما زال طويلا، أكثر مما تتصوّرون».. استغلّ الشيخ حمزة تواجد الوفد الإعلامي من أجل تمرير بعض الرسائل إلى أتباع الطريقة وللرأي العام بصفة عامة: «كما أن والدي أوصى لي بخلافته على رأس الزاوية سنة 1972 بعد مرافقتي له لمدة 13 سنة، وهي الوصية المسجلة، والتي وقّع عليها كل من السي عبد السلام ياسين والحاج محمد شماعو.. وأنا بدوري كتبت وصيتي منذ زمن بعيد، أوصي فيها بأنْ يتولى ابني جمال مسؤولية الزاوية من بعدي، وهو أمر لا مجال فيه للصراع أو التنازع بين الفقراء، لأنه أمر ربّانيّ ولا دخل لأحد في تحديده».