يجب أن تتوفر في الأطباء المؤهّلات الكافية لإقناع المواطن بإجراء الفحوصات رفضت عزيزة بناني، رئيسة مصلحة الأمراض المتنقلة جنسيا والسيدا في وزارة الصحة، الحديث عن مسألة بيع الشواهد الطبية دون إجراء أي فحص، سواء كان سريريا أو غيره، خاصة ون هناك عددا من الأطباء الذين يسلمون الشواهد الطبية بدون حضور المعنيّ بالأمر، بل يتم ذلك عن طريق الوسطاء والسماسرة. أجابت بناني، التي توجهت إليها «المساء» بسؤال عن الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة للحيلولة دون انتشار داء السيدا عن طريق الزواج وطرق مراقبة إصدار شواهد طبية تفيد خلوّ من يتسلم الشهادة من الأمراض المتنقلة جنسيا، بأنّه لا يحق للوزارة التدخل في هذا المجال، لأن إجراء الفحص طوعيّ ولا يمكن إرغام الشخص على إجرائه. ةاستطردت رئيسة مصلحة الأمراض المتنقلة جنسيا والسيدا في وزارة الصحة قائلة «إن إجراء الفحص يبقى مسألة سرية لا يمكن التدخل فيها أو الكشف عن هوية الشخص المعنيّ بها، وبالنسبة إلى الشهادة التي تُطلَب في وثائق الزواج، والتي تفيد خلو الشخص من الأمراض المُعدية والمتنقلة جنسيا فإن الوزارة وضعت مطبوعا رهن إشارة المستشفيات والمراكز الصحية يتعلق بالأمراض المُعدية وليس الأمراض المتنقلة جنسيا، لا يتضمّن إجراء كشف بقدْر ما يتضمن إجراء فحص سريريّ فقط، بمعنى آخر ألا تكون أي أعراض واضحة على المريض تفيد إصابته بمرض مُعد أو متنقل».. كما أكدت بناني أنّ جميع الفحوصات التي تتم لا يمكن إجراؤها إلا بموافقة المعنيّ بالأمر، لاسيما الأمراض المنقولة جنسيا، مشيرة إلى أنه بخصوص هذا النوع من الأمراض تحاول الوزارة، من خلال أطرها وأطبائها، إقناع المقبلين على الزواج الذين يطلبون شهادة طبية بإجراء الفحوصات من خلال إشعارهم بخطورة الأمراض المُعدية. «من الناحية الأخلاقية لا يمكن إجبار أحد على الفحص، وبالتالي فإنه يجب أن تتوفر في الأطباء المؤهلاتُ التواصلية الكافية وأن يتمتعوا بأسلوب الإقناع لدفع المواطن إلى إجراء الفحوصات طواعية دون أن يحسّ بأنه مجبَر على ذلك، و»إذا رفض المعنيّ بالأمر إجراء فحص عليه فلا حقّ لأحد في إجباره على العكس». وأكدت عزيزة بناني أن «الحملات التي تقوم بها الوزارة لا تجبر فيها أحدا على إجراء فحوصات بل تقوم بتوعيتهم بخطورة المرض وانعكاساته على المجتمع»، مضيفة أن «حالات كثيرة من المصابين بداء السيدا يتعايشون مع المرض دون علم أسرهم، فكيف لهم أن يخبروا أشخاصا آخرين.. وللإشارة، تضيف المتحدثة ذاتها، فإن المواطن غير واعٍ بالمسألة ولا يُجري بأي فحوصات في هذا المجال».
شهادة للانتقام!.. قصة إصابة فاطمة بمرض السيدا غربية جدا.. تحكي أنها كانت صغيرة ولا تعرف أي شيء عن المرض، كانت تعتزم الزواج من أحد المغاربة المقيمين بالخارج ربطتها به علاقة حبّ لمدة سنة، «تُوّجت» بنقل العدوى بدل السعادة.. توفيّ زوج المستقبل بعد صراع مع مرض السيدا، الذي ظل يكتم إصابته به، علما أن أفراد عائلته كانوا على علم بطبيعة مرضه، إلا أنها لم يبوحوا لها بذلك، وادّعوا إصابته بمرض الكلي لتبرير كثرة تردّده على المستشفى.. بقيّ الحال على ما هو عليه إلى أن اكتشفت فاطمة إصابتها بالصدفة. «مرة، نقل أبي إلى المستعجلات بعد مرض مفاجئ ألمّ به، لتنتقل كل العائلة إلى المستشفى، كان أبي في حاجة إلى كمية كبيرة من الدم، فسارع جميع أفراد الأسرة إلى التبرّع بدمهم لإنقاذ حياته، بعد أخذ كميات من الدم وإحالتها على مختبر التحليلات الطبية للتعرف على فصيلة الدم التي يستطيع المريض أخذها». تتنهد فاطمة بعمق: «لقد توقفت عجلة الزمن لديّ بمجرد ما سلمني أحد الأطباء نتائج التحاليل طالبا مني التوجه إلى أحدى مراكز تحاقن الدم». توجهتْ فاطمة إلى المركز، ومنه إلى مستشفى ابن سينا، حيث أخبروها بنتائج التحاليل الطبية: مُصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسَب السيدا.. «لم أكن حتى ذلك الوقت أعرف أيّ شيء عن السيدا، كل ما كنت أعرفه أن مرض السرطان هو أخطر الأمراض على الإطلاق. لم أتعايش مع المرض إلا بعد سنوات من إصابتي به، وكم مرة تهاونتُ في أخذ الدواء في الأوقات المحددة، وهذا كان يُعرّض حياتي للخطر».. تقول فاطمة إن تأكدها من أن إصابتها بداء فقدان المناعة المكتسب كان عن طريق شريك حياتها، عرَفته من البحث الذي قامت به بعد مضيّ أربعة أشهر على وفاة زوجها داخل المستشفى. «تمكنت من الحصول على وثائقه التي تؤكد سبب الوفاة فاكتشفتْ أنه كان يعاني منذ زمن من السيدا وبعدها أصيب بمرض الكلي، الذي عجّل بوفاته، لأن حياة الحاملين لهذا الفيروس تهددها أمراض أخرى».. تقول فاطمة إنها تحسّ بالغبن عندما تعيد ذاكرتها إلى السنوات التي تعرّفت فيها على الشاب الذي كانت ترى فيه زوج مستقبلها، قبل أن يسارع الموت إلى أخذه منها.. «ما زلت أستغرب أسباب إخفائه الحقيقة عني، وأسباب قبوله الزواج من فتاة سليمة معافاة». تتساءل فاطمة بعفوية: «هل هذا نوع من الانتقام؟.. ولماذا ينتقم مني؟».. تبتسم للخروج من حالة الحزن التي رسمتها على المشهد وتقول: دابا الدكتور المحترم والسمسار ديالو عطاوني وْرقة نقدرْ حتى أنا ننتقمْ بها كون ما نتّاقاش الله!»..
من المهم للمقبلين على الزواج أن يُجروا الفحص الخاص بالسيدا قال محمد الخماس، المنسق الوطني لمراكز التشخيص السري والمجاني في جمعية محاربة السيدا، عن موضوع إصدار الشواهد الطبية التي تفيد خلوّ الشخص من مرض معد أو متنقل، دون إخضاعه للفحوصات: «لقد كثر الكلام عن هذه الشواهد الطبية التي يتسلمها مواطنون دون الخضوع للفحص بشكل مبالَغ فيه»، مضيفا أن «الأمر كله لا يتعدى التزام الأطباء بمسطرة تنظيمية تفرض عليهم تحرير هذه الشواهد للراغبين في الزواج، وهي بالمناسبة شواهد لا تتحدث عن الخلو من الإصابة بالأمراض المتنقلة جنسيا وإنما عن الخلو من الأعراض التي قد توحي بوجود مرض مُعدٍ.. وهنا وجب التأكيد، مرة أخرى، أن الشهادة تتحدث عن الخلو من هذه الأعراض بعد الفحص السريريّ وليس الفحص البيولوجيّ، حيث وجب التفريق بين كون الفحص السرسريّ يعتمد على المعاينة والفحص المباشر فقط، بينما يحتاج الفحص البيولوجيّ إلى تحاليل مَصلية للتأكد من الخلو التام من الإصابة بأي مرض مُعدٍ قد ينتقل عبر العلاقات الجنسية.. وللإشارة فقط فإنه لإجراء هذه التحاليل يجب على كل شخص أداء ما يفوق 3000 درهم، فهل بمقدور كل مقبل على الزواج أن يؤديّ هذا المبلغ للتأكد من سلامته؟».. وزاد المتحدث نفسه قائلا إن «الشهادة تسلم للشخص في وقت محدد بتاريخ، وكم من شخص يحصل على الشهادة ويتأخر لشهور في إعداد الملف المطلوب للزواج.. وخلال هذه الفترة قد يتعرّض لإصابة ما، فهل نضرب هنا صحة الشهادة الطبية ونشكك في مصداقيتها؟».. ونصح الخماس كل المقبلين على الزواج -إن توفرت لهم الإمكانيات- إجراء التحاليل اللازمة أو الأساسية منها، «وإنْ تعذر ذلك فعلى المقبلين على الزواج أن يُجروا التشخيص الخاص بفيروس السيدا، علما أنه يمكن إجراء هذا التشخيص مجانيا، سواء في أحد مراكز تحاقن الدم أو في أحد مستوصفات وزارة الصحة أو لدى الجمعيات الأخرى العاملة في الميدان». وبخصوص بعض الحالات الحاملة للفيروس والتي حصلت على شواهد طبية تفيد «الخلوّ» من الأمراض المعدية أو المتنقلة، وتتوفر «المساء» على النسخ الأصلية منها، قال الخماس: «هذا التصرف، إن وقع، فله أعذاره».. موضحا أن «المشكل يتجاوز بكثير مسألة مصداقية مضمون الشهادة الطبية، والتي لا يتحمل مسؤوليتها الطبيب بالتأكيد، طالما أنه مُطالَب بأن يعتمد على الفحص السريريّ.. إنما المشكل يتحدد في الطرف الآخر، الذي يلزم الحامل للفيروس بشهادة طبية حتى يحصل على العمل أو يضمن البقاء فيه، رغم أن المصاب قادر صحيا ونفسيا وجسديا على العمل والعطاء».. كما اعتبر محمد الخماس، المنسق الوطني لمراكز التشخيص السري والمجاني في جمعية محاربة السيدا، أن الزواج لا يمكن أن يكون طريقة من طرق انتقال مرض السيدا، وأن انتقال هذا المرض الفتاك لا يمكن إلا عبر طرق ثلاث لا غير: العلاقات الجنسية غير المحمية، الأدوات الحادة الملوثة بدم مصاب، وانتقال المرض من الأم إلى جنينها أثناء الحمل أو الرضاعة.. وبالتالي -يضيف الخماس- فإن جمعية محاربة السيدا تتخذ تدابير تهدف إلى الحد من انتشار هذا المرض بين عموم الفئات، خصوصا عند الفئات الأكثر هشاشة والمعرّضة للإصابة بشكل أكبر، عبر هذه الطرق الثلاث، بالتنسيق مع مصالح وزارة الصحة ووفق برنامج إستراتيجيّ محكم. ويعتمد هذا التدخل على ثلاثة محاور كبرى تتمثل في: الإعلام، التوعية والتحسيس، مع تقريب وسائل الوقاية وتسهيل الولوج لها للجميع، مع القيام بحملات التشخيص السريّ والمجاني والتطوعيّ، سواء في المراكز ال28 القارة أو في الوحدات المتنقلة الأربع، والتي تجوب ربوع الوطن، بمدنه وقراه، حتى النائية منها، ما يمَكّن الأشخاص المستفيدين من معرفة سلبية تحليلاتهم ذلك، وبالتالي دعمهم للتركيز على الخطط الكفيلة بالحفاظ على سلامتهم طيلة ما تبقى من حياتهم، أو إيجابية مصلهم وبالتالي تشخيص الحاملين للفيروس وتوجيههم لمراكز التكفل.. تتمثل المرحلة الثانية في التكفل بالأشخاص الحاملين للفيروس من أجل استمرارهم وانضباطهم في سلسلة العلاج ومواكبتهم، خصوصا أنه دواء يؤخذ طيلة الحياة، ما يستدعي دعما خاصّا ومصاحبة نفسية واجتماعية عن قرب. ثالثا، وأخيرا، المرافعة من أجل احترام حقوق الفئات الهشة والحاملين للفيروس والدفاع عنهم من كل أشكال الوصم والتمييز اللذين يؤثران سلبا على الاستمرار في العلاج والاقتناع بالإصابة والتعايش معها. وأضاف الخماس أن تدخلاتهم هذه كلها موجَّهة لجميع المستفيدين، متزوجين أو غير متزوجين، لأن أصل التدخل يعتمد على الرفع من وعي المستفيد وتقديم المعلومة الصحيحة عن أسباب الإصابة وكيفية الوقاية منها، على اعتبار أن المخاطَب بالغ ومسؤول كليا عن أفعاله وتصرفاته المولدة لخطر الإصابة.