في المغرب وحده يتحوّل بعض الأطباء من معالجين ومساهمين في الحد من انتشار «السيدا» إلى مساهمين في تفشي هذا الداء القاتل!.. تتحول شواهد الخلوّ من الأمراض، التي تمنحها مستشفيات المملكة، إلى وسائلَ جديدة لانتقال داء فقدان المناعة المكتسب. مقابل «رشوة» لا تبلغ قيمة حقنة واحدة من الحقن التي يداوم عليها المصابون بمرض العصر الذي حيّر العالم، يمكن لمصاب أو مصابة بالسيدا الحصول على شهادة الخلو من الأمراض، التي يطلق عليها المغاربة «شهادة طبية ديالْ الزواج»، ثم الإدلاء بها إلى العدلين ثم إلى القضاء، لتنتقل السيدا من مصاب، قد لا يكون في غالب الأحيان عارفا بإصابته، إلى شريكه.. في هذا التحقيق تكشف«المساء» حالات خطيرة حصل أصحابها المصابون بالسيدا على شواهد طبية تؤكد خلوّهم من الأمراض المُعدية دون إخضاعهم لفحوصات طبية، مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 50 و300 درهم.
ضحية شهادة طبية مزورة بعد اكتشاف إصابتها بداء فقدان المناعة المكتسبة قررت «ه. ز.» أن تعيد تمثيل عناصر وتفاصيل «الجريمة» التي ذهبت ضحيتَها منذ ما يزيد على 18 سنة من المعاناة والصراع مع المرض، ومن ثم فضح كل المتلاعبين بمصائر المواطنين بجرّات قلم. تصر «ه. ز.» على أن ذهابها إلى المستشفى لاستصدار شهادة طبية تثبت خلوها من أي مرض مُعد -وهي المصابة بالسيدا- كان بوعي تحذير المواطنين والمسؤولين من إهمال قليل من الأطباء وفساد أغلبيهم، عندما يوقعون هذه الشواهد دون إخضاع طالبيها للفحص. قبل سردها لتفاصيل قصتها المؤثرة، أكدت «ه. ز.» ل»المساء» وجود حاملين لفيروس السيدا يستفيدون من شواهد طبية تؤكد «خلوهم» من الأمراض المعدية والمتنقلة، والخطير في الأمر أن حالات تعلم بإصابتها وتحصل على هذه الشواهد من طرف أطباء «استأمنتهم» الدولة على صحة المواطنين ويساهمون بشكل مباشر في حصد المزيد من الضحايا.. رافقنا «ه. ز.» إلى مستشفى ابن سينا في الرباط من أجل لتثبت للرأي العامّ، من خلال «المساء»، أن استصدار شهادة طبية تتبث خلوها من الأمراض المتنقلة ليس أصعبَ من الحصول على شهادة السكنى.. ادعت «ه. ز.» أنها تريد شهادة الخلو من الأمراض المعدية والمتنقلة للإدلاء بها إلى إحدى الشركات التي تنوي تشغيلها.. قبل دخولنا إلى المستشفى سألت «ه. ز.» أحدَ المستخدمين عن الطريقة التي يمكنها بها الحصول على شهادة طبية في وقت وجيز.. تذرعت «ه. ز.» بضيق وقتها.. وبسهولة، أحالنا المستخدم على «وسيط» متخصص في التدخل لدى الأطباء، قال إنه لا يغادر مدخل المستشفى إلا ليلا. أرشدنا الوسيط إلى مكتب أحد الأطباء الذي استقبلنا، وبعد أن أفصحت له «ه. ز.» عن مبتغاها، سألنا عن الشخص الذي أرشدنا إلى مكتبه، قبل أن يوجّه سيلا من الأسئلة ل» ه. ز» من قبيل «ما عْندك حتى شي مرضْ؟ ما كتداواي على الصّدرْ أو شي مرض آخر؟».. أجابته بأنها لا تعاني من أي مرض وبأنها تحتاج الشهادة فقط لتضمّها إلى طلبَ عمل. بدا الطبيب مترددا، في البداية، في تسليم الشهادة. لاحقا، علمنا أنه لا يتعامل مع «الزبناء» بشكل مباشر، بل عن طريق الوسيط.. حسم الطبيب تردده بقوله إنه لا يمكن أن يمنحنا الشهادة لأننا لم نأتِ في الصباح الباكر.. غادرنا مكتبه لنعاود اللقاء بالوسيط مجددا. أخبرناه بما وقع مع الطبيب، فوعدنا بأنه سيتدارك الأمر.. انتظرناه مدة نصف ساعة، قبل أن يقصدنا شاب يعمل «سمسارا» في هذا المجال. طلبنا منه التوسط لنا للحصول على شهادة طبية تؤكد خلو»ه. ز.» من أيّ مرض مُعد، طلب منا 200 درهم، وبعد أخذ ورد حددنا الثمن في 150 درهما.. أجرى الوسيط اتصالا هاتفيا مع الطبيب الذي يشتغل وسيطا عنده، وكان الحوار كالتالي: «شي ناس بْغاو شهادة الخلو من الأمراض المتنقلة».. حدّد له الطبيب مبلغا لم نستطع سماعه، لكنْ فهمنا من خلال الإجابة أنه مبلغ مرتفع: «لا راه ما عندهاشْ»، قال الوسيط، الذي ما إن أنهى مكالمته مع الطبيب حتى طلب من» ه. ز.» بطاقة تعريفها الوطنية، ثم سألها عن التاريخ الذي تريد أن تتضمّنه الشهادة. سلمته البطاقة والمبلغ المتفق عليه، فطلب منا الانتظار.. حدّد الطبيب موعدا مع الوسيط خارج مكتبه، وفي أقلّ من 20 دقيقة، سلمه الشهادة التي تفيد خلو « ه. ز.»، المصابة بالسيدا، من أي مرض معد أو متنقل.. وهي الشهادة التي تنشرها «المساء» إلى جانب نسخة من الملف الطبي ل» ه. ز.» والذي يؤكد إصابتها بمرض فقدان المناعة المكتسب «السيدا». بهذه السهولة أصبحت «ه. ز.» تتوفر على شهادة «تثبت خلوها من الأمراض المعدية»، موقع عليها من طرف طبيب في مستشفى ابن سينا في الرباط، وهو المستشفى نفسه الذي تتابع فيه «ه. ز.» علاجها من مرض السيدا!.. الطبيب الذي منح هذا الفتاة شهادة، لن تستعملها في إيذاء أي شخص بقدْر ما سترفعها صرخة في وجه كل الفاسدين المُستهترين بصحة المواطنين، وعلى رأسهم أطباء أدّوا، للأسف، قسم أبوقراط.. قبل مغادرتنا المستشفى أعطانا الوسيط رقم هاتفه من أجل ربط الاتصال به في حالة ما إذا احتجنا مرة أخرى إلى «خدمات» طبية من هذا النوع: «وقتْ مّا حتاجيتو شي شهادة، انتوما ولا مْعارفكومْ عيّطو علي فهاذ الرقمْ»، يقول الوسيط.. كانت «ه. ز.» قبل 18 خريفا من الآن شابة مرِحة، تتمتع بصحة جيدة، تجري فحوصات طبية مرة كل ثلاثة أشهر، قبل أن يتقدم شخص بطلب يدها للزواج.. نظرت « ه. ز.» في عين خطيبها، استمعت إلى كلامه، تعرّفت على أقاربه، اقتربت من محيطه.. وللحظة أيقنت أنّ الحظ كان حليفها عندما ساقها إلى حضن زوج مثاليّ.. انتهت مرحلة الخطبة، وبدأ الإعداد للقران، أحضرت «ه. ز.» الوثائق المطلوبة في عقد الزواج، أجرت التحاليل الطبية اللازمة، التي أكدت خلوها من أي مرض مُعد أو متنقل، التقت بزوج المستقبل الذي سبقها إلى مكتب العدلين، سألها عن تأخرها فأخبرته أنها وجدت المستشفى غاصّا بالزوار، وعندما وصل دورها استغرق الفحص الطبي وقتا إضافيا.. قهقه الزوج وعلّق: أنا «دهنت» وحصلت على شهادة الخلو من الأمراض المتنقلة دون فحص ولا يحزنون.. اعتبرت»ه. ز.» ذلك شطارة من زوج مستقبلها، ولم تكن تعرف أن هذه الشطارة ستقودها إلى الإصابة بمرض السيدا، الذي كان أول «هدية» قدّمها لها زوج المستقبل في فراش الزوجية.. بعد مرور سنوات كثيرة على «ه. ز.» في عشها مع زوجها، الذي ظل يجهل إصابته بفيروس فقدان المناعة المكتسب، استشعر الزوج وَهَناً يدبّ في جسمه شيئا فشيئا، إلى أن حلّ اليوم الذي أحس فيه بأنه لم يعد يقوى على الوقوف أو العمل.. «حملناه على وجه السرعة إلى إحدى المصحات من أجل إخضاعه للعلاج وإجراء الفحوصات اللازمة»-تقول»ه. ز.»- «أظهرت الفحوصات الأولية أنه مصاب بمرض السلّ، حزنتُ للأمر، فالسل مرض مُعد، وعندما يتطور يتطلب عزل المصاب به عن محيط عمله وعيشه». تصمت «ه. ز.»، تضع رأسها بين كفيها، تحرّكه يمنة ويسرة، وتضيف بكلام يقطعه النشيج: «يا ليته كان مسلولا فحسب.. لقد أظهرت التحاليل التالية حمله فيروس السيدا منذ ما تزيد على 10 سنوات.. كان المرض قد وصل إلى مراحله المتقدمة، وزادت إصابته بالسلّ من تدهور حالته الصحية، فتوفيّ».. ترفع رأسها وتتنهد بعمق: «مات تارك لي إرثا لن لا شفاء منه»..
«موت جماعي» ب50 درهما حصل «ن. ي.»، الحامل لفيروس السيدا، منذ سنتين، بدوره، على شهادة طبية تفيد خلوه من الأمراض المعدية والمتنقلة من إحدى المستوصفات القريبة من مقر سكناه، بعدما أخبر الطبيب أنه سيُدلي بها لإحدى الشركات الخاصة التي يعتزم العمل فيها في مدينة الدارالبيضاء. تسلم «ن. ي.» الشهادة الطبية، التي تتوفر «المساء» على نسخة منها، دون إجراء أيّ فحص طبي.. اكتفى الشاب البالغ من العمر 38 سنة، بتقديم مبلغ 50 درهما لطبيب في مستشفى الحي، عندما سلّمَنا شهادة خلوه من الأمراض، مصحوبة بالتقرير الطبي الذي يؤكد إصابته بالسيدا، فعل ذلك ببرودة دم بادية، قال إنه لا يعتبر الأمر استثناء. أضاف أنه يعرف عددا من المصابين بالسيدا حصلوا على شواهد طبية من هذا النوع يُدلون بها إما للعدول من أجل الزواج، أو يدفعونها للشركات التي يتقدمون إليها بطلبات عمل. في سنة 2010 اكتشف «ن. ي.»، عن طريق الصدفة، أنه مصاب بالسيدا. حدث ذلك عندما كان يشتغل في واحدة من كبريات الشركات في إيطاليا. «بداية، انتابتني حساسية جلد مفرطة، بدأت أحكّ مختلف مناطق جسدي» يقول «ن. ي.» ويضيف: «زرت طبيبا مختصّا في الأمراض الجلدية، أخضعني لعلاج لم ينفع معه دواء، قبل أن يطلب مني إجراء عدد من التحاليل لمعرفة مصدر الحساسية. اتجهت إلى أقرب مركز لتحاقن الدم كي أتبرع بالدم مقابل الاستفادة من إجراء تحليلات بالمجان». بعد عملية التبرع توصل «ن. ي.» برسالة من المركز يطلب منه فيها إعادة أخذ عيّنات من دمه، لمزيد من التأكد. مرّت مدة قصيرة ليتوصل برسالة قاتلة: «السيد «ن. ي»، يؤسفنا أن نؤكد لكم إصابتكم بداء فقدان المناعة المكتسب السيدا».. يحكّ جمال ذقنه، ويؤكد: «كان ذلك في سنة 2010». يستعيد «ن. ي.» شريط آمالٍ عقدها في المغرب على الهجرة إلى إيطاليا، حيث كان يحلم أنّ في مكانه أن يعيش الحرية والرفاهية والسعادة. يستعيد شريط الذكريات ويضيف: «نزل عليّ خبر إصابتي بالسيدا كالصاعقة، وانقلبتْ حياتي إلى جحيم حقيقيّ، حيث لم أعد قادرا على العمل.. تدهورتْ حالتي النفسية، وأصبحت ُمدمنا على الكحول، أشرب يوميا لأهرب من هواجس المرض الذي لم أستسغه.. غادرت إيطاليا بعد هجرة دامت أزيد من 25 سنة، بعدما توقفتُ عن العمل ولم أعد قادرا على تسديد مصاريف تواجدي هناك.. دخلت إلى المغرب بدون عمل، أنا الذي كان مدخولي الشهري لا ينزل على 1300 أورو». استطرد «ن. ي.» والدموع تخنق كلماته: «أقطن مع أسرتي الصغيرة في مدينة الدارالبيضاء، ولا يعلم بمرضي سوى والدتي».. يحكي «ي. ن.»، العائد من المهجر إلى المغرب، كيف أن المغاربة المقيمين في دول المهجر بطرق غير شرعية والحاملين للفيروس مُهدَّدون بالطرد إذا اكتُشفت إصابتهم. يتساءل بمرارة: «وإلى أين يطردون؟ إلى المغرب، الذي يعتبر مرض السيدا طابوها محاطا بالسرية والكتمان، الشيء الذي يحُول دون تحديد المصابين به بسهولة، ومن تم ضمان الحد من انتشاره ومعاقبة الأطباء الذين يسلمون الشواهد الطبية ويستهترون بصحة المواطنين، كما يجب عليها تقنين الدعارة، التي تعدّ هي الأخرى عاملا من عوامل انتشار الفيروس.. إضافة إلى ذلك، يقول «ي. ن»: «هناك حالات كثيرة مصابة بالسيدا تتجوّل دون أن تعلم هي نفسُها بإصابتها، فلماذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة وجدية للحد من توسّع خارطة السيدا بالمغرب؟».. يصمت «ن. ي.» ثم يعلق، بما أكسبته تجربة المرض من خبرة، محللا وضعية المصابين بالسيدا في المغرب: «يفقد المصاب بالسيدا أبسط حقوقه في مجتمع كالمجتمع المغربيّ: يُرفَض مجرد الإنصات إليه، فكيف يجرؤ على إعادة إدماجه، كما أن مرض السيدا تلفه السرية التامة والمصابون به لا يجرؤون على البوح بذلك حتى لأقرب أقاربائهم.. الأكثر من ذلك أنّ المريض عندما يرى نفسه في المرآة لا يستطيع حتى أن يصارح نفسه ويتقبل المرض، فكيف له أن يبوح بالأمر للآخرين؟».. وتابع «ن. ي» حديثه قائلا «إن أسباب انتشار السيدا بكثرة في المغرب لا ترتبط فقط بالعلاقات الجنسية غير المحميّة، وإنما بطرق وأساليب مختلفة، منها مساهمة مجموعة من الأطباء من طينة هذا الذي سلمني اليوم شهادة طبية تؤكد خلوي من أي مرض منتقل ومعدٍ، وأنا مصاب بالسيدا».. والخطير في الأمر -يضيف المتحدث ذاته- أن «هناك حالات حاملة للفيروس يتسلمون هذه الشواهد بنية تقديمها ضمن ملف الزواجِ بأفراد غير مصابين بالسيدا، وهم يرفضون، بقصد، عدم كشف إصابتهم للشريك».. يضرب «ن. ي.» قبضة يده براحة كفيه وينهي حديثه إلى «المساء»: «ألا ترون أنني أحمل بين يدي شهادة موت جماعية حصلتُ عليها بمجرد 50 درهما؟»..
أطباء «مجرمون» لم تجد فاطمة، الحاملة لفيروس السيدا منذ أزيد من 11 سنة، أي صعوبة في الحصول على هذه «الورقة» التي لا تستحق، على حد تعبيرها، أن يطلق عليها اسم «شهادة طبية»، حيث أصبح الكل، حسب قولها، «يسمسر» في هذا النوع من الوثائق.. قالت فاطمة ل»المساء» إنها حصلت على شهادة تثبت خلوها من كل مرض مُعد متنقل، بما في ذلك فيروس السيدا الذي يجري في دمائها، عن طريق سمسار مقابل مبلغ 300 درهم. قالت فاطمة (نورد اسمها الشخصي الحقيقي بعدما رفضت الإشارة ولو بالحرف الأول إلى اسمها العائليّ): «قلت للسمسار، في الهاتف، إنني مقبلة على الزواج وأريد الشهادة التي يطلبها العدلان لعقد الزواج»، قبل أن تضيف أنها رفعت تحديا بينها وبين نفسها، لتثبت للرأي العامّ أنّ أخطر الشواهد الطبية يمكن أن يتسلمها أي واحد ليس فقط عبر وسيط داخل المستشفى، بل في أيّ فضاء عموميّ.. اتصلت فاطمة بالسمسار عبر الهاتف وقالت له: «لن تطأ رجلاي أرض المستشفى.. أنا أنتظرك في المقهى المجاور». أما الطبيب الذي شهد زورا في وثيقة إدارية بأنّ فاطمة «سليمة معافاة» فلم يتعرّف إليها إلا من خلال اسمها الذي أملاه عليه السمسار، وهي لم تتعرف عليه إلا من اسمه المطبوع فوق الشهادة مضافا إليه لقبه العلمي: دكتور!.. تعلق فاطمة في مقابلتها مع «المساء»، قائلة: «تعرف المستشفيات العمومية بالدرجة الأولى والخصوصية بالدرجة الثانية تسيّبا كبيرا ولا تعرف قيمة الشواهد الطبية التي تسلمها لمن يرغبون في الحصول عليها». وتضيف، هازئة: «لم يتطلب مني «الكاغيط» الذي حصلتُ عليه مقابل 300 درهم من المستشفى الإقليمي في القنيطرة، والذي يفيد خُلُوي من الأمراض المتنقلة، حتى أن يوقع عليه الطبيب، فقد أخبرني السمسار الذي تكلف بإحضار الشهادة الطبية أنه يتوفر على عدد من الشواهد في جميع المجالات. لقد قال لي مفتخرا إن الطبيب يثق فيه».. سلم السمسار القنيطري فاطمة الشهادة ومعها رقم هاتفه الخاص: «إيلا شي حْدّ من جهتك بْغى شي شهادة كيفْ مّا كانت هانا موجودْ».. يغادر السمسار المقهى، فتطلق فاطمة شريط سبّ وشتم في حق هذا النوع من الأطباء: «الجهلة، يلهثون وراء المال ليُراكموا ثرواث على حساب معاناة ومآسي المغاربة».. انتبهتْ إلى أنها أثارت بانفعالها انتباه زبناء المقهى، فطفقت تفسر بصوت ينخفض تدريجيا: «يُسهّل هؤلاء «الأطباء» على بعض المصابين بالسيدا وغيرها من الأمراض الفتاكة مأمورية «الانتقام»، دون أن يُقدّروا خطورة العواقب التي يمكن أن تؤدي إليها أفعالهم المتهورة، المحكومة بالجشع.. لقد دمّروا أسرا بكاملها وضعتْ ثقتها فيهم». تهدأ فاطمة وتقول لصحافية «المساء» إنها انفعلت لأنها تعرف عددا من المصابين بالسيدا يعلمون بإصابتهم بالفيروس، ومع ذلك يستصدرون وثائق من هذا النوع ويقبلون على الزواج من مُعافين. تحسّ فاطمة أنها لم ما في زاده من حكايات نساء بئيسات تعرفت عليهن في رحلة الاستشفاء من الداء. وقالت: «أعرف صديقة لي كانت تشتغل في ليبيا هي وابنها.. كلاهما مصابان بفيروس فقدان المناعة المكتسب. عندما علمتِ السلطات الليبية بوجودهما فوق أراضيها، وهما مصابان بالسيدا، قامت باعتقالهما ووضعهما تحت الحراسة النظرية مُصفَّدي الأيدي داخل مخيمات منصوبة في الصحراء الليبية». وبعد وضعهما في المخيمات، ألحِق بهم مصابون آخرون ليتم ترحيلهم ، كل إلى بلده، تفاديا لانتشار الفيروس في أوساط مواطنيها.. تضيف فاطمة أن صديقتها أصيبت بالمرض في الوقت الذي كانت مقيمة في ليبيا، فكانت نهايتها مأساوية، عندما وجدت جميع الأبواب موصدة، فامتهنت الدعارة والتسوّل، وقضت بسبب ذلك عقوبات حبسية.