لم يكن سهلا الحديث بتلقائية ودون أي اعتبار في الموضوع، فهناك حالات ما تزال تخفي الحقائق وتعتبر الموضوع «طابو» لا يمكن طرحه للنقاش، ما جعل كثيرا من المصابين لا يعترفون لأسرهم بحقيقة مرضهم، يعيشون «معزولين» ويتخذون جميع الاحتياطيات حتى لا يتم اكتشاف إصابتهم.. ويعتبر كثيرون أن كل من ولج أحد مراكز أو جمعيات محاربة السيدا فهو «حامل للداء».. فكل الأنظار تستقبله باحتقار، فالإحساس الذي ينتاب الشخص الذي تطأ قدماه للوهة الأولى إحدى هذه المؤسسات هو أن الجميع ينظرون إليه كمصاب يجب أخذ الحيطة والحذر منه.. لم تكن «ف. ذ.»، البالغة من العمر 32 سنة، تتوقع أنها تحمل فيروس فقدان المناعة المُكتسَب، بل اكتشفت مرضها بالصدفة، عندما كان والدها يعاني من مرض خطير تطلّبَ إجراء عملية جراحية، فكان في حاجة إلى كمية من الدم.. تطوّعَ كل بنائه بدمهم من أجل إنقاذ حياته، فكانت ابنته «ف. ذ.» من المتبرِّعين، غير أن ما ستكشف عنه نتائج التحليلات التي أجريت على الدم المُتبرَّع به حملت خبرا صادما بالنسبة إليها. اكتشاف الإصابة تابعت «ف. ذ.»، قائلة التي قابلتها «المساء» في جو فتح الباب على مصراعيه لسرد قصة مؤثرة لشابة أصيبت بالمرض منذ أن كان عمرها لا يتعدى 19 سنة، إنه عندما ذهبت الأسرة لاستلام نتائج التحليلات جالست والدَها الذي كان نزيلَ المستشفى، وطلبت من أمها أن تُحضر نتائج تحليلاتها، غير أن الطبيبة المشرفة رفضت تسليمها نتائج ابنتها، وطلبت منها أن تحضر الأخيرة شخصيا، دون أن تدخل معها في تفاصيل الموضوع.. تضيف «ف. ذ.» إنها لم تأخذ الموضوع بجدية إلا عندما ألحّت عليها الطبيبة بضرورة زيارة مركز تحاقن الدم، وسلمتها ظرفا يضمّ نتائج التحليلات الأولية ورسالة سرية، والتمس منها عدم إطْلاع أيّ شخص عن مضمونها، وبعد زيارتها المركز، أرسلوها إلى مستشفى ابن سينا في الرباط، حيث طلب المدير مقابلتها، فأخبرها بالموضوع، قبل أن يُهدّئها ويسألها عن مدى قابليتها لتلقي الخبر. ونظرا إلى صغر سنها وأميتها فقد كانت تجهل حتى المرض ولا تعرف أي شيء عنه ولم تستوعب أيَّ شيء، حيث إن أخطر مرض بالنسبة إليها كان هو السرطان.. بدأت تفاصيل إصابة «ف. ذ.» بداء فقدان المناعة المكتسب عندما تقدّم شاب يعيش في الديار الإيطالية بطلب يدها، وقررت الزواج منه، فربطتهما علاقة عاطفية وجنسية قبيل استكمال الإجراءات القانونية لإعداد الوثائق اللازمة لعقد القران.. وكان يأتي في مناسبات كثيرة ويتلقى بعض العلاجات تارة في العاصمة الرباط وأخرى في الدارالبيضاء، وعندما سألته عن طبيعة مرضه أخبرها أنه يعاني من مرض على مستوى الكلي.. وأضافت المتحدثة أنها كانت تزوره كثيرا داخل المستشفى ولم يكن الطبيب المعالج يعلم أنها خطيبته، إذ أخبرته أنها فرد من أسرته، حتى لا يخبرها الطبيب عن أي شيء في الموضوع، واستغربت عدم إخبارها بطيعة مرضه، رغم أن عائلته كانت على علم بذلك. وبعد مرور شهور قليلة، توفي خطيبها بعد إصابته بمرض آخر أثّر على صحته، خاصة أن حاملي فيروس المناعة المكتسب تهدد حياتهم أمراض أخرى أكثر من إصابتهم بالسيدا.. وظلت الأمور «عادية» حتى مرت أزيد من ثلاثة أشهر عن وفاته، وتمكنت من معرفة أسباب الوفاة، والتي كانت إصابتَه بداء فقدان المناعة المكتسب.. واصلت «ف. ذ.» حديثها، وهي تمسح دموعها المنسابة، قائلة إنها لم تكن في البداية تجرؤ على البوح لعائلتها بالأمر، علما أن عمتها التي اطّلعت على مضمون الرسالة كانت على علم بالموضوع، واحتفظت بالسر حتى لا تجرح مشاعر ابنة أخيها، لكنْ كان لا بد ل«ف. ذ.» أن تخبر العائلة بالأمر وإلا فإن معاناتها ستتضاعف، على حد تعبيرها. قالت الشابة، التي تتحدر من مدينة القنيطرة، إنها أخبرت والديها بالأمر، لأنها لم تستطع الصمت رغم أن أغلب المصابين الذين تربطهم بها علاقة يحتفظون بالسر لأنفسهم، تفاديا للتعرض لردات فعل تصل، أحيانا، إلى حد الطرد من البيت. تقول «ف. ذ.»، إن المجتمع لا يقبل الشخص المصاب بالسيدا، خاصة المرأة، حيث يُنظر إليها على أنها عاهرة وأن إصابتها لم تكن قدَرا، علما أن هناك الكثير من الحالات الحاملة للفيروس انتقلت إليها الإصابة عن طريق أدوات طبية غير مُعقَّمة، وليس بالضرورة عن طريق الممارسة الجنسية. واستطردت قائلة إن المشكل الذي يواجهه المصابون بالسيدا يتجلى في كونهم «ممنوعين»، أيضا، من دخول المؤسسات العمومية ويتلقون معاملة سيئة في حال البوح عن إصابتهم بالداء.. وتذكرت «ف. ذ.» قصة أحست معها أنه لا أحد يحترم الحامل لهذا الفيروس.. كان ذلك عندما ذهبت عند طبيب أسنان لاقتلاع ضرس آلمها، لكنها ما إن أخبرته أنها مصابة بالسيدا -حتى يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة حتى لا تنقل العدوى إلى شخص آخر- حتى «طردها»، دون تردد، وحذرها من معبّة المجيء إلى عيادته مرة أخرى!.. واستغربت «ف. ذ.» معاملة الطبيب، موضحة أنه كان بإمكانها أن تأخذ موعدها دون حاجة إلى إخباره بالحقيقة، وهذا يبيّن أن معظم الأطباء لا يُخضِعون معداتهم وأدواتهم للتعقيم كما يجب، مع أن هناك حالات «تصول وتجول» بحرية دون أن يتم التعرف عليهم، لأن المصاب بالسيدا، والذي يتناول الدواء بانتظام لا تبدو عليه أي علامة، ولم تكن تلك المرة الأولى أو الأخيرة التي تعرضت فيها «ف. ذ.» لمثل هذه المعاملة، بل إنها كانت داخل مستشفى في الدارالبيضاء في سنة 2004، قضت فيه شهرا كاملا من أجل تلقي العلاج وأخذ الأدوية، إذ لم تكن لديها القدرة على دفع التكاليف، فوجدت نفسها أمام الأمر الواقع، فاضطرت إلى «خدمة» بعض المرضى، الذين لم يبخلوا عنها ببعض الدريهمات وكانوا يقتسمون معها بعض الأطعمة، مقابل تنظيف ملابسهم أو مرافقتهم إلى بعض مرافق المستشفى.. وقبل مغادرتها المستشفى، خصصت لها الإدارة مبلغا يضمن لها العودة إلى منزل أسرتها في القنيطرة، غير أن المبلغ الذي تضمنته الوثيقة ليس هو نفسه الذي تسلمته من إحدى العاملات في المستشفى، حيث لم يكفها حتى لتسديد مصاريف التنقل، فاضطرت إلى بيع بعض حاجياتها من أجل استكمال المبلغ المطلوب.. لم يكن سهلا الحديث بتلقائية ودون أي اعتبار في الموضوع، فهناك حالات ما تزال تخفي الحقائق وتعتبر الموضوع «طابو» لا يمكن طرحه للنقاش، ما جعل كثيرا من المصابين لا يعترغون لأسرهم بحقيقة مرضهم، يعيشون «معزولين» ويتخذون جميع الإحتياطيات حتى لا يتم اكتشاف إصابتهم.. وبالنسبة إلى «ف. ذ.» فقد اعتبرت نفسَها «محظوظة»، لأن عائلتها تفهّمت الوضع، على حد تعبيرها، في حين أن هناك حالات «نبذها» المجتمع فكان مصيرها الشارع والانحراف، مؤكدة أنها تعرف حالات كثيرة كانت نهايتها «درامية» ليس بسبب المرض وإنما بسبب تنكر العائلة لها، بل إن بعض الحالات وصل بها الأمر إلى حد اللجوء إلى القضاء. والأكثر من ذلك، تضيف المتحدثة ذاتها، أن عددا من المصابين يلقون حتفهم في الشارع، فبدل أن تساعدهم عائلاتهم في تلقي العلاج تدفع بهم إلى الانحراف والانتحار في بعض الحالات، بعدما وجدوا أنفسهم وحيدين وحائرين بين مطرقة المرض وسندان الأسرة، التي رفضتهم. مشروع زواج فاشل رغم إصابتها بالمرض خاضت «ف. ذ.» تجربة أخرى، تمنّت من ورائها أن تُنسيّها معاناتها مع الداء، عندما ربطت علاقة عاطفية مع أحد المصابين تعرفت عليه في أحد مراكز محاربة السيدا، وعبر لها عن رغبته في الزواج منها وتكوين أسرة.. ومع مرور الوقت، اكتشفت أنها حامل منه، ولمّا أخبرته بالأمر، أكد لها أنه سيتزوج بها ولن يتخلى عنها، غير أن العكس هو الذي وقع، فعندما بلغت شهرها الخامس، بدأ الشاب يتماطل ولم يعد يُعير الأمر اهتماما، ما اضطرها إلى إجهاض الجنين، الذي كان سيخرج إلى الوجود وهو حامل للفيروس، لأنه في فترة الحمل لم يتمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الجنين من الإصابة.. يقول أحد العاملين في المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا في الرباط، كان حاضرا أثناء لقائنا بعدد من الحالات التي تتوافد على المركز، إن زواج المصابين بداء السيدا يختلف عن زواج الأشخاص الأسوياء، مفسرا ذلك بكون المصاب بالسيدا عادة ما يكون محبطا ومتخوفا، وبالتالي فإنه لا يأخذ الموضوع على محمل الجد، وفي أغلب الأحيان لا يتم عقد القران أو أي إجراءات وطقوس، فهو شبيه بالزواج التقليدي أي ب»الفاتحة»، بل حتى الأسر التي تعلم بإصابة أحد أفرادها لا تتدخل في موضوع الزواج. وأكد المتحدث نفسه أن المنظمة تراهن على تتبع الأزواج المصابين بالداء ومواكبتهم في فترة الإنجاب، حتى يتم إنقاذ الأطفال من الإصابة. وعلاوة على ذلك، فإن المنظمة تنظم دورات تكوينية وتسهر على تمدرس المصابين من أجل الحصول على دبلوم يسمح لهم بولوج سوق الشغل وتحقيق الاكتفاء الذاتي، كما تمكّنهم من الحصول على قروض صغرى. بسبب السيدا.. تحكي إحدى المصابات اللواتي قابلتهن «المساء» معاناة الحاملين لداء فقدان المناعة المكتسب، الذين يعيشون خارج أرض الوطن. وقالت إنها تعرف صديقة لها كانت تشتغل في ليبيا، هي وابنها، وكلاهما مصابان بالفيروس، وبعدما علمت السلطات الليبية بوجودهما على أراضيها، تم اعتقالهما ووضعهما تحت الحراسة النظرية، مُصفَّدي الأيدي داخل مخيمات منصوبة في الصحارى الليبية.. فبعدما تم جمع عدد من المصابين تم ترحيلهم بشكل جماعي، تفاديا لانتشار الفيروس في أوساط مواطنيها، علما أنها أصيبت بالمرض في ليبيا.. فكانت نهايتها «مأساوية»، إذ وجدت جميع الأبواب موصدة في وجهها، فترامت بين أحضان الانحراف وقضت مُدداً داخل السجن، قبل أن ينقضيّ أجلها. وأضافت المتحدثة، التي سبق لها أن شاركت في عدد من اللقاءات والمؤتمرات التي تم تنظيمها في عدد من الدول العربية، أن المغرب متقدّم مقارنة مع هذه الدول في مجال معالجة مكافحة داء فقدان المناعة المكتسب وكذا في سبل الوقاية منه وتقبل الشخص المصاب. وصمة عار
يعتبر كثيرون أن كل من ولج أحد مراكز أو جمعيات محاربة السيدا فهو «حامل للداء».. فكل الأنظار تستقبله بباحتقار، فالإحساس الذي ينتاب الشخص الذي تطأ قدماه للوهة الأولى إحدى هذه المؤسسات، هو أن الجميع ينظرون إليه كمصاب يجب أخذ الحيطة والحذر منه.. ولتفادي ذلك، فإن أغلب المصابين القاطنين في الرباط يلجؤون إلى فروع المراكز الأخرى بعيدا عن مدينتهم، تفاديا لمصادفة أي شخص قد يعرفه، والعكس صحيح. تقول عدد من النساء اللواتي جالستهن «المساء» في منظمة النهضة لمكافحة السيدا في الرباط، إنهن يتردّدن على هذا المركز بشكل سري، وغالبا ما يتخفين في الجلابيب، لأن عائلاتهن لا يعلمن بالأمر، وبالتالي فأي هفوة قد تؤدي إلى افتضاح الأمر، وقد تترتب عنه عواقب لا تحمد عقباها..
كم يكلف مصاب بالسيدا؟ يكلف كل مريض بداء السيدا وزارة الصحة ما يقارب 300 درهم شهريا، حيث يحتاج المريض إلى أخذ ثلاث حبات في اليوم بشكل منتظم، وإلا فإن نسب حظوظ استمراره على قيد الحياة تبقى ضئيلة، فهناك نوع من الدواء ما يزال في طور الدراسة من أجل إدخاله إلى المغرب، غير أن المجهودات التي تبذلها وزارة الصحة غير كافية للحد من انتشار داء فقدان المناعة المكتسب، على حد تعبير نادية بزاد، رئيسة المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا، في تصريحها ل«المساء»، بل يجب، حسب قولها، التنسيق مع جميع مكونات المجتمع، بمؤسساته وأفراده. وللإشارة، تضيف بزاد، أن الدواء كان في التسعينيات، أي في بدايات ظهور المرض في المغرب، يكلف كل مصاب حوالي 6 آلاف درهم، وهو ما ساهم في ارتفاع نسب الوفيات في صفوفهم. وانتقدت بزاد بشدة وزارة التربية الوطنية، التي تلعب دورا أساسيا في التوعية، إلا أن هذا الموضوع تم تجاهله بشكل كبير، سواء في المقررات الدراسية أو في الملتقيات والدورات التكوينية التي يتم تنظيمها، خاصة أن فئة المراهقين يجهلون هذا المرض ولا يعرفون عنه شيئا، متسائلة في الوقت نفسه عن أسباب إقصاء مادة التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية.. فالتربية الجنسية، في نظرها، مثلها مثل أي مواد يتم تدريسها، فعندما يتم فتح نقاش في هذا الموضوع داخل المؤسسات التربوية فإن ربط العلاقات الجنسية لن يبقى ب»السهولة» التي نراها اليوم، وحتى إن تمّت فمن الأكيد أن يتخذ الشاب -أو الشابة- جميع الإجراءات الوقائية، حتى لا يقعوا في الخطأ في وقت لن ينفع فيه ندم.. واستغربت بزاد الغموض التامَّ الذي يلفّ موضوع التربية الجنسية في المغرب، حيث عادة ما يتم ربطها ب«الفساد» وبالعلاقات غير الشرعية فقط. كما أن الإعلام المغربي لم يؤدّ دوره في هذا الباب، إذ يتم الاكتفاء ببعض الإشارات والإشهارات «الفارغة» التي لا جدوى من ورائها، دون أن ننسى مسؤولية الطبيب الذي يتسلم رشاوى مقابل تسليم شهادة طبية دون إخضاع الشخص للفحص الطبي. من جهة أخرى، شدّدت بزاد على أن المشكل الذي تواجهه عدد من جمعيات محاربة السيدا هو سوء التسيير وغياب إستراتيجية واضحة وفعالة للحد من انتشار السيدا في بلادنا، رغم الجهود المبذولة، كما أن هناك مشكلا في الكشف عن الأرقام الحقيقية للمصابين بهذا الداء، وللمجتمع جانبٌ من المسؤولية بهذا الخصوص.
اكتشاف الإصابة «ه. ز.» سيدة في الخمسين من عمرها، كانت تعمل مع مركز لتحاقن الدم، ولم تكن تعاني من أي مرض، وفي كل مرة تتبرع بدمها وتحصل على نتائج التحليلات، غير أن الصدمة كانت كبيرة عندما أصيبت بداء فقدان المناعة المكتسب.. لم تتردد «ه. ز.» في سرد تفاصيل تعايشها مع مرض عانت معه منذ أزيد من 17 سنة، قائلة إن زوجها نقل إليها العدوى، ولم تكتشف الأمر إلا بعد مرور حوالي أربع سنوات على زواجهما. وقبل عقد القران كانت قد أجرت جميع التحاليل التي تفيد خلوّها من أي مرض معدٍ، وبرفقة زوجها، غير أن هذا الأخير كان يعلم أنه مصاب بالسيدا واكتفى بإعطاء أحد أطباء الرباط «رشوة» من أجل الحصول على شهادة طبية، دون الخضوع لأي فحص.. وتابعت «ه. ز.»، والدموع تحبس أنفاسها، قائلة إنها لاحظت تراجعا كبيرا في الحالة الصحية لزوجها، الذي بدات تظهر عليه أعراض الفيروس ولم يعد يقوى على الوقوف، لأن الفيروس وصل إلى مراحله المتقدّمة.. وعندما أصيب بمرض السل، زادت صحته تدهورا، فتم إخضاعه لفحص دقيق وأجرى التحليلات اللازمة فاكتشف إصابته بداء السيدا قبل أكثرَ من 10 سنوات.. وكانت الصدمة كبيرة بالنسبة إلى الزوجة، التي وجدت نفسها، هي الأخرى، حاملة للفيروس. من الصعب استيعاب خبر الإصابة بالفيروس في مجتمع «لا يقبل» أي شخص مريض بهذا الداء، والأصعب من ذلك عدم البوح به حتى لأقرب الناس، ما دام المرض مرتبطا بالعلاقات الجنسية غير الشرعية.. أضف إلى ذلك أن أغلب المصابين يعانون من أمراض نفسية حادة بسبب الاحتفاظ بسر كان من المفروض أن يعلمه به الجميع، لمساعدتهم حتى يتمكنوا المريض من تجاوز محنة تلازمهم مدى الحياة. قالت «ه. ز.»، وهي تجهش بالبكاء، إن الخطير في الأمر هو كون الأشخاص العاديين ينفُرون من المريض وكأنّ مرض السيدا ينتقل من شخص إلى آخر عبر الهواء.. والغريب أن الفئات التي توجد في المراتب الأولى من الهرم الاجتماعي، والتي كان من المفروض أن تتفهم الوضع وتقبل الواقع المحتوم هم من تواجه معهم صعوبات في التواصل.. وأضافت «ه. ز.» بنبرة حادّة: «كيف يُعقَل أن يطرد طبيب مصابة ويرفض تقديم الخدمة لها؟.. وكيف لطبيبة أن تسأل مصابة بالسيدا أمام الملأ عن أسباب إصابتها؟».. مع العلم أن الطبيب هو أول من يجب عليه احترام سرية الموضوع، حفاظا على كرامة المريض وتجنبا للحرج.
«اليوم أنا وغدا أنت».. بهذه العبارة لخّص بوشعيب، وهو أحد المصابين بداء فقدان المناعة المكتسب، كلامه، حيث اعتبر أن انتشار السيدا في المغرب لا يتم فقط عن طريق الممارسة الجنسية غير المحمية وإنما تنتشر، أيضا، في المراكز الصحية وغيرها بسبب الاستعمالات المتعددة للأدوات الطبية. وقال بوشعيب، الذي لم يتجاوز بعدُ عقده الرابع، إن «السيدا مرض كغيره من الأمراض، ولا أفهم لماذا يعتبره الناس شبحا مخيفا.. علما أن هناك أمراضا أخطرَ من السيدا؟».. مضيفا أن أعراض السيدا بالنسبة إليه بدأت تظهر بشكل سريع، حيث إنه في ظرف وجيز انخفض وزنه إلى 45 كيلوغراما، حتى صار عاجزا عن الوقوف والحركة، بل الأكثر من ذلك أن ذاكرته لم تعد تستوعب أي شيء.. بهذه العبارة لخّص بوشعيب، وهو أحد المصابين بداء فقدان المناعة المكتسب، كلامه، حيث اعتبر أن انتشار السيدا في المغرب لا يتم فقط عن طريق الممارسة الجنسية غير المحمية وإنما تنتشر، أيضا، في المراكز الصحية وغيرها بسبب الاستعمالات المتعددة للأدوات الطبية. وقال بوشعيب، الذي لم يتجاوز بعدُ عقده الرابع، إن «السيدا مرض كغيره من الأمراض، ولا أفهم لماذا يعتبره الناس شبحا مخيفا.. علما أن هناك أمراضا أخطرَ من السيدا؟».. مضيفا أن أعراض السيدا بالنسبة إليه بدأت تظهر بشكل سريع، حيث إنه في ظرف وجيز انخفض وزنه إلى 45 كيلوغراما، حتى صار عاجزا عن الوقوف والحركة، بل الأكثر من ذلك أن ذاكرته لم تعد تستوعب أي شيء.. أكد بوشعيب أن المشكل الذي يعاني منه المصابون بالسيدا هو غياب التوعية من خلال كيفية استعمال الدواء، كما أن هناك غيابا تاما للمحللين النفسيين من أجل دعم المصاب معنويا، حتى يتأقلم مع المرض، على الأقل، في مراحله الأولى، والكارثة هي أن هذا المرض ينخر الكبار ويكون ضحيتَه الأطفال الذين يخرجون إلى الوجود حاملين الفيروس دون ارتكابهم أي ذنب. وصف بوشعيب السيدا بأنها «حرب باردة» دارت رحاها في المغرب في ظل غياب التوعية والمراقبة، واستدل على ذلك بأحياء وأوكار الدعارة، التي تعشش فيها جميع الأمراض التي تكون خارجة عن أي مراقبة، واستطرد قائلا: «أنا ما كانلومْش العاهرات لأن كل واحد ومْنين كيجيب رْزقو». وانتقد بوشعيب جمعيات المجتمع المدني، التي قال إنها «تتبجح» بتقديم المساعدات والدعم لمرضى السيدا، في حين أن كل ذلك ليس سوى شعارات «فارغة» لا جدوى منها، وإنه لا علاقة لهذه الجمعيات بالجانب التوعوي، الذي أحدِثت لأجله، إذ من المفروض أن تكون هناك برامج اجتماعية تهدف إلى توعية المواطنين قبل إصابة أحدهم بالمرض.