في هذا الحوار مع رئيس اتحاد كتاب المغرب عبد الرحيم العلام نستعرض وضعية اتحاد الكتاب منذ المؤتمر الأخير إلى الآن، وأهم الرهانات الثقافية الموضوعة على هذه المنظمة الثقافية، التي تعرضت في الآونة الأخيرة لنقد شديد وتجاذبات كادت تعصف بها. يحرص الرئيس الجديد على التأكيد على أن المرحلة الحالية من حياة الاتحاد ستكون فارقة، وهو يؤكد على أن عنوانها العام سيكون التدبير الجماعي وإشراك كل الفاعلين الثقافيين وفتح قنوات حوار مع الغاضبين لإرجاعهم إلى الحظيرة، والعودة بالاتحاد إلى الفترة المزهرة، التي كان فيها أحد روافد الحداثة المغربية والفكر الحر والحضور العربي الوازن. هي آمال ومخططات على الورق أو في البال، لكنها بطبيعة الحال، تحتاج إلى سرعة في الترجمة، وإلا فإن طريق الجنة ليست دائما مفروشة بالنوايا. - ما هو برنامج اتحاد كتاب المغرب بعد المؤتمر؟ وهل تفكرون في تدشين بداية العام الثقافي بحدث كبير؟ يمكن، في هذا الإطار، الحديث عن برنامج ثقافي طموح ومتنوع ومتعدد، سطرنا خطوطه العريضة في اجتماعنا الأخير بطنجة؛ برنامج يأخذ بعين الاعتبار توصيات المؤتمر الأخير وجانبا من البرنامج الثقافي العام، الذي كنت قد أعلنت عنه أمام الرأي العام الثقافي قبل المؤتمر، عدا كونه برنامجا يتفاعل مع المتغيرات والتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعرفها بلادنا والساحتان العربية والعالمية، من خلال انفتاح الاتحاد على محيطه الداخلي والخارجي، وانخراطه في صلب القضايا الأساسية المطروحة اليوم على مشهدنا الثقافي، وكذا تقوية علاقاته وتعاونه مع شركائه التقليديين ومع شركاء جدد، ممن لمسنا لديهم استعدادا لافتا لدعم الثقافة والإبداع والكتاب والقراءة ببلادنا، فضلا عن حرصنا على الانفتاح على الهوامش، وعلى تعزيز علاقاتنا الدبلوماسية الثقافية، عبر مواصلة ترسيخ حضور الاتحاد، بشكل مؤثر، في المحافل العربية والأوربية والأسيوية... كل ذلك يوازيه برنامج ثقافي متميز، في راهنية موضوعاته وأسئلته وأهدافه. ومن بين محاوره الأساسية الأولى تنظيم مناظرة وطنية كبرى عن الثقافة المغربية، بتنسيق مع وزارة الثقافة، من منطلق حاجة المرحلة، وكذا جميع المهتمين والفاعلين لهذه المناظرة. وبالفعل، باشرنا الإعداد لهذه المناظرة، التي تأتي تتويجا لخمسين سنة من عمر منظمتنا، بحضورها الثقافي المتجدد، فضلا عن تنظيم ندوة كبرى عن الإعلام والثقافة، وإنجاز أوراش ومشاريع ثقافية ستجمعنا ببعض شركائنا القدامى والجدد، وإحداث جائزتين لتتويج الإبداع والمبدعين المغاربة، وإنجاز مشاريع ثقافية طموحة، تتغيى دعم القراءة والتحفيز عليها، وتنظيم أوراش للكتابة، ودعم منشورات الاتحاد، وتطوير جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، إلى جانب أنشطة ثقافية كبرى، تتضمن تنظيم مهرجانات وملتقيات ثقافية، محلية وعربية ومتوسطية ودولية، وأخرى تهم الانفتاح على فضاءات التشكيل والسينما والشعر والرواية والقصة، وغيرها من مجالات الإبداع والفكر والفن والجمال والخيال، التي سيتم الإعلان عنها في برنامج ينشر قريبا. - كيف تقيم وضعية الفروع التي اتسمت لوقت طويل بالجمود وهيمنة عدد من الأسماء عليها؟ مسألة فروع اتحاد كتاب المغرب أعتبرها دائما مسألة أساسية جدا، على اعتبار أن نجاح المكتب التنفيذي، كما أؤكد دائما، مرهون بنجاح فروعه أيضا. صحيح أن بعض فروع الاتحاد عرفت، في الفترة الأخيرة، جمودا ملحوظا واضطراريا، نتيجة العثرة التنظيمية التي واجهت المكتب التنفيذي، وتمكن من تجاوزها، فيما بقيت انعكاسات ذلك ممتدة إلى الفروع، لتنعكس سلبا على حركيتها ونشاطها. لكن ثمة، في المقابل، فروعا واصلت تنظيم برامجها وأنشطتها بشكل مشرف جدا، ومن بينها فروع حافظت على إيقاع نشاطها إلى ما بعد المؤتمر الأخير للاتحاد، أي قبيل تجديد مكاتبها، وهو دليل آخر على مدى حيوية فروع الاتحاد، وفاعليتها، ودورها في تحريك الحياة الثقافية وتنشيطها على مستوى الجهات والهوامش. من هذا المنطلق، حرص المؤتمر الأخير على تجديد المصادقة على المادة المتعلقة بتمثيلية الكتاب العامين للفروع في المجلس الإداري للاتحاد، بعد أن تم التخلي عن هذه التمثيلية في المؤتمر السابع عشر، دون مبررات مقنعة، والمؤتمر الأخير إذ يقر، من جديد، تمثيلية هؤلاء في حظيرة المجلس الإداري، إنما شعورا من الجميع بضرورة إيلاء الفروع ما تستحق من اهتمام وحضور مشرف، عبر إشراكها في وضع السياسة الثقافية للاتحاد، وحضورها في مختلف محطاته الثقافية الكبرى. كما أننا، في المكتب التنفيذي، واعون جيدا بأهمية التفكير في خلق علاقات تواصلية جديدة مع مكاتب الفروع، والسعي نحو توفير الإمكانيات اللازمة كي تتمكن من إنجاز برامجها الثقافية المحلية، وهو تفكير سنحدد خطوطه العامة في مشروع ميثاق تواصلي بين المكتب التنفيذي ومكاتب الفروع، سيتم تداوله وتوقيعه بين الطرفين، بعد الانتهاء من عملية تجديد مكاتب الفروع؛ بما هو تعاقد يرمي إلى تمتين العلاقات وتقوية التواصل وتنفيذ البرامج الثقافية المشتركة بين المكتب التنفيذي وفروع الاتحاد. كذلك شرعنا، في المكتب التنفيذي، في تيسير بعض العراقيل التي كانت تعترض الفروع من قبل، كما تعترض المكتب التنفيذي، وإن ليس بالحدة نفسها، خصوصا ما يتعلق منها بتوفير مقرات إدارية لمكاتب الفروع التي لا تتوفر على مقرات لتدبير شؤونها الإدارية، فكان أول فرع تم تجديده (فرع طنجة) قد حظي بترحيب من لدن السيد عمدة مدينة طنجة، في اجتماعنا به، حيث تفضل، مشكورا، بضمان تخصيص مقر إداري لفرع طنجة، في بناية المركب الثقافي الجديد للمدينة، الذي سيتم افتتاحه قريبا. كذلك تطارحنا موضوع مقرات فروع الاتحاد مع وزير التجهيز والنقل والسيد وزير الشباب والرياضة في اجتماعنا بهما، وقد عبرا، مشكورين، عن موافقتهما المبدئية على مطلبنا الرامي إلى دعم مكاتب الفروع، وكذا تمكين تلك التي لا تتوفر على مقرات إدارية خاصة بها، من مكاتب بدور الشباب، أو بغيرها من المؤسسات والفضاءات التابعة للقطاعين. هكذا، إذن، باشرنا الاهتمام بمشاكل الفروع حتى قبل الانتهاء من عملية تجديدها كلها، مما يؤشر ضمنيا على الأهمية الخاصة التي نوليها للفروع ولبرامجها الثقافية المستقبلية، علما بأن مكاتب الفروع التي قمنا بتجديدها، لحد الآن، واعية بدورها بالتحديات والرهانات المطروحة اليوم على اتحادنا، مما جعلها تنخرط، بدورها، في صلب الرهان الديموقراطي الذي انتهجه الاتحاد في مؤتمره الأخير، خصوصا من حيث تبني مجموعة منها، في عملية تجديد مكاتبها، لنفس المسطرة القانونية التي اعتمدها المؤتمر الأخير، على مستوى الترشيح والانتخاب. - في مجال النشر والشراكات واعتبار الكاتب، هل تملكون خطة واضحة في هذا الباب؟ تعتبر المجالات المذكورة من بين أهم القضايا التي توقفنا عندها في اجتماعنا الأخير، وقررنا أن نوليها ما تستحقه من اهتمام واعتبار في مشاريعنا وخططنا الثقافية المستقبلية، وأيضا في مطالبنا، إذ حدث مباشرة بعد المؤتمر الأخير- وكما نحرص دائما على إخبار الرأي العام الثقافي بذلك عبر بلاغاتنا المنشورة- أن باشرنا معالجة هذه القضايا جميعها، بشكل جدي ومسؤول وإيجابي، حيث حصلنا، إلى حد الآن، على دعم لمجموعة من منشورات الاتحاد من بعض القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، في إطار خطة تهدف إلى الاستجابة، ما أمكننا ذلك، لتطلعات كتابنا ولرغائبهم في النشر، وكذا التشجيع على الكتابة والتحفيز على القراءة، وما كان لذلك أن يتم لولا علاقات الشراكة والتعاون التي واصل المكتب التنفيذي عقدها مع بعض القطاعات والمؤسسات الحيوية ببلادنا، ذات التوجهات والأهداف المشتركة، من منطلق ما لمسناه لديها من استعداد لدعم الثقافة، وللتعاون مع منظمتنا ودعم مشاريعنا وبرامجنا الثقافية. وقريبا جدا سيكون لنا موعد مع رئيس الحكومة لنتباحث معه جوانب من مطالبنا، ولنطلعه على بعض هواجسنا وتطلعات أعضاء اتحادنا، ومن بينها مقترح يقضي بإنشاء مطبعة خاصة باتحاد كتاب المغرب، وهو ما سيكون له أثر مباشر وإيجابي على سياسة النشر لدى الاتحاد، على نحو سنتمكن، من خلاله، من الاستجابة، بشكل أوسع ومؤثر لرغائب كتابنا ومبدعينا في هذا المجال. أما عملية تواصلنا مع شركائنا الجدد، فلازالت ممتدة، بالنظر لما لقيته هذه العملية من أصداء واسعة واستحسان وترحيب إيجابي بها، سواء من قبل أعضاء الاتحاد أنفسهم، أو من لدن القطاعات والمؤسسات التي قمنا بزيارتها والتواصل مع مسؤوليها. هؤلاء ما فتئوا، مشكورين، يرحبون بمنظمتنا وبمطالبنا، من منطلق حقنا المشروع، أيضا، في الوصول إلى المال العام، وفي تسخيره السليم والشفاف والهادف لتنظيم أنشطتنا وإنجاز مشاريعنا الثقافية، من منطلق شروعنا في تفعيل تلك الصفة السحرية القديمة، والمتمثلة في صفة المنفعة العامة، التي ظلت حبيسة الجريدة الرسمية التي صدر بها نصها القانوني. أما على مستوى الوضع الاعتباري للكاتب، فتعتبر هذه النقطة، بدورها، أساسية في توجهاتنا وفي برنامجنا العملي والمطلبي، على اعتبار أن جل مؤتمرات الاتحاد كانت دائما تدعو إلى ضرورة النهوض بالوضع الاعتباري لكاتبنا أمام التحولات متسارعة الإيقاع التي يعرفها مجتمعنا ومشهدنا الثقافي العام، وأيضا أمام المتغيرات الجديدة التي تعرفها بلادنا، سياسيا وثقافيا واجتماعيا. ويشكل هذا الموضوع إحدى أولويات عملنا، خصوصا في برنامجنا الذي سنعرضه على أنظار رئيس الحكومة، في اجتماعنا المقبل به، انطلاقا من مجموعة من المقترحات والتصورات والتدابير التي سطرناها بهذا الخصوص، والتي يحتل فيها النهوض بالوضع الاعتباري للكاتب والاهتمام به، مكانة مشرفة، إن على المستوى الإبداعي أو الاجتماعي أو الرمزي...، وهي محطة أولى فقط في عمل المكتب التنفيذي، ستتلوها حتما تدابير أخرى، أكثر أهمية وقيمة وحجما ومردودية. - قمتم بعدد من الزيارات لأحزاب سياسية بعينها. ما دلالة ذلك بالنسبة لإطار ثقافي مستقل عن السياسي؟ تدخل هذه الزيارات في إطار السياسة التواصلية، التي سنها المكتب التنفيذي وباشر انتهاجها منذ انتخابه في المؤتمر الأخير، سواء مع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية التي وجدنا لديها استعداد تام للتدخل في المجال الثقافي ودعمه، أو مع الأحزاب السياسية الوطنية الديموقراطية، إذ يشكل موضوع علاقة السياسي بالثقافي أحد الأوراش المفتوحة اليوم أمام منظمتنا، خصوصا إثر المتغيرات والإصلاحات السياسية التي باشرتها بلادنا، بالنظر إلى أن مسألة التحولات السياسية التي تعرفها البلاد ليست أمورا غائبة عن اهتمامات منظمتنا وانشغالاتها، أو هي خارج مدار تفكيرها وبرامجها، وتحديدا ما يتصل منها بالسياسة الثقافية لبلادنا، بما يمكن أن تلعبه الأحزاب السياسية، من جهتها، في هذا الباب، من أدوار طلائعية مؤثرة، إن على المستوى الاقتراحي أو التشريعي أو التدبيري. وفي هذا الإطار، نفكر في تنظيم ندوة كبرى في موضوع «موقع الثقافة في برامج الأحزاب السياسية الوطنية»، في أفق استعداد بلادنا لتنظيم الانتخابات الجماعية المقبلة، على اعتبار أن موقع الثقافة في البرامج السياسية كان دائما هشا وغير مفكر فيه بالشكل المرتجى، بل عادة ما يأتي في المراتب الأخيرة في هذه البرامج، وهو ما يستلزم، على الأقل على منظمتنا، مواصلة التواصل والتنسيق مع أحزابنا السياسية الديموقراطية، من أجل تحفيزها وحثها على الاهتمام بالبعد الثقافي في برامجها، من منطلق حرص منظمتنا على تعزيز وتقوية حضور الثقافة في البرامج السياسية لهذه الأحزاب، كما هو الشأن في إعلامنا الوطني، وهو ما يدحض، هنا، القول بحدوث أي تبعية للسياسي، أو أي قول، مبالغ فيه، بتفريط الاتحاد في استقلاليته أو في استقلالية قراراته. - لوحظ أيضا توجه نحو إبرام شراكات واتفاقيات مع روابط واتحادات شيوعية وعربية وخليجية. هل هذه الاتفاقات جزء من خطة مدروسة أم أنها للاستهلاك الإعلامي فقط؟ هذا الموضوع ليس وليد اليوم، فقد اعتاد اتحادنا، منذ نشأته، الانفتاح، أيضا، على محيطه الخارجي، بشكل يعزز به حضوره وإشعاعه في المحافل الثقافية الدولية، ولاتحادنا في هذا الباب حضور سابق ووازن ومؤثر، في العالمين العربي والغربي. لكن ما هو ملاحظ هو أن الدبلوماسية الثقافية لمنظمتنا فترت في مراحل زمنية معينة، ولم يعد لاتحادنا ذلك الإشعاع والتوهج والحضور الخارجي، بسبب تقوقعه حول محليته. لكن أمام التحولات التي يعرفها عالم اليوم، بدا جليا أن الانفتاح على محيطنا الخارجي أضحى ضرورة ملحة، لما لذلك من نتائج إيجابية، ليس فقط على مستوى تعزيز صورة المغرب وهويته الثقافية في الخارج، بل، أيضا على مستوى خلق حوار وتبادل ثقافي مع الأطراف الخارجية الأخرى، بما هو حوار أضحى اليوم ضرورة في عالم متعولم. وفي هذا الإطار، واصلنا إبرام اتفاقيات تعاون وتوقيع مذكرات تفاهم مع منظمات وجمعيات ذات الأهداف المشتركة، سواء في العالم العربي أو في أوربا أو في آسيا، حيث اتجهنا، ولأول مرة، نحو العالم الآسيوي، ممثلا، في البداية، باتحاد كتاب الصين وبجمعية الصحافة الآسيوية بكوريا الجنوبية، في انتظار انفتاحنا على فضاءات أخرى، في أمريكا اللاتينية مثلا. هي، إذن، كما تفضلت، خطة مدروسة، وقبل أيام، فقط، تم انتخاب اتحاد كتاب المغرب عضوا في المكتب الدائم لاتحاد كتاب أفريقيا وآسيا، الذي تم إحياؤه في المؤتمر الأخير الذي انعقد بالقاهرة، وهو دليل آخر على مدى الحضور المتجدد لمنظمتنا، بما يزكي، أيضا، صوتنا وصورة ثقافتنا المغربية في المحافل الدولية. - كيف تواجهون اليوم حلقة الغاضبين في المؤتمر؟ هل فتحتم قنوات من أجل احتواء الوضع؟ لا أعتقد أن ثمة غاضبين في المؤتمر الأخير، الذي شاركت فيه نسبة مهمة من المؤتمرين تفوق نسبة المشاركة في المؤتمرات السابقة. هؤلاء كلهم جاؤوا إلى المؤتمر بهدف الإسهام في صنع لحظة جديدة في تاريخ منظمتنا، التي تحتفي بمرور خمسين سنة على تأسيسها؛ حضور عكسته النقاشات والانتقادات وردود الفعل القوية، تلك التي كانت تصب جميعها في اتجاه الغيرة على هذه المنظمة، والرغبة في تطويرها ودمقرطتها وضمان استقلاليتها. ومما لا شك فيه أن الجو الديمقراطي الذي دارت فيه أشغال المؤتمر هو من صُنع المؤتمرين أنفسهم، بعيدا عن أي إملاءات أو ضغوطات أو تدخلات سافرة في توجيه المؤتمر، شعورا من الجميع بضرورة القطع مع سلوكات الماضي، خاصة أمام الإصلاحات والمتغيرات التي عرفتها بلادنا، والتي لم تعد تسمح لاتحادنا بأن يتخلف عن ركبها. فلأول مرة يتم الترشح لرئاسة الاتحاد بخمسة مرشحين، ارتهنوا كلهم إلى اللعبة الديموقراطية، التي أفرزت ما أفرزته، ومن بينهم أخت كاتبة، هي القاصة ليلى الشافعي، التي عاودت ترشيح نفسها لعضوية المكتب التنفيذي، دون غضب أو تعصب أو نفور أو رد فعل تجاه هذه النتيجة أو تلك، وهي اليوم من بين أنشط الأعضاء في المكتب التنفيذي.فمسؤولية الكتاب اليوم تجاه منظمتهم هي مسؤولية مضاعفة، لا تستدعي المواجهة، بقدر ما تستلزم تضافر جهود الجميع للنهوض بمنظمتهم، سواء من داخل هياكلها الإدارية أو من خارجها، فالاتحاد، في الأول والأخير، بيت آمن للجميع، له علينا حقوق ولنا تجاهه واجبات. من هنا حرصنا في المكتب التنفيذي على أن نجعل التواصل مع أعضاء الاتحاد، ممن نظن أن لهم مواقف سابقة من المنظمة، إحدى أولوياتنا، وقد باشرنا بالفعل اتصالاتنا ببعضهم، وهم قلة في جميع الأحوال، في أفق زيارتهم ووضعهم في صلب المآل الجديد لمنظمتهم، بل حثهم على العدول عن مواقفهم، التي يجب ألا نبالغ في تضخيمها، إذ لا أراهم قطعوا نهائيا مع منظمتهم، بقدر ما هي استراحة ارتأوها مؤقتة، ربما بعد أن تبين لهم أن الاتحاد خرج سهوا عن مسار سكته الديموقراطية. - أنت شخص دينامي، وهذا معروف عنك، لكن، باعتبارك رئيسا للاتحاد، ألا تساورك مخاوف من مغبة تصدر الواجهة الاستفراد بالتسيير وإبداله بتسيير تشاركي وإدارة جماعية تنسجم مع مرحلة الربيع العربي؟ أولا، شكرا لك على شعورك الصادق. ثانيا، نحن نشتغل بشكل تطوعي في منظمة ثقافية لها تاريخ ورصيد رمزي امتد لأكثر من خمسين سنة. صحيح أن بعض أزمات الاتحاد وعثراته السابقة هي نتيجة لمشاكل تنظيمية صرفة، حاولنا تجاوزها في المرحلة السابقة، وتمكنت إثر تحملي المسؤولية، بمعية إخوتي في المكتب التنفيذي السابق، من مواصلة قيادة الاتحاد بمسؤولية إلى محطته الأخيرة، التي هي المؤتمر، كما حافظنا على منظمتنا من الانهيار، بل تمكن الاتحاد، بشهادة المؤتمرين، من تخطي الأزمة بسلام، والحفاظ على موقعه واستقلاليته، بل تقوية حضوره وتأثيره. ومما لا شك فيه، أيضا، أن الثقة التي حظيت بها من قبل المؤتمرات والمؤتمرين، كي أتحمل مسؤولية قيادة الاتحاد لفترة ثانية، لكن من موقع مغاير، لم تكن اعتباطا أو مصادفة أو إرضاء لي أو جبرا لخاطري، بل هي نابعة، أصلا، من شعور واع وصادق ومسؤول، من لدن كل من منحني صوته وثقته، خصوصا أنه تم انتخابي رئيسا للاتحاد من الجمع العام للمؤتمر، بما يعنيه ذلك من اتساع حجم الثقة وثقل المسؤولية التي على كاهلي اليوم. لقد حدث، لأول مرة في تاريخ الاتحاد، أن تعاقدنا فيما بيننا في المكتب التنفيذي على ميثاق أخلاقي يقضي بمواصلة الرحلة والعمل التطوعي بشكل جماعي وتشاركي. صحيح أنني، شخصيا، أشتغل بإيقاع سريع نوعا ما، وهي ملاحظة أبداها بعض إخوتي في المكتب التنفيذي، لكنه إيقاع لا يتعارض مع التدبير التشاركي إلى حد كبير وشفاف وديموقراطي، دون أن أدعي الكمال أو امتلاك الحلول السحرية. وأخيرا فقط، ومن أجل تقوية هذا التدبير الجماعي والتشاركي، عملنا على ربط بعضنا في المكتب التنفيذي بشبكة اتصالات هاتفية مجانية، تسهيلا لتواصلنا، وخفضا للتكاليف أيضا، أخذا بعين الاعتبار، هنا، البعد الجغرافي لجل أعضاء المكتب التنفيذي عن المركز، مما يحتم علينا التنسيق والتواصل الدائم فيما بيننا، لاتخاذ القرارات وتبادل المشاورات والرأي. أنا لا أخاف على الاتحاد مني، فأنا أعتبر نفسي عضوا مثل بقية إخوتي الأعضاء، ولم يحصل قط، إلى اليوم، أن غلبت صورتي كرئيس للاتحاد تلك الصورة التي عرفني بها الجميع، وهي الصورة نفسها التي أهلتني لتولي هذا التكليف الصعب، والذي سأظل، مع ذلك، معتزا به. - مرحلة عبد الرحيم العلام، كيف تريدها أن تكون؟ وكيف يمكنك اليوم تفادي عبارة «ارحل» التي أصبحت دارجة في كل محفل؟ أقول هي مرحلتنا وتجربتنا جميعا، وليست ولاية شخص معين، فكثيرا ما يتم ربط الفترات والولايات السابقة في الاتحاد بأشخاص معينين، أو بالأحرى برؤساء الاتحاد فقط، في حين نتناسى الجنود الآخرين، الفاعلين، هم أيضا، في المنظمة وفي تدبير شؤونها التنظيمية والثقافية، إذ مع مرور الوقت لا أحد يتذكرهم أو يتذكر حتى أسماءهم وأدوارهم ومهامهم، وكأن المكاتب السابقة كان فيها الرئيس لوحده فقط، علما بأن الثقل كله يلقى على أعضاء المكتب المسير، وأنا شخصيا مررت بهذه التجربة، لما كنت عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد، ولم أتبجح يوما بما قدمته من خدمات وجهود لمنظمتنا. ما يهمني هو أن ينجح الاتحاد في رحلته المغايرة وفي منعطفه المتجدد، وأن يكون في مستوى المكاسب والنتائج التي حققها مؤتمره الأخير، وأيضا في مستوى رهانات أعضائه وتطلعاتهم. من هنا، أتوخاها مرحلة تشكل فعلا محطة جديدة في تاريخ منظمتنا، وهي تلج خمسينية جديدة من مسارها الحافل، بما يعنيه ذلك من استقلالية وحضور وتنشيط واهتمام بالكاتب المغربي وبكتابنا الشباب. لكن هذا لن يتأتى إلا بتضافر جهود الجميع، بمن فيهم مؤسسو الاتحاد ورواده وحكماؤه، ممن يساهمون من جهتهم، بحضورهم ونصائحهم وتوجيهاتهم، وإلى اليوم، في رد الاعتبار لمنظمتنا، بما يعنيه ذلك، أيضا، من حرص على استمرارية اتحادنا، انطلاقا من استمرارية التواصل فيما بين أجياله. وفي اعتقادي أن مسار الاتحاد وقاموسه العام لن تتسرب إليهما كلمة «ارحل»، فإذا كان ثمة من رحيل مستقبلي، فحتما سيكون نحو الأمل والمستقبل، فالاتحاد، منذ تأسيسه، تعود على ألفاظ أخرى، لها علاقة بالبقاء والنقاء، بقاء منظمة ونقاء سلوك. فعلى الأقل، لم يحدث، منذ أن توليت مهمة رئاسة الاتحاد، أن خاطبت إخوتي في المكتب التنفيذي، أو كاتبتهم، بصفتي رئيسا، بل فقط عضوا، مثلهم، من منطلق ما يجمع بيننا من ود ومحبة وانسجام وتوافق وتعاون تام، يفوق أي اعتبار أو موقع عابر، فمهمة الرئيس تبقى «إدارية» فقط، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم. - هل الاتحاد اليوم استمرار أم قطيعة مع ماض في التدبير والتسيير وخدمة الشأن الثقافي؟ مثل ما قد يفهم من كلامي السابق، الاتحاد هو استمرارية وقطيعة في الوقت نفسه، فلا يمكننا أن نبقى أسرى تقاليد وسلوكات لم تعد تناسب المرحلة والمتغيرات التي تعرفها بلادنا والعالم من حولنا. كما أننا نؤمن، في الآن ذاته، باستمرارية الاتحاد، واستمرارية استقلاليته، واستمرارية الوفاء للقيم وللمبادئ التي تأسس عليها. لقد آن الأوان لأن يتغير الاتحاد، وقد كانت العلامات والإشارات الأولى لهذا التغيير في المؤتمر الأخير، بعد أن أحس أعضاؤه بضرورة خروج الاتحاد من رتابته وانغلاقيته، ومن أشكال الممارسات الثقافية والتنظيمية التقليدية التي كانت تكبل انطلاقته الجديدة، من أجل أن يتمكن من تجديد أدوات تدبيره ووسائل تسييره، بشكل تمكنه من الانفتاح، بكل حرية ومسؤولية، على محيطه الداخلي والخارجي، ومن أن يتفاعل، بكل جدية، مع الأوراش والمشاريع الكبرى التي ينوي إنجازها، كتلك المتعلقة بتعزيز الوضع الاعتباري للكاتب، وتفعيل صفة المنفعة العامة، ودعم الكتابة والقراءة، واستعادة الاتحاد لحضوره ولموقعه المؤثر في المحافل والمؤسسات الوطنية، وإيصال صوته ومواقفه إلى كل من يهمه أمر شأننا الثقافي ومستقبل ثقافتنا الوطنية.