يعتبر كتاب «الإسلام واليقظة العربية» من الكتب الأولى التي ظهرت في الغرب حول ظاهرة الربيع العربي، منذ فصوله الأولى، حيث حاول المؤلف طارق رمضان الدمج بين التحليل السياسي للأحداث والتحليل الفكري لمساراتها والاستشراف. يتخذ المؤلف لكتابه مدخلا تشكيكيا من خلال طرح سؤال «انتفاضات تحت التأثير؟»، وفيه يتوقف المؤلف عند إشكالية تسمية ما حصل في العالم العربي من تحولات: هل يتعلق الأمر بثورات أم بهبات أم باحتجاجات شعبية أم انتفاضات أم يتعلق ب»ربيع عربي» كما حصل في بعض البلدان الأوروبية في الماضي القريب؟. لكتابات طارق رمضان، المحاضر في العلوم الإسلامية بالجامعات الأوروبية، ميزات خاصة لا يمكن عدم استحضارها لدى قراءته. الميزة الأولى أنه شرقي مصري، ولد وعاش في الغرب، وهو هنا ينطبق عليه عنوان كتاب جاك غودي «الشرق في الغرب»، والميزة الثانية أنه يتحدر من أسرة لها أواصر متعددة مع جماعة الإخوان المسلمين، إذ أن والده سعيد رمضان هو صهر حسن البنا مؤسس الجماعة، وهي ميزة جعلته أقرب إلى فهم الخطاب الديني «من الداخل» إن صح التعبير، والثالثة أنه ذو اتجاه نقدي في تناول الأمور وطرح الأسئلة التي يراها مزعجة، وهذه ميزة استفادها من النظام التعليمي السويسري الذي ترعرع فيه، والتي أعطته خاصية النظر إلى المسألة الدينية بشكل موضوعي. ونظرا لهذه الازدواجية في الشخصية الثقافية لطارق رمضان، فقد لقي في بداية ظهوره في الساحة الفكرية العربية والغربية صدودا من الجانبين، فالغربيون كانوا يرون فيه صوت الإسلام السياسي في المجتمعات الغربية، والعرب كانوا يرون فيه صوت الغرب العلماني في العالم العربي والإسلامي، وكلا الأمرين حصلا بسبب انتشار ثقافة التشدد، في الغرب تجاه الإسلام، وفي العالم العربي تجاه التفكير النقدي بتهمة «العلمانية». وكتاب «الإسلام واليقظة العربية» من الكتب الأولى التي ظهرت في الغرب حول ظاهرة الربيع العربي، منذ فصوله الأولى، حيث حاول المؤلف الدمج بين التحليل السياسي للأحداث والتحليل الفكري لمساراتها والاستشراف.
ثورة أم انتفاضة؟ يصف المؤلف في مقدمة كتابه أحداث الربيع، التي انطلقت من تونس ثم عمت مصر وليبيا واليمن والبحرين فيما بعد، بأنها «لحظة تاريخية»، فقد حررت أحداث تونس الإرادة العربية ودفعت القوى الشعبية إلى الخروج إلى الشارع ورفع مطلب الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة. ويقول المؤلف إن لحظة الكف عن لعن الغرب بدعوى الاستعمار والإمبريالية قد ولت، وأن الأوان قد آن بالنسبة للشعوب العربية لكي تتحرر من عقلية الضحية وأن تتصالح مع تيار التاريخ، لكن من منطلق المسؤولية التاريخية بسبب الرهانات العالمية الجديدة، فقد أصبحت هناك خيارات متعددة على الصعيد الدولي، كما أن ثنائية «الغرب والإسلام» تركت مكانها لعلاقات متعددة الأطراف يلعب فيها الجنوب والشرق وآسيا دورا أساسيا، رغم أن هذا التعدد لا يلعب، بالضرورة، لصالح تكريس المزيد من حقوق الإنسان والديمقراطية، ذلك أن الحضور الجديد للصين وروسيا والهند لا يشكل ضمانة لاحترام حقوق الإنسان والتعددية. إذ في الوقت الذي بدأ الكثيرون يتنبؤون مبكرا بانهيار النظام الأمريكي فقد تم ذلك دون التفكير في البديل المنتظر، لأن انهيار ذلك النظام يمكن أن يترجم على شكل تراجع في الحقوق الاجتماعية والإنسانية وفي أشكال أخرى من التبعية. الفصل الأول من الكتاب يحمل عنوانا تشكيكيا «انتفاضات تحت التأثير؟»، وفيه يتوقف المؤلف عند إشكالية تسمية ما حصل في العالم العربي من تحولات: هل يتعلق الأمر بثورات أم بهبات أم باحتجاجات شعبية أم انتفاضات أم يتعلق ب»ربيع عربي» كما حصل في بعض البلدان الأوروبية في الماضي القريب؟. ويسارع المؤلف إلى القول بأن الحديث عن ثورات يبدو مبالغا فيه، سواء على مستوى النظام السياسي أو على مستوى المنظومة الاقتصادية، كما أن الحديث عن وجود أياد غربية مبالغ فيه نسبيا، إذ بالرغم من أن أحداث تونس ومصر والبحرين واليمن وسوريا لعبت فيها القوى الغربية دورا وكانت تسعى إلى مراقبة تلك الأحداث وتوجيه مساراتها، فإنه من غير الممكن القول بأن تلك القوى هي التي هيأت تلك الانتفاضات، وهي الكلمة التي يفضلها المؤلف في وصف ما حصل. تهييء مسبق؟ يقول طارق رمضان إن العالم العربي عاش خلال الثلاثين عاما السابقة حالة من الجمود(ستاتيكو)، تميزت بالديكتاتوريات والقمع تجاه المعارضين والإسلاميين، لكن رغم ذلك لا أحد كان يتوقع انفجار الأوضاع. ويجب استحضار الرغبة الأمريكية في نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش، الذي سبق أن صرح بأن الإسلام ليس ضد الديمقراطية، وبأن غزو العراق كان يمثل الخطوة الأولى في اتجاه دمقرطة منطقة الشرق الأوسط. وفي 6 نوفمبر 2003 سوف يصرح بوش الابن بأن مهمته في الشرق الأوسط شبيهة بمهمة سلفه رونالد ريغان، الذي كرس جهوده لدمقرطة بلدان أوروبا الشرقية في الثمانينيات من القرن الماضي، ومن هذا المنطلق أصبحت مراجعة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مسألة ملحة. وقد بدأ منذ ذلك الوقت تشجيع الاحتجاجات في تونس ومصر وإيران، كما بدأ الضغط على الأنظمة المستبدة في تلك البلدان، وتوفير التكوين للاحتجاج السلمي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل ال»فيسبوك» و»تويتر».ويقول المؤلف إن هذه التجربة تم اختبارها في صربيا عام 1998 عندما قامت الاحتجاجات ضد سلوبودان ميزوليفيتش، بل إن حركة «مقاومة» أنشأها سيرجيا بوبوفيتش، الذي كان ناشطا في تحريض الصربيين على الوقوف في وجه ميزوليفيتش عبر الرسائل الهاتفية القصيرة والأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وكان رمزها هو قبضة اليد المشدودة، هو الرمز الذي سوف نراه في مصر أثناء الانتفاضة ضد حسني مبارك. وقد وفرت الولاياتالمتحدةالأمريكية التدريب والتأهيل للشباب في عدد من البلدان العربية، وليس من الصدف أن الشاب المصري وائل غنيم الذي أصبح بطل الانتفاضة ضد مبارك كان يعمل في شركة غوغل بمنطقة الشرق الأوسط. شعارات غير دينية ويرى المؤلف أن الانتفاضات الشعبية، التي قامت في كل من تونس ومصر والبلدان الأخرى، لم يكن وراءها الإسلاميون، بل قادها المواطنون الذين ليست لديهم خلفيات أيديولوجية، وحتى شباب الجماعات الإسلامية تمرد على التوجيهات الصادرة عنها وشاركوا في الانتفاضة، ولذلك خلت الانتفاضات من الشعارات الدينية، كما خلت من أي شعارات معادية للغرب. ويرى الكاتب أن الانتفاضات العربية ولدت صورة ذهنية جديدة للشعوب العربية في الوجدان الغربي، فبعد أن كانت تلك الشعوب مثالا للمسلم الذي لا يتعلم، أثبتت أنها - مثل الغرب- تؤمن بقيم الحرية والعدالة والمساواة وتسعى إلى تحقيقهما بكل قوة، وتلك هي المرة الأولى التي لم ينظر الغرب فيها إلى العالم العربي على أنه «الآخر»، المسلم، الذي لا يقبل التطوير. ولكن كيف سيتعامل الغرب مع الإسلاميين الذين قلدتهم هذه الانتفاضات الحكم؟ يرى المؤلف أن الغرب ليست لديه مشكلة في التعامل مع الإسلام السياسي شريطة حماية الأخير للمصالح الغربية السياسية والاقتصادية، والتحالف مع النظام السعودي ونظام طالبان وحتى أسامة بن لادن شواهد على ذلك. تحديات ما بعد الربيع ويؤكد المؤلف أن تحديات ما بعد الربيع العربي في العالم العربي والإسلامي تتمثل في تركيز جهود الشعوب على إيجاد الحلول للمشاكل الحقيقية، كما يؤكد أن التوجه نحو الديمقراطية في البلدان العربية يفترض إعادة النظر في ثلاثة أمور، يسميها «السياسات الرئيسية»، وهي: السياسة الاقتصادية، والسياسة التربوية، والسياسة الثقافية والإعلامية بالمفهوم العام.ويركز المؤلف على ضرورة التحولات الاقتصادية، إذ يرى أنه لا تغيير ممكنا دون إعادة توجيه السياسات الاقتصادية في بلدان الجنوب، لأنها أولوية في هذه الدول، ويعني ذلك محاربة الفساد والرشوة والتقليص من سلطات الجيش، ولكن بالأساس إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية مع الخارج، وإعادة ترتيب تلك العلاقات، وإعادة النظر في عملية توزيع الثروة على المستوى الداخلي. غير أن الكاتب يبدو أقل تفاؤلا حول مآلات ما يسمى بالربيع العربي، ما لم يتم التركيز على إشاعة التفكير الحر في كل عملية إصلاح للتعليم، وبناء المدارس والجامعات ومراجعة المقررات التعليمية ودمج المرأة في منظومة التعليم وسوق الشغل والاستقلالية المالية.كما ينتقد التيارين الإسلامي المحافظ والعلماني معا فيما يتعلق بالتعامل مع المستويات الثلاثة (التحديات المطروحة سالفا)، ويلاحظ أن الإسلاميين في حديثهم عن السياسات الاقتصادية يتكلمون عن»الاقتصاد الإسلامي» و»المالية الإسلامية»، لكن على صعيد الواقع ليس هناك شيء ملموس يقترحونه، سواء على الصعيد الوطني أو العالمي. نفس الأمر بالنسبة للسياسات التعليمية، حيث يلاحظ المؤلف عجزا كبيرا لدى التيار المحافظ في وضع سياسة تعليمية حقيقية تعلم التفكير النقدي الحر. ويرى أن تركيز التيار المحافظ على التعليم الديني (وفق المناهج التقليدية والحفظ والاستظهار)، والتركيز على العلوم البحتة مثل الطب والهندسة والإعلاميات، ووضع العلوم الإنسانية في مرتبة دنيا، تكشف بأن هذا التيار يفتقر إلى رؤية شاملة للإصلاح التعليمي التربوي، ذلك أن خطاب التيار التقليدي المحافظ ورؤيته السياسية ما زالا أسيرين للأفكار التي كانت رائجة في بداية القرن العشرين لدى الجيل الذي كافح الاستعمار الأجنبي. كما يشير إلى أن الفريقين معا، الإسلامي المحافظ والعلماني، يعيشان أزمة تصورات. علمانية إسلامية؟ خصص طارق رمضان مساحة واسعة لمناقشة فكرة المرجعية الإسلامية، فعبر ستين صفحة من الكتاب يقدم المؤلف الإسلام باعتباره مكونا أساسيا في العلاقات بين الشرق والغرب، ويتساءل: إلى متى سيظل الإسلام يمثل «الآخر» بالنسبة للغرب؟، داعيا المسلمين إلى بذل مزيد من الجهد من أجل فهم موقعهم في العالم وعلاقتهم بالآخر. ويبين الكاتب أن معظم الحركات الإسلامية طرأ على فكرها «تغيير جوهري»، فالدولة المدنية لم تكن راسخة في فكر الحركات الإسلامية التي نادت بالدولة الإسلامية ردحا من الزمن، وإنما يعود هذا التحول إلى جهود علماء من أمثال القرضاوي والغنوشي ومحمد عمارة، الذين لا يرون تناقضا بين الديمقراطية والدين، إضافة إلى اهتمامهم بمقاصد الشريعة في النظر إلى شؤون الناس ومعايشهم. مشكلة الإسلاميين مع العلمانية في السابق أنهم كانوا ينظرون إليها على أنها مرادف للتغريب، الأمر الذي تغير عبر الزمن، وتطور الأمر عند البعض الذي ينادي ب»العلمانية الديمقراطية الإسلامية». وحتى تكون فكرة الدولة المدنية الديمقراطية مجدية، يرى المؤلف أنه لا بد من التركيز على التعليم وتوفيره لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع.