كلما حل فصل الشتاء يتذكر سكان الدارالبيضاء الفيضانات التي غمرت المدينة في سنتي 1996 و2010 ويتوجهون بالدعاء إلى الله أن تمطر «عْلى قدّ النفعْ» أو بالأحرى «على قد حجم قنوات الصرف»، لأنهم يدركون جيدا أن كميات عزيرة من الأمطار ستغرق الدارالبيضاء. وما يزال بعض ضحايا فيضانات خريف 2010 يحصون الخسائر التي لحقت بهم. ومن بين النقط السوداء في الدارالبيضاء وادي بوسكورة، الذي تم الاتفاق على إنجاز قناة غربية للحد من خطورته، لكنْ إلى حد الساعة ما يزال المشروع معلقا، فما هي الأسباب؟ وما هي الجهة الموكول لها إنجاز هذه القناة؟ ولماذا كل هذا التأخير؟ «بسبب الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على مدينة الدارالبيضاء مؤخرا ارتفع منسوب وادي بسكورة، ما أدى إلى وقوع خسائر كثيرة في الأرواح، كما فقدت مجموعة من الأسر التي كانت تستقر بجانب الوادي جميع ممتلكاتها».. آسف، هذا الخبر مجرد ضرب من الخيال، ولا أحد يتمنى أن يحدث هذا ذات يوم، ولكنه يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى حقيقة مُرّة، نظرا إلى الخطورة المحدقة بالدارالبيضاء بسبب وجود هذا الوادي في قلبها، إلى درجة أن هناك من يعتبرونه «قنبلة مائية» وسط العاصمة الاقتصادية. خطورة الوادي لم تعد خطورة وادي بوسكورة تخفى على أحد، فقد كان مثارَ جدل واسع لسنوات طوال، وحينما تم الاتفاق على إحداث قناة غربية مسافتها 7 كيلومترات قبل أربع سنوات تقريبا، اعتقد البعض أن السلطات العمومية قد وجدت، أخيراً، العصا السحرية التي من شأنها أن تجنب البيضاويين كارثة إنسانية تحْدق بهم، لكن كل ذلك كان مجرّدَ أمنية، فلم تخرج هذه القناة الغربية إلى الوجود، كما أنه لم يقع الاتفاق على الجهة التي ستتكلف بإنجازها، هل هي شركة «ليدك»، المكلفة بالتطهير السائل في المدينة أم المجالس المنتخبة (بلدية، جهة وعمالة) أم السلطات الحكومية أم القطاع الخاص، المتمثل في المنعشين العقاريين، أم أن الأمر يتعلق بضرورة مساهمة كل هذه الجهات؟.. لم يكن مرور 4 سنوات على الاتفاق على إحداث قناة غربية كافيا لتوحيد الرؤى، فكل جهة تحاول أن تقذف بالكرة في مرمى الجهة الأخرى، بل الأدهى من ذلك، كما تقول بعض المصادر، أنه تم حاليا غضّ الطرف عن الحديث على هذا المشروع وكأن «الدارالبيضاء «قطعاتْ الواد ونْشفو رْجليها»، علما أن الخطورة ما تزال قائمة، بل وتضاعفت هذه الخطورة بسبب التقلبات الجوية، خاصة أن المدينة عرفت في نونبر 2010 فيضانات غزيرة شلّت حركة التنقل وتسببت في خسائر كبيرة للمواطنين، نظرا إلى ارتفاع نسبة الأمطار في الدقيقة الواحدة. وقد اعتُبِرت هذه الأمطار في وقتها قياسية بكل المعايير، وهو الأمر الذي يمكن أن يتكرر في أي لحظة، ما يستدعي ضرورة فتح هذا الملف بكل جدية أولاً من طرف المجلس المنتخب وشركة «ليدك» باعتبارها الشركة الموكول لها الاهتمام بكل ما له علاقة بتطهير السائل، وثانيا من طرف حكومة بنكيران، المفترَض فيها أن تحميّ أرواح المواطنين من طنجة إلى الكويرة. تقاذف المسؤوليات اعتبر المستشار مصطفى رهين عدم فتح التحقيق في إنجاز مشروع وادي بوسكورة مسألة خطيرة جدا واستهتارا بسكان المدينة، نظرا إلى خطورة هذا الوادي، حيث سيسبب في حالة هيجانه كارثة إنسانية في الدارالبيضاء، وقال رهين: «في شهر نونبر 2010 وخلال الفيضانات التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء تسببت مياه الأمطار في خسائر كثيرة للمواطنين، ما أدى إلى رفع دعاوى قضائية ضد شركة «ليدك»، وفي هذه الفترة بالذات تم فتح ملف وادي بسكورة، وهناك من حمّلوا مسؤولية الفيضانات لهذا الوداي، لكنْ للأسف مع هدوء العاصفة، خفَتَ صوت المنادين بضرورة حل مشكل هذا الوادي، وبدأت الجهات التي تسيّر المدينة تتقاذف المسؤولية بينها، حيث إن شركة «ليدك» تقول إن الحكومة هي المدعوة إلى حل هذا المشكل، في حين أن المجلس الجماعي يؤكد أنه لا طاقة له على تحمل مصاريف المشروع». وأضاف رهين أن الملاحظ أن هناك استهتارا كبيرا بأرواح المواطنين، مؤكدا أن من يتحمل المسؤولية بدرجة كبيرة في طرح هذا الملف بالجدية اللازمة هم منتخبو المدينة وليس شركة «ليدك»، التي يبقى من حقها البحث عن الربح بعيدا عن «صداعْ الرّاسْ».. وتساءل المتحدث عن دور لجنة التتبع، مؤكدا أن دورها يجب أن ينصبّ على ضرورة إجبار الشركة على إنجاز هذا المشروع. وشدد على أنه «لم يسبق، للأسف، أن طُرحت هذه القضية للنقاش في الفترة الانتخابية الجماعية الحالية، وهذا في حد ذاته يشكل خطورة»، معتبرا أن تدخل الحكومة لإنجاز هذا المشروع أصبح أمرا ملحّاً. مسؤولية مشتركة لم ينكر محمد فهيم، عضو لجنة التتبع لشركة «ليدك»، عدم التطرق إلى حد الساعة لمشروع وادي بوسكورة في اجتماعات هذه اللجنة، وقال «في الحقيقة لم نتطرق، كلجة للتتبع، لهذه القضية، حيث إننا منكبّون حاليا على مراجعة العقد الذي يربط بين المدينة وشركة ليدك المكلفة بقطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل والإنارة العمومية، كما أننا نحرص على وضع حد لبعض الاختلالات التي يعرفها هذا الملف، أما بخصوص قضية وادي بوسكورة فإننا لم نفتح هذا الملف إلى حد الساعة». واعتبر فهيم أن المجلس الجماعيَّ لا يتحمل المسؤولية وحده، بل هو شريك إلى جانب مجلسَي الجهة والعمالة وشركة «ليدك»، إضافة إلى الحكومة، في شخص وزارة التجهيز، وقال: «نحن -كمنتخبين- ليست لدينا أي معلومات دقيقة حول مصير مشروع وادي بوسكورة.. إننا نعاني في هذا الإطار من شح كبير في المعلومات من أجل القيام بعملية التقييم». ويعتبر بعض المتتبعين لهذا الملف أن المشكل مرتبط، بشكل كبير، بغياب السيولة المالية لإنجاز مشروع وادي بوسكورة، وهو ما يزكيه محمد فهيم بقوله «يجب أن يعرف الجميع أن جهة واحدة لا يمكنها -بأي حال- إنجاز هذا المشروع الضخم، فالأمر يتطلب مساهمة مالية من جميع المتدخلين». إمكانات محدودة بالنسبة إلى سعيد حسبان، رئيس مقاطعة الفداء، يرجع الأمر إلى قلة الامكانات المادية، مؤكدا أن شركة «ليدك» وحدها لا يمكنها أن تنفذ إنجاز هذا المشروع، وقال «هناك طريقة واحدة لأجل إنجاز مشروع وادي بوسكورة وهي أن تتدخل الدولة بكل قوتها، فأي جهة أخرى لا يمكنها أن تنجح في هذا الأمر، فتدخل الدولة مطلبٌ ضروريّ». وأكد حسبان أن التطرق لمشكل خطورة هذا الوادي ليس وليدَ اليوم، بل سبق أن تم فتح هذا الملف أيام الوالي محمد القباج، حيث قال «حينما كنت أترأس مجلس العمالة ناقشنا هذه القضية، لكن غياب السيولة المادية كان يؤجل الحسم في بداية المشروع»، واعتبر المتحدث ذاته أن جل المنطقة الغربية للدار البيضاء مهدد. وأشار حسبان إلى أن العديد من الجماعات المحيطة بجهة الدارالبيضاء معنية، هي الأخرى، بهذا الوادي، وهو الأمر الذي يستدعي تدخلها لإيجاد الحل، ومن هذا المنطلق قال سعيد حسبان «لا بد من تدخل الدولة، لأنه مشروع كبير، دون إغفال مسألة مساهمة المنعشين العقاريين». وإذا كان حسبان قد رمى بالكرة إلى حكومة بنكيران، فإن زميله في مجلس المدينة، حسن لقفيش، قال ل«المساء» إن شركة «ليدك» هي المسؤولة، أولا وأخيرا، عن إنجاز مشروع وادي بوسكورة، لأنها الجهة التي تتحمل هذه المهام في مدينة الدارالبيضاء.. «واشْ هادْ الشركة باغية غيرْ تربحْ؟».. وأضاف أن المسؤولين لن يشعروا بخطورة هذا الوضع إلا بعد وقوع أي كارثة، مؤكدا أن وادي بوسكورة يتحول إلى ورقة سياسية تُستغَلّ من قبل بعض المجالس، دون أن يكلف أحدُها نفسه عناء الاجتهاد والبحث عن السيولة المادية لتجنيب المدينة هولَ فاجعة بسبب عدم التعامل الجدي مع مسألة إنجاز القناة. آثار الفيضانات الأخيرة أدت الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على الدارالبيضاء في الأيام الأخيرة إلى وقوع فيضانات كثيرة في مجموعة من المناطق، ويتعلق الأمر بكل من درب الفقراء ودرب ميلان، في عمالة مقاطعة الفداء ودرب الخير، في مقاطعة عين الشق، ودرب المعيزي وشارع محمد الخامس، في مقاطعة الفداء، إضافة إلى الكثير من الأحياء الأخرى، من بينها مراكز إيواء سكان المدينة القديمة. وقد تسببت هذه الفيضانات في شلّ حركة السير والجولان وفي بعض الخسائر بالنسبة إلى المواطنين، كما أنها أعادت إلى الأذهان سيناريو فيضانات 2010. وقال عبد الغني المرحاني نائب رئيس مقاطعة سيدي مومن إن الفيضانات التي اجتاحت الدارالبيضاء تكشف بالملموس أن شركة «ليدك» التي تتكلف بأمور التدبير المفوض لقطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل لم تبذل أيَّ مجهود من أجل منع وقوع مثل هذه الفيضانات وأن نسبة الأمطار لو كانت كثيرة جدا لوقعت كارثة في المدينة». ولم تتوقف انتقادات المرحاني عند هذا الحد، بل انتقد بشكل كبير مجلس المدينة، مؤكدا أنّ الأخير قد انشغل بشكل كبير في القضايا المتعلقة بالتدبير المفوض للنقل والنظافة، في حين أهمِلت بشكل كبير القضية الأولى في الدارالبيضاء، والمتعلقة بأداء شركة «ليدك»، وقال «لقد كان من المفروض مراجعة العقد مع هذه الشركة وفتح نقاش حول أدائها ودفعها إلى بذل مجهود كبير من أجل تفادي وقوع هذه الفيضانات، التي كشفت بالملموس أن هناك ضعفا كبيرا في البنية التحتية في المدينة». من جهة أخرى، أكد بلاغ من شركة «ليدك» -توصلت «المساء» بنسخة منه- أن «كمية الأمطار التي تهاطلت على الدارالبيضاء بلغت حدتها ما بين الساعة التاسعة ليلا إلى الحادية عشر من يوم الثلاثاء المنصرم»، وأضاف البلاغ أن «حدة هذه التساقطات تسببت في تدفقات وتجمعات المياه في الشارع العام، وأن مصالح الشركة تدخلت للقيام بعمليات ضخ المياه وإعادته إلى حالته الطبيعية». وأوضح البلاغ نفسه أن «التساقطات المطرية في درب الفقراء أدّت إلى انهيار للطريق فوق قناة للمياه العادمة قطرها 400، الشيء الذي أدى إلى عودة المياه إلى قاطني الحي وأنّ مصالح الشركة قد تدخلت، بحضور السلطة المحلية والوقاية المدنية، لتجديد مقطع طوله 80 مترا، وقمنا بتعبئة جميع الفرق للتدخل في النقط الحساسة، حيث تمت الاستعانة بأكثر من 280 عونا و9 شاحنات للتطهير، ضمنها شاحنة ذات قدرة على امتصاص 15 طنا، و14 شاحنة صغيرة ومضخة ذات قدرة على صبيب قوي يبلغ 1200 متر مكعب في الساعة، وسبع مضخات بقدرة 340 مترا مكعبا في الساعة، و104 سيارات وشاحنة مُجهَّزة». الليالي البيضاء يقضى سكان كثيرون في المدينة القديمة للعاصمة الاقتصادية لياليَّ بيضاء بسبب خوفهم من انهيار منازلهم جراء الأمطار التي تتهاطل على المدينة، خاصة بعد مقتل شخصين في درب «لوبيلا» وانهيار بعض المنازل، وأصبح العديد من سكان المدينة القديمة يضعون أياديهم على قلبوهم كلما تهاطلت الأمطار ويقضون لياليّ بيضاء خوفا من وقوع انهيارات جديدة في المنازل. وسجل بعض المتتبعين أنه ليس هناك أي توزان بين عجلة الانهيارات وعجلة ترحيل السكان. وقال كمال الديساوي، رئيس مقاطعة سيدي بليوط، في تصريح سابق ل«المساء»، إنه «في منطقة أنفا توجد حوالي 30 ألفَ منزل مهدد بالانهيار بشكل متفاوت الخطورة»، وأضاف أنه «في المدينة القديمة وحدها يوجد 25 ألف منزل، وتضم منطقة المحج الملكي لوحدها ما يقارب 18 ألف منزل». وأكد الديساوي أنه من الضرورة تعميم مسطرة الهدم على المنازل التي توجد في كل من درب «لوبيلا» و»كارتي كوبا»، بعد إنجاز خبرة من قِبل مكتب الدراسات والتجارب العمومية، وقال «إن الانهيارات الأخيرة كشفت أن هناك مجموعة من المنازل المهددة بالإهنيار على مستوى عمالة أنفا، والتي توجد خارج المدينة القديمة، وهذا الأمر يستدعي خبرة لهذه المنازل وتعميم مسطرة الهدم على التي توجد في مرحلة خطيرة». ويظهر أن عدم توفر الدارالبيضاء على مخطط وإستراتيجية للتعامل مع الأمطار سيجعل شتاء المدينة طويلا، وإذا كانت هذه الأمطار تخلف صدى طيبا لدى عموم المواطنين، فإنها في السنوات الأخيرة تحولت إلى «بعبع» ليس فقط بالنسبة إلى سكان المدينة القديمة أو درب السلطان أو الحي المحمدي، بسبب وجود المنازل المهددة بالانهيار، ولكنْ أيضا بالنسبة إلى العديد من المواطنين الذين يستقرون في بعض المناطق المهددة بالانهيار، الذين لا يترددون في الدعاء إلى الله أن يجعل أمطارنا على «قْدّ قْوادْسْنَا»..
هل ستتد خل الحكومة لانجاز مشروع وادي بوسكورة؟ كان مصطفى الحايا، نائب عمدة الدارالبيضاء، حاسما حينما قال إنه «لا يمكن، بأي حال، أن يتحمل المجلس وحده مسؤولية إنجاز المشروع، لأنه لا بد من تدخل وزارة التجهيز، كما حدث في العديد من المدن الأخرى»، وأضاف أنه إلى حد الساعة لم يتم الاتفاق على القيمة المالية لإنجازه، مؤكدا أن المجلس مستعد للمساهمة، ولكنْ ليس وحده من سيقوم بالمشروع. وليس الحايا وحده من يؤكد هذا الكلام، بل يكاد مجموعة من نواب العمدة يُجمعون عليه، مؤكدين أنه من غير المعقول أن يتحمل مجلس المدينة معالجة الاشكالية المرتبطة بالوادي، بل إنّ الأمر يتطلب تدخلا حكوميا، معتبرين أنه حان وقت جعل هذا المشروع من بين أولويات الحكومة داخل المدن. ويهدد وادي بوسكورة مجموعة من الأحياء البيضاوية، ومن بينها طريق الجديدة وحي النسيم والكليات. ويمكن أن يصل الخطر إلى سيدي معروف. وللخروج من هذه الاشكالية تم الاتفاق على إحداث قناة غربية كبرى بطول 7 كيلومترات تحت الأرض، ممتدة من منطقة «أزبان»، في «طريق الجديدة»، إلى البحر، لحماية غرب الدارالبيضاء. وتفاوتت أرقام إنجاز هذه القناة، حيث بدأت بحوالي 50 مليارا لتصل حاليا إلى 150 مليارا، وتم الحديث عن نهاية المشروع في هذه السنة، لكنْ ها هي الأشغال لم تبدأ بعدُ إلى حد الساعة، ما يجعل الخطر يحدق بالمنطقة الغربية للعاصمة الاقتصادية للمملكة.