ما فتئت الأوضاع تهدأ بمنطقة بني مكادة على إثر المواجهات التي شهدتها أحياء المنطقة بين السكان ورجال الأمن، التي قلبت المدينة رأسا على عقب، حتى اشتعلت نيران مواجهة أخرى في حي «كاسابراطا» الشعبي، أحد طرفيها السلطة المحلية، وطرفها الثاني فئة اجتماعية شديدة الحساسية، تشكل قنبلة موقوتة، لذا ظل التعامل معها مستعصيا على السلطات، ويتعلق الأمر بالباعة المتجولين الذين يعتبرون «كاسابراطا» أحد أهم معاقلهم الرئيسية في طنجة. فتيل الصراع لم تكن الاستجابة السريعة للباعة المتجولين لقرار السلطات المحلية بإخلاء شارع أبي القاسم السبتي في كاسابراطا، في أولى أيام تنفيذ القرار، تنم عن إمكانية تطور الأمر إلى مواجهات عنيفة بين القوات العمومية والباعة المتجولين، حيث إن السلطات شرعت يوم الاثنين 5 نونبر في تنفيذ قرار الولاية القاضي بإخلاء الملك العمومي من «الفراشة»، هؤلاء اعتقدوا أن الأمر لا يعدو أن يكون تحركا موسميا على غرار التحركات التي اعتادوا عليها منذ سنوات، والتي يعودون بعدها إلى أماكنهم ليزاولوا مهنتهم دون مضايقات أمنية. غير أن قرار الولاية هاته المرة، حسب ما ذكرته مصادر مسؤولة، كان نهائيا، واستند على شكايات أصحاب المحلات التجارية الذين يشتكون من منافسة غير متكافئة مع الباعة المتجولين، كما استند القرار على شكايات سكان المنطقة المتذمرين من غياب الأمن واحتلال الأرصفة والشوارع، إلى درجة أن هؤلاء الباعة احتلوا باحة مسجد طارق بن زياد ثالث أكبر مساجد طنجة. واتضح للباعة المتجولين يوم الثلاثاء 6 نونبر، أن السلطات جادة هاته المرة في إفراغهم من شارع أبي القاسم السبتي، حيث حضرت القوات المساعدة وعناصر الشرطة لكي تمنعهم من افتراش الأرصفة، الأمر الذي أدى إلى اشتعال احتجاجات الباعة الرافضين الانصياع للقرار، معتبرين أن منعهم من مهنتهم يغلق مورد رزقهم الوحيد، وما فتئت الشعارات الاحتجاجية أن تحولت إلى مواجهات عنيفة رشق فيها الباعة المتجولون القوات العمومية بالحجارة، ما أدى إلى إصابة عدد من المارة، وقد تمكنت عناصر الأمن من السيطرة على الوضع وإخلاء المكان. لم يستسلم الباعة المتجولون يوم الثلاثاء، رغم التواجد الأمني المكثف على طول شارع أبي القاسم السبتي وبجوار مسجد طارق بن زياد، حيث عادوا بعد زوال اليوم نفسه لتنظيم وقف احتجاجية شارك فيها المئات من «الفراشة» إلى جانب العشرات من الحقوقيين وشباب حركة 20 فبراير، الأمر الذي دفع السلطات إلى الانسحاب خوفا من تجدد المواجهات، خاصة أن الأمطار التي عرفتها طنجة كانت كفيلة بتفريق الباعة المتجولين. المعركة العنيفة بعد الهدوء الذي شهدته منطقة «كاسابراطا» يوم الأربعاء 7 نونبر، بفعل الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على طنجة طيلة اليوم، عادت المواجهات لتشتعل من جديد أول أمس الخميس. وحسب مصادر مطلعة، فإن الباعة المتجولين كانوا مصرين على العودة إلى عملهم حتى لو أدى الأمر إلى مواجهة مباشرة مع «المخزن»، في حين كانت السلطة المحلية من جانبها مصممة على إخلاء الملك العمومي من الباعة المتجولين. ولم تستمر احتجاجات الباعة المتجولين كثيرا، حيث تحولت إلى مواجهات مع عناصر القوات المساعدة والشرطة، استخدمت فيها الحجارة من جديد، وقد بثت هاته المواجهات موجة من الذعر في صفوف سكان المنطقة المتخوفين من تكرار سيناريو بني مكادة، كما أن خطورة هاته المواجهات تمثلت أيضا في كونها تزامنت مع موعد انعقاد السوق النصف أسبوعي في «كاسابراطا»، حيث كانت المنطقة مكتظة بالمتسوقين. وحاصرت عناصر القوات العمومية منطقة المواجهات مانعة الولوج إليها أو الخروج منها، فيما أغلق سوق الملابس والمواد الاستهلاكية أبوابه على من فيه، لتنطلق عملية مطاردة الباعة المتجولين التي أدت إلى اعتقال 17 منهم حسب مصادر مطلعة، في ظل تكتم السلطات على الرقم الحقيقي للمعتقلين، وتضيف المصادر ذاتها أن مذكرات بحث صدرت في حق حوالي 30 بائعا متجولا، بتهمة إثارة الشغب. واقع يصعب تغييره لا يخفى على أحد حقيقة أن وجود الباعة المتجولين على طول أرصفة وشوارع «كاسابراطا» يتسبب في إزعاج كبير للمارة، وغياب للأمن عن السكان بسبب تفشي المخدرات والأسلحة البيضاء، كما أنهم يتسببون في كساد تجارة أصحاب المحلات التجارية، غير أن هؤلاء الباعة أضحوا واقعا لا مفر منه، وصارت مهنتهم ملجأً للآلاف العاطلين في طنجة. ولا تنكر السلطة المحلية صعوبة التعامل مع ظاهرة الباعة المتجولين، خاصة أنه لا يوجد مخاطب يتحدث باسم هؤلاء الباعة، بالنظر لانتفاء وجود أي تكتل يجمعهم، كما أن عددهم الحقيقي غير معروف، خاصة في ظل التزايد المستمر للعاملين في هاته المهنة. وتتضح صعوبة حل مشكلة الباعة المتجولين بجلاء في التضارب الكبير في مطالبهم، حيث إنهم ينقسمون إلى ل3 فئات، أولاها تطالب السلطات بتوفر عمل بديل لهم، أيا كان هذا البديل، وفئة ثانية تطالب الولاية ب«الالتزام بتعهداتها»، قائلين إن ممثليها سبق أن وعدوهم بإيجاد مكان بديل لمزاولة تجارتهم، في حين ترفض فئة ثالثة قرار إفراغ الملك العمومي أصلا، معتبرين «كاسابراطا» ملجأهم «الأزلي» الذي بات معروفا حتى عند غير الطنجيين، ولا يقبلون بأي بديل عنه.
«الفراشة».. جزء من تاريخ «كاسابراطا» قرار السلطات المحلية إخلاء منطقة كاسابراطا من الباعة المتجولين ليس هو الأول من نوعه في طنجة، حيث سبقه قرار مماثل في حي المصلى سنة 2010، أدى إلى إفراغه من «الفراشة» بشكل نهائي، بعدما ظلت هاته المنطقة ملاذا لهم منذ أزيد من 15 سنة، رغم عودة بعض الباعة إلى المكان بشكل محتشم. غير أن الأمر يختلف في منطقة «كاسابراطا»، التي تستقبل الباعة المتجولين منذ حوالي 3 عقود، والتي شهدت طيلة السنوات الماضية محاولات عديدة من طرف السلطات لإفراغ الملك العمومي، ما تلبث أن تستسلم للأمر الواقع، وحسب مصادر مطلعة، فإن السلطات هاته المرة تحاول تنفيذ عمليات إخلاء المنطقة بشكل تدريجي، وخاصة شوارعها الكبرى، التي انطلقت قبل أشهر بإخلاء الشارع المؤدي إلى مسجد طارق بن زياد من باعة الخضر والفواكه، الذين لم يستطيعوا العودة إلى هذا المكان مرة أخرى، بالنظر للتواجد الأمني المكثف. ورغم أن عملية إخلاء شارع أبي القاسم السبتي من باعة الملابس استندت بالأساس على شكايات أرباب المحلات التجارية من المنافسة غير المتكافئة مع الباعة المتجولين، إلا أن عددا من أصحاب المحلات يفتتحون «فروعا» لتجارتهم على الأرصفة، بالنظر للإقبال الكبير على الباعة المتجولين بسبب الفرق البين في الأثمنة بين المحلات التجارية وبضائع «الفراشة».