في عام 2000، بدأت علاقتي بالأنترنيت، بقاعة في الطابق الثاني من مقر المعهد العالي للإعلام والاتصال في مدينة العرفان بالرباط، خلال السنة الأولى للدراسة الصحافية، لتنتهي مرحلة الاستكشاف الأولي وتبدأ رحلة البحث عن آليات التواصل مع الآخر عبر الأنترنيت، فسرعان ما ظهرت المدونات، لأقرر باكرا ركوب الموجة لأنها نافذة للتعبير. وفي ربيع العام الماضي، حضرت إلى المعهد العالي للإعلام والاتصال، دون التوصل بأية دعوة رسمية، لمتابعة أطوار أول يوم دراسي للحكومة المغربية حول ما تسميه بالصحافة الإلكترونية، وأعلق عليه بأنه الصحافة الكهربائية، ويفضل المهنيون أن يستعملوا اسم صحافة الأون لاين. وبصراحة، أصابتني خيبة أمل كبيرة حيال ما شاهدته، لأني وقفت على ثلاث ملاحظات سلبية وثلاث أخرى حسنة الصدى، فأولى الملاحظات السلبية أن جميع من يتوفرون على موقع أو صفحة أو مدونة على العالم الافتراضي حضروا أو أغلبهم؛ والثانية حضور المهنيين من الصحافيين الذين يتوفرون على مواقع إخبارية على الأنترنيت كانوا مراقبين وعابري سبيل فقط؛ أما الملاحظة السلبية الثالثة فهي أن الخطاب الحكومي كان لتوجيه الشباب الراغب في دخول الصحافة من نوافذ الأنترنيت التي تحمل لقب موضة العصر، أنا لدي موقع أنا موجود. وفي الجانب الإيجابي للقاء، الذي خرج منه المهنيون من الصحافيين، كما دخلوا، بخفي حنين، نذكر أن أول تجمع حضره أكبر مالكي المواقع والمدونات على الأنترنيت تحقق في البناية الخاصة للمعهد العالي للإعلام والاتصال، مؤسسة التكوين الصحافي الحكومية والمجانية الوحيدة في المغرب؛ وأن حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، الذي يقود التحالف الحزبي الحكومي في المغرب، أعلن أن له رغبة في تقنين وضبط العالم الافتراضي الإخباري لأنه خرج من المعارضة وغيّر كرسيه إلى الحكومة، وفي ذلك للحزب حساباته التي لم يوضحها جليا بعد؛ ومن الحسنات الظاهرة أيضا أن المهنيين لا موقع لهم من الإعراب في الخطاب الرسمي في الدفع بتطوير المواقع الإخبارية من الناحية المهنية والمضمون والقانون، وهذا ما سيظهر لاحقا لما سيحتضن مقر منظمة الإيسيسكو في العرفان تقديم نتائج ما قالت المنظمة إنه أول دراسة حول صحافة العالم الافتراضي بحضور وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، وفي برنامج العمل انتخاب مكتب مسير لجمعية يتجمع فيها مالكو مواقع على الأنترنيت، وهي مشروع نقابة مقربة من الحكومة تجمع المواقع الإخبارية، كما يقول كثيرون ممن أعرفهم من الذين حضروا اللقاء. وأعتقد أن هنالك في المغرب صحافيا مهنيا أكن له الكثير من الاحترام اسمه رشيد جنكاري، من أول المؤسسين للتدوين ولصحافة الأون لاين في المغرب، غائبا عن مشهد التحركات الحكومية لضبط صحافة الأنترنيت في المغرب، فرشيد أول من أعلن عن التدوين ويعتبر الأب الروحي لصحافة الأون لاين مغربيا، وأتذكر جيدا صعوبات وعراقيل التدوين في المغرب لما كنت من ضمن آخرين نحاول أن ندفع به قدما. والغائب الثاني الكبير، من وجهة نظري، في المسلسل الحكومي لصحافة الأون لاين، المهنيون الذين يقفون وراء المواقع الإخبارية الجادة على الأنترنيت، وهم، من باب المثال لا الحصر، موقع هيسبريس وكود وكيفاش وفبراير ولكم، ومعذرة لباقي الأصدقاء الذين يعرفون تقديري لهم مهنيا، وهم صحافيون مهنيون لهم مسارهم المشرف، ليبقى المهنيون من الذين لهم اسمهم في السوق المغربية للقراءة، على الهامش. وفي ربيع العام الماضي، ركبت بدوري أمواج المواقع الإخبارية في المغرب، إلا أني بعد ثلاثة أشهر قررت النزول لأني وقفت على حقائق غير مشجعة، فالمهنيون لا يمكنهم الاستمرار طويلا في صحافة الأون لاين، لأن الإشهار موجه كما هو الحال في التلفزيون والإذاعات والصحافة المكتوبة، وأمور أخرى لا داعي إلى ذكرها يعرفها المهنيون، خاصة خلال المراحل الأولى من العمل المهني على النت، فانسحبت بشرف بالرغم من تشجيع وتحفيز معنوي من قبل الكثير من الأصدقاء. فكيف يمكن أن تكون للمغرب صحافة على العالم الافتراضي؟ فأولا، يجب عدم التمييز ما بين أي نوع من الصحافة وفق ما هو متعارف عليه دوليا، لأن منطق التصنيف يؤدي إلى إضعاف الجسم الصحافي المجزأ مغربيا أصلا؛ وثانيا، يجب تقنين أو إعطاء شرعية لممارسة الصحافة الإخبارية على النت من بوابة قانون الصحافة، لأن في كل تجزيء قانوني إضعافا من نوع آخر؛ هذا بالإضافة إلى ضرورة فرض حد أدنى للتكوين الصحافي المهني على الراغبين في الحصول على بطاقة الصحافة عن موقع إخباري، لأن مالك الموقع يكون هو المحرر، ويمكنه أن يكتب بطريقة سيئة من الناحية اللغوية والإملائية والنحوية ولا يتوفر على مصحح ولا على ضابط للغة العربية. ويبقى الأمر مختلفا في الصحافة التقليدية، من تلفزيون وإذاعة وصحف، لوجود أقسام تساهم في صناعة الجريدة لا يراها الرأي العام، ولكنها تثمن الجودة في المنتوج المهني، وخاصة وجود رئيس ومدير وسكرتير تحرير، وبصريح العبارة الوصفة التي تحاول وزارة الإعلام تطبيقها ليست صالحة لأي منتوج يمكن أن يحمل اسم صحافة الأون لاين في المغرب أو صفحة على الأنترنيت تحمل اسم موقع إخباري. فغالبية المواقع الإخبارية على الأنترنيت تعاني من آفة نسخ ولصق من وكالة الأنباء الرسمية المغربية، ومن سلخ للجرائد اليومية، باللغة العربية خاصة، مما يؤدي إلى التأثير سلبا على الجرائد الورقية في مبيعاتها الضعيفة أصلا، خاصة في محور القراءة الأول ما بين القنيطرة والدار البيضاء. ومن أساليب احتيال المواقع الإخبارية أن القارئ يجد عنوانا عريضا على المقال، ولما تنقر وتدخل تجد أن في الأمر خديعة للقارئ، وأن الخبر منقول من جريدة «المساء» أو «الصباح» أو «أخبار اليوم المغربية» أو «الأحداث المغربية» أو «الخبر»، وهذا أمر مرفوض مهنيا، ويجب أن يتغير بشكل نهائي إذا أراد أصحاب المواقع أن يحصلوا على اعتراف القارئ أولا وليس الحكومة بأنهم يقدمون خدمة إخبارية لها من الاحترام. وهنالك، في تقديري، آفة خطيرة جدا في تقديم الخدمة الإخبارية عبر الأنترنت، ويتعلق الأمر بالإثارة الرخيصة جدا من خلال التركيز على اغتصاب أو قتل أو حادث خبري عادي والنفخ فيه بشكل كبير لشد انتباه القارئ، ليهدي إلى الموقع نقرته التي تنعكس على عداد الزيارات اليومي، ومن ثم فمن يمكن أن يكون المحاسب للمواقع الإخبارية إذا لم يكن الصحافي أو رئيس التحرير أو مسؤولا تحريريا مهنيا؛ وهناك مسألة أخرى تثير الانتباه، وهي أننا لا نجد ضمن المواقع الإخبارية التي تنتج أخبارا من خارج ما يأتي من الوكالات والمواقع الدولية والجرائد اليومية المغربية إلا عددا محدودا يحصى على أصابع اليد الواحدة، فقليلة جدا هي المواقع التي اختارت الطريق الصعب المتمثل في الحصول على الخبر من مصادره اليقينية والتوفر على صحافيين مهنيين. ولا يسعني في هذا السياق إلا أن موقفي المضاد للتقنين بالطريقة التي تريدها الحكومة المغربية، التي يوجد على رأسها حزب أتقن الاستفادة من المواقع الإخبارية على الأنترنيت، خلال وجوده في صفوف المعارضة، قبل أن يجلس على كراسي الحكومة، فالحاجة ماسة، أولا وقبل كل شيء، إلى تأهيل وتنظيم وتقعيد للضوابط التي تجعل من الممكن لصاحب صفحة على الأنترنيت أن يكتب فيها ما يشاء، ويحولها إلى دكان أو منصة لإطلاق صواريخ أو بوق أو سوط، ويطالب بالحصول على بطاقة الصحافة المهنية التي يجب، في تقديري، أن تكون مستحقة مهنيا، ولا تُسلم إلى المطالب بها إلا على أساس الاستجابة لشرط القدرة على ممارسة المهنة، وفق القواعد المهنية والأخلاقيات المتعارف عليها عبر العالم، فليس المغرب دولة معزولة على الخريطة، مقطوعة عن العالم الخارجي. ومن باب فصل المقال، لا أعتقد أن في المغرب صحافة إخبارية على الأنترنيت، لأن المشهد الغالب هو مدونات تنتمي إلى ما يتعارف عليه دوليا بالصحافة المواطنة لبث الشكايات وإثارة القضايا عبر الأنترنيت من خلال المدونات أو الصفحات الشخصية، لأن المواقع الإخبارية الجيدة التي تحترم نفسها وتقدر القارئ لا زالت لم تتجاوز أصابع اليدين الاثنتين من الناحية العددية.