ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    تداولات الإغلاق ببورصة الدار البيضاء    توقيف المسؤول عن إعدامات صيدنايا    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    ضربات تستهدف مطار صنعاء الدولي    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي تستعرض حالة تقدم الإنجازات التقنية والمالية برسم سنة 2024    الأمن الوطني يفكك 123 شبكة للهجرة السرية    مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا مكان ليسار ناعم
نشر في المساء يوم 14 - 10 - 2012

أعادت الانتخابات الجزئية، التي نظمت مؤخرا بكل من مدينتي طنجة ومراكش، تأكيد المعطى المعروف لدى الجميع: تقاطب الحياة السياسية بين حزبين اثنين هما: العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة،
وعلى هذين القطبين يدور فلك باقي الفاعلين السياسيين؛ فبالعودة إلى النقاشات التي دارت بمناسبة هذه الاستحقاقات بين مختلف الفاعلين السياسيين، يتبين أن الحياة السياسية صارت محتكرة، أكثر من أي وقت مضى، من قبل الإسلاميين المروجين لخطاب شعبوي وهجومي، وكذلك من قبل عناصر مخزنية جديدة تتبنى خطابا شبه حداثي لا يخلو من تقليدانية.
ثمة كذلك معطى هام في هذا المشهد: الاختفاء شبه التام لأفكار اليسار من النقاش السياسي، إذ يتملكنا انطباع بأن اليسار أقصي بشكل تام من السباق ولم يعد قادرا على تجديد نفسه من الداخل واقتراح بدائل ذات مصداقية تلقى قبول المجتمع؛ ففي بعض الحالات، أدار اليساريون ظهورهم للأفكار التي استمدوا منها وجودهم وقوتهم في السابق، وهذه حالة حزب التقدم والاشتراكية الذي انصهر في التحالف الحكومي الحالي، رغم أنه كان يقدم نفسه قبل الحكومة الحالية كخصم عنيد للإسلاميين. والمؤلم كذلك أن هذا اليسار، الذي يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أحد مكوناته، بات تحت سيطرة توجه متجاوز في العصر الحالي يحول دون ضخ دماء جديدة في شرايين اليسار وإعادته إلى واجهة الحياة السياسية المغربية.
لا يعي قادة هذا التيار أنهم متخلفون على صعيد عدة جبهات. لا يزالون يراهنون على استراتيجية بائدة تقوم على تصورات متجاوزة في الوقت الراهن، من قبيل التوافق أو التوحيد وجمع الشتات من أجل إعادة إنتاج اللعبة ذاتها. لا يفهمون أن زمنهم ولى إلى غير رجعة، وأن وجودهم مكلف لأحزابهم بسبب تراكم عثراتهم وكبواتهم. وفي هذا الإطار، يقول ملاحظ للحياة السياسية المغربية: «الاعتداد بكلمة هؤلاء الرجال يشبه الإمساك بأفعى من ذيلها».
يكمن المشكل الحقيقي لهذا التيار في كونه فَقَد مصداقيته ولم يستطع التموقع على نحو يميزه عن الآخرين، ذلك أن اليسار اتخذ مواقف اتسمت بالضبابية وأخرى صارت متجاوزة اليوم، وبذلك يحرم نفسه من تقديم بديل يمكنه من النهضة والانبعاث من جديد. نهضة تستلزم تغيير الاستراتيجيات والقادة على حد سواء، واستعادة الأمور التي شكلت نقطة قوة اليسار في السابق: اتخاذ مسافة فاصلة بين الأحزاب الإدارية والحفاظ على استقلالية حقيقية عن السلطة. كما يلزم اليسار أن يتحرر من قوقعته وينفتح على قوى جديدة، ويستقطب طاقات جديدة. ويتوجب، بالأساس، العمل على التخلص من القادة الناعمين الذين يقضون جل وقتهم في الترويج لخطاب توافقي لا فائدة ترجى منه غير إثارة اهتمام الآخرين إلى ما يقومون به، والواقع أنهم لا يقومون بشيء عدا تقديم خطاب عام وفضفاض يرفع درجات السخط على الوضع الراهن.
قد يتفق الجميع مع خطابهم، غير أنه لا أحد يجرؤ على الجهر بدعمه لهذا النوع من الخطاب. لكن المؤكد أن استراتيجيتهم استنفدت زمنها ولم تعد ذات تأثير على السكان الذين لم ينسوا شيئا من ماضي اليسار، لأن ذاكرتهم ليست قصيرة، عكس ما يعتقده البعض. لا يزال الجميع يتذكر التوافقات القاتلة التي يجرها هذا اليسار وراءه كإرث ثقيل يعيق نهضته من جديد؛ فمن يا ترى نسي التصريح الذي أدلى به عبد الرحمن اليوسفي، الزعيم السابق للحزب، من العاصمة البلجيكية بروكسيل، خصوصا وأن ذلك التصريح اتخذ شكل نقد ذاتي. يحتاج اليسار إلى تغيير جلده مرورا بنقد ذاتي يمس العمق وإعادة أشكلة الماضي وما يستمر في ترويجه من أخطاء، مع إحداث تغيير في القيادة واستقطاب عناصر جديدة.
تتطلب الوضعية الحالية زعماء حازمين، وذوي شخصيات قوية، وقادرين، في الآن ذاته، على مواجهة هؤلاء الشعبويين الجريئين والديماغوجيين الذين يؤثثون المشهد السياسي، وكذلك سكانا أكثر تطلبا وأقل سذاجة من الماضي. يتمتع السياسيون المهيمنون على الساحة اليوم بحاسة سادسة تمكنهم من استقراء نقط ضعف الآخر. وإذا أظهرتم استعدادا لجميع التوافقات، وخضعتم وانصعتم، فإنكم تشجعونهم على المضي قدما في تنفيذ خططهم. لا تغفلن أعينكم عن حقيقة هامة: يتوقف كل شيء على صورتكم لدى عموم الجماهير. وإذا اكتفيتم بمواقف دفاعية وقدمتم تنازلات، فإن مصيركم أن تعاملوا بلا رحمة. وحدها الجرأة كفيلة بضمان مكان لصاحبها في الساحة السياسية. وحميد شباط، الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، نموذج يضرب به المثل في هذا المجال. ف«التهور» الذي أبان عنه في الفترة التي سبقت اقتراع الأمين العام لحزب الاستقلال جعل منه رجل المرحلة. لقد بنى نجاحه السياسي على مقاربة هجومية صرفة، تغفر له زلاته وأخطاءه، وتحسب له جرأته وقدرته على جذب الاهتمام واستمالة السلطة. ولا يستطيع السياسي التوافقي منافسته أو إيقاف صعوده.
إجمالا، لم يعد لليسار مشروع سياسي؛ لم يعد قادرا على الحلم. وهذا بالضبط ما نعيبه عليه. الفرصة متاحة لليسار من أجل النهوض من جديد واستعادة المواقع التي خسرها وإعادة تنشيط الحياة السياسية وفرض نفسه فاعلا يحسب له حساب في النقاش السياسي. ولذلك يلزمه استحضار المقولة التالية لفرانسوا دو لاروشفوكولد: «الجرأة تقلل من شأن ذوي النفوس الضعيفة وتزيد عظمة الكبار تماما مثل الرياح التي تطفئ الشموع وتوقد النار».


ادريس بنعلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.