أصبحت مدينة مليلية تشكل شوكة في حلق الإسبان والمغاربة جراء المشاكل المتفاقمة التي تحدث كل يوم بالمعبر، وبسبب المناوشات المغربية الإسبانية التي تربك الطرفين. فبعد ثلاثة أيام فقط من تشييع جنازة الصافية عزيزي، المجازة المغربية التي لقيت حتفها متأثرة بجروح أصابتها على إثر تدافع عشرات التجار الحاملين للسلع بنقطة العبور باريو شينو (الحي الصيني) في باب مليلية، جراء تدافع كبير تسببت فيه عشرات النساء اللواتي كن يحاولن الدخول إلى مليلية، عادت أجواء التوتر والمناوشات وإطلاق العيارات النارية من جديد مساء يوم أول أمس السبت بنقطة بني انصار لكن هذه المرة في اتجاه المغرب، أسفرت عن جرح عدد من المغاربة من بينهم عنصر من رجال الجمارك المغربية في صدره، بعد إصابته برصاصة مطاطية أطلقت عليه من مسافة قريبة، فيما أصيب شرطي إسباني بجروح نتيجة تعرضه لقنينات زجاجية فارغة تم رميها عليه من طرف مجموعة من المغاربة، احتجاجا على منعهم من دخول المدينة. وفي غياب صدور أي بلاغ رسمي حول أسباب الحادث، فإن وسائل الإعلام الإسبانية أفادت بأن عددا من المغاربة عمدوا إلى رمي رجال الشرطة والحرس المدني بالحجارة وقنينات زجاجية فارغة، بعد منعهم من دخول مدينة مليلية، مما دفع رجال الأمن الإسبان، حسب نفس المصادر، إلى إطلاق عيارات نارية «تحذيرية» في محاولة منها لصدهم عن الدخول عنوة ورميهم بالحجارة، حيث اضطرت بعدها إلى إغلاق باب السياج الحدودي في وجه الجميع. وتقول المصادر الإسبانية ذاتها إن المناوشات المغربية الإسبانية وقعت بعدما توغل جمركي مغربي لمسافة 6 أمتار داخل حدود مدينة مليلية، حيث كان يسعى إلى انتزاع بعض البضائع المهربة من سيدة مغربية. وبعد رفضه الخروج من المنطقة، انطلقت عناصر الشرطة الإسبانية في ضربه بالهراوات لإجباره على مغادرة المكان، رغم صيحات استغاثة هذا الأخير. وحسب عدد من المراقبين فإن «ملحمة» ضرب العناصر الأمنية المغربية من طرف نظيرتها الإسبانية تعد سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات «الأخوية» التي تجمع بين البلدين، على حد قول عمر عزيمان، السفير المغربي بإسبانيا، ووزير الخارجية الإسبانية ميغيل انخيل موراتينوس. فلم تعد المناوشات تقتصر على التلاسن بالسب والقذف بين الطرفين بمعبر بني انصار، بل أصبح الأمر يتجاوز ذلك بكثير ليصل إلى حد إشباع رجال الجمارك ضربا بالعصي والرصاصات المطاطية. إن وضعية معبر بني انصار الحدودي والذي يشهد مرور أزيد من 20 ألف مغربي يوميا إلى مليلية، أصبح يطرح كل يوم إشكالا أمنيا كبيرا بين المغرب وإسبانيا. ويستنكر المواطنون العابرون للحدود كل يوم المعاملة الوحشية التي يتعرضون لها بشكل يومي، سواء من طرف السلطات الإسبانية أو نظيرتها المغربية، من آخر ضحاياها الشابة الصافية عزيزي، الحاصلة على الإجازة في الأدب العربي، والتي اضطرتها ظروف العيش إلى ممارسة التهريب القوتي هروبا من براثن البطالة بعد قضائها سنوات من عمرها في البحث المضني عن شغل كريم يقيها الحاجة والفقر. إن الوضع الأمني في نقطة حدودية حساسة مثل باب مليلية يعتبر تمثلا آخر للفساد والارتباك الذي ينخر حياة وسلامة المئات من المواطنين المغاربة العاملين في مجال التهريب القوتي الوافدين على المدينة فجر كل يوم. وتكشف الأخبار اليومية من هناك عن ممارسات بشعة تحط من كرامة المواطنين المغاربة على أيدي العناصر الأمنية المكلفة أساسا بالسهر على حراسة الحدود. فرجال الأمن والجمارك في نقطة الحدود المغربية الإسبانية بني انصار لا تتوانى في ضرب المواطنين بالأحزمة والعصي دون تمييز، كما يأخذ العابرون كل يوم نصيبهم من الشتائم البذيئة تحت مرأى من المسؤولين الذين يشاركونهم في ذلك إرضاء منهم لعناصر الأمن الإسباني، بينما ترد هذه الأخيرة الصاع بإشباع جمركي مغربي ضربا بالعصي قبل طرده إلى الحدود المغربية.