أصبح مصير فئة من النساء المغربيات المتعاطيات لمهنة حمل السلع المهربة من سبتة هو الموت رفسا أو اختناقا من أجل كسب لقمة عيش شريفة، لكنها مغموسة في من الذل والإهانة والاحتقار. لم تكن الزهرة بودغية أو بشرى المريوتي تعتقدان أن مصيرهما سيكون في يوم من الأيام كمصير الصافية العزيزي، الشابة الحاصلة على الإجازة في الأدب العربي، والتي لقيت نفس المصير في معبر «باريو شينو» بمليلية منذ ستة أشهر. تقطن الضحية الزهرة (53 سنة) بحي كونديسة الشعبي بمدينة الفنيدق. بعد طلاقها من زوجها منذ 20 سنة قررت الخروج إلى العمل في المعبر الحدودي باب سبتة لتضمن قوت عائلتها، وكانت تتحمل الإهانات اليومية التي تلقاها على يد الشرطة الإسبانية أو المغربية فجر كل يوم أثناء دخولها إلى معبر «البيوت» الذي يؤوي أكبر مخازن السلع الإسبانية لتمريرها إلى المغرب مقابل 50 درهما للرزمة، يفوق وزنها 30 كيلوغراما، قبل أن تلقى حتفها على السلالم وهي حاملة رزمة ثقيلة كثقل ظروف حياتها. أما الضحية الثانية فلم تكن بدورها أوفر حظا، فالشابة بشرى المريوتي (33 عاما)، المتزوجة منذ حوالي ثلاث سنوات، عرفت نفس المصير بسبب التدافع الكبير من طرف مهربي السلع. كانت الضحية تتوجه في الرابعة صباحا من كل يوم من مرتيل إلى سبتة لحمل رزم الألبسة من ممر»البيوت» إلى سوق الفنيدق، حيث تسلمها لأصحابها لتعود مجددا إلى المنطقة مكررة العملية مرتين أو ثلاث مرات يوميا. أغلب النساء عبرن عن سخطهن واحتجاجهن على الضرب اليومي الذي يلاقينه من طرف رجال الأمن الإسبان أثناء مرورهن من ممر «البيوت». «ينهلون علينا بالضرب بالأحزمة والهراوات دون مبرر، الأمر الذي يؤدي بأغلبنا إلى الفرار جريا حاملين رزم السلع، مما يسفر عن حالات التدافع الكبيرة» تقول غيثة، وهي سيدة مسنة، تتعاطى حمل السلع منذ 15 سنة. فرجال الأمن الإسبان الذين تم تقديم عدد من الشكايات ضد ممارساتهم من طرف أصحاب مخازن السلع لا يتوانون عن ممارسة العنف في حق النساء والشبان. فالصور التي تتداولها وسائل الإعلام الإسبانية تكشف عن حجم المعاناة التي يتعرض لها النساء والشبان المغاربة على يد الشرطة الإسبانية. بينما يبرر هؤلاء تصرفاتهم «بعدم انضباط المغاربة للطوابير ولنظام المرور المعمول به هناك». تدر تجارة تهريب السلع من سبتة إلى الفنيدق أكثر من 500 مليون أورو سنويا، أغلبها ينشط في منطقة «البيوت» التي تعرف ازدحاما كبيرا نتيجة العدد الهائل من المواطنين المغاربة الذين اضطرتهم ظروف العيش القاسية إلى العمل في تهريب سلعتهم وإنقاذ اقتصادهم من الاختناق فإنهم يكافئوننا بالضرب والإهانات اليومية» تقول غيثة. من جهته، ذكر مسؤول إسباني أن جثتي الضحيتين مازالتا في مستودع الأموات في انتظار تسليمهما لذويهما في تطوان، وهو التسليم الذي يكلف مبلغا ماليا طائلا رغم قرب المسافة بين المدينتين. «لقد تطوعنا للتكلف بكل الإجراءات المادية والإدارية لنقل الجثتين إلى تطوان» يقول الفرع المحلي للفيدرالية الإسبانية للهويات الدينية الإسلامية بسبتة. في انتظار ذلك تخيم حالة من الحداد والحزن على وجوه النساء في باب سبتة، تخوفا من أن يلقين نفس المصير في يوم من الأيام، في غياب بديل آخر داخل بلدهن المغرب يتيح لهن كسب لقمة عيش تضمن لهن قوتهن، وتحفظ كرامتهن التي تهان يوميا من طرف رجال أمن قبل أن يلقين حتفهن دوسا بالأرجل من طرف رفيقاتهن في المهنة، وهن حاملات سلعا مهربة تنقذ اقتصاد سبتة من براثن الاختناق والأزمة.