«نصف حجم واردات مدينة سبتة من السلع والمواد الغذائية تخصص للمغرب، حيث تدخل التراب الوطني عن طريق حاملي السلع، إذ تبلغ واردات المدينة 68 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي نحو 887 مليون أورو». هذا ما كشفه باحث اقتصادي إسباني ل «المساء»، مضيفا أن «هذا النوع من الاقتصاد هو المنقذ الوحيد لوضعية المدينة المادية» يعتبر معبر البيوت بسبتة، حيث لقيت المغربيتان، الزهرة بودغية وبشرى المرويطي، حتفهما، أكبر سوق في شمال إفريقيا. فمنطقة البيوت أو ما يسمى عند الإسبان ب«تاراخال»، تضم 203 مخازن ومحلا كبيرا لبيع السلع والمواد الغذائية، يتحكم فيها كبار التجار الإسبان، وبعض مغاربة سبتة، حيث يتوافد عليها يوميا ما بين 20 و15 ألف مغربي ومغربية، معظمهم أصحاب جوازات سفر تسمح لهم بالدخول دون ضرورة التوفر على تأشيرة شينغين. سوق في شمال إفريقيا مع بداية سنة 2002، بدأت بعض الشابات ونساء تطوانوالفنيدق، ومرتيل والمضيق في العمل كحاملات للسلع من المعبر إلى الفنيدق ومنه إلى تطوان فباقي التراب المغربي، «عوض ممارستنا للتهريب فضلنا حمل رزم السلع التي تعود ملكيتها للمهربين الكبار، لعدم توفرنا عل رأسمال كبير يسمح لنا باقتناء السلع وتهريبها لصالحنا»، تقول حياة، وهي شابة من تطوان تتعاطى حمل السلع منذ سنة 2003. حياة، طالبة جامعية حاصلة على دبلوم السنة الثانية بكلية الآداب والعلوم الإسبانية. بعد مغادرتها الجامعة لأسباب عائلية ومادية اضطرت إلى العمل كخادمة في منازل الإسبان، قبل أن ترشدها رفيقتها إلى الاشتغال كحاملة للسلع والتي قد تجني منها 300 درهم يوميا، في حال دخولها مرات متكررة إلى المعبر. «أعود إلى المنزل مساء كل يوم جد منهكة، كما أنني بدأت أحس مؤخرا بآلام فظيعة في ظهري بسبب حمل رزم السلع التي قد يصل وزن الواحدة منها 50 كيلوغراما»، تحكي حياة. ظروف عيش الطالبة الجامعية السابقة لا تختلف عن باقي النسوة اللائي يتعاطين لنفس العمل (حمل السلع المهربة). قريبا منها تحكي فتيحة، وهي امرأة مطلقة، تبلغ من العمر 36 سنة، أنه لولا هذا النوع من العمل لأصبحت سبتة مدينة أشباح، لتفاقم أزمتها المادية التي ترتكز على هذا النوع من التجارة. يشبه معبر البيوت أو «تاراخال» بأسواق قرى عشوائية من دول العالم الثالث. الفوضى العارمة والصياح، وتدافع حاملي الأمتعة المغاربة، وحركة الباعة، ومنسقي مخازن السلع، توحي بأن أكبر سوق في إفريقيا لا يمت لمدينة سبتة بصلة أو بالأحرى كانت هذه هي خطة السلطات الإسبانية بمدينة سبتة. بعد تذمر ساكنة سبتة الإسبان من دخول المهربين وحاملي السلع إلى وسط المدينة، خصوصا «البلاصا» أو «حدو», فقد ارتأت حكومة سبتة تقريب السلع من النقطة الحدودية بباب سبتة، مع نقل أكبر مخازن السلع ومتاجر المواد الغذائية إليها، وبالتالي ستتخلص من حجم دخول المهربين إلى وسط سبتة «وتنغيص عيش الإسبان داخلها». «كانت فكرة جيدة استحسنها جميع مواطني سبتة»، يقول مستشار ببلدية المدينة. مصير سبتة بعد 2010 اقتصاد مدينة سبتة سيعرف قريبا نوعا من التأثير السلبي جراء إلغاء التعريفات الجمركية للمغرب حيال الاتحاد الأوربي، بداية سنة 2010، وهو أمر «حاسم» تتخوف منه إسبانيا بسبب «تأثيره الكبير على المستقبل الاقتصادي للمدينة». هذه المعطيات كانت ضمن بعض الاستنتاجات الأولية الصادرة عن فريق من الباحثين في كلية الأعمال التجارية بعد دراسة مشتركة أنجزها مع قسم البحث الخاص بها في جامعة غرناطة. فالخبراء الاقتصاديون الإسبان يتخوفون من الآثار المترتبة على اقتصاد ومستقبل المدينة بعد الانتهاء من بناء ميناء طنجة المتوسطي. يقدر حجم المعاملات في النقطتين الحدوديتين «باب سبتة» ومليلية اللتين ينشط بهما حاملات السلع بأكثر من 15 مليار درهم مغربي سنويا، أما في سبتة فيصل الرقم إلى 750 مليون أورو سنويا، 90 في المائة منها عن طريق حاملي السلع. وبما أن هذا الرقم يخص كل المعاملات المرتبطة بالتهريب، فإن خسارة المغرب إذا ما تم احتساب الحقوق الجمركية فقط دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، تقدر ب 5.7 ملايير درهم سنويا كخسائر ضريبية فقط. ولو تم استثمار رقم 15 مليار درهم مغربي وهو قيمة أنشطة التهريب سنويا في المغرب فإنه كان سيخلق 450 ألف منصب شغل، ولذلك نعرف لماذا يقدر عدد الناشطين في مجال التهريب في مناطق الشمال ب45 ألف شخص، وهو ما يعني أن كل «منصب شغل» غير قار في مجال التهريب يحرم الدولة من خمسة مناصب شغل منتظمة. «نتخوف من تراجع كبير لاقتصادنا المرتكز على السلع التي تمر إلى تطوان في حال قيام المغرب ببعض التقييدات التي أصبحت تمارسها الرباط في انتظار استكمال مينائها الضخم طنجة المتوسطي»، يقول مسؤول بالغرفة التجارية بسبتة، والذي اعتبره بمثابة دق ناقوس الخطر حول مستقبل المدينة الاقتصادي. فتراجع الاقتصاد التجاري لمدينة سبتة أثار قلقا كبيرا داخل دوائر القرار بالعاصمة الإسبانية مدريد، خصوصا بعد توصلها بتقارير أعدتها لجنة اقتصادية، وبدراسات أخرى تابعة للغرفة التجارية. كانت مدينة سبتة دائما، ومنذ أكثر من خمسين عاما، مركزا ضخما لرؤوس الأموال وللمستثمرين الكبار، الإسبان منهم والهنود لكن مع انطلاق المغرب في تشييد مينائه المتوسطي، وقيامه بإصلاحات ضخمة في مناطق الشمال، وتمديد شبكة الطرق، التي تصل إلى حدود باب سبتة، ورهانه على تطوير السياحة بالمناطق القريبة منها، فإن هؤلاء المستثمرين بدؤوا يتخوفون من مستقبل مشاريعهم المرتكزة بالأساس على السلع الغذائية والملابس والتجهيزات المنزلية التي تمر يوميا عبر معبر باب سبتة قبل أن تتفرق على معظم التراب المغربي ما «فرض معه تسهيل دخول العدد الكبير من حاملي السلع رغم عدم إمكانية السلطات الإسبانية ضبط المراقبة وتنظيم تواجد 15 ألف شخص في وقت واحد ومكان واحد» يقول المستشار. «أحس بحسرة على الأيام السابقة التي كنا نبيع فيها 7 حاويات كاملة من الأرز ( 49 طنا) تدخل يوميا إلى تطوان»، يقول حامد، وهو تاجر إسباني من أصل مغربي، بمنطقة «ألمضربة»، بمدخل معبر تاراخال الحدودي. حامد وشركاؤه من رجال الأعمال الآخرين متفقون فيما بينهم على أنه «بعد ثلاث سنوات ستعرف مدينة سبتة تراجعا اقتصاديا خطيرا سيؤثر دون أدنى شك على مستقبلها، بل وحتى، على نفسية الإسبان القاطنين بالمدينة» يقول مزيان، أحد أعيان المدينة. ويرى المسؤول بالغرفة التجارية الإسبانية بسبتة أن ميناء طنجة المتوسطي يخفي في حد ذاته صراعا اقتصاديا وسياسيا بين إسبانيا والمغرب، حيث إن هذا المشروع الضخم سيدخل في منافسة اقتصادية قوية مع ميناءي الجزيرة الخضراء الإسباني وميناء سبتة، لكونه سيمتص جزءا من حركة الملاحة الدولية التي تستفيد منها إسبانيا عبر المضيق. رفض مقترحات مندوب حكومة سبتة في سنة 2005 اجتمعت لأول مرة اللجنة المغربية الإسبانية. استغرق الاجتماع ثلاث جلسات على الأقل لاتخاذ قرار بخصوص «فتح معبر البيوت» من جهة أخرى من باب سبتة. قام الوفد الاسباني، يقول مصدر رفيع المستوى من ولاية تطوان، ممثلا برئيس الحكومة خيرونيمو نيتو محاطا بمستشاري الوفود وممثلي الشرطة الوطنية الإسبانية والحرس المدني، بزيارة المسؤولين المغاربة بتطوان، حيث بحثوا مع الطرف المغربي والذي تشكل من ولاية أمن تطوان، ورئيس نقطة باب سبتة الحدودية قبل أن ينتقل إلى العمل في سفارة المغرب بمدريد، ورئيس لجنة إدارة الجمارك. لم تسفر الاجتماعات عن حل يذكر، «فمندوبية حكومة سبتة حينها كانت تحاول قدر الإمكان توريطنا في فتح معبر آخر»، يقول المسؤول المغربي ل«المساء»، مؤكدا أن رفض ذلك المقترح سببه عدم قدرة المغرب على ضبط ومراقبة ممرات متعددة للدخول والخروج من سبتة». مستشار من بلدية سبتة يكشف أنه مع بداية سنة 2005 لم يكن عدد النساء المتعاطيات لحمل السلع يفوق ال600، حيث ليرتفع إلى 15 ألفا في ظرف أربع سنوات». «سبتة ستعرف تدهورا اقتصاديا كبيرا سنة 2012 بسبب طنجة المتوسطي»، يقول مسؤول مغربي .«ستنقطع المداخيل الحالية التي يدرها عليهم التهريب نحو المغرب، وبالتالي سيكون لذلك تأثير مادي واجتماعي سلبي على سكان المدينة» يضيف المتحدث. فرغم كل ما أفرغته حكومة مدريد في سبتة ومليلية من استثمارات ضخمة في الخمس سنوات الماضية، فإنه يجري الحديث عن رصد ميزانية استثنائية للسنة القادمة، تنفيذا لوعود التزم بها ثاباطيرو في الانتخابات الأخيرة بضخه مزيد من الدعم لهما. سكان مدينة سبتة من جهتهم بدأوا يحسون بالتحول الكبير الذي طرأ على منطقة الشمال وولاية تطوان خصوصا، من تأهيل للبنيات التحتية وتجديد لشبكة الطرق، وتشييد لممرات ساحلية «الكورنيش» بكل من المضيق والفنيدق. «لولا حاملي الأسلعة لأصبحت سبتة مدينة أشباح»، يؤكد المسؤول المغربي. فيديو الموت تتوفر «المساء» على شريط فيديو لموت الضحيتين المغربيتين الزهرة وبشرى. بعد اطلاعنا على شريط الموت يتبين لنا سبب موت المغربيتين، فقد تم حشر أكثر من 230 شخصا دفعة واحدة في السلالم، التي لا تفتح عادة في ذلك الوقت. صراخ النسوة وسط الزحام ومطالبتهن بالنجدة لم يكن يجدي معه شيئ حيث نرى في الشريط رجال أمن إسبان في مدخل السلالم يضربون ويدفعون حاملات السلع وفي أسفل السلالم رجال شرطة إسبان آخرين يرون المشهد المحزن لوفاة الضحيتين دون أن يكون في استطاعتهما فعل شيء سوى إشعار زملائهم بإخلاء السلالم من حاملي الأمتعة بسرعة قبل أن تحدث وفيات أخرى. من جهة أخرى تم الاستماع, يوم الأربعاء الماضي, لرجل شرطة إسباني، من فرقة وحدة التدخل السريع، والذي اتهمه تاجران بمعبر «تاراخال» بضربهما، حيث نفى رجل الأمن التهمة الموجهة إليه، مضيفا أنه لم يقم بأية ممارسات غير لائقة ضدهما، بل إنه «كان يؤدي وظيفته فقط».