ابتداء من الجوارب وحفاظات الأطفال وانتهاء بقطع الغيار والتجهيزات الإلكترونية المنزلية. سلع يقبل عليها أكثر من 90 في المائة من سكان الشمال، يقول مسؤول جمركي بمدينة تطوان، مواد مهربة انتهت صلاحيتها ومجهولة الهوية، كبعض مشتقات الحليب والتن والكاشير، بل أكثر من ذلك، قد تعثر على بضائع إسرائيلية من بين السلع كالملابس أو المواد الغذائية «نقتني السلع الإسبانية والصينية من مدينة سبتة ليس تفضيلا منا لها على نظيرتها المغربية، بل إن ذلك يعود سببه فقط ودائما إلى قواعد ومواصفات الجودة وانخفاض الثمن»، عبارة يرددها كل من تسأله عن سبب اختياره شراء مواد غذائية أو ملابس أو تجهيزات منزلية مهربة من مدينة سبتة. سلع أصبحت ضرورية للحياة اليومية للسكان، ابتداء من الجوارب وحفاظات الأطفال وانتهاء بقطع الغيار والتجهيزات الإلكترونية المنزلية. «إن هذه السلع تقتحم أكثر من 90 في المائة من منازل سكان الشمال»، يقول مسؤول جمركي بمدينة تطوان. لقد أصبح في عرف كل زائر لمدينة طنجة أو تطوان خصوصا، والذي لا يمكنه دخول مدينة سبتة، أن يسألك عن عنوان «سوق سبتة»، ورغم أنه لا وجود لسوق بهذا الاسم في تطوان فإن المقصود به دائما يكون هو الأسواق التي تبيع المواد الغذائية أو الملابس التي تدخل المدينة عن طريق التهريب. سلع اسرائيلية «أفضل شراء المواد الغذائية وسلع أخرى تدخل المدينة من سبتة على شراء مثيلتها المغربية نظرا إلى ما تمتاز به من مواصفات الجودة، فقد جربت مرار اقتناء السلع الوطنية لكنها للأسف تفتقر إلى كل معايير الإتقان، بالإضافة إلى ارتفاع ثمنها»، تقول كريمة، وهي موظفة بقطاع التعليم. قد تفاجئك في بعض الأحيان، مواد غذائية مهربة انتهت صلاحيتها ومجهولة الهوية، كبعض مشتقات الحليب والتن والكاشير، بل أكثر من ذلك، قد تعثر على بضائع إسرائيلية من بين السلع كالملابس أو المواد الغذائية، حيث عرفت تطوان خلال السنة الماضية دخول أنواع مختلفة من حفاظات الأطفال ومن الحلويات والشوكولاته بنصف ثمنها، أغلبها يحمل عبارات بالإنجليزية والعبرية تفيد بأنها مصنوعة في إسرائيل، بل إن الكثير من تلك السلع انتهت منذ زمن مدة صلاحيتها واستهلاكها وبيعت بنصف ثمنها لزبائن نادرا ما يهتمون بمصدر الصنع أو تاريخ انتهاء الصلاحية. «يوجد في مدينة سبتة عدد مهم من التجار اليهود الذين يحملون الجنسية الإسبانية، والذين يلعبون دورا كبيرا في الترويج للبضائع الإسرائيلية وتسريبها إلى التراب المغربي»، يقول تاجر بمدينة الفنيدق. وخلال الشهور الأخيرة وأمام نقص حاد في بعض أدوية داء السكري، بدأ سكان تطوان ينتبهون أيضا إلى أن شراء الأدوية من مدينة سبتة أرخص بكثير من المغرب، فأصبحت الأمهات تفضلن اقتناء حليب أطفالهن بكميات كبيرة نظرا إلى الفارق الكبير في الثمن بينه وبين حليب الصيدليات داخل المغرب. ورغم محاولة الشركات والمصانع المغربية قدر الإمكان كسب ثقة المستهلك المغربي، فإنها لم تستطع منافسة السلع الأجنبية من حيث الجودة، وهو نفس ما أشار إليه في إحدى المناسبات رئيس اتحاد أرباب الأعمال الأسبق في المغرب حين أفاد بأن تجارة السلع المهربة أصبحت رائجة في البلاد إلى درجة أن الشركات المحلية أصبحت تتفادى السوق المحلي وتتجه نحو بيع منتجاتها في الخارج، مضيفا أن اتحاد أرباب الأعمال ليست لديه أرقام عن حجم الخسائر التي تلحقها تجارة السلع المهربة بالاقتصاد المغربي الذي تبلغ قيمته 41 مليار دولار لكنه يتلقى شكاوى من جميع القطاعات، مشيرا إلى أن الشركات المغربية تجد نفسها مضطرة إلى التعايش مع السلع المهربة كوجه من وجوه المنافسة غير عادلة. وخلال جولة بسيطة في مدينة تطوان أو طنجة، تلفت انتباهك مئات المتاجر التي تعرض سلعا مهربة، سواء كانت مواد غذائية أو تجهيزات إلكترونية منزلية. «في غياب وجود مناصب عمل قارة، وتفشي البطالة داخل أوساط المدينة، يبقى الخيار الوحيد هو التعاطي لهذه التجارة»، يقول أحد التجار بسوق باب النوادر، مضيفا أنهم يتعاطون لهذه التجارة منذ عشرات السنين نظرا إلى إقبال كل سكان المدينة عليها، والزائرين أيضا. فيما يرفض تاجر آخر أن يطلق عليها اسم تجارة التهريب، «إنه مشروع كباقي المشاريع، وإذا كنا نمارسه فذلك لغياب البديل»، متسائلا، من جهته، «كيف يمكن لمواطن بسيط أن يشتري سلعا وطنية ثمنها يضاعف التي نتوفر عليها، مع العلم بأنها أسوأ منها جودة». الثمن والجودة المتاجرة في السلع المهربة لم تعد تقتصر على مدن الشمال فحسب بل انتقلت إلى كل المناطق المغربية، عملا بمقولة من طنجة إلى الكويرة، «هناك أسواق متخصصة في السلع المهربة في كل مدينة مغربية، حيث اقتصرت هذه الظاهرة لسنوات عديدة على مجموعة منتقاة من المنتجات المعفاة من الرسوم الجمركية من سبتة ومليلية»، يقول المسؤول الجمركي. إن المتاجرة في البضائع المهربة في تطوان والمضيق والفنيدق، أصبحت عرفا مألوفا منذ سنين، فسوق المسيرة بالفنيدق أو سوق باب النوادر الحي المدرسي، تتشابه في ما بينها على مستوى تنوع المنتوجات المعروضة، كل ما يرغب فيه الزبون يوفره البائع، المقياس الوحيد هو الثمن المناسب والجودة والماركات العالمية التي تؤثث فضاء المنتوج. تعتبر أيام العطل وفصل الصيف من أحسن فترات الرواج الاقتصادي لهذه المتاجر، وهي مناسبات ينتظرونها بفارغ الصبر، «التجارة شبه متوقفة الآن». «إننا ننتظر العطلة المدرسية المقبلة، نظرا إلى توافد عدد كبير من السياح والزائرين من مدن أخرى إلى الشمال»، يقول أحد الشبان بمتجره بباب النوادر. ويقدر حجم المعاملات في النقط الحدودية التي ينشط بها التهريب، في منطقة «باب سبتة» ومدينة مليلية، بأكثر من 15 مليار درهم مغربي سنويا، وبما أن هذا الرقم يخص كل المعاملات المرتبطة بالتهريب، فإن خسارة المغرب تقدر، إذا ما تم احتساب الحقوق الجمركية فقط من دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، ب 5.7 ملايير درهم سنويا كخسائر ضريبية فقط. ولو تم استثمار رقم ال15 مليار درهم مغربي، وهو قيمة أنشطة التهريب سنويا في المغرب، فإنه كان سيخلق 450 ألف منصب شغل، ولذلك نعرف لماذا يقدر عدد الناشطين في مجال التهريب في مناطق الشمال ب45 ألف شخص، وهو ما يعني أن كل «منصب شغل» غير قار في مجال التهريب يحرم الدولة من خمسة مناصب شغل منتظمة. وهي المناصب التي لم تستطع أية حكومة من الحكومات «المتناوبة» على المغرب توفيرها لساكنة مناطق الشمال. وفي سوق الحي المدرسي، المعروف بهذا النوع من التجارة، توجد كل أشكال السلع القادمة من مدينة سبتة، ابتداء من آخر صيحات التكنولوجيا الرقمية وآلات التصبين انتهاء بالملابس الداخلية، «نحن مجرد تجار بسطاء. لقد كانت تجارة آلات التصبين والتلفزات القادمة من مدينة سبتة شبه محتكرة في السابق من أحد التجار المعروفين بالمدينة، كان يقوم بإدخال أكثر من 50 جهاز وآلة في اليوم، قبل أن يغتني ويصبح اليوم من أكبر المنعشين العقاريين»، يقول تاجر للأجهزة الإلكترونية في سوق الكرنة. معظم عائلات سكان الشمال يقتنون أجهزة إلكترونية مهربة من سبتة، ورغم كون هؤلاء التجار لا يستطيعون تقديم أية ضمانة أو خدمة بعد البيع للزبون، «تبقى في كل الأحوال أرخص ثمنا وأحسن جودة»، يقول محدثنا. «التجارة في السلع الآتية عن طريق التهريب» بتطوان كانت قد شهدت أزمة خانقة بعد الحملة الشهيرة التي قادها وزير الداخلية المغربي إدريس البصري ضدها في أواخر التسعينيات، حيث عانى حينها مئات التجار مأساة حقيقية كانت على وشك إحداث كارثة اقتصادية بهم، إذ هددت تلك الحملة أغلبية أصحاب المتاجر البسطاء بالإفلاس. ورغم أن الحملة حينها كان مخططا لها من طرف لوبيات صناعية وتجارية معينة، فإنها استسلمت في آخر المطاف أمام احتجاجات آلاف العائلات المتعاطية لهذه التجارة، بل إن عددا كبيرا من الوحدات الصناعية التي كانت تشتغل في إطار قانوني أغلقت أبوابها بسبب عدم قدرتها على الصمود في وجه المنافسة التي تفرضها منتوجات قادمة من سبتة. «لم تعد سبتة مجرد منطقة لتهريب المواد الغذائية والأجهزة الإلكترونية من جانب المتعاطين للتهريب القوتي، بل أصبحت أمنية لعدد كبير من رجال الأمن والجمارك، نظرا إلى كونها أصبحت أكبر سوق مغربي يقوم بالتموين الغذائي والمعيشي لأغلب سكان الشمال». يتفق خبراء مغاربة وأجانب على أن الجهود المغربية الرامية إلى القضاء على السلع المهربة وأي حملة تشن على التجارة غير المشروعة لن تحققا نتائج تذكر دون توفير مناصب عمل لساكنة المدينة، وتحسين مستويات المعيشة في المغرب حيث يعيش 20 في المائة من السكان تحت مستوى الفقر.