سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الطرابلسي: معرفة بنعلي بالواقع الحقيقي للتونسيين لم تكن تتجاوز تقارير معاونيه قالت إنها شيدت دارا للأمهات العازبات وتدعم الفنانات وأكدت أن بنعلي تكفل بنفقات علاج فنان متمرد
تحكي ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بنعلي، لأول مرة، روايتها لما يعرف ب«ثورة الياسمين». في هذه الحلقة، تروي الطرابلسي تفاصيل يومها الأخير في تونس. تعود إلى الأحداث التي ميزت 14 يناير 2011. ترفض أن يقال إن زوجها هرب من مواجهة شعبه.كما تنفي الإشاعات التي تحدثت عن تهريبها أطنانا من الذهب من البنك المركزي التونسي وملايين الدولارات، وتكشف الذهول الذي أصاب بنعلي بعد تأكد إبعاده من تونس وتفاديها بمعية أسرتها متابعة القنوات التلفزيونية هربا من سيول الاتهامات والشهادات المزورة والحكايات المغلوطة والتصريحات المشينة التي انهمرت عليهم من كل حدب وصوب. كنت أغتنم الفرصة وألتمس من زوجي الأمر بمنح قروض بنكية للأكثر فقرا. أزور الأحياء الفقيرة وأنصت لسكانها. لم أكن أدخر جهدا لمد يد العون للفقراء، حتى إني لم أتردد في تخصيص جزء من راتب زوجي لتقديم مساعدات للفقراء، وأداء مستحقات محام تولى الدفاع عن أرملة أو كفالة يتيمة. شيدت دارا للأمهات العازبات وعيا مني بما يقاسينه في صمت. أجبر معظمهن على الإقامة في دور مهجورة بالمدينة القديمة بتونس العاصمة، وكن يعانين من تمييز قاتل. خصص لهن بنعلي غلافا ماليا يصل إلى 50 مليون دينار سنويا، بالإضافة إلى منحة شهرية بقيمة 70 دينارا لكل واحدة منهن. تنقسم هذه الأمهات العازبات إلى ثلاث فئات: طالبات اكتشفن حملهن بعدما تخلى عنهن رفاقهن، وخادمات بيوت عانين من الاستغلال الجنسي من قبل مشغليهن، وفتيات ضحايا الاغتصاب وزنا المحارم. وعندما شيدت تلك الدار، ثارت ثائرة مسؤولة بجمعية النساء الديمقراطيات للتنديد بتدخلي. غير أن تنديدها كان مجرد احتجاج سطحي، إذ ما لبثت أن قبلت المسؤولة نفسها المال. أعمالي الاجتماعية كنت أحرص على القيام بجولات منتظمة بعيدا عن صرامة بروتوكولات المواكب الرسمية. لا أتردد في النزول من سيارتي لأساعد امرأة مسنة على قطع الطريق. يحدث أن أصاحب نساء أخريات إلى منازلهن وأؤدي عنهن أقساط الكراء، وأخصص لأسرهن أكباشا في عيد الأضحى. أتذكر امرأة مسنة كانت تعتاش من «صدقات» تجمعها لها عاهرات زنقة «جون جوريس»، وسط العاصمة، فخصصت لها منحة شهرية وتكفلت بأداء سومة كراء المنزل الذي تقيم فيه. أتذكر جميع زوجات الإسلاميين وبناتهم، اللواتي كن يقصدنني طالبات المساعدة حين يعتقل أزواجهن، ولم أكن أتردد في مد يد العون لهن. كنت أكلف خدمي أيضا بتجهيز منازل العجائز وتنظيفها، إذا اقتضت الضرورة. وكنت أتحين كذلك الأمسيات التي يعود فيها بنعلي إلى المنزل بمزاج جيد لأحيل عليه الطلبات التي تقاطرت على مكتبي وتستلزم الاستجابة لها تدخلا شخصيا منه. بهذه الطريقة، أحلت عليه ذات يوم حالة امرأة مصابة بالسرطان تخلى عنها زوجها وسلبها دفترها الصحي. وكانت حالة هذه المرأة من وراء إخراج قانون جديد في تونس، وهو القانون الذي يمنع الأزواج من إخراج زوجاتهم من منازلهن في حالة الطلاق. القانون نفسه منح المرأة المطلقة الحق في الاستمرار في الاستفادة من التغطية الصحية وتزويدها بدفترها الصحي. وكنت أتوجه خفية عن الجميع إلى مقر جمعية «بسمة» لأسأل الوافدين عليها طلبا للمساعدة عما إذا كانوا راضين عن الخدمات التي قدمت لهم، وأتبين منهم حقيقة الاستقبال الذي يحظى به كل طارق لباب الجمعية. كانت الطلبات التي تتقاطر على الجمعية غزيرة ومتنوعة. فبالإضافة إلى التكوين والبحث عن الشغل والتماس الحصول على مساعدات مالية، كانت بعض الأسر تتقدم بطلبات لإيجاد أزواج لبناتهن، اعتقادا منها بأن الجمعية كانت أيضا وكالة للزواج. خصصنا أيضا غلافا ماليا للقادمين إلى العاصمة من جنوب البلاد والمناطق الداخلية لتمويل مصاريف عودتهم إلى بلادهم، ولكي لا تؤثر عودتهم إلى أحضان ذويهم على ميزانياتهم المتواضعة. باختصار، كنا بمثابة صندوق خاص بحاجيات الفئات الأكثر فقرا من السكان، نافذة مفتوحة طيلة السنة لتغطية المصاريف التي تثقل كاهل الأسر الفقيرة من الدخول المدرسي والتوجيه الجامعي إلى التصدي لقساوة فصل الشتاء والمجاعة، مرورا بنفقات العيدين أو شهر رمضان. لم تتخلل حياتي قط فترات راحة، لأني لم أكن لأسمح لنفسي بإغلاق بابي أمام طارق محتاج. كانت تتقاطر على بيت أمي نساء من مختلف الأعمار والفئات طالبات المساعدة والدعم. كانت من بينهن مطلقات مريضات ومفتقرات للسكن. ورغم أن والدتي عانت من مرض السرطان طيلة أربع سنوات، فإنها لم تغفل يوما عن هموم أولئك النساء اللواتي طرقن باب بيتها طلبا للمساعدة والدعم. ولهذه الأسباب، أعتقد، يقينا، أني ورثت عن أمي حب الإحسان والانشغال بهموم الغير، رغم شبهي الكبير بوالدي من الناحية الجسمانية. مثل أمي تماما، لست حاقدة ولا أقوم بالخير تخطيطا للحصول على أشياء أخرى. لا مكان للمصالح في أعمالي ولم تكن رغبتي في إسعاد الآخرين تنضبط لمنطق السياسة. هذه حقيقتي العميقة، البعيدة كل البعد عن الصور التي رسمها عني أناس لا يعرفون عني شيئا. وكما قال فرانسوا ميتيران في زمانه: «إنهم فقراء وأنا أطعمهم. يهتفون باسمي طالما أن ذلك سيمكنهم من الحصول على كسرة خبز». وبما أنني أدعي أني عارفة بحقيقة وضعية السكان، بفضل ما كنت أتوصل به من معلومات عبر جمعياتي، فإني أؤكد لكم أن الرئيس بنعلي لم يتوفر على هذه المعرفة، لأن وزراءه ومستشاريه لم يرسموا له الصورة الحقيقية لبلاده. كان المحيطون به يقدمون له الأرقام ويتفادون الحديث عن الواقع، ولذلك اعتمدت خططهم على تقديم المشاريع بدل رصد النقائص الحاصلة في بعض الميادين. وعلى سبيل المثال، كانوا يستعرضون أمامه عدد دور الشباب الموجودة في مجموع ربوع البلاد، دون أن يبينوا ما إذا كانت هذه المنشآت تتوفر على التجهيزات الضرورية لكي تقوم بالعمل الذي شيدت من أجله على أكمل وجه. توضع على مكتبه تقارير تحصي عدد المدارس المشيدة في القرى، دون أن تبين إذا كان التلاميذ يتعلمون فيها في أحسن الظروف. ورغم أن الأصوات تعالت منددة بحصيلة بنعلي على رأس تونس، فإن التونسيين لم يتضوروا جوعا في عهده ولم يرزحوا تحت ثقل الفقر المدقع، خلافا لما هو قائم اليوم. تونس بنعلي كانت خالية تماما من أطفال الشوارع ومن لا مأوى لهم. لا حاجة لي إلى تأكيد هذه الأمور، بل يتعين على الاقتصاديين والماليين وعلماء الاجتماع أن يرصدوا هذه التغيرات ويسلطوا الأضواء عليها. نادي «إليسا» إقبالي على الاستثمار في الأعمال الاجتماعية راجع إلى نفوري من البذخ وعدم هوسي بالمظاهر. أفضل البقاء في منزلي على ارتياد الصالونات. أوثر تناول وجبات الغذاء مع أصدقائي المقربين. أعشق الطهي وأسعد حين أكون محاطة بأقاربي. كنت أيضا حريصة على الاستمتاع بحرارة بيت الأسرة وأتصيد الفرص للانفلات من صرامة البرتوكولات. لم أكن أزور زوجات الوزراء إلا لماما، ما عدا زوجة حامد القروي، الوزير الأول التونسي وقتها، التي كنت أستقبلها بانتظام في منزلي، لأني كنت أعتبرها صديقة. عدا ذلك، كنت أفضل قضاء أكبر قدر ممكن من الوقت مع أسرتي وقريباتي وبنات أخواتي وصديقات الطفولة والناس البسطاء المحيطين بي. لم أكن أسمح بحضور زوجات الوزراء والدبلوماسيين الأجانب والمسؤولين السامين، إلى جانب المناضلات الجمعويات والفنانات إلا عندما يتعلق الأمر بنشاط رسمي. كنت أرتاد بين الفينة والأخرى نادي «إليسا» بالعاصمة تونس، وأعقد فيه اجتماعات من حين لآخر. وعكس ما يعتقده البعض، لم أكن أنظم تلك الاجتماعات بهاجس توطيد نفوذي والترويج لاسمي واستعراض قوتي، لأني لم أتمتع في حياتي سوى بعدد قليل جدا من الصديقات الحقيقيات. ارتأيت ألا تكون اجتماعات نادي «إليسا» مختلطة، لكي تترك النساء على سجيتهن ويتحدثن ويقلن ما شئن بأريحية. وكان هدفي الحقيقي من تلك الاجتماعات يتمثل في الترويج لثقافة الأندية وفضاءات الترفيه، التي لم تكن منتشرة كفاية في تونس. كان نادي «إليسا»، في آن واحد، ملتقى ثقافيا وفضاء للترفيه، ولم تكن برامجه خالية من فقرات خاصة بالطبخ. لم يكن هذا النادي الفريد من نوعه مفتوح الأبواب أمام كل امرأة ترغب في الانضمام إليه. كانت أعرافه تلزم كل راغبة في الولوج إلى عالمه بالتماس تدخل من قبل امرأة منخرطة فيه نطلق عليها اسم عرابة. وكانت هذه الأخيرة تضمن المنخرطة الجديدة في كل شيء، بما في ذلك أداء واجبات الانخراط في النادي وتعمل على تسهيل اندماجها مع المجموعة. وعكس ما يعتقده كثيرون أيضا، لم تكن النساء اللواتي يلجن هذا النادي من الخاملات و«ناقصات التربية»، بل كن نساء مجدات وعلى قدر كبير من التربية وأوتين أخلاقا عالية. كل أسبوع، تتكفل زوجة سفير دولة معينة بتقريبنا من خصوصيات مطبخ بلادها. وتتضمن لقاءاتنا أيضا فقرات تخصص لرئيسات جمعيات يأتين خصيصا لتقديم الأنشطة التي تقوم بها هيئاتهن، ملتمسات الدعم من عضوات السلك الدبلوماسي. احتوت برامج لقاءاتنا كذلك على محاضرات في مواضيع متنوعة نشطها أطباء وباحثون متمرسون في البحث العلمي، بالإضافة إلى أنشطة خاصة لتوقيع إصدارات جديدة وفقرات لعرض الأفلام السينمائية من إخراج نسوي، يتلوها نقاش مفتوح مع مخرجاتها، بالإضافة إلى عروض مسرحية وحفلات موسيقية. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن بنعلي لم يترك يوما الفنانين التونسيين بدون دعم مالي. فقد أعطى أوامره في أكثر من مناسبة بإنقاذ بعض الممثلين من جحيم الدور المهجورة بالمدينة القديمة فاقدة الشروط الدنيا للعيش الكريم، كما لم يتأخر في مد يد العون لبعض الفنانين، الذين خذلهم الدهر ووجدوا أنفسهم بعد ردح من الزمن في النعيم يقاسون الفقر ويعانون الجوع في صمت، وأذكر من بينهم أسماء يعرفها الجميع مثل رضا كلعي، صافية شامية ونعماء، علاوة على أسماء أخرى لامعة في سماء الأغنية التونسية. كان يحث على ضرورة توفر العلاج للفنانين والمبدعين المرضى، عبر نقلهم على وجه السرعة صوب المستشفى العسكري من أجل تلقي العلاجات، حسب نوعية المرض الذي يعانون منه. ولم يكن يتردد كذلك في التكفل بنفقات علاجهم في الخارج إذا اقتضت الضرورة ذلك. والمثير أن الفنانين والمبدعين المتمردين لم يكونوا يحرمون من تعاطفهم، ولم يغلق دونهم صنبور الدعم المالي والمعنوي، ونموذج ذلك الصغير ولد أحمد، وهو شاعر اشتهر بمعارضته لبنعلي وتمرده على نظامه، ومع ذلك حصل على منحة من وزارة الثقافة من أجل مساعدته على تجاوز محنة ألمت به وتمكينه من المشي على قدميه من جديد. وعلى غرار زوجي، كنت أتكفل بأداء مستحقات بعض الفنانين، الذين يتم استدعاؤهم لتنشيط أنشطة نادي «إليسا»، من قبيل مونية بجاوي. كنا أيضا نوجه الدعوة لفناني الكوميديا الشباب، من أمثال لطفي عبد العالي، الذي قبل تنشيط حفل في لقاءاتنا بنادي «إليسا» بعد أن أدرك أننا واعيات كفاية وأيقن أننا لن نطالبه بتغيير أي كلمة من النص الأصلي لإحدى مسرحياته، وكانت هذه المسرحية حبلى بانتقادات لاذعة للنظام السياسي القائم في تونس وقتها. ابتزاز وإرهاب علمت ذات يوم أن الصحافي سليم باغا، رئيس تحرير جريدة تسمى «الجرأة»، هاجم، بعد رحيلنا عن تونس، المنخرطات في نادي «إليسا»، واصفا إياهن ب«يتيمات سميرة»، حيث نسب يتمهن إلى أختي سميرة، التي كانت تشرف على إدارة النادي. وإلى جانب التهديد اللفظي وما تضمنه كلامه من تجريح، فإن مقالته كانت في حقيقتها محاولة يائسة للابتزاز. إذ لا يعلم كثيرون أن باغا نفسه بادر غداة رحيلنا في 14 يناير 2011 إلى ربط الاتصال بنساء كان يعرف عنهن ارتيادهن النادي، مهددا إياهن بنشر أسمائهن على رؤوس الأشهاد عبر مختلف وسائل الإعلام إذا لم يبادرن دون أي اعتراض إلى ضخ مبلغ مالي معين في حسابه البنكي. المؤكد أن تهديداته شكلت إرهابا حقيقيا لنساء جريمتهن الوحيدة ترددهن على ناد كانت ترتاده ليلى الطرابلسي وتشرف إحدى أخواتها على إدارته. تلقيت أخبارا تفيد بأن ثمة من تلك النساء من امتلكن الشجاعة ليقفن في وجه ابتزازاته، رافضات منحه المال الذي يرتجيه. وفي المقابل، سقطت نساء أخريات صريعات حيلته وخديعته مخافة أن تنشر أسماؤهن في الصحف وتلتصق بهن صفة المواليات للنظام السابق، أو تنعتهن باللقب الذي ابتكره باغا نفسه: «يتيمات سميرة». وبعد النساء، يعمد صحافي جريدة «الجرأة» نفسه، الذي لم يتحل قط بالجرأة إلا على ضحاياه، إلى ابتزاز رجال الأعمال. مصادري تؤكد أنه هدد بعض رجال الأعمال بكشف حقيقة علاقاتهم مع عائلتي بنعلي والطرابلسي، إذا لم يجزلوا له العطاء ويمنحوا له، دونما اعتراض، ما يطلبه من مال، نظير صون لسانه السليط عنهم. المصادر ذاتها أكدت لي أن بعض رجال الأعمال الذين تحلوا بالشجاعة واعترضوا على الاستسلام لتهديدات باغا أدوا الثمن غاليا، بعد أن نشرت عنهم أخبار أثرت على سمعتهم وشوهت صورة أعمالهم ومسارهم المهني في عيون التونسيين.
لا أنام الليل إذا وبخت إحدى الخادمات! في الواقع، وددت لو بقيت بعيدة مسافة كافية عن الحياة العامة. في هذه الحال، كنت سأعيش حياة بسيطة وبدون مبالغات في الإنفاق. سأصرف وقتي في العناية بأبنائي وأخصص جزأه الباقي للاهتمام بزوجي. أعتقد أن حياتي ستكون أفضل بعيدا عن السياسة. حينها سأكون بكل تأكيد ربة بيت ممتازة مثلما كنت أما وزوجة ممتازة. بخصوص علاقاتي مع مستخدمي القصر، ولا سيما الخدم، الذين كانوا يسهرون على خدمتي، أنفي كل الشائعات التي تم تداولها عن تعاملي معهم. يمكنهم أن يشهدوا لكم بأنفسهم بأني كنت أتعامل معهم ببساطة بالغة. جميعهم كانوا ينالون مني معاملة طيبة من الطباخ إلى المدلكة. والدليل على تلك البساطة التي تحدثت عنها أن الخدم وعموم المستخدمين لم يكونوا يستغربون أبدا أن أتجول في القصر الرئاسي بجورب دون أن أنتعل أي حذاء أو حتى صندل. ولم يكونوا يندهشون أيضا حين يلحظون آثار صلصة الطماطم بادية على فستاني وأنا أتجول غير مبالية بعفوية واطمئنان في كل أرجاء القصر. كنت أحرص على ألا أتغير، ولذلك بقيت ولا زلت وسأظل ابنة الشعب التونسي، وأنا فخورة بذلك أيما فخر. لا أعاني من أي مركب نقص كوني ولدت ونشأت في كنف أسرة متواضعة. تربيتي تجعلني أنحني لأقبل رؤوس كبار السن في دور العجزة. شخصيتي تمكنني من أن أتبادل أطراف الحديث مع الناس جميعهم، وكنت أمزح مع بعضهم رغم أني كنت حرم رئيس الدولة. أفلحت في ربط صداقات بنساء كثيرات يتحدرن من أوساط اجتماعية متباينة، وكانت لي صديقات مقربات كان البعض يعيبون علي صداقتي بهن بدعوى أنهن لا يرتقين إلى مستواي كسيدة أولى في تونس. لم تراودني قط في حياتي كلها فكرة حصر علاقاتي في دائرة البورجوازيين، الذين يعتقدون أنهم من كوكب آخر، لمجرد أنهم ولدوا وفي أفواههم ملعقة من ذهب. أرفض بشكل قاطع كل الاتهامات التي وجهت إلي من قبل الخصوم، الذين زعموا أني أهنت مستخدما في القصر، وأولئك الذين زعموا أني طردته بمهانة، وغيرهم ممن نسج قصصا من وحي خياله، ثم صدقها فخرج يتهمني بقتل أشخاص كانوا يعملون في القصر أو يخدمون في قطاعات موازية للخدمة الرئاسية. أؤكد لكم أني لا أستطيع الخلود إلى النوم في الليالي التي أفقد فيها السيطرة على أعصابي وأوبخ فيها إحدى الخادمات. فقد علمتني أمي أن أتجنب التسبب في آلام لأي شخص، خصوصا الموجودين في وضعية هشاشة.