الرباط.. انعقاد الاجتماع ال 11 للجنة العسكرية المشتركة المغربية-الإسبانية    عودة تدريجية للتيار الكهربائي إلى عدة مناطق بإسبانيا بعد انقطاع واسع    رئيس الحكومة الإسبانية: ننسق مع المغرب وفرنسا لإعادة استقرار الكهرباء بعد الانقطاع الواسع    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    الطالبي العلمي .. إقلاع الجنوب رهين بتحقيق السلم والتوظيف الجيد لإمكانياتنا    التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ويرفض أي مساس بسيادة المغرب على كامل ترابه    أورونج المغرب تعلن عن اضطرابات في خدمة الإنترنت بسبب انقطاع كهربائي بإسبانيا والبرتغال    شبهات هجوم سيبراني بخصوص الشلل الكهربائي الشامل في إسبانيا    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    في بيان التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي التشديد على الالتزام الثابت بوحدة المملكة المغربية وسيادتها ورفض قاطع لكل محاولات الانفصال أو المساس بالوحدة الترابية    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    لماذا المغرب هو البلد الوحيد المؤهل للحصول على خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي؟ محلل اقتصادي يجيب "رسالة 24"    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    يوم انهيار الخدمات .. شل كهربائي ومائي واتصالاتي يضرب إسبانيا ودول مجاورة    أبوظبي .. المغرب يعمل تحت قيادة جلالة الملك على دمقرطة الولوج إلى الثقافة (بنسعيد)    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    فعاليات المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي لجهة الشرق    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    تكريم سعيد بودرا المدير الإقليمي السابق لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمضيق الفنيدق    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبيابة: العدالة والتنمية لا يحكم ولا يسيطر على أدوات التدبير الاقتصادي للبلاد
قال إن حكومة بنكيران حاربت الفساد إعلاميا وثقافيا دون تحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع
نشر في المساء يوم 29 - 08 - 2012

حذر حسن عبيابة، رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات الاستراتيجية، من دخول المغرب مرحلة تقويم هيكلي جديد.
وأشار إلى أن المغرب سيدشن هذه المرحلة لحظة صرفه الدولار الأول من الخط الائتماني الوقائي، البالغة قيمته 6.2 مليارات دولار، الذي حصل عليه مؤخرا من صندوق النقد الدولي. ووجه عبيابة، وهو أيضا قيادي في حزب الاتحاد الدستوري المعارض، انتقادات لاذعة إلى الحكومة، واتهمها بالقيام بسلوكات خاطئة أضرت بالاقتصاد المغربي. وتتمثل أبرز هذه السلوكات، وفق عبيابة، في الإعلان العام وغير المحدد عن محاربة الفساد، معتبرا أن الحكومة اكتفت بمحاربة الفاسد إعلاميا وفرجويا وشعبويا دون أن تحقق تقدما ملموسا على أرض الواقع. وطالب رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات الاستراتيجية الحكومة بالتحلي بالشجاعة السياسية الكافية لترقيع قانون مالية السنة الجارية، وقال إنها تنهج في الواقع سياسة تقشفية غير معلنة بعد إقدامها على تحديد الوظائف العمومية وإقرار زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية وسن ضرائب جديدة.
هل الوضعية الاقتصادية للمغرب حاليا تدعو فعلا إلى القلق أم أنها لم تصل بعد إلى مستوى الخطر؟
الأزمة المالية والاقتصادية التي بدأت سنة 2007 أصبحت تجلياتها اليوم واضحة. جميع تقارير المنظمات الدولية، بما فيها تقارير الأبناك الدولية، أقرت بأن الأزمة قادمة. فقد تضررت العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك مع الاتحاد الأوربي. وهذا شيء طبيعي، لأن انكماش اقتصاد أوربا أثر على أمريكا وآسيا، ولم تستثن تداعياته إفريقيا وشمالها، رغم أن نسبة التضرر متفاوتة من بلد أوربي إلى آخر. في المغرب، كانت جميع التقارير تشير لحظة تشكيل الحكومة الحالية إلى أن الأزمة ستضرب المغرب. غير أن الحكومة لم تضع في حسبانها، لحظة إعدادها قانون مالية السنة الجارية، هذه الأشياء، بل غيبتها تماما، ووضعت بنية للاقتصاد على معطيات غير موفقة، منها تحديد سعر برميل للبترول في حدود 100 دولار، ولم تعر اهتماما لوتيرة النمو المتوقفة حاليا في أوربا. كما لم تتم دراسة وضعية الصادرات المغربية، باعتبارها المسؤولة عن عجز الميزان التجاري.
- وما هي تجليات هذه القراءة الخاطئة؟
أعطت هذه القراءة الخاطئة نتائج خاطئة: عجز كبير في الميزان التجاري، وتضاؤل النمو بشكل كبير، حيث تحدثنا في البداية عن نسبة نمو تعادل 5.5 في المائة، والآن نتحدث عن 2 في المائة، وقد لا نصل إليها إذا استمر هذا الوضع. الواقع أن أكثر من 60 في المائة من التوقعات لم تتحقق بعد بناء على معطيات تقارير المندوبية السامية للتخطيط وما يرد في التقارير الدولية. ومعروف أن هناك ثلاثة مؤشرات تدل على الأزمة في المغرب: عجز الميزانية، إذ ثمة توقعات بأن يناهز العجز 8 في المائة في نهاية السنة الحالية، ومؤشر النمو، الذي يتضاءل شهرا بعد آخر، وقد يصل إلى 2 في المائة كأقصى تقدير، بالإضافة إلى توقف الاستثمار بشكل كبير. وقد نجم هذا التوقف عن سلوكات الحكومة الخاطئة التي صاحبت مناقشة قانون المالية للسنة الجارية.
- عن أية سلوكات تتحدث بشكل أكثر دقة؟
لم نشعر بوجود الأزمة في سنتي 2007 و2008 بفضل الأسلوب الذي تبنته الحكومة السابقة تجاه القطاع الخاص، ورجال الأعمال على وجه التحديد. إذ منحتهم ضمانات وبادرت إلى حذف الاستحقاقات الضريبية المستحقة للدولة لدى الشركات التي تعاني من مشاكل مالية. أما تلك السلوكات، فتتمثل بالأساس في الإعلان العام وغير المحدد عن محاربة الفساد. كانت هذه الكلمة مدمرة لأن محاربة الفساد توجه أساسا إلى رجال الأعمال. لم تكن هذه العملية موفقة، فقد كان ممكنا الحديث عن الإصلاح قبل إثارة محاربة الفساد. صحيح أن هناك تعاملا غير منصف مع إدارة الضرائب في المغرب، غير أن الفساد الحقيقي يتمثل في هدر المال العام من قبل ذوي النفوذ. يجب أن نفرق بين رجل أعمال يستثمر، لأنه منتج بجميع المقاييس، وشخص آخر ينهب الأموال ولا يؤدي الضرائب. لم تفرق الحكومة في شعار محاربة الفساد بين هذين النوعين من الأشخاص.
كما تأثر الاقتصاد المغربي أيضا بقرار الحكومة سحب الاستحقاقات الضريبية من الأبناك. والغريب أن ثمة أشخاصا لم تبت المحكمة بعد في قضاياهم ومع ذلك سحبت إدارة الضرائب الأموال من الحسابات البنكية لشركاتهم، مما دفع كثيرين إلى سحب الأموال وتوقيف الاستثمار مع تقليص حجم أنشطتهم الإنتاجية، وقد أدى هذا الأمر إلى انكماش اقتصادي داخلي. وهنا أشير إلى أن الدولة لا تشغل سوى أقل من مليون شخص، في حين يشتغل في القطاع الخاص 10 ملايين مغربي. كما أن الخواص يشكلون النواة الأساسية لدافعي الضرائب.
- ولكن الحكومة تؤكد أنها لن تتراجع عن محاربة الفساد، رغم أن رئيسها عبد الإله بنكيران قال متحدثا عن الفساد: «عفا الله عما سلف»؟
هذا خطأ فادح. وأتخوف ألا نستطيع بلورة ميزانية للسنة المقبلة. هناك أيضا تعامل انتقائي. وأشير، في هذا السياق، إلى أن إيطاليا نفسها فتحت مؤخرا قنوات للحوار مع «المافيا» للحيلولة دون تحويلها الأموال نحو الخارج، ولا أعتقد أن ثمة فسادا أفظع مما تفعله المافيا. ذلك أن درء المفسدة يقدم على جلب المصلحة. يجب ألا تكون محاربة الفساد سببا لفساد آخر، هو الأزمة. كان حريا بالحكومة أن ترفع شعار الحكامة بدل محاربة الفساد. فقد أفضت سياستها إلى بروز إشاعة اجتماعية تخلق صراعا طبقيا لكونها جعلت من كل مالك ثروة لصا ومخادعا وناهب أموال. المؤكد أن هناك أزمة أخرى غير معلنة، تتجسد في عدم الثقة في المؤسسات الحكومية، بل في الحكومة كلها. هذا العامل أدى إلى توقف الاستثمار الداخلي، ويمكن أن يستمر سنتين إلى ثلاث سنوات إذا تواصلت هذه النوعية من السلوكات الحكومية.
- تمنح التقارير الدولية، وكذلك تقارير بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، للطلب الداخلي مكانة محورية في تحريك عجلة الاقتصاد المغربي في ظل الأزمة الراهنة. إلى أي حد سيتأثر هذا الطلب بتوقف الاستثمار الداخلي؟
يرتبط الطلب الداخلي بشكل وثيق بالاستثمار الداخلي. الحكومة رصدت 159 مليار درهم للاستثمار الداخلي من إجمالي الاستثمارات المقدرة ب188 مليار درهم. أعتقد أن هذه الميزانية لن تجد طريقها نحو الاستثمار، بل ستضخ لتغطية العجز الحاصل في المدفوعات. أكثر من ذلك، كيف يمكن الحديث عن الاستثمار الداخلي، وهناك شركات تنتظر منذ سنتين الحصول على مستحقاتها مقابل مشاريع أنجزتها لصالح الدولة دون جدوى. هذا يعني أن ثمة أزمة كبيرة في الاستثمار الداخلي تؤثر سلبا على الطلب الداخلي. وتتحمل الحكومة مسؤولية هذه الوضعية، لأنها اعتمدت محاربة الفساد إعلاميا وثقافيا وفرجويا دون تحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع. تنزيل الدستور متوقف، وكذا توقف الصفقات ذات المردودية الهامة، بسبب تغليب الجانب الثقافي والشعبوي على الاقتصادي والاجتماعي.
- أنت قيادي في حزب الاتحاد الدستوري الموجود حاليا في المعارضة. ما هي مسؤولية المعارضة في ظل هذه الظرفية؟
سياسيا، تتجاذب المغرب ثلاث مرجعيات سياسية: المرجعية الاشتراكية، وقد استنفدت آلياتها ومالت في العالم كله، وليس في المغرب وحده، إلى الليبرالية، والمرجعية الإسلامية، التي لم يثبت أنها مكنت أي دولة من الدول التي أمسكت بزمام السلطة فيها من تحقيق الثروة، وحتى العدالة والتنمية التركي يتبنى مرجعية ليبرالية علمانية محضة، ثم المرجعية الليبرالية.
- حزب العدالة والتنمية المغربي أيضا يدافع عن الليبرالية.
كيف يمكن ادعاء تبني المرجعية الليبرالية بعد خلق إيديولوجيا لجمع الأصوات الانتخابية وترويج سياسة قائمة على الحلال والحرام؟ حين وصل الاتحاد الدستوري إلى الحكومة في ثمانينيات القرن الماضي وجد المغرب في وضعية مماثلة، وقد أدت تلك الأوضاع إلى دخول المغرب عهد التقويم الهيكلي.
- وهل عاد المغرب فعلا إلى درجة الصفر وصار حاليا على مرمى حجر من تقويم هيكلي جديد؟
لا يمكن الجزم بذلك. لكن المؤكد أننا سندشن فترة من التقشف المادي، وهو جزء من التقويم الهيكلي. الحكومة شرعت فعليا في نهج سياسة تقشفية غير معلنة بعد تحديد الوظائف العمومية وإقرار زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية وسن ضرائب جديدة والزيادة في أخرى. وأتوقع أن تقر زيادات جدية في الأسعار، لأنه لا يوجد حل سواه عدا الزيادة في الضرائب. ولذلك، يجب أن تتخلى الحكومة عن نهج سلوكها الفرجوي وتنبري لحل المشاكل التي يعاني منها المغرب حاليا.
- بعيدا عن الزيادة في الأسعار والضرائب، ما هي البدائل المتاحة لتجاوز الأزمة أو على الأقل تدبيرها بأقل الأضرار؟
لا بد من سياسة تحفيزية للاستثمار الداخلي، لأن الخواص في المغرب يمتلكون الأموال. ومثال ذلك تقديم إعفاءات ضريبية مقابل تأسيس الشركات وخلق مناصب شغل جديدة. يمكن للحكومة أيضا أن تمنح أراضي «صوجيطا» لصندوق التقاعد ليخلق بها موارد جديدة يحل بها أزمته المالية. لا غنى أيضا عن التخلي عن التفكير الانتقامي وإقرار الحكامة ومحاورة المخالفين. تصوروا أننا بلغنا 600 إلى 700 قضية محالة على القضاء في 6 أشهر فقط، إلى درجة أن البعض صار يتساءل عما إذا كان المغرب مهددا بمحاكم التفتيش بعد أن تم الانتقال من الحديث عن كيفية خلق الثروة إلى كيف خلقت الثروة. وإذا لم تتوفر ظروف العمل والاستثمار لرجال الأعمال، فإن عائدات الضرائب ستتقلص، وقد لا يستطيع المغرب بلورة ميزانيته العامة مستقبلا. يجب أن تتوجه السياسة العامة إلى الفاعلين الاقتصاديين وتعمل على دعم الاستثمار الداخلي وتنهج مبدأ التضامن غير المضر، لأن التضامن الإجباري قد يفرز نفورا من الإسهام في المبادرات التضامنية.
- حصل المغرب مؤخرا على خط ائتماني وقائي من صندوق النقد الدولي. كيف تفسر هذه الخطوة المفاجئة؟
هذه عملية استباقية للمغرب. ليست نتاج تدخل من قبل الحكومة، وإنما تأتت بعد تدخل جهات عليا. الخطوة استبقت الأحداث وبادرت إلى التعامل مع صندوق النقد الدولي قبل أن تتطور الأزمة في المغرب إلى مستوى يجعل هذه المؤسسة المالية الدولية ترفض التعامل معه. الأبناك الدولية لا تتعامل مع الدولة التي تتعمق فيها الأزمة.
تؤكد هذه الخطوة أيضا أن المغرب سائر لا محالة نحو الاستدانة الخارجية. وعلى هذا الأساس، يجب أن تتوصل الحكومة إلى الطريقة المثلى للتعامل مع القروض الأجنبية. ذلك أن صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، لا يمنح الدول قروضا فقط، بل يرفق أمواله ببرنامج تكون الدولة المدينة له مجبرة على تنفيذه. ولذلك سينطلق التقويم الهيكلي لحظة صرفنا الدولار الأول من القرض الأجنبي. حينها سنصير تحت المراقبة الأجنبية، وهو ما قد يفرز خريفا عربيا وليس ربيعا عربيا.
- جعلت الحكومة من إصلاح صندوق المقاصة أولوية. كيف تتوقع مسار إصلاح نظام الدعم على ضوء الارتفاع الصاروخي في أسعار البترول والحبوب في الأسواق الدولية؟
يجب عدم اعتماد مقاربة اقتصادية في التعاطي مع إشكالية صندوق المقاصة بالحديث عن تحرير الأسعار واستهداف أشخاص معينين. اعتماد هذه المقاربة سيدخل المغرب دوامة إفلاس اجتماعي شامل. لا مجال للحديث عن تحرير الأسعار في بلد كالمغرب.
- حتى في حالة تقديم الدعم المباشر للفقراء؟
وصل عدد مستحقي بطاقة «راميد» إلى 8 ملايين، وإذا أضيف إليهم ذوو الدخل المحدود، المقدر عددهم ب9 ملايين نسمة، وهم فقراء أيضا، فإن عدد مستحقي الدعم المباشر سيصل إلى 17 مليون نسمة. سيصير هذا الدعم حقا مكتسبا، وقد تخاض الإضرابات من أجل الاستفادة منه. الدعم المباشر سيخلق أزمة من نوع جديد في المغرب، لأن الحكومة ستدشن وقتها مرحلة «مأسسة الفقر»، لأنه يقتضي تحديد عدد الفقراء وتخصيصهم بالدعم المباشر بدل العمل على تأهيلهم. وهنا تبرز الحاجة إلى التعامل مع إشكالية نظام الدعم بمقاربة سياسية تركز على السبل الكفيلة بتقليص دائرة الفقر والتقليص من عدد الفقراء. حسابيا كذلك: هل سيكفي مبلغ 45 مليار درهم لتغطية نفقات الدعم المباشر ل17 مليون نسمة؟ لذلك، أعيب على الحكومة كشفها عن نوايا قبل الدراسة الدقيقة، لأن هذه السلوكات تفقدها المصداقية. أكبر في وزراء العدالة والتنمية المجهود الذي بذلوه منذ وصولهم إلى الحكومة. غير أن العدالة والتنمية لا يسير سوى 20 في المائة من الميزانية العامة للدولة، بينما تتولى الأحزاب المشاركة في الحكومة تسيير 80 في المائة المتبقية. تصل ميزانية وزارة التربية الوطنية إلى 39 مليار درهم، وتفوق لوحدها إجمالي ميزانيات الوزارات التي يدبرها العدالة والتنمية. العدالة والتنمية لا يحكم ولا يسيطر على أدوات التدبير الاقتصادي للبلاد. الحزب نفسه لا يشرف على القطاعات المتأزمة مثل التربية الوطنية والتشغيل والصحة والاقتصاد والمالية. الوزارات التي تتولى مسؤولياتها لا تمكنها من تدبير الشأن الاقتصادي. وعلى هذا الأساس، أعتبر التلويح بالدعم المباشر تبخيسا للشأن العام. وقد تأكد منذ الحرب العالمية الثانية أن الاقتصادات لا تبنى بالسياسات الشعبوية. والحكومة الحالية لم تحقق شيئا على المستوى الاقتصادي عدا الزيادة في أسعار المحروقات وتحريك المتابعات القضائية في حق عدد من المسؤولين السابقين.
- تفاقم العجز التجاري للمغرب في الأشهر الماضية، واحتياطي المغرب من العملة الصعبة تدنى إلى مستويات قياسية. لِمَ لمْ يستطع المغرب إيقاف هذا النزيف المتواصل منذ أشهر؟
يعيدنا هذا المشكل إلى بنية الاقتصاد الوطني. فقد أصبح المغرب منذ 10 سنوات تقريبا مستوردا لمعظم المواد الأساسية والتحويلية والغذائية بسبب عدم دعم الصناعات الوطنية. صناعات لا تصمد أمام المنافسة جراء ارتفاع تكلفة الإنتاج. تعاني الصناعة المغربية أيضا من غلاء الطاقة، حيث تمثل هذه الأخيرة 60 في المائة من تكلفة الإنتاج. نموذج آخر من قطاع النسيج: قميص واحد يكلف المصانع المغربية، وفق المهنيين، ما بين 50 و60 درهما. القميص ذاته يستورد من الصين ويباع ب40 درهما في الأسواق المغربية. الغريب أيضا أن الوزارة الوصية على التجارة الخارجية لا تطلق أي مبادرات على الصعيد الخارجي. صحيح أنها تشارك في المعارض الدولية، لكنها تكتفي بإبرام صفقات فردية ولا تفتح أسواقا جديدة للصادرات المغربية. وبالإضافة إلى ارتفاع تكلفة اليد العاملة في المغرب، يشكل غياب التنظيم النقابي أيضا عقبة أساسية أمام الاستثمار في المغرب. أغلقت النقابات معامل كثيرة وتسببت في إيقاف استثمارات أجنبية بعد أن صارت أذرعا سياسية للأحزاب. المؤكد أن المغرب عرف تغييرا سياسيا ودستوريا، لكنه لم يسجل تحسنا في الاقتصاد. وقد صارت الوضعية الاقتصادية للمغرب حاليا أسوأ مقارنة بمرحلة ما قبل 25 نونبر 2011.


الأزمة الاقتصادية الحالية ستؤدي إلى أزمة سياسية
- كيف تقيّم وتيرة تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية إلى حدود الساعة؟
الثابت أن القوانين المالية لا تنفذ 100 في المائة. فكيف سيكون عليه الوضع في سنة لم تتم فيها المصادقة على قانون المالية إلا في شهرها الرابع؟ ثمة وزارات لم تتوصل بميزانياتها إلى حدود الساعة. ولذلك أفضل الحديث في هذه السنة عن مرحلة انتقالية للميزانية بدل قانون مالية قائم بذاته. كما أن القانون المصادق عليه لم يكن موفقا في المعطيات والبرامج، كما أن تنفيذه صعب بسبب المشاكل الحاصلة في المداخيل.
- على ضوء هذه المستجدات، ما السمات الأساسية لمشروع قانون مالية السنة المقبلة؟
لا بد من انتظار ثلاثة أشهر أخرى قبل استجلاء المعالم الرئيسية لمشروع قانون مالية 2013. يتوقف كل شيء على أربعة عوامل أساسية: أولا، إرهاصات الموسم الفلاحي المقبل، والمؤكد أن استمرار الجفاف للسنة الثانية على التوالي سيكون كارثة حقيقية. ثانيا: تطور أسعار البترول في الأسواق الدولية. ثالثا: هل سينتعش الاستثمار الداخلي ويعود إلى سالف عهده أو سيتوقف؟. رابعا: القدرة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، إذ لم يسجل أي تطور رغم توطد علاقات الحكومة الحالية مع عدد من الدول. وحده البنك الدولي مستعد للتدخل، غير أنه لا يتدخل إلا بعد بروز الأزمة. ستنجلي هذه العوامل كلها في شهر أكتوبر المقبل. في حالة تحسنت، سنحظى بمشروع قانون المالية يمكن التحكم فيه بنسبة لا تتجاوز 70 في المائة. وإذا لم تتحسن، فإن المغرب سيدخل مرحلة صعبة جدا. معروف أن المغرب فقد في الثلاثة أشهر الماضية 110 آلاف منصب، وثمة توقعات بفقدان 100 ألف منصب إضافي بحلول شتنبر إذا لم تتحسن المؤشرات الاقتصادية. وإذا لم يتحسن الموسم الفلاحي، سيصل نزيف مناصب الشغل إلى مليون ونصف مليون منصب. ولا شك أن هذه العوامل ستفرز أزمة اقتصادية ستؤدي بدورها إلى أزمة سياسية. ذلك أن العالم يشهد حاليا تداول مفهوم جديد يسمى الديمقراطية التنموية وليس الديمقراطية من أجل الديمقراطية القائمة على الصراع. أعتقد أنه يمكن للحكومة أن تبادر إلى إجراءات استباقية لهذه الأزمة وتتدارك ما فاتها.
- وما طبيعة هذه الإجراءات؟
يمكنها إذا تحلت بالشجاعة السياسية أن تقدم على ترقيع قانون المالية للسنة الجارية وتعيد النظر في المقاربة التي تعتمدها بدل أن يقول رئيسها: «عفا الله عما سلف» بعد أشهر من رفع شعار محاربة الفساد ونشر ثقافة التشويش. الوزير الذي سيتحلى بالشجاعة ويعترف بأن المغرب يعاني من الأزمة جدير بالاحترام. لقد أصبح الوزراء بمثابة كتاب عامين ينتظرون مع المنتظرين، ولا يقدمون على أخذ المبادرة، ولا أحد منهم اتخذ إجراءات لتمكين قطاعه من موارد مالية جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.