يعتبر الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المغرب حاليا استثنائيا بكل المقاييس، بسبب التحولات السياسية الإيجابية واسترجاع ثقة المواطن في العملية الانتخابية عبر تشكيل أول حكومة ديمقراطية في التاريخ المعاصر للمغرب، وبالنظر للظرفية المالية والاقتصادية التي يعيشها المغرب داخليا ودوليا. وإذا كان برنامج حكومة العدالة والتنمية طموحا ويعِد باسترجاع التوازنات المالية والاقتصادية، وبمحاربة الفساد ورفع مستوى عيش الساكنة وحل الإشكالات الكبرى التي يعرفها المغرب، فإن هذه الحكومة الشعبية تواجه تحديا كبيرا يتمثل في مواجهة الأزمة الخانقة التي وصل إليها الاقتصاد الوطني نتيجة لما ورثته من وضع هش وأزمة خانقة، بسبب ما عرفه البلد خلال السنوات السابقة من اختيارات سياسية خاطئة، وتدبير سيء للمالية العامة، وفشل طرق إعداد وتنفيذ السياسات العمومية. فالعجز المالي وصل خلال سنة 2011 إلى أرقام قياسية خطيرة يمكنها أن تعيق عمل الحكومة الجديدة للسنوات المقبلة، والمديونية الخارجية ارتفعت خلال السنوات السابقة بشكل يذكرنا بفترة التقويم الهيكلي. وعاد الميزان التجاري للانهيار بشكل غير مسبوق خلال الولاية السابقة ليصل العجز فيه إلى أكثر من النصف، وتسارعت وتيرة ارتفاع قيمة الواردات بشكل يؤدي لتعميق هذا العجز، ويؤدي بالتالي لمزيد من الاختلال السلبي في ميزان الأداءات، ويستنزف بشكل متسارع الاحتياطي المغربي من العملة الصعبة... وإذا كانت حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران تحاول، منذ تنصيبها أواخر يناير من هذه السنة، مسابقة الزمن من اجل استرجاع التوازنات المالية والاقتصادية بشكل عاجل، فإن النقاش السياسي حول القانون المالي لهذه السنة لم يصب في هذا السياق، وإنما شهد نوعا من التخبط لدى المعارضة الجديدة التي أوصلت المغرب لهذا المستوى من الكوارث الاقتصادية والمالية عندما كانت تدير الشأن الاقتصادي والمالي خلال الولاية السابقة. وإذا كانت نسبة النمو قد عرفت نقاشا واسعا بخصوص الاختلاف في تقديراته بين عدد من المؤسسات، فإن هذا النقاش لم يكن ذا أساس علمي اقتصادي، بقدر ما كان عبارة عن جدل سياسي تختلف أبعاده حسب الأحزاب وتموقعها السياسي، ومحاولة بعض المؤسسات إعطاء نفسها أهمية لا تستحقها أو دورا اقتصاديا لا يلائمها. كما أصبح القانون المالي ذاته موضوع جدل سياسي يرتبط بالحكومة الجديدة بقيادة العدالة والتنمية رغم أنها ورثت وضعا اقتصاديا وماليا سيئا جدا، يفرض عليها أولا إصلاح أخطاء التدبير السياسي السابق، واسترجاع التوازنات حتى لا نسقط في براثن تقويم هيكلي جديد يجهز على ما تبقى من القدرة الشرائية للمواطنين. وبمقابل ذلك تبدو حكومة ذ. بنكيران جدية في محاولة إضفاء الطابع الاجتماعي والإنساني على قانون المالية الحالي، رغم صعوبة ذلك عمليا ومنهجيا، على اعتبار أن القانون الحالي كان يجب التصويت عليه خلال أكتوبر 2011، حتى تتمكن الحكومة الجديدة من العمل بشكل سليم، ولا تضطر لإعداد قانونين للمالية خلال سنة واحدة. الأزمة المالية وتفاقم عجز الميزانية لم يشهد المغرب منذ ثمانينات القرن الماضي مثل الأزمة المالية التي عاشها خلال السنوات الثلاث الماضية، بحيث بدأت كوارث التدبير المالي العمومي سنة 2009، لتصل حدتها إلى مستويات خطيرة وغير مقبولة سنة 2011. فالعجز الحقيقي للميزانية خلال سنة 2011 فاق نسبة 7% بعدما كان وزير المالية آنذاك يؤكد أن هذا العجز في الميزانية لن يتجاوز 3% ؟؟ بحيث فاق المبلغ الإجمالي للعجز المالي 43 مليار درهم بعدما بدأ المغرب يسترجع توازنه المالي سنتي 2007 و2008 التي عرفت فائضا ماليا لأول مرة في تاريخ المغرب. وبالرجوع للفترة التي دبرها وزير المالية السابق، والذي أصبح حزبه يتزعم معارضة حكومة بنكيران، فإننا نجده قد بدأ سنة 2008 بفائض كبير في ميزانية الدولة يفوق 3 ملايير درهم، ليبدأ بعدها مسلسل التراجع الخطير وبشكل غير مسبوق أدى إلى توريث حكومة بنكيران أزمة مالية خانقة تهدد التوازنات الاقتصادية والاجتماعية للمغرب للسنوات القادمة. فنسبة العجز سنة 2009 فاقت 2,4%، لتتجاوز سنة 2010 نسبة 4,6%، ثم تصل نهاية 2011 نسبة خطيرة تفوق 7% وهي نسبة تقترب من سنوات الأزمة الخانقة التي عرفها المغرب خلال الثمانينات، والتي عرفت تطبيق برنامج التقويم الهيكلي، بعدما أرهق الدين الخارجي ميزانية الدولة. ولعل التصريحات الأخيرة لوالي بنك المغرب تذكرنا أيضا بهذه الفترة التي كان فيها بدوره وزيرا للمالية، وعايش ذلك البرنامج الذي تسبب في كوارث اجتماعية للمغرب، وتم الإجهاز على القدرة الشرائية للمواطنين، وتدنت النفقات الاجتماعية المرتبطة بالتعليم والصحة والنقل العمومي لأدنى المستويات. النمو الاقتصادي واسترجاع التوازن المالي تعتبر نسبة النمو الاقتصادي إحدى المؤشرات الأساسية التي تقوم عليها الفرضيات العامة لقانون المالية، وهي مسألة توقعية، بمعنى أنها تعد مؤشرا توقعيا حسب المعطيات الوطنية والدولية، وحسب الظرفية الاقتصادية ومدى استفادة المغرب من الفرص المالية والاقتصادية المتاحة أو مدى تأثره بالمخاطر الوطنية والدولية. وعادت ما يتم التمييز هنا بين مستويين عند تقدير نسبة النمو، المستوى الأول يتعلق بالدراسة الوصفية المبنية على المعطيات الموجودة أصلا، والتي يتم على أساسها توقع نسبة النمو الاقتصادي حسب الظرفية الاقتصادية والمناخ الاقتصادي الدولي، والقدرات الاقتصادية والمالية للبلد، وأسعار البترول والمواد الأولية والغذائية في السوق الدولية... فهذه كلها عوامل موضوعية تتحكم بشكل كبير في توقع نسبة النمو الاقتصادي في سنة مالية محددة. أما المستوى الثاني فيرتبط بالمجهودات التي تقوم بها الدولة من أجل دعم النمو الاقتصادي ورفع نسبته، عبر الاستثمار العمومي، ودعم الاستهلاك ورفع القدرة الشرائية للمواطنين، وجلب الاستثمارات الخارجية، وتحسين مناخ الأعمال ودعم المقاولات المنتجة للثروة ولمناصب الشغل... وهذه التدابير تعد أساس البرامج الاقتصادية لأية حكومة من أجل رفع نسبة النمو، مع الأخذ بعين الاعتبار المستوى الأول وتحكم الظرفية الوطنية والدولية في جزء من هذا الهدف. وإذا كانت حكومة ذ. بنكيران قد توقعت أول الأمر تحقيق نسبة نمو 5.5 بالمائة خلال ولايتها التشريعية، وضمنته في برنامجها الحكومي، فإنها كانت تستهدف بالأساس وضع هذه النسبة كهدف تشتغل عليه عبر برامجها المحددة في تصريحها المقدم أمام البرلمان، وعلى هذا الأساس يتعين ترك وقت كافي لهذه الحكومة لتقييم أدائها ومراقبة مدى نجاحها أو فشلها في تحقيقه. وبالتالي لا معنى لأي نقاش حول نسبة النمو خلال 2012، لأن هذه النسبة تتحدد علميا ومنطقيا بما تم تحقيقه خلال سنة 2011 وما حققته الحكومة السابقة خلاله من برامج تدعم النمو وترفع نسبته، إضافة إلى العجز المالي والاقتصادي التي يتم ترحيله قانونا لسنة 2012. ونحن نعلم أن السنوات من 2009 إلى 2011 عرفت انخفاضا حادا للفرص الاقتصادية للمغرب، وارتفع العجز المالي بنسب غير مسبوقة، وتعاظم الدين الخارجي، وشحت السيولة بشكل أضر بالقطاع الخاص، وانخفض مخزون العملة الصعبة بالمغرب لمستويات جد مقلقة، على مرأى ومسمع من بنك المغرب بصفته مراقبا للعمليات المالية ولسيولة العملة الصعبة، وبدأ التخبط يطبع عمل مكتب الصرف الذي لم يكن همه حماية الموجودات من العملة الصعبة، بقدر ما كان ينفذ سياسة وزارة المالية الفاشلة آنذاك. وعلى هذا الأساس وجدت حكومة العدالة والتنمية أمامها وضعا اقتصاديا مقلقا، وعجزا ماليا خطيرا، وتنافسية اقتصادية شبه منهارة، مما أدى بهذه الحكومة الجديدة، بعد تسلمها لمهامها رسميا شهر فبراير الأخير، إلى إجراء مراجعة شاملة للمعطيات، وأعادت تقييم الوضع الاقتصادي والمالي للبلد، وكانت صريحة مع المواطنين، ووصفت الواقع بدقة، ووضعت تقديراتها بكل موضوعية فيما يخص نسبة النمو الاقتصادي. لكنها بالمقابل وضعت برنامجا واضح المعالم للحد من نسبة العجز الخطيرة، حتى تتمكن من التحكم في التوازنات المالية، تمهيدا لتنفيذ مجموعة من الإجراءات التي أقرتها لرفع نسبة النمو، طبقا للمستوى الثاني، وذلك عبر ترشيد الإنفاق، ودعم القطاع الخاص، وتحقيق أكبر قدر من شفافية التدبير المالي، وإضفاء طابع اجتماعي واضح على الإجراءات التي أضافتها للقانون المالي، ورفع الاستثمار العمومي الذي يعتبر قاطرة للنمو الاقتصادي... وبالنظر للجدل الذي تمت إثارته خلال مناقشة القانون المالي بالبرلمان، فإنه يمكن التأكيد على أن جل انتقادات المعارضة (التجمع الوطني للأحرار والبام والاتحاد الاشتراكي) كان فارغا وغير ذي موضوع، على اعتبار أن هذه حكومة بنكيران ورثت وضعا مزريا ناتجا عن تدبير هذه الأحزاب أصلا، لكنها كانت صريحة وواضحة مع الرأي العام ووضعته في الصورة الحقيقية للاقتصاد الوطني، ووضعت توقعا علميا وموضوعيا لنسبة نمو في حدود 4,2% تستطيع تحقيقه خلال سنة 2012 رغم هذه الإكراهات. وقد أكدت دراسة المندوبية السامية للتخطيط بعد ذلك صحة هذا التقدير، ووضعت سيناريوهات علمية وحسابية مبنية على الوضع الاقتصادي والإكراهات الفلاحية، وصعوبات السوق الدولية، وتوقعت بالتالي تحقيق نسبة نمو متوسطة خلال 2012 تراوح 4,1%، وهو رقم قريب جدا من النسبة المحيَّنة لدى الحكومة. أما بنك المغرب الذي أصبح يملأ الدنيا صياحا، بعدما كان غائبا في السابق، فيُعتبر قانونيا معهدا للإصدار ومؤسسة لضبط القطاع البنكي ومراقبة السيولة، وبالتالي لا علاقة لمهامه بدراسة المعطيات التوقعية للقانون المالي من نسب النمو والتضخم والبطالة والفقر... فهو يقوم بدراسة ما تم تحقيقه خلال السنة الماضية، ويصدر تقريره بعد اختتام السنة بأزيد من 5 أشهر، وبالتالي لا يستطيع ضبط النسب التوقعية للنمو والتضخم والعجز، كما أن دوره القانوني والعملي ينحصر في مجال ضيق يقتصر على السياسة النقدية ولا علاقة له بالدراسة الماكرو اقتصادية ولا بالتوقعات المالية المبنية على التوازنات العامة. وهنا يمكن التساؤل: أين كان والي بنك المغرب في السابق عندما كانت وزارة المالية على مدى ثلاث سنوات تُغرق المغرب في أتون الدين الخارجي والداخلي، وتعمق العجز المالي الذي أصبح خطيرا ويذكرنا بسنوات التقويم الهيكلي، فهل انتبه متأخرا جدا لهذا الأمر أم أنه يحاول اللعب خارج الوقت القانوني؟؟ فالحكومة الجديدة تعاملت بشكل واضح ومسؤول مع المعطيات الاقتصادية والمالية، وكانت صادقة مع الرأي العام فيما يخص صعوبات التدبير العمومي، وهنا وجب التأكيد على أن قيام الحكومة بمراجعة التوقعات بخصوص النمو والتضخم وعجز الميزانية، تعد مسألة مهمة جدا، على اعتبار أنها تؤكد بالملموس صراحة الحكومة مع المواطنين ومصداقية تصريحاتها وتوقعاتها. وإضافة إلى ذلك فقد توقعت الحكومة أن يكون سعر النفط 100 دولار (أي متوسط السعر بين مختلف أشهر السنة)، وهو نفس توقع صندوق النقد الدولي أواخر شهر مارس الماضي، خلافا للسابق حيث كنا نسجل غموضا كبيرا حينما كانت وزارة المالية تصر على أن المغرب لن يتأثر بالأزمة العالمية وبأن سعر النفط سيبقى في حدود 65 دولارا للبرميل في حين أن متوسط السعر الحقيقي كان يتجاوز 120 دولارا. فالحكومة الحالية تؤكد على وضوحها مع المواطنين وتقول له الحقيقة كاملة كي يكون على بينة من واقع الظرفية الاقتصادية، وفي نفس الوقت تتحمل مسؤوليتها كاملة في إرساء نظام للتدبير يتفادى كوارث التسيير المالي السابق ويعيد تصحيح طرق تدبير الشأن العام بما يخدم المواطن وليس شيئا آخر. إصلاح ما أفسده التدبير السيء إن استرجاع التوازنات المالية، ورفع نسبة النمو، ودعم القطاعات الاجتماعية، تعد من أهم الإجراءات التي جاءت بها حكومة ذ. بنكيران خلال تعديلها للقانون المالي الذي ورثته من سابقتها في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة. وقد حاولت بالفعل تجاوز سلبيات التدبير المالي العمومي، ووضعت مقاربة جديدة لرفع مردودية عدد من القطاعات المنتجة، وجاءت بإجراءات تساهم بفعالية في دعم الاستثمار ورفع القدرة الشرائية للمواطنين، وتخفيض العبء الضريبي عن بعض المنتجات التي تعتبر أساسية وحيوية للفئات الضعيفة، وكذلك في تحسين وتجويد النص القانوني برمته. فتم بالتالي إعفاء مجموعة من المنتجات من الضريبة على القيمة المضافة حتى يتيسر اقتناؤها من قبل الفئات الضعيفة، وعلى الخصوص تم لأول مرة إعفاء أدوية الأمراض الخطيرة والمزمنة مثل السرطان والسكري وتصفية الدم وأمراض الربو وأمراض القلب والشرايين... وهي إجراءات ستؤدي لا محالة لتخفيف العبء المالي عن المواطنين الذين يعانون أصلا من هذه الأمراض المزمنة، وهذا الإجراء كان فريق العدالة والتنمية يطالب به ويلح عليه بشكل دائم عندما كان المعارضة، واستطاعت حكومته الحالية تحقيق هذا المطلب الاجتماعي. كما استطاعت الحكومة إقرار صندوق التماسك الاجتماعي، وتضمن القانون المالي إجبارية المساهمة فيه من قبل الشركات الكبرى التي تربح أكثر من 50 مليون درهم سنويا (5 ملايير سنتيم كأرباح)، واستطاعت حكومة بنكيران النجاح فيما فشل فيه غيرها، خاصة وأن وزير المالية السابق كان ضد إقرار هذا الصندوق، رضوخا لضغط لوبي الشركات الكبرى ونقابة الباطرونا. كما تضمن القانون المالي خفضا مهما للتكلفة المتعلقة بفواتير الكهرباء، بحيث نص بشكل رسمي على إلغاء للرسم المفروض لفائدة القطاع السمعي البصري على استهلاك الفئات الفقيرة، وهو ما سيؤدي لخفض مباشر في مبالغ فواتير الكهرباء يتراوح مبلغه بين 25 و35 درهما في الشهر لكل فاتورة. فهذا جزء من الإجراءات الآنية والعاجلة التي أقرتها حكومة بنكيران، واستطاعت تضمينها في القانون المالي رغم صعوبة ذلك، وحاولت إيجاد أرضية أولية لتنزيل الإصلاحات الكبرى التي وعدت بها في برنامجها الحكومي، مما يدل على جدية الحكومة الجديدة ومراعاتها للقدرة الشرائية للمواطنين ولرفع العبء عن الفئات الهشة ودعمها. كما وضعت برامج عملية موازية لقانون المالية، بهدف ترشيد الإنفاق، ووقف نزيف المالية العمومية، وجمع المخططات القطاعية وتتبعها في أفق إعادة تقييمها وضمان التقائيتها في إطار سياسات عمومية مندمجة، إضافة إلى وضع تصورات حقيقية لخفض عجز الميزانية، والتقليص من عجز الميزان التجاري وميزان الأداءات، و والتحكم في التضخم وفي الاستدانة. فكوارث التدبير الذي عانت منه المالية العمومية منذ عدة سنوات سترخي بظلالها بدون شك على السنة الحالية وما بعدها، وستكون حكومة ذ. بنكيران أمام إكراهات حقيقية تتعلق باسترجاع التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، وبترشيد التدبير العمومي ومحاربة الفساد، وفي نفس الوقت التركيز على معالجة الاختلالات الكبرى التي ورثتها من الحكومات السابقة، حتى تصل إلى وضع الاقتصاد الوطني على سكته السليمة. فقانون المالية 2012 الذي سحبته حكومة ذ. بنكيران لإعادة صياغة أهم مضامينه، شكَّل بداية إصلاح ما أفسده التدبير السيئ للمالية العمومية خلال السنوات السابقة، وتضمن مقتضيات واعدة لإعادة إطلاق النمو الاقتصادي وضبط التوازنات الماكرو اقتصادية. إن الحكومة الحالية بقيادة العدالة والتنمية تميزت منذ أول يوم بالمصداقية وبالثقة الشعبية والملكية والبرلمانية، ورئيس الحكومة ذ. عبد الإله بنكيران عوَّد المغاربة على الوضوح والصراحة في كل شيء. وفي هذا السياق كان تعاطي الحكومة مع الظرفية الحالية على أعلى درجة من الفعالية والمصداقية، ولم تكن لدى الحكومة أية عقدة أو مركب نقص لتعيد تقييم الوضع الاقتصادي للبلد، وتعيد صياغة مجموعة من بنود قانون المالية حتى تتمكن من تنزيل أولي لبرنامجها الاقتصادي ودعم النمو وضبط محركات الإنتاج وتشجيعها. وبالمقابل تميزت الحكومة الجديدة بالقدر الكافي من الشجاعة لتصارح الرأي العام بالإكراهات التي ورثتها، ولم تلجأ لإخفاء الحقائق والوقائع عن الشعب المغربي، كما كان يحدث في السابق، عندما كانت الأزمة الخانقة تضرب الاقتصاد العالمي، في حين كان وزير المالية آنذاك يلح بشكل غريب على عدم تأثر المغرب بها، لنجد أنفسنا في نهاية 2011 أمام كارثة عجز الميزانية الذي وصل لمستويات تاريخية، تنذر بإدخال المغرب لا قدر الله في برنامج جديد للتقويم الهيكلي. *دكتور في القانون متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة [email protected]