الهذيان العصابي لتبون وعقدة الملكية والمغرب لدى حاكم الجزائر    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب        جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل سنة تأخر عن الإصلاحات تكلف الاقتصاد المغربي حوالي 10 ملايير درهم سنويا
نشر في التجديد يوم 11 - 11 - 2010

اعتبر محمد نجيب بوليف برلماني وأستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بطنجة أن مشروع ميزانية 2011 لا طعم له ولا لون، بل ولا رائحة. في هذا الحوار يحلل بوليف أزمة الاقتصاد المغربي في علاقته بالمنظومة الاقتصادية العالمية، وطبيعة أجوبة الحكومة عليها. وشدد بوليف على أنه لا نكاد نجد في مشروع قانون المالية لسنة 2011 ما يفيد أن هناك توجها حقيقيا نحو إصلاح الاقتصاد الوطني. من جانب آخر أبرز الباحث الاقتصادي أن صندوق الزكاة يعد من المغيبين الدائمين في أجندة الحكومة. منوها على أن جميع الدول الإسلامية تكاد تمتلك كلها مؤسسات للزكاة ومؤسسات للتمويلات البديلة، لكن و للأسف،يضيف بوليف، اللوبيات الضاغطة في المغرب لا زالت ضد هذا المسار. مواضيع الإصلاح الجبائي والقطب المالي للدار البيضاء ونسبة النمو محطات تجدونها في مثن هذا الحوار. وإليكم نصه:
كيف تقرؤون الوضع السياسي والاقتصادي العام الذي يأتي في ظله مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2011؟
إن وضع أية ميزانية في المغرب، يجب أن ينطلق من استحضار الوضعية الاقتصادية العالمية والإقليمية، ثم الوضعية الاقتصادية الوطنية المحلية. فعلى الصعيد الدولي، لا يخفى على الجميع أن العالم عرف خلال السنتين المنصرمتين أزمة اقتصادية عالمية. فجميع المؤشرات التي نتجت عن مختلف الدراسات المعدة سواء من قبل صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي، تدل على أن سنة 2011 ثم 2012 ستتميزان بالتردد وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية، مما يهدد برجوع الأزمة إلى بعض الدول الأوروبية أساسا ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية. هذا التردد بالفعل له عدة سمات أبرزها: تبني ميزانية التقشف من قبل عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وهذا ما سيدفع إلى تقليص الطلب الذي سيوجه إلى المغرب مما سيؤثرعلى موارد الميزانية.
من جهة أخرى فإن الاقتصاد الأمريكي يعاني من تراجع قيمة الدولار إلى مستوى يمكن أن يعتبر قياسيا. وهو ما سيجعل الاستثمارات العالمية خلال 2011 ستوجه أساسا نحو السوق الأمريكي للاستفادة من تدني الدولار، وهو الأمر الذي سيضعف أيضا قدرة الاتحاد الأوروبي على الرفع من طلبه وعلى الاحتفاظ بالفائض المالي داخل ترابه. إذن هذا التردد أكيد أنه سيؤثر على الاقتصاد المغربي من خلال العرض والطلب الخارجيين، لاسيما على الصادرات المغربية. هذا الطلب الخارجي يمثل حوالي 40 في المائة من موارد المغرب، مما سيؤثر على توجهات ميزانية المغرب.
على الصعيد الوطني عرفت السنوات الأخيرة، خاصة 2009 تراجعا حادا في موارد المغاربة القاطنين في الخارج، وانخفاضا في موارد قطاع السياحة، كما تراجع بشكل حاد حجم الاستثمارات الخارجية الموجهة نحو المغرب. إضافة إلى ذلك عرف ميزان الأداءات عجزا هيكليا ابتدأ سنة 2008 ثم تعمق خلال 2009 ثم 2010 -في حدود 5 بالمائة إلى 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام- ومن جهة أخرى عرفت الموجودات المالية الخارجية بالعملة تراجعا مهولا خلال السنة الماضية، إضافة إلى تراجع المداخيل الضريبية خلال سنتي 2009 و2010 بالمقارنة مع سنة 2008 التي حقق فيها المغرب أكثر من 163 مليار درهم.
إذن في ظل هذا الواقع لا بد أن الاقتصاد المغربي سيتأثر، وإذا أضفنا إلى ذلك سنة فلاحية متوسطة أو ضعيفة، فالأكيد أن المغرب سيعرف عجزا كبيرا، وخاصة أن موارد الفوسفاط وإن كانت ستستمر أسعارها في الارتفاع -لسنتين على أكثر تقدير- فإن هناك احتمالا كبيرا بخصوص أسعار البترول التي سيظل ثمنه مرتفعا خلال ,2011 نفس الشيء بالنسبة للمواد الأولية التي يستوردها المغرب كالحبوب والقطن والحديد والصلب ومختلف المواد المصنعة، وهو ما سيرفع من التكلفة، وبالتالي من النفقات المرتبطة بهذه الميزانيات. إذن كل هذه المؤشرات السلبية ستؤثر على وضعية الاقتصاد الوطني، رغم أن هناك حديثا عن بعض التحسن في مداخيل السياحة وتحويلات المغاربة القاطنين بالخارج.
الحكومة تشدد على أن ركود الاقتصاد الوطني ناتج أساسا عن تداعيات الأزمة التي تعصف باقتصاديات الشركاء الأساسيين للمغرب، خاصة فرنسا واسبانيا. هل فعلا أزمة الاقتصاد المغربي ذات مصدر خارجي أم أن أزمته بنيوية داخلية؟
كما سبق أن أشرت فإن الاقتصاد الوطني يندرج في إطار منظومة اقتصادية عالمية، خاصة مع اتجاه عولمة الاقتصاد. للإشارة فإن حوالي ثلثي تعاملات المغرب وتجارته الخارجية تتم مع الاتحاد الأوروبي، وكما يقال إذا أصيب الاقتصاد الأوروبي بالزكام فلابد لاقتصادنا أن يصاب بالمرض. إن هاجس الاقتصاديات الأوروبية حاليا يتمثل في البحث عن فرص الشغل لأبنائها الأوروبيين. الاقتصاد الأوروبي يعاني أيضا من إشكالية التمويل ومن ارتفاع عجز الميزانيات ومن المديونية المرتفعة، مما يعني أن الدعم (وكذلك جزء من الطلب) الذي كان سيوجه للدول النامية مثل المغرب سيوجه لدول المنظومة الأوروبية التي تعصف باقتصادياتها الأزمة كاليونان والبرتغال واسبانيا وايرلندا...ألم تقل الحكومة الفرنسية بأنها ستضرب الشركات التي تعمل في قطاع الاتصال بالدول التي تكون خارج أوربا - ومنها المغرب- لحثها على البقاء بفرنسا...؟؟ إذن فالاستثمارات الخارجية الأوروبية التي كانت ستوجه للمغرب أكيد أنها في مجملها ستبقى داخل محيط الدول الأوروبية خشرقا أو غربا-.
هذا لا يعني أن هذا هو المؤثر الوحيد، بل هناك مؤثرا داخليا يرتكز بالأساس على ضعف الطلب الداخلي خلال 2010 و.2011 ومن مؤشرات هذا الضعف، نشير مثلا إلى القروض البنكية. فخلال سنوات 2007 و2008 ثم 2009 عرفت القروض البنكية نموا سنويا مذهلا تعدى نسبة 22 في المائة سنويا، بمعنى أنه خلال تلك السنوات كانت القروض البنكية بمختلف أنواعها سواء قروض الاستهلاك أو قروض التجهيز أو قروض العقار أو المقدمة للاقتصاد في منحى تصاعدي مخيف، كان على الحكومة أن تنظر إليه بحيطة وحذر، لكن هاته القروض البنكية ستعرف خلال 2010 نوعا من التراجع، إذ لم تنم سوى في حدود 10 إلى 12 بالمائة في المعدل. مما يعني أن القدرة الشرائية للمغاربة، وأيضا للشركات الصغرى والمتوسطة، قد انكمشت، مما يعني أن الطلب سينخفض لاحقا. وأكيد أنه عندما ينخفض الطلب الداخلي فإن نسبة نمو الاقتصاد لن تكون في المستوى.
وهناك مؤشر ثالث يمكن من خلاله الحديث عن النمو، وهو مؤشر الميزان التجاري، أي الصادرات المغربية قياسا إلى وارداته. الملف يعرف عجزا هيكليا مزمنا ، فنحن الآن في حدود 46 إلى 47 من نسبة التغطية، وأقول إنه لولا صادرات الفوسفاط التي حققت أرقاما استثنائية سنة ,2010 مقارنة مع السنوات الماضية، لكان العجز سيصل إلى 35 بالمائة خلال سنة 2010 . مما يفيد أن هناك عجزا هيكليا على هذه المستويات.
في ظل هاته المؤشرات كيف تقرؤون منهج تعامل الحكومة في إطار التوجهات الكبرى لمشروع ميزانية 2011 مع أزمات الاقتصاد الوطني؟
لا يمكن أن نتحدث عن وجود توجهات كبرى. مشاريع السنوات السابقة كانت تتضمن بعض الإصلاحات من قبيل التخفيض من الضريبة على الدخل وعلى الضريبة على الشركات، مما أعطى دفعة إما للموظفين والعاملين أو للشركات من أجل دعم الاقتصاد. لكن هذه السنة الحكومة وعدت بعدة إصلاحات، منها إصلاح صندوق التقاعد، إصلاح صندوق المقاصة، إصلاح الضريبة على القيمة المضافة.... لكن شيئا من ذلك لم يحصل، خاصة وأن الحكومة الحالية في سنتها الرابعة ولم يتبق لها سوى ميزانية ,2012 و بعدها ستأتي انتخابات 2012 ليقول الشعب كلمته في هذه الحكومة. إذن لا نكاد نجد في مشروع قانون المالية لسنة 2011 ما يفيد أن هناك توجها حقيقيا نحو إصلاح الاقتصاد الوطني، ونحو دعم الجانب الاجتماعي للمواطنين. كما لا نكاد نجد أي إجراء ذو طبيعة اجتماعية واضحة يمكنه أن يرفع من القدرة الشرائية للمواطنين.
وبالتالي هناك فقط إجراءات يمكن اعتبارها إجراءات تجزيئية جدا، وهناك بعض الإشارات -نوعا ما إيجابية- التي تم الرجوع إليها خاصة في بعض الملفات من قبيل مخططات الادخار، المتعلقة بالسكن أو بالبورصة أو بالتعليم. إلا أن أجرأتها ستبرز على أنها إجراءات جزئية ولا يمكن أن تفي بالغرض الذي يتلخص في الرفع من ادخار المغاربة الأفراد أو ادخار المؤسسات، بهدف مواكبة الادخار لمستوى الاستثمار، مع العلم أن الفارق حاليا بين الاستثمار والادخار في حدود 5 نقط، وهو عجز هيكلي يوضحه كل من نقص السيولة النقدية في السوق، ثم أيضا ضعف القدرة الشرائية للمغاربة.
لكن كيف نفسر غياب إصلاحات صندوق المقاصة وصندوق التقاعد والإصلاح الجبائي من أجندة مشروع القانون المالي لسنة .2011 هل الأمر يعود لاعتبارات سياسية وانتخابية؟
أكيد أن الحكومة تفتقر إلى الشجاعة السياسية لاتخاذ مثل هاته القرارات. إضافة أنه تبين أن بعض الدول التي عمدت إلى بعض الإصلاحات مثل فرنسا في ملف التقاعد، نتجت عنه احتجاجات اجتماعية قوية شلت الاقتصاد الفرنسي خلال شهري أكتوبر ونونبر. فالحكومة ما تزال تعتبر أن ملف التقاعد يوجد في يد اللجنة التقنية لأنظمة التقاعد. أما بخصوص ملف صندوق المقاصة فالحكومة لا زالت تصرح بأنها تقوم بدراسات وقراءة التجارب الخارجية بخصوص دعم الشرائح الدنيا من المجتمع (نماذج الشيلي وأندونيسيا وماليزيا والبرازيل....)
كما أن الحكومة تصرح بأن الرؤية لم تتضح لها بعد فيما يتعلق بإصلاح الضريبة على القيمة المضافة. وأقول إن الحكومة تتفادى الإصلاح الحقيقي، لأن هذا النوع من الإصلاحات من شأنه أن يؤثر على المداخيل وعلى القدرة الشرائية للمواطنين. ذلك أن إصلاح صندوق المقاصة، لاسيما مع ارتفاع أثمان البترول من شأنه أن يزيد الأسعار ارتفاعا. إصلاح أنظمة التقاعد من شأنه أن يدفع الموظفين والأجراء إلى دفع المزيد من المساهمات. في ظل هذه المؤثرات فإن الحكومة غير قادرة على تحمل التكلفة السياسية لمثل هذه القرارات. لكن نحن نقول إن على الحكومة أن تتخذ القرارات والإجراءات الضرورية. لأن كل سنة تأخر تكلف الاقتصاد المغربي حوالي 10 مليار درهم سنويا.
مشروع مالية 2011 يرسم سيناريو تحقيق 5 بالمائة كمعدل النمو. في ظل الأوضاع الاقتصادية التي ذكرتم بعض تفاصيلها هل يمكن تحقيق هذا الرقم في معدل النمو؟
نسبة النمو مرتبطة بعدة معطيات. فإذا كانت السنة الفلاحية جيدة ، يعني أن نصل إلى حوالي 80 مليون قنطار من الحبوب فما فوق، فبلوغ نسبة النمو المقترحة ممكن. وللتذكير فإنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة - وهي حالة استثنائية خلال الثلاثين سنة الماضية- كانت السنوات الفلاحية بالتتابع خلالها جيدة. في السنة قبل الماضية وصل المغرب إلى 102 مليون قنطار من الحبوب، وهي نسبة لم يصلها المغرب منذ بداية الإحصائيات المتعلقة بإنتاج الحبوب. لكن في حالة سنة فلاحية متوسطة أو سيئة، لا قدر الله، على اعتبار أن القطاع الفلاحي يمثل حوالي 18 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فإن المغرب لن يحقق حتى 3 في المائة كنسبة النمو. لا سيما أن القطاع الصناعي لا يمتلك القدرة على تحقيق نمو أكثر من 4 في المائة. أما قطاعات الخدمات والنقل والتجارة فيمكن أن تصل نسبة نموها إلى 5 و6 بالمائة إذا ما عاد قطاع الاتصالات والخدمات المالية إلى حالته السابقة.
يؤكد مشروع قانون مالية 2011 على أن أزمة الاقتصاد المغربي مرتبطة ببنية صادراته. هل هذا إعلان عن فشل عدد من البرامج القطاعية مثل برنامج مقاولتي، برنامج دعم الصناعة التقليدية، برنامج رواج، رؤية
2010 السياحية...؟
لا بد أن نؤكد على أن إستراتيجية المغرب في هذا الصدد كانت دائما موجهة نحو دعم منتوجات محددة. وللأسف الشديد فإن التركيز كان على تصدير المواد الفلاحية ومنتجات الصيد البحري و الفوسفاط ومشتقاته. المغرب لم يشتغل على تنويع الصادرات. كما أن التركيز كان خلال الثلاثين سنة الماضية على التصدير نحو دول الاتحاد الأوروبي، وتم إغفال الأسواق الصاعدة، مثل السوق الصيني (مليار و300 مليون من الساكنة) والهندي والأندونيسي والبرازيلي والروسي، هاته الدول الخمس التي تمثل 40 في المائة من ساكنة العالم. وعوض الانفتاح على هذه الأسواق ظل المغرب مرتبط بالكتلة الأوروبية التقليدية مع ما تعرفه من شيخوخة سكانية.
الإشكال الثاني متعلق بطبيعة المنتوجات المصدرة .
المغرب لازال يصدر المنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة تكنولوجيا. ذلك أن 10 في المائة فقط من صادرات المغرب ذات تقنيات عالية، و90في المائة من الصادرات تتشكل من النسيج والمواد الفلاحية والفوسفاط ومنتجات الصيد، وهي مواد ذات قيمة مضافة ضعيفة. إضافة إلى ذلك فإن المغرب يواجه إشكالية في التعامل مع الأسواق الإفريقية والعربية والإسلامية التي تشكل العمق الاستراتيجي للمغرب.
من جهة أخرى فإن اتفاقيات التبادل الحر لم يستفد منها المغرب. فالعجز التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية تضاعف بأكثر من 3 مرات لما كان قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيد، كما نسجل أيضا تراجع التجارة مع تركيا، حيث إنه بتوقيع اتفاقية التبادل الحر معها تراجعت حجم تجارتنا مع هذه الدولة سنة 2010 نظرا لعدم تعرف المغاربة بشكل كاف على طبيعة السوق التركي. الاتفاقية التي تجمعنا مع الرباعي العربي استفادت منها مصر أساسا. إذن فاتفاقيات التبادل الحر كانت أكثر وبالا على المغرب.
هناك مجموعة من القطاعات، وإن كان هناك حماس لإدارتها، إلا أن المغرب لا يحول كنوزه الداخلية نحو مزيد من الاستغلال الفعال. مما يفيد أن هذه الإشكالات إشكالات بنيوية لا تتطلب حلولا قطاعية، بل الأمر يحتاج إلى رؤية شاملة، لتتمتع منتجاتنا بمزيد من التنافسية. هذا الواقع يتطلب البحث عن حلول لتخفيض التكلفة سواء في النقل أو الطاقة أو اللوجستيك، حتى تعود للمقاولة المغربية تلك الدرجة من التنافسية التي كانت تتمتع بها على الأقل في أواسط التسعينيات، حيث كانت فيها الصادرات في مستوى التعاطي الايجابي مع الميزان التجاري.
يقترح مشروع قانون المالية تخفيض الضريبة على الشركات التي رقم معاملاتها أقل من 2 مليون درهم إلى 51 بالمائة. هل فعلا هذا الإجراء كفيل بتقليص هوامش القطاع غير المنظم ؟
كنا دائما نقول أن الحكومة يجب أن تعمل على إدخال القطاع غير المنظم إلى دائرة القطاع المهيكل حتى تستفيد أولا من توسيع قاعدة دافعي الضرائب، وحتى يتم ضمان حد أدنى من المنافسة الشريفة بين المقاولات. لكن بالنظر إلى السقف المحدد في 2 مليون درهم، إذا قسمنا هذا المبلغ على أيام السنة سنحصل على رقم معاملات في حدود 5 آلاف درهم يوميا، وهو ما يعني على أن الإشكالات التي وضعت لمثل هاته المقاولات لن تستفيد من هامش الفرق بين 15 بالمائة و30 بالمائة، على اعتبار أنها ستكون أولا مجبرة على القيام بالمحاسبة في إطار الشفافية، هاته المحاسبة بالنسبة لمثل هاته المقاولات يمكن أن تشكل رقما لا بأس به من رقم معاملاتها. لذلك فإن التكلفة ستذهب مباشرة لإجراءات المحاسبة والتبعات الإدارية المرافقة لها.
وبالتالي فالدعوة ستستمر للرفع من سقف رقم المعاملات المعنية إلى حدود 5 مليون درهم للمقاولات التي ستستفيد من هذا الإجراء، وهي نسبة معتبرة وذات جدوى اقتصادية، يمكن خلالها للمقاولات أن تستفيد من الفارق بين 15 بالمائة و30 بالمائة. وإلا فإن كثيرا من الشركات المستهدفة لن تتحمس لهذا الإجراء، على اعتبار غلاء تكلفة ولوجها القطاع المهيكل.
بالنسبة للنظام الضريبي، هل جاء مشروع القانون المالي لسنة 2011 بشيء جديد، وهل من مقاربة حكومية جديدة للملف؟
لم تكن هناك أية مقاربة حكومية جبائية هذه السنة، على اعتبار أن المشروع المالي الحالي - ضدا على توجهات السنتين الماضيتين- لم يأت بأي نوع من الإصلاح الجبائي، بل جاء ببعض الإعفاءات الضريبية التي عادت إليها الحكومة، في تناقض صارخ مع الخطاب الذي كانت تدعو فيه إلى إلغاء النفقات الجبائية. هذه السنة رجع المشروع إلى مجموعة من الإعفاءات وخاصة تلك المتعلقة بالقطب المالي للدار البيضاء، الذي استفاد من مجموعة من الإعفاءات والصلاحيات بهدف استقطاب المستثمرين الأجانب.
وهذا يؤكد على أن التصورات الضريبية للحكومة غير واضحة. فخطابها الرسمي يتحدث عن ضرورة تقليص النفقات الجبائية، بمعنى حذف جميع الاستثناءات الجبائية، لكن هذه السنة اعتمدت مجموعة من الاستثناءات -ومنها استثناء المطبعة الرسمية من أداء الضرائب- مما يفيد على أن التوجه العام الذي تتبناه خطابيا تخرقه هي نفسها. وهذا مؤشر على ضبابية رؤيتها بخصوص الإصلاح الجبائي الذي تعثر كثيرا خلال مشروع مالية سنة.2011
بخصوص القطب المالي للدار البيضاء، هل يمكن التعويل عليه لاستقطاب الاستثمارات الخارجية من أجل دعم الأوراش الكبرى في المغرب؟
لا يمكن إلا أن نكون مع كل اجتهاد يتجه نحو تأسيس قطب مالي جهوي، على اعتبار أن المغرب له قدرة لاستثمار هذا المجال. لكن الملاحظ هو أن المراكز المالية العالمية ( في حدود المصنفة حاليا حوالي 80 مركز مالي عالمي)، تعرف نوعا من الضراوة في التنافسية بهدف استقطاب رؤوس الأموال. فإذا استثنينا المراكز الكبرى ( نيويورك، لندن) فإن المراكز المالية العالمية المحتلة للصفوف الأربعة المالية الموالية متواجدة في شرق أسيا ( هونغ كونغ، سنغافورة، طوكيو، شنغاي) وهذه مراكز استطاعت أن تستقطب القوى الاقتصادية الصاعدة سواء الاقتصاد الصيني أو الياباني أو الأندونيسي، و بالمقابل هناك عدد من الدول العربية التي استطاعت، نظرا للوفرة المالية، أن تستقطب أيضا حصة من الاستثمارات العالمية ( أسواق دبي، الدوحة، الرياض، البحرين)، هاته الأسواق الخليجية تطورت خلال السنوات الأربع الأخيرة حتى أصبحت تضاهي، إن لم تكن أحسن، من العديد من المراكز المالية الأوروبية.
المغرب يسعى لكي يكون واجهة على الصعيد الجهوي ( منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا)، لكن المغرب سيواجه منافسة قوية من قبل جنوب إفريقيا، كما سيواجه أيضا نوعا من التنافسية مع تونس ومصر، على اعتبار أن البورصة المصرية جد متطورة مقارنة مع بورصة الدار البيضاء ( تضم البورصة المصرية حوالي 700 شركة بينما عدد الشركات المدرجة في بورصة الدار البيضاء تبلغ 77 شركة فقط)....
إذن ففكرة إنشاء قطب مالي فكرة في عمومها جيدة إلا أن هناك مجموعة من الإكراهات، خاصة التنافسية مع الأسواق الأخرى. ولن يتمكن المغرب من مواجهة تلك الصعوبات إلا إذا وجد دعما خارجيا، من فاعلين استثماريين مؤسساتيين سواء في الاتحاد الأوروبي (خاصة فرنسا إذا قبلت القيام بهذا الدور) أو من قبل بعض الدول العربية التي يمكن أن ترى أن المغرب يتمتع بنوع من الاستقرار يشجع على نجاح مثل هاته المشاريع الكبرى.
وهنا يطرح أساسا مسألة الحكامة ونزاهة القضاء ومحاربة الرشوة في الإدارة؟
هذا ما يعرف في الاقتصاد بمناخ الأعمال. إذ يتم اللجوء إلى عدد من المؤشرات المتعلقة بالقطاع الإداري، ومدى انتشار الرشوة، و القضاء الذي يجب أن ينصف المقاولات المتقاضية. لكن المغرب وللأسف لازالت لديه عدد من المؤشرات المتخلفة. فالقضاء رغم كل الخطابات الملكية الداعية لإصلاحه ما يزال ورشا ينتظر مركب الإصلاح، مرتبة المغرب في سلم الرشوة معروفة ولم تتحسن بعد بالقدر الكافي، ... لهذا على المغرب أن يجتهد لتحسين مناخ الأعمال بهدف استقطاب الاستثمارات الخارجية.
هل فعلا مشروع ميزانية 2011 ذو بعد اجتماعي؟
يمكن أن أقول إن مشروع ميزانية 2011 لا طعم له ولا لون، بل ولا رائحة....يمكن أن يمر هذا المشروع دون أن يشعر به المغاربة. فالميزانية قد حاولت التقليص من النفقات، واعتبرت الصحة قطاعا ذو بعد اجتماعي. لكن يسجل أن ميزانية قطاع التعليم ستعرف تراجعا في المبالغ المرصدة لها هذه السنة، لذلك فالأولوية المعلنة لقطاع التعليم لا تجد صداها في المشروع. كذلك سيعرف الاستثمار في الميزانية العامة تراجعا بحوالي مليار درهم، على الرغم من أن إجمالي الاستثمار العام سيرتفع، وخاصة بالنسبة للمؤسسات العمومية التي بدأت تعرف خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في مديونيتها العامة، والتي قد تؤثر في المستقبل القريب على مدى مردوديتها وقدرتها على التمويل الذاتي لمختلف المشاريع الكبيرة والطموحة...كما أن هناك إشكاليات مرتبطة بعمق المشروع الذي لم يأت بإجراءات حقيقية يمكن أن نتحدث على أنها تنموية أو اجتماعية.
بخصوص التمويلات البديلة وصندوق الزكاة. هل من جديد بالنسبة لهذا المشروع؟
الحكومة لديها قصور واضح في فهم دور التمويلات البديلة في التمويل، خاصة أنه يتضح من خلال استعمالها لعدد من الألفاظ والشروح في مشروع قانون المالية على أنها تجهل العمق الفلسفي لمثل هاته الإجراءات. وبالتالي فهي تعطيها نفس التعريفات الموضوعة للقروض، وهو جهل للدور التنموي لهذه التمويلات... ما يمكن أن نقوله هو أنه ليس هناك جديد يذكر سوى ملائمة بندين من المشروع. أما صندوق الزكاة فهو من المغيبين الدائمين. يقال إن الحكومة قيد دراسة الملف وتتبع بعض التجارب، وهذا الأمر يدعو للاستغراب. فبعد أزيد من خمسة وخمسين سنة على الاستقلال لازالت الحكومات المتعاقبة عندنا مترددة فيما حسم فيه العالم الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا، وجميع الدول الإسلامية تكاد تمتلك كلها مؤسسات للزكاة ومؤسسات للتمويلات البديلة، لكن و للأسف، اللوبيات الضاغطة في المغرب لا زالت ضد هذا المسار، إلا ما كان من السماح ببعض المنتجات الجزئية كالمرابحة.
ما هي أهم التعديلات التي ستدافعون عنها بخصوص مشروع القانون المالي لسنة 2011؟
الهدف الأول لتعديلاتنا سيركز على الجانب الاجتماعي، من خلال المطالبة بدعم قدرة المغاربة على اقتناء المنتجات الأساسية، الهدف الثاني يتعلق بالبعد التنموي، من خلال السعي لدعم المقاولة والاستثمارات، سنعمل أيضا على المطالبة بدعم مجموعات البحث والتطوير، على اعتبار أن من إشكاليات الاقتصاد المغربي ضعف الابتكار وبالتالي القيمة المضافة لمنتوجاته، إضافة إلى إجراءات تتعلق بالتنمية البشرية في عمومها، كما أننا سنعمل على تطوير مختلف المقترحات الحكومية في المشروع لكي تكون أكثر مصداقية وشمولية للمستفيدين، ولمختلف شرائح المجتمع المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.