سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أقصبي: على الحكومة أن تطبق الزكاة على الثروات الكبرى ولا يمكن ل«أونا» احتكار السكر الخبير الاقتصادي ألح على ضرورة اعتماد نظام دعم مباشر قبل تحرير الأسعار لكي لا يخلف ذلك صدمة لدى المواطني
قدم الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي للحكومة الحالية وصفة تمكنها من إصلاح صندوق المقاصة عبر اعتماد آلية التوزيع المباشر دون أن تتجاوز تكلفة ذلك 24 مليار درهم سنويا. واقترح أقصبي منح الأسر الفقيرة 1000 درهم و500 درهم لأسر الطبقة المتوسطة على رأس كل شهر قبل تحرير أسعار المواد الأساسية. وانتقد الخبير الاقتصادي أيضا توقف مبادرات الحكومة الرامية إلى محاربة الريع عند نشر لائحة المستفيدين من «الكريمات»، واعتبر رفضها فرض الضريبة على الثروة في القانون المالي للسنة الجارية أمرا منطقيا ينسجم مع توجهاتها الليبرالية. كما أكد وجود جهات تقف في وجه الإصلاح، وافترض وجود بعضها داخل الحكومة نفسها، وكشف عن وجود جماعات ضغط تتحكم في السياسة الضريبية في المغرب. - قدمت الحكومة العديد من المبررات لقرارها الزيادة في أسعار المحروقات. هل هذه الزيادة مبررة من وجهة نظرة الاقتصادي؟ أظن أن الجواب يتعلق بالمنطق الذي ننطلق منه لتبرير هذا القرار. إذا افترضنا بأننا ولدنا اليوم فقط وليس هناك تراكمات ولا خيارت وسياسة أدت إلى هذا الوضع، وعلمنا توا أن البلاد تستورد النفط والسكر والدقيق والقمح، وأدركنا أن الأسعار مرتفعة في الأسواق العالمية، واستشعرنا أخيرا الكلفة الباهظة لصندوق المقاصة، وأن عجز الميزانية يتفاقم وقد يبلغ مستويات لا تطاق، فإن القرار سيبدو بشكل بديهي منطقيا، لأنه سيكون ضروريا لحفظ التوازنات الاقتصادية للبلاد. غير أن هذا المنطق يقفز، وهذا مكمن الخطأ فيه، على الجذور العميقة والأسباب البنيوية لهذا القرار. عمليا، إذا لم ننطلق من هذه الجذور وواجهناها بإصلاحات جذرية وجوهرية، فإننا لن ننجز أي شيء على أرض الواقع ولن يحل المشكل. - ما هي هذه الجذور العميقة؟ مشاكل صندوق المقاصة ظهرت منذ 40 سنة على الأقل. وقد كانت واضحة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وأتذكر أننا أنجزنا في مستهل عقد الثمانينيات ثلاثة ملفات عن صندوق المقاصة وتوصلنا وقتها، أي قبل 30 سنة، إلى المشاكل ذاتها التي لا يزال يعاني منها الصندوق حاليا. في سنة 2012 يوجد هذا الصندوق في مفترق طرق وتعترضه أربعة مشاكل تبرز بأن المشاكل بقيت هي ذاتها ولا يطرأ عليها أي تغيير. وتتمثل هذه المشاكل في التبعية للخارج بسبب الإقدام على تبني خيارات راهنت على جعل الصادرات قاطرة للنمو على حساب الاكتفاء الذاتي، خصوصا في المواد الغذائية. كان يقال لنا، خصوصا من قبل البنك الدولي، الذي «يقطر علينا الشمع حاليا»، إنه يمكن أن نصدر الفواكه ونستورد الحبوب والسكر ونحقق أرباحا دونما مشاكل. في تلك الفترة، كنا نقول إن الأمن الغذائي لا يباع ولا يشترى. حذرنا أيضا من خطورة الرهان على الخارج في الأمن الغذائي، وها نحن نؤدي الثمن اليوم. حتى بالنسبة للنفط الذي لا نتوفر عليه، يجب أن نتساءل عما إذا كنا قمنا بمجهود منذ أربعين سنة في هذا المجال ولماذا تأخرنا في التوجه إلى الطاقة الشمسية. إن هذه التبعية نتيجة اختيارات خاطئة وخطيرة. المشكل الثاني يتجلى في الفقر لأن المغاربة لا يتوفرون على إمكانيات لاقتناء المواد الأساسية بثمن السوق. الفقر أيضا نتيجة اختيارات لا شعبية أغنت الأغنياء وأفقرت الفقراء. أما المشكل الثالث فيتجسد في المالية العمومية، التي عانت من اختيارات خاطئة همت الإصلاح الضريبي، باعتبار وجوب أن تكون الضريبة المورد الأساسي للدولة والمصدر الرئيس لتغطية نفقات الدولة. يصل هذا المعدل في المغرب إلى 60 في المائة لكي لا يتعمق عجز الميزانية أو تضطر الدولة إلى الاستدانة. - وما هو المعدل المعقول في مجال نسبة عائدات الضريبة من إجمالي موارد الدولة؟ كلما ارتفع هذا المعدل كان ذلك إيجابيا. تدهور هذا المعدل في المغرب نتيجة اللاإصلاح الضريبي، بل أيضا لما يمكن أن نطلق عليه «الإصلاح العكسي»، الذي كرس العبء الضريبي على الفقراء والطبقة المتوسطة وترك الأغنياء بدون حسيب ولا رقيب. لنكن واضحين. الأغنياء لا يؤدون الضرائب، وهو ما أدى إلى تراجع المؤهلات الضريبية. إنها نتائج سياسات ضريبية خاطئة وخطأ المراهنة على المديونية. وبخصوص الاستثمار، يتحدثون عن 188 مليار درهم موجهة إلى الاستثمار وينسون أن الأهم هو ما ينجز بهذه الميزانية وليس حجم الغلاف المالي. يجب أن تصرف هذه الميزانية من أجل إنجاز مشاريع تلبي حاجيات السواد الأعظم من المواطنين، وليس أن ترصد لتمويل استثمارات عملاقة لا تهم سوى فئة قليلة من المواطنين أو تبقى فارغة مثل بعض أشطر الطرق السيارة، فتكون استثمارات غير مجدية، ولذلك يجب أن نفهم بأن الكثير من الاستثمارات المنفذة ليست لها مردودية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية. الواضح أن هذه المشاكل الثلاثة، أي التبعية للخارج والفقر ومشاكل المالية العمومية، كانت مشخصة في الثمانينيات، لكنها تعمقت بمرور السنوات بعد فشل الحكومات في تقديم حلول ناجعة لها. - وما هو المشكل الرابع؟ هو الريع. نلاحظ أن القطاعات المعنية بنظام الدعم لا تخضع لقوانين السوق. هل يعقل أن يستمر احتكار قطاع السكر، الذي يعتبر المغاربة من أكبر مستهلكيه في العالم؟. شركة واحدة تابعة ل«أونا»، هي التي تحتكره. هناك تداخل بين السياسي والاقتصادي غير صحي. كيف يمكن جذب فاعلين اقتصاديين آخرين في ظل وضع لا يسمح بحد أدنى من منافسة اقتصادية منصفة؟ قطاع الوقود أيضا يعاني بدوره من الاحتكار من قبل شركة «سامير». هذه الشركة كانت فوتت لمجموعة سعودية في ظروف يجب أن تحال على القضاء لو كان في هذه البلاد قضاء مستقل وعادل. «سامير» لم تحترم الاستثمارات التي التزمت بها. وعلى مستوى التوزيع، هناك عدد محدود من الشركات بلورت «كارتل» توزع بموجبه الوقود في المغرب بأسره. إجمالا، صندوق المقاصة مشكل قديم تعمق بسبب غياب إرادة قوية للإصلاح. - وما هي الإصلاحات الضرورية، التي وصفتها ب«الجذرية»، لتجاوز هذا المشكل؟ تطور مشكل صندوق المقاصة وتضخم كثيرا في السنوات الأخيرة. الواقع أن هذا التضخم يحمل بدوره بوادر حلول ناجعة لإشكالية هذا الصندوق. على مستوى الحجم كان هذا الصندوق يكلف، قبل أربع سنوات، 1 في المائة تقريبا من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يعادل 10 مليارات درهم تقريبا، أما اليوم فقد قفز إلى 52 مليار درهم. كما أن النقاش الدائر حاليا حول جدوى الاستمرار في الدعم عبر الأسعار صار محصورا في الدول النامية، خصوصا أن هناك نظاما آخر يقوم على توجيه دعم مباشر للفقراء في شفافية تامة على أساس أنه حق لهم وليس صدقة. - الحكومة تقول إنها تسير في هذا الاتجاه الجميع يقول حاليا إن الدعم عبر الأسعار أصبح غير مجد اقتصاديا وغير منصف اجتماعيا وغير عادل ومكلف جدا ماليا حتى إن هذا النظام لم يعد مقبولا على الصعيد العالمي، والمنظمة العالمية للتجارة تعتبره غير مقبول لأنها تقوض قوانين السوق. إذا اتُفق على هذا التشخيص لا يمكن الاختلاف على الحاجة إلى تغييره جذريا. - هل سيتم هذا التغيير الجذري دفعة واحدة أم يستحسن أن يكون بشكل تدريجي؟ يتطلب هذا التغيير شروطا أساسية، أهمها ضبط السكان المعنيين. أعتبر أن هناك تقدما على هذا المستوى بعد الوصول إلى مرحلة توزيع «بطائق راميد». يتمثل الشرط الثاني في ضرورة أن يفعل الإصلاح بعد تقديم الدعم المباشر عبر تأهيل الفقراء والطبقة المتوسطة لمواجهة الارتفاع المحتمل في الأسعار. وتشكل الشفافية الشرط الثالث للتنزيل السليم لهذا الإصلاح. - في هذا السياق، ثمة من انتقد إسناد مهمة الإشراف على توزيع بطائق «راميد» لمصالح وزارة الداخلية؟ سبق أن اقترحت أن تضمّن لجن الإشراف على تحديد مستحقي الدعم المباشر ممثلين عن هيئات المجتمع المدني، مثل الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة على سبيل المثال أو الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي يرأسها عبد السلام أبو درار. على الأقل ستكون هذه مناسبة سانحة لها لتبين أنها تصلح لشيء ما لأننا لازلنا نتساءل إلى حدود الساعة عما تقوم به. تكمن أهمية هذه التمثيلية في إفراز سلطة مضادة تقف في وجه الانحرافات المحتملة. يمكن أيضا اللجوء إلى آلية الاستخلاص المباشر لمبالغ الدعم. يمكن أن ترسل مبالغ الدعم بأسماء مستحقيها في حوالة بريدية ثم يرسل رقم سري في رسالة هاتفية قصيرة إلى مستحقها لكي يدلي به في أي وكالة ويحصل على مبلغ الدعم دون الحاجة إلى الاستعانة بخدمات المقدمين والشيوخ. تتطلب هذه الآلية أن تتوفر المصالح المركزية على لوائح جميع المستفيدين من الدعم المباشر وجميع المعطيات المتعلقة بهم. في رأيي، يجب ألا نتوقف عند مرحلة تقديم الدعم المباشر للفقراء، وإنما يتوجب الانتقال إلى ضمان حد أدنى من الدخل يضمن للفقراء حياة كريمة. أعتقد أنه يجب أن يمنح الفقراء شهريا 1000 درهم. وإذا افترضنا أن المغرب يتضمن 5 ملايين فقير ينتمون إلى مليون أسرة، فإن منح هذه الأسر 1000 درهم شهريا، سيمنح كل واحدة منها 12 ألف درهم وسيكلف ميزانية الدولة 12 مليار درهم سنويا. - وماذا عن الطبقة المتوسطة؟ نأخذ بعين الاعتبار أن المغرب يتضمن مليوني أسرة تصنف ضمن الطبقة المتوسطة، أي 10 ملايين مواطن مغربي. ينبغي أن نمنح كل أسرة 500 درهم شهريا وليس 1000 درهم. ستكلف بدورها 12 مليار درهم. وهكذا، ستصل ميزانية الدعم إلى 24 مليار درهم، وهو ما يعادل نصف الميزانية المرصودة لصندوق المقاصة في السنة الماضية. وهذا إصلاح أكثر نجاعة وإنصافا وأقل كلفة من الناحية المالية. إذا كانوا يبحثون عن اقتصاد نفقات المقاصة في ظل الأزمة المالية، فهذه وصفة إصلاحية ستمكنهم من اقتصاد نصف الميزانية التي تخصص حاليا لتمويل نظام الدعم. أعتبر أنه إذا كانت هناك، حقيقة، إرادة حسنة بغض النظر عن الانتماءات الإيديولوجية، فإن هذا الحل يبدو منطقيا لتجاوز هذا الوضع الكارثي. تنزيل هذا الإصلاح لا يتطلب سوى أربعة أشهر على أبعد تقدير مع ضرورة أن تنشر لوائح المستفيدين بعد ضبطها وإحداث خلية مركزية للإشراف على عملية توزيع الدعم. غير أنني ألح على ضرورة اعتماد نظام دعم مباشر قبل تحرير الأسعار لكي لا يخلف ذلك صدمة لدى المواطنين. - على ضوء قرار الزيادة في أسعار المحروقات، والتصريح الذي تقدمت به حكومة بنكيران أمام البرلمان وقانون المالية للسنة الجارية، ما هي أبرز معالم السياسة الاقتصادية للحكومة الحالية؟ يجب ألا نغفل معطى أساسيا، هو أن الحكومة الحالية محافظة، غير أنها تعتبر ليبرالية من الناحية الاقتصادية. لا يهمني أن يقال إن العدالة والتنمية حزب ذو مرجعية إسلامية، فالأهم أنه حزب محافظ بتوجهات ليبرالية يؤمن باقتصاد السوق وحرية الفاعلين وضرورة الحفاظ على الوضع الرأسمالي القائم. وهذا يعني أن الاستمرارية هي السمة الأساسية للسياسة الاقتصادية للحكومة الحالية. ومن الخطأ أن نوهم أنفسنا بأن هناك قطيعة أو تغييرا على مستوى المبادئ الأساسية. - ولكن هذه الحكومة مطالبة بالاستمرارية على مستوى المبادئ الأساسية ومدعوة أيضا إلى إقرار قطيعة مع بعض الظواهر التي طبعت السياسة الاقتصادية للمغرب في سنوات مضت. محاربة اقتصاد الريع كانت أحد المحاور الرئيسية في خطاب الحكومة الحالية. وإذا تم تنزيل هذا الخطاب على أرض الواقع، سيكون بكل تأكيد تغييرا هاما وقطيعة حقيقية. لكن من الناحية العملية، بعد الخطاب، برزت مبادرة واحدة بنشر لائحة المستفيدين من «الكريمات»، بالعوائق والمشاكل التي اعترضتها، فاللائحة كانت مبهمة ومغلوطة بعد تواري المستفيدين الحقيقيين وراء أسماء شركات النقل الطرقي للمسافرين. وغير معقول قول الوزير إن القانون لا يسمح بنشر أسماء هؤلاء المسؤولين، لأنه يمكن الاطلاع على أسمائهم بسهولة في السجلات التجارية لتلك الشركات. نوهت بمبادرة نشر تلك اللوائح واعتبرتها خطوة أولى تتوجب مساندتها والتنويه بها. غير أننا لا زلنا نرتقب عملية الإصلاح. انتظرنا أيضا أن تجتاز الحكومة امتحان كشف المستفيدين من مقالع الرمال وبعدها قائمة المستفيدين من رخص الصيد في أعالي البحار، غير أن الوزير أكد أنه لا داعي لانتظارها. تطلعنا أيضا إلى نقل صلاحية منح بعض التراخيص من وزارة الداخلية إلى وزارة التجهيز والنقل قبل أن يؤكد وزير الداخلية أن هذه العملية لن تتم. - ألا يطرح هذا الأمر علامات استفهام حول انسجام الحكومة الحالية؟ ما يزعجني، بكل صراحة، هو التبرير الذي قدمه عبد الإله بنكيران لوقف هذا الإصلاح. إذ حين سئل عن أسباب وقف الإصلاح أجاب: «ألم تروا الضجة التي أثارها؟». أهذه إرادة سياسية؟ هل يمكن لرئيس حكومة يريد اتخاذ قرارات تاريخية وإستراتيجية أن يهتم في كل صباح بما تكتبه الجرائد. هذا مؤشر مقلق بالنسبة إلي، لأنه يبين عدم توفر العزيمة القوية والإرادة الحقيقية والإيمان الراسخ بضرورة الإصلاح. ما المانع في أن يقولوا ما شاؤوا إذا كنت متأكدا بأنني أسير في الطريق الصحيح. رجل الدولة لا يرى حد أنفه، وإنما يكون ذا بعد نظر ليتخذ القرارات، تاركا مهمة الحكم عليها للتاريخ. غير أنني لا أقول إنهم لن ينجحوا، لأنني أتمنى لبلادي أن تنجح، وهذا هو الأساس بالنسبة إلينا. غير أن المؤشرات الأولية لا تطمئن. إذا استطاعوا تحقيق تقدم في مجال محاربة الفساد فسينجحون لا محالة. ويجب أن نستحضر الخيارات التي أوصلت المغرب إلى هذا الوضع، وتتمثل بالأساس في المراهنة على القطاع الخاص ليكون قاطرة التنمية، مما يتطلب من الدولة أن تمنحه كافة التسهيلات والإعفاءات التي تجعله يتحول فعلا إلى قاطرة للتنمية. الرهان على القطاع الخاص، لكن ذلك أفضى إلى نتائج عكسية، حيث لا تزال الدولة المحرك الرئيس للاقتصاد. راهنّا أيضا على التصدير، لكن الطلب الداخلي لا يزال هاما. والتجارة الخارجية تبطئ النمو الاقتصادي ولا تساهم فيه، كما أن الميزان التجاري بلغ مستويات قياسية. يجب أن نفهم أن الرهانات التي أقدم عليها المغرب منذ ثلاثة أو أربعة عقود، وتعتبر رهانات الحكومة الحالية أيضا، فاشلة. الخيارات الأساسية لم تتغير، رغم أنها بينت فشلها، والخطير أن المراهنة عليها ما تزال مستمرة. - هل تعتقد أن الحكومة الحالية قادرة على إحداث تغيير في هذه الخيارات التي تقول إنه ثبت فشلها؟ لا يتعلق الأمر بمدى قدرة الحكومة على إقرار تغيير على هذا المستوى، وإنما يرتبط باختيارات إيديولوجية ومذهبية. قلت إنهم محافظون ليبراليون يؤمنون باقتصاد السوق وضرورة الرهان على القطاع الخاص. مثلا، رفضهم فرض الضريبة على الثروة موقف منطقي. إذ كيف يمكن أن يطلب من حزب أو حكومة تؤمن بأن التنمية تبدأ برأسماليين يتوفرون على إمكانيات للاستثمارات أن تفرض ضريبة على الثروة. يبدو أنهم منسجمون مع مبادئهم في هذا الموضوع. أطلب منهم أن يتذكروا مرجعيتهم الإسلامية ويعمدوا إلى تطبيق الزكاة على الثروات الكبرى. الزكاة أيضا ضريبة على الثروة على أساس أن يتم استخلاصها وفق قوانين عصرية وفي إطار الدولة الحديثة مع احترام المرجعية الشرعية للزكاة. - هل سيستطيعون السير في هذا الاتجاه؟ يوجدون حاليا بين نارين. من جهة، لا يزالون حبيسي اختيارات مذهبية، وبالتالي اقتصادية ومالية، ومن جهة أخرى يرغبون في النهوض بالأوضاع الاجتماعية. لا أحد ينكر هذا الخطاب الاجتماعي، ولكن هل يستطيع هذا الخطاب أن يصمد أمام الإكراهات التي تطرحها الاختيارات الأساسية التي أشرنا إليها سابقا، بالإضافة إلى ضغوط جماعات الضغط؟. - هل يعني هذا أن هناك جهات تقف ضد الإصلاح؟ نعيش في نظام خلق طبقات ومعها مصالح، وهذه الأخيرة متداخلة. لنكن واضحين: لا يجب أن نسقط في تحليل ميكانيكي يذهب قطعا إلى وجود جهات تعترض المساعي الإصلاحية للحكومة الحالية. الواقع أن هناك تداخلا بين كل هذه الاعتبارات، حيث يمكن أن توجد في الحكومة عناصر لا تريد الإصلاح. المتحكمون في الوضع السياسي والاجتماعي في المغرب يتركون هامشا للإصلاح، ولكنهم يحددون، بكل تأكيد، خطوطا حمراء تبرز حين يتم الاستعداد لبلورة قانون يمس بهذه الخطوط. آنذاك لا يتأخر الحسم في النزول. ولا ننسى أن هذا الواقع هو نتيجة تركيبة سياسية تبرز معالمها الرئيسية في تعيين حكومة مكونة من تيارات متنافرة مرجعيا بهدف جعل الجهاز الحكومي في صراع مستمر من أجل بلورة الإصلاح، ودفاتر تحملات قنوات الإعلام العمومي مثال على ذلك. الخطوط الحمراء تبرز حين تتجاوز القضية الجهاز الحكومي. الآليات الحقيقية للسلطة في المغرب لا تزال في أيدي الذين تحكموا فيها منذ الاستقلال.
لوبيات تتحكم في سن السياسة الضريبية في المغرب - هل يمكن أن تقدم الحكومة الحالية على تفعيل الإصلاح الجبائي؟ لا توجد قضية حساسة أكثر من الضرائب، لأننا نتوجه مباشرة إلى المصالح. بديهي أن ينزعج المستفيدون من الامتيازات إذا لمسوا تهديدا يحدق بامتيازاتهم. اللوبيات تتحكم في سن سياسة الضرائب في المغرب منذ عقود. ودليل ذلك أطروحة أنجزها المدير السابق لإدارة الضرائب، نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة حاليا، خلص فيها إلى أن جماعات الضغط هي التي تضع السياسة الضريبية في المغرب. - السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل لا تزال هذه اللوبيات موجودة؟ لا تزال موجودة بكل تأكيد، بل صارت أكثر حذرا وأشد حرصا على مصالحها من ذي قبل. لا أنفي أن هناك محاولات إصلاح، لكنها تظل هامشية ولا تمس ما يدخل ضمن دائرة الخطوط الحمراء.