لم تنفع المداراة وكان الذي لابد منه، وهو الإعلان رسميا عن فشل المنظومة التعليمية وإقامة صلاة الجنازة على التعليم في المغرب، الذي تحوّل -لزمن طويل- إلى حقل تجارب و"مثلث برمودا"، الذي اختفت فيه أضخم الميزانيات ولم تنفع الخطط الاستعجالية في بعث الحياة فيه.. التعليم ليس شغل أشخاص بل هو أرق أمّة وما يصيبه تكون عواقبه وخيمة على الجميع.. وهكذا كان ضروريا، في الأخير، إعلان «الموت»، للبحث عن أفق مختلف.. هنا آراء مثقفين قالوا كلمتهم في التعليم. بعد "الربيع العربي"، قال لنا الكاتب عبد الكريم غلاب، في حوار نشرناه على صفحات هذه الجريدة، إن "مشكل التعليم هو "كارثة" المغرب الأولى، فالتعليم مسؤولية، أولا وأخيرا. ويمكن إلقاء المسؤولية على نظام الحماية، الذي خرج من المغرب وترك أغلبية المغاربة أميّين على مستوى من المستويات. ولذلك، فحينما جاء الاستقلال كانت أمام المدرسة المغربية إشكالية تعليم الملايين، وهذا شيء كان من باب سابع المستحيلات، فوجدتْ وزارة التعليم نفسَها في حيرة من أمرها. وأضاف غلاب أن "هذا ليس فقط من حيث العدد المطلوب تعليمُه ولكنْ، أيضا، من حيث البرامج التي يجب أن تتطور سنة بعد سنة.. و ليست للوزارة القدرة الكافية، بشريا وماديا، للقيام بذلك، وهذا هو السبب الثاني ل"الهزال" الذي يعيش عليه التعليم. السبب الثالث هو أنه يُنظَر إلى التعليم نظرة منفعة، وهي نظرة عموم الناس، حيث إن الشعار الذي يرفعه الآباء هو "إنني أعلّم ابني لكي ينفعني".. ولذلك أرى أنه كان على التعليم، منذ اليوم الأول، أن يأخذ طريقه في التنويع، كفتح أبواب التكوين المهني والتقني وإدخال مفهوم العمل في برامج التعليم. أما أن يظل "يدور" في حلقة مفرغة، فهذا أمر في غاية الخطورة". وفصل المتحدث نفسُه في واقع هذا القطاع الحساس بالقول "إن الذي وقع ويقع منذ 50 سنة هو أن كثيرا من التلاميذ لا ينسجمون مع التعليم، ومن تم يقع الهدر المدرسي. كما أن هناك ظروفا أخرى تساهم، بشكل كبير، في توسيع دائرة المشاكل، وهي بُعد المدرسة عن المواطنين، وهكذا فهُم عندما يجدون أنفسهم أمام هذا الواقع، فإنهم يُفضّلون أن يتركوا كراسي المدرسة عوض تحمُّل متاعب الذهاب والإياب، صيفا وشتاء، في ظروف مزرية. وهكذا إذا ما أضيف هذا إلى عدم نفعية التعليم وارتباطه بمحيطه وما يكلف من مصاريف تُثقل كاهل الآباء، فإنهم يفضلون أن يأخذوا أبناءهم معهم إلى العمل، عوض إرسالهم إلى المدرسة، التي يرون فيها مجرد "مضيعة للوقت".. وأشار الكاتب والسياسي المعروف إلى أنه "كان يجب على وزارة التعليم أن تنظر في كل هذه المسائل وتخطط لتجاوزها، إضافة إلى أن هناك برامج مختلفة تتغير مع كل تغيير يقع في هرم الوزارة، ومن تم أصبحت المدرسة مجرّدَ حقلِ تجاربَ، وهذا ما جعل التلميذ يعيش شرخا وغربة في المدرسة وفي البيت.. وسيتسع التباعد ويكبر، يوما بعد يوم، بين الأجيال إذا لم يُفكَّر في هذا الإشكال بالجدية اللازمة. وفي الأخير، يبقى الفقر هو السبب الأول والأخير في مشاكل التعليم في المغرب". وختم غلاب بقوله إن مشاكل التعليم إذا لم تُحَلَّ فستجعله يتخبط في واقع المزري، "وعلى ذلك، فإذا لم نحُلَّ كل هذه المشاكل، فسيظل التعليم متخبطا في واقعه، "لا يعرف رأسه من رجليه".. فالتعليم يجب أن ينظر إليه بشكل جدي وألا نتركه لهوى هذا أو ذاك. مشاريع إصلاح التعليم الفاشلة أما الكاتب والروائي محمد برادة فقد فصل في الحوار الذي كانت "المساء" قد أجرته معه قائلا إن "لتعثُّر التعليم في المغرب جذورا تعود إلى ما بعد الاستقلال، حيث دخلنا في تجارب مُرتجَلة أدت إلى التخبط والاضطراب، وأصبح من الضروري كتابة تشخيص تاريخي لفشل التعليم في المغرب ولفشَل مشاريع الإصلاح العديدة التي آلت، بدَورها، وطيلة أكثر من 30 سنة، إلى الفشل.. وما يسترعي الانتباه في هذه المسيرة التعليمية هو أنه ابتداء من سبعينيات القرن الماضي ظهرت قرارات وإجراءات ترمي إلى فرض نوع من "التصنيف الطبقي" انطلاقا من سياسة التعليم. وهذا ما جعلنا نلاحظ اللجوء إلى مباريات دخول بعض الكليات وإلى تهافت أبناء الأغنياء على مدارس البعثة الفرنسية، ثم الأمريكية، وفتح أبواب "جامعة الأخويْن" أمام من يستطيعون دفع تكاليفها المرتفعة.. أي أنّ المدارس الحكومية والجامعات فقدت مصداقيتها وتدَنّى مستواها وقُلِّصَتْ ميزانيتها، ليظل طريق التعليم المعقول مفتوحا فقط أمام أبناء القادرين على أداء تكاليف المدارس الخاصة والجامعات الأجنبية في الخارج".. ويشرح برادة ذلك أكثر: "ليس هذا التصنيف الذي نُعاينه اليوم مجرّدَ صدفة، في نظري، لأن الحاكمين والمتحالفين معهم خططوا لكي يصبح أبناؤهم الوارثين للسلطة والامتيازات عن طريق التعليم ومستواه ونوعيته.. يضاف إلى ذلك إنشاء "التعليم الأصلي" أو الأصيل، ذي التوجه الديني، الذي زاد في توسيع خارطة التصنيف الطبقي وأسهم في تعتيم عقلية التلاميذ والطلبة "الأصيليين"، وهيّأهم لاستقبال إيديولوجيات أصولية، متطرفة. لا مناص، إذن، عندما نفكر في أزمة التعليم من البدء بتجلية هذه الجوانب المسكوت عنها في تاريخ "إصلاح" التعليم". وختم محمد برادة قائلا إن التعليم الجيّد شرط أساس في تحيق التنمية المستدامة والدخول إلى بوابة العصر حيث قال: "الآن، هناك اقتناع بأن التعليم الجيّد هو الشرط الأولي لتحقيق التنمية المستدامة والولوج إلى عصر التقنيات التواصلية والرقمية، وهو شعور جيّد شريطة ألا نسير في نفس الطريق التي سلكناها لإصلاح التعليم، أي تكليف نفس اللجنة التي استمرت عدة عقود تبحث عن إصلاح مفقود، وكلما فشل مشروع من مشاريعها أعادوا تكليفها من جديد، كأنّها وحدها التي تملك أسرار الإصلاح المنشود!".. ويتابع الروائي قائلا: "أنا شخصيا لا أتوفر على وصفة جاهزة لإخراج التعليم من مأزقه، ولكنني أرى أنّ فتح الحوار بين من لهم علاقة بالتعليم انطلاقا من أسئلة جدية، تُراعي مقتضيات العصر وحاجيات الاقتصاد والقيّم الضرورية للمواطنة، هي الخطوة الأولى لتحسيس الشعب بالطابع الاستعجالي لإصلاح التعليم. لا يمكن إصلاح التعليم بين جدران مغلقة ودون مراجعة التصنيف الطبقي الضمني الذي أدّتْ إليه سياسة التعليم منذ الاستقلال". التعليم وصناعة الفوارق الطبقية من جانبه، كان الشاعر والكاتب عبد اللطيف اللعبي قد أجابنا بأن "التعليم يقدّم أدق صورة عن واقع الفروقات الطبقية عندنا، فالفئات الاجتماعية التي تعاني من البؤس المادي تعاني، أيضا، من البؤس المعنوي الذي يتعرّض له أبناؤها خلال تمدرسهم في التعليم العمومي، الذي أصبح يُنظَر إليه ك"فزاعة"، لا فائدة ترجى من ورائه، فهو يهيئ للبطالة أكثر مما يفضي إلى التشغيل.. فالتلميذ، حتى عندما يحصل على الباكلوريا، يبقى أميا على مستوى المعارف وطرق التفكير وممارسة النقد.. وهو غير مؤهل لاختيار مهنة معينة. أما الفئات الميسورة فإنها، منذ الاستقلال، وجدت ضالتها في التعليم الخاص وفي البعثات الأجنبية.. وبعد ذلك، في متابعة الدراسة في الخارج. ومع المزايا المعروفة لهذا النوع من التكوين، فإن لديه سلبياته أيضا، وتتمثل في إنشاء جيل يفقد العلاقة بواقع البلاد وحاجياتها الأولوية ويعيش في عالم خيالي، منغلق على نفسه، محكوم بنزعة الأنانية والوصولية". ولفت اللعبي الانتباه إلى أنّ التفريط في التعليم العمومي هو، في الأول والأخير، تفريط في الوطن وفي المشروع المجتمعي، حيث قال: "إننا عندما نُفرّط في التعليم العمومي نفرّط، في آخر المطاف، في الوطن وفي المشروع المجتمعي الذي من شأنه أن يضمن المساواة والعدالة والتحرر". التعليم الخاص.. اختلاط الحابل بالنابل في الوقت الذي كانت أصوات عديدة قد ارتفعت متحدثة عن تدنّي مستوى التعليم العمومي، كانت هناك أصوات أخرى ترتفع للتحذير من "تفويت" هذا القطاع، ومما يمكن أن يجره من كوارث خاصة إذا وصل إلى أيادٍ غير أمينة وغير مسؤولة وغير وطنية أيضا، جشعة لا تفكر سوى في ما تجنيه من أرباح، ولا علاقة لها بالتعليم، والذي ظهر في ما بعد هو أن كثيرا منها كان يشتغل وكأنه خارج أي مراقبة من الجهة الوصية.. وهكذا كان من هبّ ودبّ صاحب مدرسة يُسيّرها بعقلية صاحب ضيعة أو معمل.. فاختلط "الحابل بالنابل" وبقيت الجهات الاستثنائية من أهل الاختصاص، من رجال تعليم أو ممن يدركون أنهم يستثمرون في قطاع حساس ويدركون أنّ أي خطإ فيه سيخرب مستقبل شعب بأكمله.. وبقي الاستثناء صاحب الحس الوطني كمن يقاوم أمواج محيط هائج. المؤسسات الخصوصية نبتت كالفطر في كل درب وفتحت أفواهها كسمك القرش وصارت تلتهم الثروات الصغيرة والكبيرة للأسر المغربية، دون تحقيق كل تلك النتائج "الخارقة" المنتظَرة ودون أن تكون البديل عن المدرسة العمومية. فكم يبلغ عدد هذه المؤسسات الخاصة؟ وكم هو عدد التلاميذ والنسبة المئوية في تغطية خريطة التعليم المغربي؟.. في جواب له عن سؤال كان تقدم به الفريق الاشتراكي في مجلس المستشارين، مؤخرا، قال وزير التربية الوطنية، محمد الوفا، في جواب تلاه عنه وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لحسن الداودي قال إن عدد المؤسسات التعليمية الخصوصية بلغ برسم الموسم الدراسي 2010 -2011 ما مجموعه 3168 مؤسسة٬ مقابل 2956 مؤسسة خلال موسم 2009 -2010، محققا بذلك نموا سنويا قدره 7.17 في المائة. وأضاف أن عدد التلاميذ في التعليم الخصوصي عرف نموا سنويا نسبته 11.2 في المائة٬ إذ انتقل من 576 ألفا و700 تلميذ برسم الموسم الدراسي 2009 2010- إلى 641 ألفا و344 تلميذا خلال موسم -2010 2011 وأن الأعداد الإجمالية للتلاميذ في التعليم الخصوصي أصبحت تمثل تبعا لذلك حوالي 1.10 في المائة خلال السنة الدر-اسية -2010 2011، في أفق بلوغ نسبة 20 في المائة سنة 2015. ورغم ازدياد عدد المدارس الخصوصية وتوجه بعض الأسر إليها، طمعا في "خدمة" مميزة، فإن واقع الحال يبقى شيئا آخر، فهل دقت ساعة الحقيقة والغربلة؟..
الباحث الأنثربولوجي ل« المساء »: مشكل التعليم هو مشكل هيكلة البرامج وتأطيرها حمودي: مأساة التعليم ببلادنا تعود إلى السياسات المتبعة منذ الاستقلال في حوار "المساء" مع عبد الله حمودي، الأنثروبولوجي المعروف والأستاذ في جامعة برنستون الأمريكية، والذي سبق له التدريس في معهد البحث الزراعي وفي جامعات مغربية والخبير في وضعية التعليم، قال إنه متشائم جدا بخصوص التعليم وإنه لا يمكن "الارتياح" إلى حالة التعليم وإن المستوى كان دائما في تراجع دائم.. وأضاف حمودي أن المشكل هو مشكل برنامج وهيكلة وتأطير هذه البرنامج وكذا مشكل فلسفة التعليم وسياساته التي اتّبِعت منذ الاستقلال. وأشار محاوَرُنا إلى أن هناك جانبا خطيرا آخر وهو إعادة النظر في تكوين الأطر والمعلمين والمعلمات والأساتذة والأستاذات، إلى جانب الاعتناء بوضعيتهم المادية والمعنوية وتثمين جهودهم بصفة عملية.. ولم يفت حمودي القول إن عقلية الاستيراد نفسها عقلية خاطئة، فحسب تقديره فإن المنطق السليم يوجب دراسة الوضع المغربي بالدقة اللازمة ثم استخراج الخلاصات من التجربة المغربية أولا.. وبخصوص التعليم الخاص قال إنه "لا بد من وضع مساطر صارمة للرقابة كي نتفادى الوضع الحالي، الذي صار فيه التعليم الخاص -في غالبيته- مجرد "اسثتمار".. أما بخصوص التعليم في البوادي فقال إن العالم القروي يعيش في إهمال مهول في ما يخص التعليم ويجب إعطاء الأولوية لهذا القطاع. - كيف تنظر إلى وضعية التعليم وأفقه المستقبلي؟ أنا متشائم جدا بخصوص التعليم، وأشير إلى أنه كانت لي تجربة 20 سنة التدريس في المعهد الزراعي، وفي الجامعة المغربية على العموم، كما أن لي اتصالات في هذا الميدان ومتتبع لأمور التعليم، الابتدائي والثانوي، كما أنني كنت دائما في أبحاثي أزور المدارس.. وهكذا، وبناء على هذه التجربة، أقول إن حالة التعليم غير مُطَمْئنَة وإن المستوى كان دائما في تراجع مستمر.. ولهذا أسباب عديدة وليست بالضرورة أسبابا مادية، كالتمويل مثلا، لأن التمويل يكون موجودا، ولكن المشكل هو مشكل برنامج وهيكلة وتأطير هذا البرنامج. إن المشكل هو مشكل فلسفة التعليم وسياسات التعليم التي اتُّبعت منذ الاستقلال.. فبداية، كانت هناك سياسات خطيرة، كالخوض في التعريب قبل تكوين الأطر الكافية ودون تطوير اللغة العربية واعتماد المناهج العلمية المعقلنة في تدرسيها.. فصرنا أمام تعليم للغة العربية نفسها، حيث كان ضعيفا ويرتكز أساسا على الحفظ واستعمال الذاكرة وليس على صقل المنطق والمفاهيم من خلال تدريس اللغة وتعويد الطلبة والطالبات على استعمالها بشكل إبداعي. -وماذا عن مستوى تعليم اللغات الأجنبية.. هل يتم التعامل معها بالشكل الصحيح؟ على مستوى اللغة الأجنبية كان التراجع المعروف إلى درجة أنّ غالبية الطلبة صاروا لا يتقنون لا اللغة العربية ولا اللغات الأخرى، كالفرنسية والإنجليزية.. وهذا أمر مُهول، لأن له نتائج خطيرة في ما يخص تكوين العقل والخيال والملَكات الأخرى وكذلك شحذ الاستعداد عند الشباب.. لقد عمّت المأساة واللا مبلاة والتفريط جميع المواد، بما فيها العلمية. - هل من مؤخذات إضافية على قطاع التعليم؟ كانت هناك ظاهرة أخرى مؤسفة جدا، ألا وهي برامج الاصلاح، حيث إن كل وزير تقريبا أتى ب«إصلاحه» إلى درجة أن برامج الاصلاحات تراكمت، ولا برنامج منها طبق من أوله إلى آخره. وتوالت التجارب وبقيت في معظمها حبرا على ورق. ثم كانت هناك تجربة المدارس والشعب المتعددة والاسلاك.. وكل هذا أدى إلى إهدار الموارد وتكون شبكات للمصالح. وفي الخلاصة وإذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لإنقاذ التعليم فإنه يتعين على النظام خلق «مجلس لإنقاد التعليم».. بتعاليم واضحة وأجندة مضبوطة لظرف ستة أشهر أو سنة. تضع إصلاحا متوافَقاً عليه مع وضعهه حيّز التطبيق من أوله إلى أآخره. كما يجب وضع الأولويات لكيفية تعليم اللغات والعلوم والفنون، لأن الكيفية تساهم في تخطي مشكل الاعتماد على الذاكرة. وهناك مشكل آخر، يتعلق بإعادة النظر في ما يخص ما سمي «التربية الإسلامية» و«التربية الوطنية»، قصد إصلاح مناهجهما وتقليص حصصهما.. ونفس الشيء بالنسبة إلى «الدراسات الإسلامية» وما سمي «الفكر الإسلامي»، قصد إصلاحه وعقلنته والتقليص المعقول له لفائدة التعليم السليم للغات والعلوم والفنون. وبالنسبة إلى الكليات فيجب أن تُعطى فيها الأهمية المستحَقة للدراسات والعلوم الإنسانية. وماذا عن تكوين الأطر والتعليم الخاص؟ - هناك جانب خطير آخر أيضا وهو إعادة النظر في تكوين الأطر والمعلمين والمعلمات والأساتذة والأستاذات، إلى جانب الاعتناء بوضعيتهم المادية والمعنوية وتثمين جهودهم بصفة عملية. وهناك أيضا التوازن بين التعليم، الذي يجب أن يكون بين التعليم العمومي والتعليم الخاص. وفي ما يخص هذا الأخير فلا بد من وضع مساطر صارمة للرقابة كي نتفادى الوضع الحالي. فالوضع الحالي أصبح فيه التعليم الخاص في غالبيته مُجرّدَ اسثتمار، والمطلوب هو أن مستوى التنظيم في القطاعين لا بد أن يكون متساويا ومتوازنا، ولكنْ لا بد من إعطاء الأولوية للتعليم العمومي بالدرجة الأولى.. وأخيرا، لا يعقل أن نبقى أكثرَ، بعد نصف قرن من الاستقلال، على نسبة الأمية المخجلة في بلادنا.. هذا لا يعقل، وهو وصمة عار على جبين المغاربة. -ومن خلال تجربتك في التدريس في الولاياتالمتحدةالأمريكية واطلاعك على كثير من تجارب التعليم في العالم، هل يمكن للمغرب الاعتماد على برامج ناجحة في إحدى الدول؟ عقلية الاستيراد نفسها عقلية خاطئة.. فحسب تقديري، فإن المنطق السليم يوجب علينا دراسة الوضع المغربي بالدقة اللازمة، ثم استخراج الخلاصات اللازمة من التجربة المغربية أولا. ثانيا على المتخصصين والمتخصصات في المجال أن يجتهدوا في دراسة التجارب الأخرى مثلا التجربة الفرنسية أو الأمريكية أو الكندية.. ثالثا، لا بد أن نأخذ من تجارب محيطنا مثلا، كالجزائر وتونس وغيرهما. ومن ثمة يكون الترتيب والاشتغال بوضع خطة تعليمية متكاملة جديدة وفعالة تبتكر وسائلها وتنقد عقول الأجيال القادمة من الضياع، لأن مأساة التعليم اليوم هي، بالأساس، إهدار للإمكانيات والاستعدادات الكامنة في عقول الأطفال والشبان، وهي أيضا توقيف لتفجير الطاقة الخلاقة التي نهدرها سدى. - وماذا عن التعليم في البادية المغربية؟ لقد طفت في جميع التراب الوطني، بجباله وسهوله وسهوبه.. وما أزال أقوم بذلك، وأقول إن العالم القروي يعيش في إهمال مهول في ما يخص التعليم وحق التعليم بالنسبة إلى طفولة وشباب القرى.. ويجب، في نظري، إعطاء الإولوية لهذا القطاع. -يُحمّل البعض فشل التعليم في المغرب لرجاله ونسائه؟.. -شخصيا، أرى أنه مشكل سياسات التعليم قبل أن يكون مشكل تحميل المسؤولية للمعلم ورجال التعليم ونسائه. ولكنْ يجب أن نعترف بضعف التكوين بالنسبة إلى أخلاق المهنة والشغل.. ألمس دائما ملامح هذا الضعف في ما يخص أخلاق أداء الواجب بصفة جدية ومستدامة. لكني أعود لأركز على أنه مشكل تكوين ومشكل اعتناء حتى لا نسقط في اتهام رجال ونساء التعليم.. فهم أيضا ضحايا لهذا الوضع السيء. فلا بد أن نعتنيّ بهم ماديا ونشرفهم أخلاقيا. وحينذاك نكون في موقف يُمكّننا من محاسبتهم.