ما يزال المغرب يعاني من عدم إقرار منظومة تعليمية للتربية والتكوين في المستوى المطلوب، تمكن بلادنا من القضاء على مظاهر الأمية والهدر المدرسي والحد من بطالة حاملي الشهادات، وإنعاش الاستثمار، كما تمكننا من تجاوز كل عقبات ومعيقات التطور والتقدم والتنمية المستدامة. رغم قيامه بعدة مبادرات لإصلاح النظام التعليمي، لجعله قادرا على مسايرة التحولات والمستجدات الطارئة في مجال المناهج والمعارف والعلوم، منها لقاء معمورة سنة 1958 التي ترأسها المهدي بن بركة، مناظرة إيفران الأولى والثانية سنة 1964، اللتين كان فتح الله ولعلو مقررا لهما، ثم مناظرة إيفران سنة 1980، التي ترأسها عبدالرحيم بوعبيد، وفي الأخير مناظرة 1994، التي ترأسها جلال السعيد، رئيس مجلس النواب أنداك وحفيظ بوطالب الجوطي مقررا، وللتذكير، فإن أكثر من 80% من مقررات هذه الندوة أو المناظرة أعتمد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999. رغم هذه الإصلاحات المتتالية، فالنتائج المتحصل عليها متواضعة. لأن أي نمط تعليمي معين هو اختيار مجتمعي لطبيعة المجتمع المنشود بناؤه، ولأن الإصلاح العام أو القطاعي هو أولا وقبل كل شيء، كما قال عبد الله العروي، « ثورة ثقافية/سياسية على العقلية المحافظة وعلى طرق تسييرها وتدبيرها. إذ لا إصلاح بدون إحداث قطيعة مع ماض أضحى يشكل عائقا أمام تقدم المغرب وتطوره نحو مجتمع العلم والمواطنة ومغرب الديمقراطية والحرية والمساواة « [1]. لهذا يتطلب التعليم اليوم إصلاحا حقيقيا بالالتفات إلى دور المدرسة العمومية ومآلها خصوصا بعد أن أصبحت العديد من الأسر المغربية – حتى تلك التي لا تملك القدرة المادية الكافية – تلجأ إلى التعليم الخصوصي، وتعتبر أنها مضطرة لذلك اضطرارا إذ ما أرادت أن تمنح لأبنائها تعليما ترافقه مراقبة حقيقية، توجه مسارهم التعليمي خصوصا خلال مشوارهم الأولي التي يرسم مسار و مستقبل أي تلميذ. اختيار نتج عن إقرار الإصلاحات الهيكلية التي أملتها المؤسسات التمويلية الدولية. وبعد حدوث تحولات في صفوف أسرة التعليم ، مع نهاية أجيال المدرسين الملتحقين بقطاع التعليم في بداية الاستقلال و الذين كانوا يؤمنون بأنهم يؤدون رسالة اجتماعية، وبداية ولوج جيل جديد من الأساتذة يعتبرون أنفسهم مجرد موظفين. في الماضي، كان التعليم في المغرب بالنسبة للعائلات الفقيرة مجالا للاستثمار، وفضاء يضمن شيئا ما توزيعا عادلا للثروة، يقلص بالتالي من درجة الفقر داخل الأسرة ويرفع من شأنها بحصول أبنائها على تعليم مناسب ومنصب عمل. أما الآن فشريحة اجتماعية هامة، أصبحت لها نظرة سلبية على التعليم، طالما أنه لا يضمن عمليا الشغل، زيادة عل ممارسة الغش بصيغ متعددة داخل الفصول المدرسية. كما أن بعض الآباء لا يطمحون لأكثر من نجاح أبنائهم كيفما كانت الوسيلة، والتلاميذ يسعون لتحقيق النجاح بأقل مجهود عوض العمل الجاد والتحصيل الدراسي. 1.2. إختلالات الميثاق الوطني للتربية والتكوين استطاع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي هو عبارة عن توا فقات كبرى لجل مكونات المجتمع المغربي مند أزيد من عقد من الزمن حيث تم تبنيه في عهد حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي سنة 1999، المختزل منذ سنتين فيما يعرف الآن بالبرنامج الاستعجالى، الذي هو عبارة عن دعم مادي لتأهيل البنيات التحتية للمدرسة العمومية وإعادة تجهيز المختبرات التطبيقية. لقد ساهمت هذه الإصلاحات في التحسن الكمي للمردودية الداخلية للمنظومة التعليمية، فنسبة التمدرس تجاوزت 90 %، كما تجاوز عدد الحاصلين على شهادة البكالوريا لأول مرة عتبة 50% من المرشحين. لكن البرنامج الاستعجالى لم يسائل لا البرامج الدراسية ولا مضامينها ولا شروط التكوين، كما لم يتم التركيز على تحيين حكامة النظام التعليمي ورفع القدرات التدبيرية للقائمين عليه، هذا على مستوى الكم. أما على مستوى الكيف، فالمشكل أعمق، فتشخيص ضعف مردودية الإصلاح التربوي وتعثراته وإخفاقاته في أكثر من مجال، معروفة (تذبذب في اختيار لغة التدريس، إخفاق تعميم التعليم الأولي، الهدر المدرسي، تعليم إقصائي، بطالة حاملي الشهادات ،....) وتتكرر كل سنة نتيجة غياب تحديد المسؤوليات والالتزام إلى النهاية في تطبيق وتقييم أي إصلاح . 2.2. المدرسة العمومية ولغة التدريس يبقى عموما مستوى اللغة الفرنسية لتلاميذ المدرسة العمومية ضعيف، لأن المدرسة الخصوصية تلجأ إلى الكتب الأجنبية الفرنسية في التعليم الأولي مما يخلق نوعا من التفاوت في المستوى بين التعليم الابتدائي العمومي والخصوصي . في الوقت الذي يعتمد التعليم العالي الجامعي المغربي على اللغة الفرنسية، فإن من يتقنها من التلاميذ، سيساير بسهولة تعليمه العالي الجامعي، زيادة على أنه أكثر حظوظا للنجاح في مباريات الالتحاق بالكليات ذات الاستقطاب المحدود، ككلية الطب والمدارس العليا أو الحصول على منصب شغل في القطاعين العام و الخاص. لكن الملاحظ أن اللغة الفرنسية فقدت مواقعها حتى في بلدها الأم ، ولم يعد حتى الفرنسيين أنفسهم يعتمدون عليها بشكل عام، فمثلا مجلة المركز الوطني للبحت العلمي الفرنسي تنشر كل أبحاثها باللغة الإنجليزية. ورغم ذلك مازالت فرنسا تتشبث بضمان استعمالها كلغة أساسية داخل دول المنظومة الفرنكفونية، ولا يخفى على أحد أن هذا الإلحاح المراد منه فقط المحافظة على مصالحها داخل مستعمراتها السابقة بضمان تبعية ثقافية. 3.2. إصلاح نظام البكالوريا «قد آن الأوان لتقييم ومراجعة نظام البكالوريا الجاري به العمل مند سنوات، خاصة ما يتعلق باحتساب نقطة المراقبة المستمرة في الامتحان الوطني للبكالوريا ، والتي غالبا لا تتناسب مع معدلات التلاميذ في الامتحان الجهوي والوطني، مما يطرح أسئلة محرجة حول مصداقيتها « [2]، هذا ما صرح به رئيس اتحاد التعليم الخاص بالمغرب الذي يؤكد « أن نسبة كبيرة من التلاميذ في المدرسة العمومية لا يمكن أن يحصلوا على شهادة البكالوريا بدون أن يستفيدوا من نقطة المراقبة المستمرة «[3]. لكن رغم ذلك فأعلى معدلات شهادة البكالوريا يحصلون عليها تلاميذ المدارس الخاصة، نتيجة التركيز في السنة الدراسية الأولى بكالوريا على المواد المبرمجة في الامتحان الجهوي وإهمال المواد الأخرى، في السنة الثانية بكالوريا يتم منح نقطة 20 على 20 في المراقبة المستمرة مما يضمن نصف المعدل العام لشهادة البكالوريا (50%) وبالتالي يمهد الطريق للتركيز على المواد الذي يخص بها الامتحان الوطني، وهذا يوضح أن جل المدارس الخاصة لا تحترم المنهجية البيداغوجية المتبعة في المؤسسات العمومية والمحددة بقانون بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص. 4.2. مراجعة المناهج والبرامج الدراسية والكتب المدرسية من خصائص تعليمنا العمومي: - عدم التحرر من الحفظ في التحصيل العلمي ولا يسمح بتحرر العقل وبفتح ملكات الإبداع وبتنمية المواهب، - « ارتباك في الاختيار البيداغوجي، حيت ثم إقرار بيداغوجيا الإدماج بشكل فوقي وارتجالي وسطحي، دون دراسة معمقة وتحضيرات كافية وتكوينات حقيقية للمكونين، والمؤطرين ميدانيا لها، هذا إضافة إلى ضرورة تحين المقررات الدراسية في مختلف المواد وتقييم العمل بالكتاب المدرسي، المتعدد شكلا، والواحد النمطي مضمونا « [2]، - اعتماده على بنية تحتية هشة وتجهيزات غير ملائمة وموارد بشرية غير كافية بعضها غير مؤهل تربويا وبيداغوجيا كالتعيين المباشر تحت ضغط الحراك الاجتماعي وكذلك اقتصار الإصلاح على الشكل دون المضمون، - عدم تعميم الروض والتعليم الأولي العصري، مع استمرار ظاهرة الاكتظاظ وضم مستويات متعددة في فصل واحد، أو بلوغ عدد التلاميذ إلى 50 تلميذ في الفصل الواحد، - غياب الكهرباء والماء ثم الإعلاميات في جل مدارس العالم القروي. كل هذا يؤثر سلبيا على ظروف التعلم ، الإستيعاب، الانقطاع المدرسي وضعف نسبة تمدرس الفتاة خاصة في العالم القروي، بما أدى إلى إعادة إنتاج أنماط التكوين التقليدية نفسها. وهذا يؤكد هشاشة البنية التحتية للتعليم العمومي . 5.2. الساعات الخصوصية للدعم التربوي وتكافؤ الفرص دور الساعات الخصوصية للدعم التربوي في بعض المواد المدرسة وبرغبة التلاميذ داخل المؤسسة التعليمية العمومية أو لتهيئ لمباريات الولوج إلى الكليات والمدارس العليا، لا يمكن أن يكون إلا إيجابيا. لكن عندما تشمل جميع المواد المدرسة وفي جميع المستويات تصبح غير تربوية ولا بيداغوجية وتساهم في إفساد التربية والتعليم، لأن تعميمها يشجع التلميذ على التهاون داخل القسم وعدم الاعتماد على نفسه. إنها وضعية تعبر عن فشل المدرسة في القيام بدورها، بما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص في العمق، ويساهم في إقصاء التلاميذ الذين ينتمون إلى الطبقات المعوزة والفقيرة ، كما يشكل خطرا على فكرة الولاء والانتماء للوطن، لأن تلميذ اليوم هو مواطن الغد، الذي سيطوره علميا وتقنيا، وسيحافظ على قيمه ووحدته الإثنية والترابية. فتكافؤ الفرص بين التلاميذ يتجلى في الحد من التفاوت الاجتماعي والثقافي داخل بينة المجتمع و يبتدئ في الروض والتعليم الأولي والابتدائي أي في الانطلاقة وليس في منتصف الطريق بعد الحصول على شهادة الباكالوريا بمعدلات مرتفعة أو في نهاية المشوار الدراسي والبداية في البحث عن منصب شغل. 6.2. الانجليزية لغة التدريس في التعليم العالي الجامعي زيادة على البحث العلمي وعالم المال والأعمال الذي يتعامل باللغة الانجليزية ، يوضح التقرير الذي ختم به المجلس البريطاني المنعقد مؤخرا في أدنبرة بسكوتلندا: «حول الذهاب نحو العولمة في التعليم في العالم»، أنه بالرغم من أن اللغة الانجليزية ستقود العالم إلا أن هناك لغات أخرى ستشهد نسبيا الانتشار في العقود المقبلة مثل الصينية والعربية والاسبانية، أما اللغات الأخرى مثل الفرنسية والألمانية، فيخشى أنها ستصبحان ضحية لهذه العولمة. مما يوضح أهمية التمكن من اللغة الانجليزية، فهي تاريخيا اللغة الأكثر انتشارا، حيث يتم استعمالها في جميع أنحاء العالم ويتعلمها معظم الطلاب في العالم كلغة ثانية. فلهذا يجب التفكير جديا في استعمالها كلغة التدريس في التعليم العالي الجامعي بالمغرب عوض اللغة الفرنسية. 7.2. فشل المنظومة التعليمية بالمغرب يتضح جليا من النقاش الدائر حول مستقبل التعليم بالمغرب بين جميع المعنيين بشأنه على أنه يعيش في أزمة إن لم نقل بأنه تعليم فاشل، خصوصا إذا ما استحضرنا تصريحات بعض المسؤولين السياسيين، كالمستشار الملكي الراحل مزيان بلفقيه، الذي أكد سنة 2008 بأننا « فيما يتعلق بالتنمية البشرية نحتل الرتبة 126 من بين 177 دولة ، حسب تقرير برنامج الأممالمتحدة حول التنمية، مع العلم أن التعليم هو الذي وضعنا في هذه المرتبة «[5]. بالرغم من الميزانية المخصصة للتعليم بالمغرب لا تختلف كثيرا عن نظيرتها في العديد من الدول النامية، التي نجحت في كسب الرهان، فالنتائج المرجوة بالمغرب لازالت بعيدة المنال . 8.2. تعليم بوتريتين مختلفتين يتميز النظام التعليمي في المغرب بالعديد من المفارقات المجتمعية، وهي السمة التي تفاقمت وتأكدت مع تقدم المغرب في تطبيق إصلاحاته، من بين هذه المفارقات تكريس ظاهرة تعليم بسرعتين: تعليم دو جودة عالية بمدارس البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة، وتعليم لعامة الشعب بالمدارس العمومية لا يرقى إلى المستوى المطلوب.» فالعديد من الأطفال المنحدرين من أوساط فقيرة والعالم القروي يتلقون اليوم تعليما وتكوينا لا يضعهم في قلب الاندماج الاجتماعي، لأن نظامنا التعليمي الحالي، يمارس بيداغوجية اختيار وإقصاء في الوقت الذي نبحث فيه عن إدماج وتكييف»[5]. والنتيجة هي ممارسة تمييز مدرسي طبقي، حيت صار بإمكان تمهيد الطريق لتلميذ ذو مستوى متوسط ينحدر من وسط يتوفر على وسائل مادية كافية كي يحصل على شهادات عالية وإقصاء تلميذ نجيب فقير خلال مشواره التعليمي. وبالتالي حرمان البلد من الكفاءات في المستقبل يعتمد عليها في تنميته. 3. خلاصة لقد حان الوقت لتنفيذ التدابير الرامية لملاءمة نظام التربية والتكوين مع الحاجيات، ونهج سياسة جريئة في مجال البحث والتطوير، والانتقال من التدبير التكنوقراطي لقطاع التعليم إلى التدبير السياسي: « هذا يتطلب تبني سياسة وطنية ديمقراطية لانقاد المدرسة العمومية وليس حلول مرحلية تقنية، مع اعتماد مخطط تعليمي مواز لمخطط اقتصادي واجتماعي يربط إصلاح التعليم وتطويره بتأسيس بنية صناعية حقيقية تؤهل المغرب لتحقيق تنمية قمينة بإنتاج الثروات التي تشكل أحد العوامل الأساسية لإنجاح هذا الإصلاح أو ذاك، ومصدرا أساسيا لتحقيق الترقي الاجتماعي بالنسبة للعاطلين عن العمل على الأقل «[4]. « مستلهمين تجارب المجتمعات الأخرى الناجحة في مجال الإصلاح التربوي تفاديا لضياع الوقت والمجهود وإحلال اللغة الإنجليزية محل اللغة الفرنسية كلغة تدريس في التعليم العالي الجامعي « [6]. فأم مشاكل تعليمنا هي أنه لا يوجد من يتحمل مسؤولية السياسية التعليمية، فالبرلمان خارج التغطية، ووزير التعليم يتبرأ من المسؤولية السياسية التعليمية لأنه لا يحددها ويكتفي بتدبير وتسيير الأمور التقنية و الإدارية. مراجع [1] . محمد حمزة، الجامعات الخاصة وعملية التصحر المعرفي، جريدة الأحداث المغربية، 14/09/2011، العدد 4456. [2] . جليل طليمات، الإصلاح التربوي المعاق، جريدة الاتحاد الاشتراكي، 09/09/2011، العدد 9883. [3] . ملف الأسبوع، مدارس ‹الفلوس› استثمار بلا ضمير، جريدة الصباح، 10-11/06/2011، العدد 84. [4] . محمد عابد الجابري، مجلة فكر و نقد، أكتوبر 1998، العدد 12. www.aljabriabde.net/enseignementmaroc_2.htm . [5] . إدريس بنعلي، الحلم المغربي، جريدة مغرب اليوم، 25/6/2010، العدد 25. [6] . عبد الهادي بوطالب، الجامعة بين وظيفة التكوين ورسالة التنوير، جريدة الأحداث المغربية، 28/1/2004. (*) أستاذ – باحث بجامعة محمد الخامس- اكدال، عضو المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، كلية العلوم.