كلما سنحت الفرصة لمحمد ساجد، عمدة الدار البيضاء، للحديث عن شارع محمد الخامس إلا ويؤكد أن «الطرامواي» سيعيد الاعتبار إلى هذا الشارع، لأن هذه الوسيلة ستسهم في الحد من حالة الاكتظاظ الخانق الذي كان الشارع يعرفه في وقت سابق، بعدما أصبح ممنوعا على السيارات أو الطاكسيات المرور منه، لكن أمنية محمد ساجد تصطدم بمجموعة من الإكراهات المتعلقة بانتشار بعض الظواهر السلبية، التي تزيد من تشويه صورة هذا الشارع لدى عموم المواطنين. «اعتاد عبد العظيم، وهو مواطن يقطن في مقاطعة عين الشق في الدارالبيضاء، الاستيقاظ في ساعات مبكرة كل يوم والتوجه على الفور إلى شارع محمد الخامس وسط المدينة.. منذ سنوات لم يتمتع عبد العظيم بهدوء وجمالية هذا الشارع، الذي كان يعجّ بالعشرات من الطاكسيات والحافلات والسيارات، إذ كانت أصوات المنبهات تفوق كل الأصوات وتحدث ضجيجا لا يطاق. وهو شاب يافع (في سنوات السبيعينيات وبداية الثمانينيات) كان عبد العظيم يحرص على ارتداء أحسن ملابسه لكي يكون منظره لائقا وهو يتجول في شارع محمد الخامس رفقة أصدقائه، إلا أن الوضعية التي كان عليها الشارع قبل مشروع «الطرامواي» جعلته يُعرض عن المرور منه حتى لا تتأثر الصورة الايجابية لديه عن شارع محمد الخامس، فهو يحلو له الآن الجلوس في إحدى مقاهي الشارع وهو يراقب مرور «الطرامواي» وتجول المواطنين بكل حرية، دون أي منظر من شأنه أن يعكّر صفوهم، كانتشار النفايات أو اصطفاف بائعات الهوى في انتظار من يدفع أكثر»... حكاية المسؤولين هذه الحكاية، وإن كانت مجردَ خيال، فهي ترسم الصورة التي يحرص مسؤولو الدار البيضاء على ترويجها لشارع محمد الخامس في الدار البيضاء بعد انطلاق أول خط لمشروع «الطرامواي» في شهور القليلة المقبلة، فالعديد من مسؤولي هذه المدينة يؤكدون أن الخط الأول من مشروع «الطرامواي» سيعيد الاعتبار إلى هذا الشارع بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء، إلى درجة أن هناك من بدؤوا يتحدثون عن خلق وسط مدينة جديد في منطقة «المعاريف»، لأن شارع محمد الخامس والشوارع المحيطة به انتهت مدة صلاحيتها، خاصة بعد الإصلاحات الكثيرة التي عرفها شارع أنفا والمسيرة في السنوات القليلة الأخيرة، إذ بدأ يظهر وكأنّ السلطات المحلية والمُنتخَبة في المدينة تريد أن تُديرَ ظهرها لوسط المدينة التقليدي، من أجل إبلاء الأهمية لبعض المناطق الأخرى، ما جعل بعض الأصوات ترتفع للمطالبة بإعادة الاعتبار إلى شارع محمد الخامس، لأنه القلب النابض للعاصمة الاقتصادية.. «وجه» المدينة.. بعدما كان شارع محمد الخامس في سنوات خلت المكانَ المفضّل لسكان المدينة للتمتع بجمالية بنايته ذات التصميم الرفيع، وكان البعض لا يترددون في المقارنة بينه وبين بعض شوارع المدن الأوربية، تحوّل في العقد الأخير إلى شارع يحبل بالكثير من المظاهر السيئة التي تلطخ وجه المدينة، فالعديد ممن كانوا يفضلون الجلوس للحظات في المقاهي المنتشرة فيه صاروا يتحاشَون حتى المرور منه، بسبب شيوع بعض الظواهر السلبية، إضافة إلى الكثير من الضجيج، بسبب انتشار «الفرّاشة» في جنباته، ما أحدث ركودا تجاريا في مجموعة من المحلات التجارية، التي بات أصحابها يهددون بعدم أداء الضرائب إلى حين التعامل الجدي مع هذه الظاهرة من قِبَل سلطات المدينة. وعد العمدة ستختفي كل هذه الأمور بصفة كلية داخل شارع محمد الخامس وسيعيد «الترامواي» الهبة المفقودة إلى هذا الشارع.. هذا ما يحاول أن يشدد عليه العمدة محمد ساجد كلما طُرِح مشكل شارع محمد الخامس على الطاولة، فهو الوسيلة الوحيدة التي ستصالح البيضاويين مع هذا الشارع، وهو الأمر الذي أكده في مناسبات كثيرة، حيث اعتُبِر «الطرامواي» الوسيلة التي من شأنها أن تعيد الاعتبار إلى هذا الشارع، وقال في حوار سابق مع «المساء» إن «الجميع يعرفون أن تراجع قيمة شارع محمد الخامس تعود إلى الاكتظاظ الكبير الذي كان يشهده بسبب كثرة وسائل النقل، نظرا إلى موقعه وسط المدينة، وإن «الطرامواي» سيغير من صورة هذا الشارع وسيعيد إليه الاعتبار، فرغم أن المشروع لم يكتمل، فإن البوادر بدأت تظهر». وأكد ساجد أن اختيار «الطرامواي» ليس اعتباطيا، فقبل أن تقرر في أي وسيلة يمكن إنجازها لا بد من دراسة ميدانية تحدد نجاعة كل وسيلة، والتي تستجيب لحاجيات المنطقة، فعلى مستوى الدراسة الشمولية المُنجَزة على مستوى النقل والتنقل في الدار البيضاء تبيّن لنا حاجيات المدينة في أفق 2030، وقد استطاعت شوارع الدار البيضاء أن تحتضن الترامواي، كما أن للأخير القدرة على تحمل طاقة استعابية مهمة، وستكون سرعته محدودة بالمقارنة مع الميترو، ولا بد أن أؤكد أنه في المناطق التي سينجز فيها «الترامواي» ستكون هذه الوسيلة كافية. ويعتبر العمدة ومن يدورن في فلكه دائما أنه من خلال «الترامواي» ستتم إعادة هيكلة مجموعة من الشوارع، بما فيها شارع محمد الخامس، إذ ستغير هذه الوسيلة من وجهه القديم، وستعيد إليه الاعتبار، لاسيما أنه لم يعد بإمكان جميع وسائل النقل استعمال هذا الشارع، الذي سيكون مخصصا فقط ل «الترامواي»، وسيتيح ذلك فرصة للمواطنين للتجول بكل حرية دون أن تزعجهم منبهات السيارات.. الرأي الآخر بالنسبة إلى المستشار سعيد السبيطي، عن حزب الاتحاد الدستوري، لا يمكن لشارع محمد الخامس أن يسترجع مجده فقط لأن مشروع الطرامواي سيضع حدا للمشكل المرتبطة بالاكتظاظ الناجم عن حركة السير والجولان.. خاصة أنه ظهرت أقطاب اقتصادية جديدة في مناطق أخرى من الدار البيضاء، وقال السبيطي: «لا أعتقد أن شارع محمد الخامس سيرجع إلى سالف عهده».. إلا أنه استطرد قائلا: «ربما تنتعش الحركة التجارية في اتلشارع، لكنْ لا يجب أن ننسى أن الشوارع الأخرى ستكون مكتظة كثيرا بالسيارات، بعدما خُصّص شارع محمد الخامس للطرامواي فقط، فقد كان حريا تخصيص جزء منه للسيارات، من أجل تخفيف العبء عن الشوارع الأخرى»، وتابع قائلا: «كان من الواجب ترك أماكن لمرور السيارات، كما هو الحال في الشوارع الأخرى، لتخفيف الضغط على الشوارع المحيطة به». واعتبر السبيطي أنه لا يمكن الحديث عن استرجاع هيبة شارع محمد الخامس في ظل الحالة المزرية لفندق «لينكولن»، فالوضعية التي أصبح عليها هذا الفندق تجعل منه وصمة عار في جبين المدينة، وقال «لا بد من التعجيل فورا بإيجاد حل لفندق «لينكولن»، فالأمر لم يعد يرتبط بمعلمة بل ب»مهزلة» وسط المدينة وفي واحد من أهم شوارعها.. فلا يعقل أن يبقى هذا الفندق في هذه الحالة الكارثية». وأضاف المتحدث نفسه أنه لا يمكن الحديث عن الأهمية التي يمكن أن يلعبها شارع محمد الخامس في ظل الحال الكارثية التي يوجد عليها فندق لينكولن، فالأولى أن نضع حدا لهذه المهزلة، لأنه لا يعقل أن يستمر الوضع كما هو عليه حاليا، فلا بد من طي هذه الصفحة نهائيا». مارشي سنطرال ليس فندق «لينكولن» الوحيدَ الذي يُشوّه صورة شارع محمد الخامس، بل أيضا السوق المركزي، فهذا السوق، الذي يتطلب خطة مستعجلة لإعادة ترميمه من جديد، لأنه من أقدم الأسواق على صعيد مدينة الدار البيضاء، وهو واحد من الأسواق التي ما تزال تقاوم في العاصمة الاقتصادية. فقبل أيام قليلة، تفاجأ مجموعة من تجار السمك والفواكه داخل السوق المركزي بقرار هدم 32 محلا تجاريا لبيع السمك وفواكه البحر في السوق المركزي. وقال عبد الإله العكوري، الكاتب العام لجمعية تجار السمك وفواكه البحر للتنمية المستدامة في السوق إن مجموعة من التجار استغربوا كثيرا قرار الهدم، خاصة في هذه الظرفية، وأكد أنه لا بد من التعجيل بإيجاد بديل لهم. وأفاد المصدر ذاته أن قرار هدم 32 محلا تجاريا في السوق المركزي ناجم عن كون هذا السوق أصبح مهددا بالانهيار. ويعتبر «مارشي سنطرال» من أهم الأسواق التجارية على صعيد العاصمة الاقتصادية، بسبب الرواج الذي يتميز به، خاصة على مستوى ببيع الأسماك، إذ اعتادت مجموعة من الأسر البيضاوية شراء الأسماك من هذا السوق، الذي يعتبر واحدا من معالم المدينة. ويعج «مارشي سنطرال» بالعديد من الأنشطة التجارية، ويعد القبلة المفضلة لمجموعة من سكان وسط المدينة، الذين اعتادوا على شراء مسلتزماتهم الغدائية منه. يقول أحد المواطنين: «لا بد من الدفاع عن بقاء مارشي سنطرال، وهذا دور السلطات المحلية التي يجب عليها أن تتبنى خطة لترميه». ورغم الشكايات الكثيرة للسكان الموجَّهة لشركة «سيطا»، التي تتكفل بجمع أزبال منطقة أنفا والمعاريف والحي الحسني، فإن مصيرَ هذه الشكايات يكون سلة المهملات، ويؤكد بعض المواطنين أنهم لم يعودوا يعرفون هل يسكنون في شارع رئيسي أم في منطقة عشوائية بسبب انتشار الروائح الكريهة في كل جانب.. ويعتبرون أنه من العار أن يتحول شارع من حجم وقيمة شارع محمد الخامس إلى «مزبلة»، فهذا يؤثر على سمعة المدينة ككل.. «وحلة» المدينة دفعت الحالة المزرية التي أصبح عليها هذا الشارع في العقدين الأخيرين مجموعة من السكان للتفكير في بيع شققهم والانتقال إلى مكان آخر، بعدما سئموا من الانتظار، مؤكدين أن الرواج تقلص بشكل كبير بالمقارنة مع السنوات الماضية، وهذا يرجع إلى الحالة المزرية التي يشهدها الشارع بسبب انتشار النفايات، معتبرين أنه من غير المعقول أن يعيش واحد من أهمّ شوارع هذه المدينة إهمالا بهذا الشكل، ولم تعد الوضعية التي يعرفها شارع محمد الخامس تختلف كثيرا عن الحالة التي توجد عليها مجموعة من الشوارع الرئيسية في المقاطعات المحيطة، فعوض أن يكون هذا الشارع النموذجَ في النظافة والإنارة الجيّدة، تحول إلى نسخة طبق الأصل لشوارع يشكو سكانها من تدهور وضعيتها، وهو ما يجعل بعض المستشارين في مقاطعة سيدي بليوط ينتقدون بشدة نظام وحدة المدينة، معتبرين أنه ساهم بشكل كبير في تدهور الأوضاع في وسط المدينة، كما أنه لم يكن فعالا في معاجة المشاكل التي تتخبط فيها المناطق الأخرى، ويعتبرون أنه من الضروري التفكير في صيغ أخرى بدل هذا النظام. السؤال المعلق يؤكد بعض المراقبين للشأن المحلي أنه حان الوقت لمعالجة كل الشوائب التي تشوّه صورة واحد من أهم شوارع الدار البيضاء، وأكد مجموعة من المنتخبين أن الوقت قد حان لكي توليّ السلطات اهتماما أكبرَ لشارع محمد الخامس، لأن الحال التي انتهى إليها تعد وصمة عار في جبين هذه المدينة، فهل سيكون «الطرام» قادرا على إعادة التوهّج إلى هذا الشارع؟.. وحدها الأيام القادمة ستجيب عن هذا السؤال.
«لينكولن» والمصير المجهول لا يمكن أن تمر من شارع محمد الخامس هذه الأيام دون أن تشعر بغضب كبير للمآل الذي وصل إليه فندق «لينكولن»، فبعدما كان البيضاويون يفتخرون بهذا الفندق، لأنه يشهد على مجموعة من الأحداث التاريخية التي عرفتها المدينة في مواجهة الحماية الفرنسية، فإنهم الآن يحسون أنه صار وصمة عار وسط المدينة.. ولمن لا يعرف تاريخ هذا الفندق فهو يعود إلى قرن من الزمن وكان يُعَدّ من المعالم التاريخية للدار البيضاء وتعرضت جدرانه للانهيار أربع مرات، كان أولها عام 1984. وفي كل مرة كانت السلطات تعِد بضرورة الانكباب على وضع سلسلة الانهيارات، التي خلّفت حوالي 11 قتيلا.. وحينما كان ينهار جدار من جدرانه، كان تسقط ذكرى من ذكريات هذا الفندق الكثيرة. وكانت هذه الانهيارات تُخرج مسؤولي المدينة عن صمتهم ويؤكدون أنه لا بد من البحث عن حلول واقعية تضع حدا لسلسلة الانهيارات المتتالية والتي أصبحت تزرع الرعب في قلب أي شخص فكّر من المرور إلى جانب الفندق، ما حذا بالسلطات، قبل سنوات، إلى أن تطالب صاحب المشروع بهدمه وإعادة بنائه من جديد، لأن هذه الطريقة هي الكفيلة وحدها بإنهاء مسلسل الانهيارات.. وبدأ صاحب المشروع يتحرك في كل الاتجاهات لإنجاز هذه المهمة، إذ لم يتردد في الاتصال بجماعة سيدي بليوط، في نسختها القديمة، والتي أمدّته برخصة لعملية الهدم، إلا أن ذلك لم يكن كافيا، فبمجرد اتخاذه قرار هدم الفندق ارتفعت بعض الأصوات تنادي ب»ضرورة الحفاظ على التراث البيضاء المعماري».. ودعت إلى احترام واجهة الفندق وعدم المساس بها، لأن ذلك يدخل في إطار تراث المدينة.. وتصدرت قائمة الدفاع عن هذا المطلب جمعية كازا ميموزا، وفي هذا الوقت أدرك المتتبعون لهذا الملف أنه سيأخذ طريقا آخر، لاسيما أن الجهات التي رفضت مقترح الهدم كانت مُصرّة على موقفها، لأنه لا يعقل -في رأيها- القضاء على أحد المعالم التاريخية للدار البيضاء، خصوصا أنه يوجد في أهم شوارع المدينة. ولم تجد السلطات بدا من احترام وجهة نظر هذه الجهات وقررت وقف قرار هدم الفندق والبحث عن حلول أخرى من شأنها الحفاظ على تراث المدينة وتجنّب الفندق انهيارات أخرى، خاصة أن وزارة الثقافة دخلت هي الأخرى على الخط، مؤكدة أنه من العيب هدم «لنكولن» وهو يشهد على مراحل مهمة من تاريخ الحديث للمدينة، وأن أي عملية للهدم تدخل في إطار قتل المجال العمراني للدار البيضاء، وشعر صاحب الفندق أن مشرع الهدم ألغيّ ولن تسمح به هذه الجهات.