تواصلت أمس الاثنين المعارك الضارية بمدينة حلب بين قوات بشار الأسد ومقاتلي الجيش الحر، وفيما واصلت قوات النظام قصفها للمدينة يطالب مقاتلو الجيش الحر، الذين يسيطرون على بعض أحيائها، من وصفوها ب"الدول الشقيقة" بتزويدهم بالسلاح حتى لا يخسروا "معركة حلب" ضد بشار الأسد وأعوانه. لقي أزيد من عشرين شخصا مصرعهم، إلى حدود منتصف نهار يوم أمس الاثنين، برصاص جيش بشار الأسد في مدينة حلب المحاصرة منذ أحد عشر يوما، بينما تواصلت الاشتباكات العنيفة بينه وبين الجيش السوري الحر في عدة أحياء من المدينة. وبينما ادعى النظام أنه استعاد السيطرة على جزء من حي صلاح الدين، نفى الجيش السوري الحر الخبر، مؤكدا أنه استولى على نقطة إستراتيجية بين حلب والحدود التركية. وقالت لجان التنسيق المحلية إن 15 شخصا على الأقل قتلوا أمس الاثنين برصاص قوات الأمن السورية معظمهم في مدينة حلب، حيث تعرض حي صلاح الدين الذي سيطرت عليه المعارضة لقصف عنيف شاركت فيه المدفعية والمروحيات الحربية. وقالت شبكة "شام" إن أربعة قتلى قضوا في قصف عنيف شنه الجيش السوري النظامي على مدينة الرستن في حمص، كما قتل شخص وجرح آخرون في قصف مروحي على سقبا وحمورية بريف دمشق. وكانت الهيئة العامة للثورة السورية قد أعلنت أن عدد القتلى الذين قضوا بنيران الجيش النظامي السوري بلغ أول أمس الأحد 138 شخصا، معظمهم في دمشق وريفها وحلب ودرعا، وكذلك في حيي الرمل الجنوبي والإسكنتوري باللاذقية. مواجهات عنيفة وتواصلت المواجهات العنيفة لليوم الحادي عشر بين الجيشين النظامي والحر في عدة أحياء من مدينة حلب، التي يقول الجيش الحر إنه بات يسيطر على نحو 60% منها. وقال عضو المجلس الثوري في حلب وريفها أبو عبد الله الحلبي إن الاشتباكات تتركز خاصة في الوسط الغربي للمدينة وعند مدخلها الشمالي، مضيفا أن المعارك أسفرت عن مقتل عدد من عناصر القوات النظامية السورية وانشقاق عدد آخر. وأكد الحلبي أن حي صلاح الدين بحلب ما زال تحت سيطرة الجيش الحر، نافيا بذلك إعلان القوات النظامية في وقت سابق سيطرتها على جزء من هذا الحي الذي تدور فيه المعارك منذ أيام. وأضاف أن اشتباكات عنيفة تدور حاليا بين الجيش الحر والقوات النظامية في عدد من أحياء حلب، خاصة في حي الحمدانية، بالتزامن مع القصف المدفعي الذي يتعرض له عدد من الأحياء. وأعلنت الهيئة العامة للثورة السورية أن اشتباكات اندلعت، أمس الاثنين، بين الجيشين النظامي والحر في منطقة الصنمين بدرعا. كما قصف الجيش النظامي عدة أحياء في دير الزور على غرار العرضي والجبيلة والحميدية والعشارة والقورية. وكانت تقارير صحافية قد تحدثت عن أن الثوار استولوا بعد عشر ساعات من المعارك على حاجز تفتيش عنَدان الواقع على بعد نحو خمسة كيلومترات عن المدخل الشمالي لمدينة حلب، وهو ذو أهمية إستراتيجية بالغة. وقال القيادي في لواء التوحيد بحلب عبد العزيز سلامة إنه إضافة إلى السيطرة على الحاجز، استولى الثوار على عدد من الآليات العسكرية ودمروا آلية أخرى. وأضاف سلامة أن السيطرة على حاجز عندان تكتسي أهمية إستراتيجية بالغة، حيث ستمكن العملية من قطع خطوط الإمدادات عن القوات النظامية المتمركزة داخل عدد من أحياء حلب، كما أن الطريق إلى تركيا أصبحت سالكة وهو ما يساعد في تأمين خروج المدنيين. ويبدو أن أهمية المعركة الدائرة في حلب انعكست على التحاليل والتقارير الصحفية في الغرب، حيث قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية الصادرة أمس الاثنين إنه من الممكن أن يكون من الأمور الجيدة أن تتحول المعركة الدائرة الآن في حلب إلى "لحظة فارقة بالنسبة إلى الانتفاضة ضد النظام الديكتاتوري لبشار الأسد". وأوضحت الصحيفة أنه من الممكن توقع إنهاء الحرب الأهلية في سوريا إذا تمكنت حركة المقاومة من الإسراع بالإطاحة بالنظام. في المقابل، أشارت الصحيفة إلى التخوف من أن يشهد المجتمع الدولي في حال طال أمد المعارك في حلب انهيار المدينة القديمة التي يبلغ عمرها ألف عام. ودعت الصحيفة، في ختام تعليقها، إلى يقظة الدبلوماسية وإلى أن تدرك واشنطنوموسكو وباريس "الحجم المفزع للمأساة السورية". في غضون ذلك، أعلن التلفزيون الرسمي أن الجيش النظامي قام ب"تطهير حي القرابيص في مدينة حمص (وسط)" من المقاتلين. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن "الجيش النظامي وسع بعد منتصف ليل الأحد الاثنين سيطرته على حي القرابيص في مدينة حمص"، مشيرا إلى أنه "بات يسيطر الآن على نحو سبعين في المائة من الحي، الذي يشهد عمليات كر وفر بين الجيش النظامي والثوار منذ أشهر". وتتعرض الأحياء التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون في مدينة حمص، وتحديدا جورة الشياح والخالدية وأحياء المدينة القديمة والقرابيص، لقصف ومحاولات اقتحام من القوات النظامية منذ أشهر. وحسب ناشطين، فإن حي جورة الشياح يشكل خط تماس والحي الفاصل في مدينة حمص بين المناطق التي يسيطر عليها الجيش النظامي والتي تشكل نحو 60% من المدينة وتلك التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر. أزمة اللاجئين قالت المسؤولة عن العمليات الإنسانية في الأممالمتحدة، فاليري آموس، إن مائتي ألف شخص فروا من مدينة حلب. وأضافت أن عدد المحاصرين من قبل القوات النظامية في المدينة غير معروف. وطالبت آموس بتأمين طرق لوصول منظمات الإغاثة إلى مدينة حلب، والامتناع عن استهداف المدنيين، وأوضحت أن من الصعب وصول المساعدات الإنسانية إلى حلب وحماة لإغاثة الأسر التي نزحت بسبب المعارك. وكان الأردن قد افتتح رسميا أول مخيم للاجئين السوريين في منطقة "الزعاتري" بمحافظة المفرق شمال شرقي البلاد. ومنذ نحو أسبوع يبلغ المعدل اليومي لعدد اللاجئين الذين يعبرون السياج الحدودي من درعا السورية إلى الرمثا الأردنية نحو 1500 لاجئ. من جهته، قال وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، إن الهجمات التي تشنها قوات النظام على مدينة حلب تدق المسمار الأخير في نعش حكومة الأسد وتوضح أنه يفتقر الشرعية لحكم البلاد. وقال بانيتا للصحفيين، قبل وقت قصير من هبوط طائرته في تونس: "إذا واصلوا مثل هذه الهجمات المأساوية على مواطنيهم في حلب فاعتقد أنها ستكون في نهاية المطاف بمثابة آخر مسمار في نعش الأسد". وتابع: "ما يفعله الأسد وما يواصل فعله تجاه شعبه يوضح أن نظامه يقترب من النهاية. لقد فقد كامل شرعيته"، وأضاف: "لم يعد السؤال يتعلق بما إذا كان الأسد يقترب من نهايته بل متى". مجلس الأمن من جديد! قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أمس الاثنين، إن فرنسا ستطلب عقد اجتماع وزاري طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول سوريا لمحاولة إنهاء الأزمة الدبلوماسية والحيلولة دون وقوع المزيد من إراقة الدماء. وقال فابيوس الذي وصف الأسد بأنه "جلاد" إن البلاد تتجه إلى مذبحة وحث الأممالمتحدة على بذل كل ما في وسعها لوقف الأزمة. وصرح لراديو إر.تي.إل: "سنطلب اجتماعا لمجلس الأمن وربما يكون هذا على مستوى وزاري قبل نهاية الأسبوع". ولم تنجح القوى الغربية حتى الآن في إنهاء مأزق في الأممالمتحدة بشأن الأزمة السورية مع محاولة روسيا والصين عرقلة جهود ممارسة ضغوط أكبر على الأسد. ومن المقرر أن تتولى فرنسا رئاسة مجلس الأمن غدا الأربعاء، ويقول الرئيس فرانسوا هولوند إنه سيحاول إقناع روسيا والصين بدعم فرض المزيد من العقوبات. جرائم حرب وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، الوضع في سوريا بأنه يرقى إلى جرائم حرب يمكن أن يتعرض مرتكبوها لمساءلة دولية. ومن ناحية أخرى قالت مصر وليبيا وتونس في بيان مشترك عقب اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث بالقاهرة إنها تعبر عن "بالغ القلق" إزاء الوضع الإنساني المتدهور في سوريا. وقال البيان إن الدول الثلاث تؤكد ضرورة تطبيق قرارات الجامعة العربية "التي تدعو الحكومة السورية إلى وقف العنف بشكل فوري والبدء في تنفيذ المبادرات العربية والدولية التي تهدف إلى تدشين مرحلة انتقالية لنظام ديمقراطي حر". وقال وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، في مؤتمر صحفي مع وزيري الخارجية الليبي والتونسي عاشور بن خيال ورفيق عبد السلام إن المباحثات تناولت "الأوضاع المأساوية في سوريا حاليا". وأضاف: "هناك تطابق شبه كامل في وجهات النظر بين الدول الثلاث في هذا الموضوع، وأنه يجب وضع حد لنزيف الدم الدائر في سوريا وعملية القتل التي لا يقبلها أي ضمير عربي". وقال الوزير التونسي في المؤتمر الصحفي: "نحن مع الاستجابة لتطلعات لشعب السوري في التغيير السياسي". نزيف الانشقاق مستمر قال مسؤول تركي، أمس الاثنين، إن نائب قائد شرطة اللاذقية الواقعة بغرب سوريا كان من بين 12 ضابطا سوريا انشقوا وفروا إلى تركيا الليلة الماضية. ويصنف قائد الشرطة على أنه من أكبر ضباط الشرطة الذين انشقوا على جهاز الأمن التابع للأسد وينضم إلى عشرات ضباط الجيش الآخرين الذين انشقوا وتوجهوا إلى تركيا. ولم يفصح المسؤول التركي الذي طلب عدم نشر اسمه عن اسم قائد الشرطة، لكنه قال إنه ينتمي إلى الغالبية السنية. ومعظم الضباط الذين يتولون مناصب قيادية في قوات الأمن السورية من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. ويسيطر العلويون على الجيش من خلال هيمنتهم على سلك الضباط ويديرون أجهزة المخابرات والمباحث التي عهد إليها بمنع الانشقاق. ويشغل الضباط السنة عادة المناصب الإدارية وتجري مراقبتهم عن كثب من جانب جهاز المخابرات الذي يغلب عليه العلويون. ويوجد الآن أكثر من 20 لواء وعشرات الضباط الآخرين الذين لجؤوا إلى تركيا التي يوجهون منها عمليات المعارضة داخل سوريا بمساعدة لوجستية من مضيفيهم. ويعيش غالبية الضباط من الرتب الكبيرة في معسكرات تفرض عليها حراسة شديدة في أبايدين بإقليم هاتاي التركي القريب من الحدود. وقال المسؤول إنه بالإضافة إلى الضباط عبر نحو 600 سوري إلى تركيا، أول أمس الأحد، مما يرفع عدد اللاجئين السوريين في تركيا إلى نحو 43500. فصل دموي أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن نحو نصف العشرين ألف الذين قتلوا في سوريا منذ بدء الحركة الاحتجاجية في هذا البلد ضد نظام بشار الأسد قبل أكثر من 16 شهرا قضوا خلال الأربعة أشهر الأخيرة. وقال مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، أول أمس الأحد إن "نحو 45% من الأشخاص الذين قتلوا في سوريا قضوا منذ الثاني عشر من أبريل تاريخ الإعلان عن وقف لإطلاق النار" على أساس خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان. وأوضح عبد الرحمن أنه خلال شهر يوليوز الجاري وحده "قتل 3867 شخصا بينهم 2764 مدنيا وألف جندي و103 منشقين". وحسب المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مركزا له ويستند في جمع معلوماته إلى شبكة من الناشطين والمحامين والأطباء في سوريا، فإن أكثر من عشرين ألف شخص بينهم 14 ألف مدني قتلوا في أعمال العنف في سوريا منذ الخامس عشر من مارس 2011، تاريخ انطلاق الحركة الاحتجاجية ضد النظام. ولم يعد بالإمكان الحصول على حصيلة للضحايا في سوريا من مصادر مستقلة خصوصا بعد توقف الأممالمتحدة عن تقديم أرقام للضحايا. تعنت روسي ورغم شلالات الدماء والمجازر الذي يقترفها نظام الأسد والشبيحة المدعومون من قبله، إلا أنه لا يبدو أن ذلك سيغير من مواقف صناع القرار في روسيا شيئا، حيث مازالوا يرفضون التنازل عن الدعم الذي يقدمونه لنظام الأسد، وآخر التصريحات الدالة على ذلك ما قاله رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيديف، في مقابلة نشرت أمس الاثنين، حيث استمر في مراوغاته الكلامية مدعيا أن الخلافات بين روسيا والغرب بشأن سوريا ليست بالضخامة التي تبدو عليها، إذ إن الجانبين يتفقان على ضرورة تجنب اندلاع حرب أهلية في ذلك البلد. وذلك رغم أن روسيا صوتت عدة مرات ضد إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي ضد نظام الأسد، إلا أن مدفيديف قال لصحيفة "التايمز" إنه ليس من الواضح الدور الذي سيلعبه الأسد في أي حل سياسي مستقبلي. وقال مدفيديف الذي يزور لندن لحضور مباريات الأولمبياد: "رغم الخلافات فإن مواقف روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا ليست بالاختلاف الذي تبدو عليه". وأضاف: "جميعنا ننطلق من الموقف نفسه وهو أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو اندلاع حرب أهلية شاملة في سوريا". وقد وفرت روسيا والصين حتى الآن حماية للنظام السوري من العقوبات الدولية، إلا أن موسكو تصر على أنها تتبنى موقفا متوازنا من الأزمة وتنتقد الغرب وتتهمه بالانحياز إلى الثوار السوريين. وقال مدفيديف إن السوريين هم الذين يجب أن يقرروا مستقبلهم، مكررا انتقادات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا العام الماضي. وأضاف: "لا أعرف كيف سيكون عليه التوازن السياسي في المستقبل وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الأسد فيه"، مؤكدا: "هذا أمر يجب أن يقرره الشعب السوري". وتابع: "شركاؤنا يدعوننا إلى تأييد اتخاذ عمل أكثر حسما. ولكن ذلك يطرح سؤالا هو: أين تنتهي القرارات وأين تبدأ التحركات العسكرية؟".
مقاتلو الريف يتدفقون على حلب من أجل «المعركة الحاسمة» الطريق إلى حلب انطلاقا من الحدود التركية طريق طويل مترب به كيلومترات من الأرض المكشوفة، لكن عشرات الشبان البواسل الذين يقفزون إلى شاحنات بيضاء في الظلام وبحوزتهم بنادق آلية من طراز إيه.كيه-47 يتوقون للانضمام إلى المعركة هناك. وانتفاضة سوريا التي بدأت قبل 16 شهرا تفجرت أخيرا في حلب المركز التجاري للبلاد، لكن القوة الدافعة لم تتولد داخل المدينة - إذ جاءت إلى الأزقة الحجرية العتيقة بالمدينة التاريخية قادمة من الحقول المحروقة بالريف المحيط بالمدينة. وقال قائد معارض في قرية قريبة ذكر أن اسمه أبو حشيش: "حررنا المناطق الريفية من هذه المحافظة. انتظرنا وانتظرنا كي تهب حلب لكنها لم تفعل. لا يمكننا الاعتماد عليهم في عمل ذلك بأنفسهم لذلك تعين علينا أن نجلب الثورة إلى عقر دارهم". يجلس الرجل الهزيل القصير ذو الشارب الأبيض وهو يقلب الهواتف المحمولة وأجهزة الاتصال في انتظار القافلة التالية التي ستتجه إلى حلب. وتصطف الشاحنات الصهريج لنقل الوقود والقنابل المحلية الصنع التي ستستخدم في راجمات الصواريخ خارج منزله جاهزة لنقلها. وقال: "نحو 80 في المائة من المقاتلين في المدينة يأتون من الريف. حلب بلدة تجارية ويقول الناس إنهم يريدون البقاء على الحياد. لكننا الآن جئنا وهم يقبولننا فيما يبدو".