اختار الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، من جماعة الإخوان المسلمين، أن تكون أول محطة خارجية يقوم بزيارتها بعد انتخابه هي المملكة العربية السعودية، في خطوة ذات دلالات سياسية كبرى في هذه المرحلة التي يسدل فيها الستار على المشهد الأكبر في ما سمي ب«الربيع العربي»، وهو المرتبط بالتحولات التي حصلت في مصر، على اعتبار أن ما حدث في هذا البلد يعتبر مفصلا أساسيا، لكونه حمل إلى سدة الحكم في بلد الأهرامات أول وأكبر جماعة إسلامية في العالم العربي والإسلامي بعد مدة زمنية قاربت ثلاثة أرباع القرن. وتكتسي الزيارة أهمية كبرى بالنسبة إلى الخارطة السياسية والدينية في المنطقة العربية خلال المرحلة القادمة، إذ هي ليست من جنس الزيارات الاعتيادية التي يُكتفى فيها بالمجاملات الدبلوماسية وتوقيع الاتفاقيات الثنائية والتفاؤل بآفاق العلاقات بين بلدين، بل هي زيارة من نوع خاص جاءت في هذه المرحلة لكي توجه مجموعة من الرسائل السياسية، سواء إلى المنطقة العربية أو إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية أو إلى إيران وتركيا معا. أهم تلك الرسائل وأولاها على الإطلاق موجهة إلى الجوار الإقليمي للمملكة نفسها، فعبر هذه الزيارة حققت المملكة أكبر اختراق من نوعه لأبرز محطة عربية وصلها ما يسمى ب«الربيع العربي»، وهي مصر، قاعدة أي مشروع عربي. معنى ذلك أن السعودية قطفت الثمرة الكبرى في هذا الربيع، وهو ما يعتبر ردا مبطنا وانتصارا غير معلن على جارتها قطر التي أشاد رئيس النهضة التونسية، راشد الغنوشي، بدورها في الثورة التي حصلت في بلاده بفضل ما قدمته القناة القطرية الشهيرة من مساعدات، وكان الغنوشي بذلك التصريح قد وجه «رسالة سياسية على قدر خطير من الأهمية يساعد على قراءة التحولات السياسية التي تحدث في منطقة الخليج والعالم العربي بشكل عام»، حسب الخلاصة التي أكدها مقال سابق تحت عنوان «قراءة خليجية للربيع العربي». بيد أن الزيارة تعتبر، في المقام الثاني، عربونا على حسن الوفاء تجاه المملكة العربية السعودية من طرف جماعة الإخوان المسلمين، فقد استفاد الكثير من أبناء الجماعة من الخدمات التي قدمتها إليهم المملكة طيلة مدة صراعهم مع جمال عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات وإلى بداية السبعينيات، وبفضل الأموال السعودية استطاعوا العودة إلى مصر بعد مرحلة الانفتاح في عهد السادات لإنشاء مشاريعهم الخاصة التي جعلت من كثير منهم صفوة رجال الأعمال، كما تمكنوا بفضلها أيضا من إطلاق أولى تجارب ما يسمى بالبنوك الإسلامية التي كانت تلقى دعما واضحا من ساسة السعودية وعلمائها، وهي البنوك التي رفعت بعض أعضاء الجماعة إلى مصاف الأثرياء. وقد ظلت المملكة تقدم الخدمات إلى الجماعة إلى أن حصل ما يشبه القطيعة بعد تفجيرات الحادي عشر من شتنبر 2001 التي خلطت جميع الأوراق، والتي بدأت اليوم توضع بين معقوفتين بعد التحولات العربية الأخيرة؛ لذلك ليس من المبالغة القول بأن الزيارة التي قام بها مرسي هي بمثابة زيارة للتصحيح ورد الجميل، كما أعلن هو نفسه حين قال: «لا بد من الوفاء لمن كانوا أوفياء». الرسالة الثالثة الأهم تؤكد أن «التوازنات الدينية السياسية» في المنطقة لن تتعرض لأي تغيير، وأن مشروع الإخوان المسلمين يسير في فلك المملكة باعتبارها «راعية لمشروع أهل السنة والجماعة»، كما قال مرسي نفسه، ولا يشكل نقيضا للتوجه الديني للمملكة، بما يعني أن العمق السلفي لدى الإخوان ما زال ثابتا وإن كان هناك اختلاف سياسي في بعض التوجهات. وإذا كانت هذه الرسالة تأكيدا لمتانة العلاقة بين الطرفين، السعودية والإخوان، فهي، علاوة على ذلك، تأكيد موجه إلى إيران؛ ومن هنا فإن التركيز على مسألة السنة والجماعة ليس مجانيا، بقدر ما هو موجه إلى إيران الشيعية، ويتناغم مع الحملة التي تشهدها مصر ضد التشيع داخلها منذ عدة أشهر، حيث لوحظ أن هذه الحملة لم تتأثر بالصراعات السياسية في الداخل بين الإخوان والمجلس العسكري، وهو ما شكل رسالة مفادها أن الترحيب الإيراني الكبير بفوز الجماعة في الانتخابات -والذي تمثل حتى من الناحية الإعلامية في بث برامج عن ثورة الخميني في محاولة لخلق نوع من الإيهام بتماثل التجربتين- لن يكون مدخلا لتطبيع العلاقات بين البلدين، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى القول بأن مصر ما بعد مبارك لم تخرج عن منطقة التحكم الأمريكية، وأن صوتها ليس نشازا في طبول الحرب التي تدق ضد إيران.