بوبكر الجامعي، صحافي شاب جاء إلى مهنة الصحافة من عالم المال في مرحلة حساسة جدا طبعها انتقال الحكم من الحسن الثاني إلى ابنه محمد السادس. يكشف الجامعي، الذي كان صوتا مزعجا لرجال السياسة ورجال الدولة على حد سواء، كيف أسس بنك «أوبلاين» وهو ابن 25 سنة، قبل أن يتركه ليتبع حرفة أبيه ويؤسس أسبوعية «لوجورنال» التي منعها الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي مرتين، بعدما نشرت حوارا مع رئيس «البوليساريو» ورسالة للفقيه البصري أظهرت اليوسفي ك«انقلابي متآمر»، ليرد على مؤسسيها قائلا: «قطعت أرجلهم لكي لا يمشوا أبعد مما قاموا به». فوق كرسي «المساء»، يفتح الجامعي علبة أسرار أسبوعيته وعلاقتها بالأمير مولاي هشام وهشام المنظري وفؤاد عالي الهمة وأزولاي وإدريس البصري وحميدو لعنيكري وسميرة سيطايل وآخرين، كما يكشف خفايا مثيرة حول ملفات أقامت الدنيا وشغلت الناس ووضعت صناع القرار في حرج حقيقي، مما اضطرهم بعدها إلى إشهار الورقة الحمراء في وجه هذه الأسبوعية المثيرة للجدل. - من الذي عرفك أول مرة على الأمير مولاي هشام؟ مولاي هشام كانت تربطه بوالدي علاقة صداقة، ونشأت هذه العلاقة عندما كان والدي رئيسا لتحرير جريدة «لوبينيون» وقام بنشر رسالة، في نونبر 1993، يرد فيها على إدريس البصري الذي كان قد استدعاه إلى مكتبه وسأله بتجاهل: من أنت؟ فرد عليه والدي برسالة شديدة اللهجة يعرفه فيها بمن يكون خالد الجامعي. مولاي هشام، الذي كان في تلك الفترة يتنقل بين المغرب وأمريكا، اتصل بوالدي عقب نشره لتلك الرسالة وهنأه على جرأته، وهكذا استمر الاتصال بينهما لتنشأ عنه صداقة. - إذن، والدك هو من قدمك إلى مولاي هشام؟ لا، والدي لم يقدمني إليه أبدا، وأول مرة التقيت فيها بمولاي هشام كانت سنة 2000، خلال ندوته الصحفية الشهيرة التي أجراها في «لي فري» في باريس، فبعد انتهاء الندوة سلمت عليه وتبادلنا بعض الكلمات، ثم أخبرني برغبته في تجاذب أطراف الحديث معي في يوم ما، وبعد مدة حدث اللقاء بالفعل، وبقينا على اتصال دائم، نتقابل بين الحين والآخر. - مَن الذي سبقك إلى الاتصال بمولاي هشام مِن ضمن الفريق الذي كان يشتغل في «لوجورنال»؟ أنا كنت أول واحد من فريق «لوجورنال» يتصل به مولاي هشام. - خلال جلساتك مع الأمير، ما هي الصورة التي كان يرسمها عن محيط القصر الملكي؟ مولاي هشام، ومنذ بداية العهد الجديد، لم يكن يثق في كفاءة النخبة الجديدة في إدارة شؤون البلاد، ولم يكن يخفي هذا، وكان موقفه هو أن المغرب يجب أن يدخل في مسار ديمقراطي، وهذا أورده في مقال نشر له في جريدة «لوموند ديبلوماتيك» في 1995 والحسن الثاني لا يزال حيا ويمارس الحكم. - هل بالفعل كانت لمولاي هشام طموحات إلى الحكم كما كان يتردد؟ لا علم لي بما كان يخفيه في دواخله، لكن لم يسبق له أن جهر يوما في حضوري بأنه يريد أن يصير ملكا. - سبق لكم في «لوجورنال» أن انتقدتم مولاي هشام بخصوص دعوته إلى تأسيس مجلس للعائلة الملكية على الطريقة السعودية؟ من انتقده هو والدي خالد الجامعي وعمر السرغوشني، وقد كنت متفقا معهما حينها. أما رأي مولاي هشام، الذي عبر عنه في ندوته في «لي فري» بفرنسا في 2000، فخلاصته أن مشكلة المملكة المغربية تكمن في عدم وجود مجلس للعائلة الملكية، بحيث إن القرارات الصادرة عن المؤسسة الملكية يتخذها الملك بشكل انفرادي، وأنه في حالة انتقال الملكية يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار التعدد الموجود داخل العائلة الملكية، ولتدبير هذا التعدد يجب مأسسة الملكية عن طريق إحداث مجلس للعائلة، لا يكون بالضرورة كالذي يوجد في السعودية. أما بخصوص موضوع تولي الولد البكر من العائلة الحكم أو ما يعرف ب(la primogéniture)، فقد كان مولاي هشام يقول إن ذلك بمثابة مقامرة جينية، لأن تعيين ولي للعهد منذ طفولته ليكون ملكا في المستقبل قد لا يكون دائما أمرا موفقا، ومن ثم كان اقتراح مولاي هشام عقلنة منهجية اختيار الملك. المشكل هو أن الظرفية التي تحدث فيها مولاي هشام عن هذا الموضوع كان من السهل خلالها أن يترجم كلامه على أنه نوع من الطموح الشخصي إلى المنافسة على الحكم. - هل انزعج مولاي هشام من الانتقادات الموجهة إليه من قبل «لوجورنال»؟ أظن أنه انزعج من ذلك، لكننا عندما تحدثنا لاحقا في الموضوع دافع عن موقفه بدون انفعال. ثم إن انتقاد خالد الجامعي وعمر السرغوشني لم ينفذ إلى صلب مقاربة مولاي هشام حول مجلس العائلة الملكية، بل ذهب في اتجاه القول بأن مشكل المغرب يكمن في تحقيق الديمقراطية وليس في طريقة ترشيد الحكامة داخل المؤسسة الملكية. - ما هي كواليس عرض مولاي هشام شراء «لوجورنال»؟ في البداية لم يقل إنه يرغب في شراء الجريدة، كل ما قاله هو أنه رأى في «لوجورنال» صحيفة تقدم خدمة إلى البلد، وأنه معجب بخطها التحريري وبمستواها المهني، وأنه يريد أن يساعدنا لتطويرها، خصوصا وأن «لوجورنال» كانت على حافة الإفلاس، لكننا أجبنا عن كلامه بأن هناك طريقة واحدة لفعل ذلك وهي بيع «لوجورنال» بكامل الشفافية، وكان شرطنا هو أن يتم إعلان البيع خلال ندوة صحفية يحضرها مولاي هشام شخصيا. وأذكر أننا التقينا به في جنيف ثم في باريس وتحدثنا طويلا، لكن الاتفاق على البيع لم يتم في نهاية المطاف لأنه بدا مترددا وغير جاد في شراء الجريدة. وبعدما طالت المدة دون أن يتم الحسم في الموضوع قررتُ وضع حد لهذه العملية، لأننا وجدنا أنفسنا عوض الانكباب على مهامنا الصحفية، منشغلين بأسئلة من قبيل: متى سيرد علينا مولاي هشام، وكيف سيكون البيع، وقد كان ذلك على حساب الجريدة، ولاسيما أن عرض مولاي هشام تقاطع مع المرحلة التي «استخدم» فيها بنعيسى القضاء للقضاء على شركة «ميديا تروست» التي كانت تصدر «لوجورنال»، لذلك اضطررنا إلى تأسيس شركة أخرى باسم «تريميديا» أساسا لكي نستمر في أداء رواتب العاملين في الجريدة. - هل كان الخلاف مع مولاي هشام في مسألة شراء «لوجورنال» ماديا؟ لا أظن أن المشكل كان مشكل ثمن، ما حدث هو أننا عرضنا عليه وضعية «لوجورنال» موضحين له عجزنا المالي وديون الجريدة، وكان شرطنا عليه هو أن يسدد تلك الديون بما فيها الضرائب، وأن يتم الاحتفاظ بجميع العاملين في الجريدة.