بوبكر الجامعي، صحافي شاب جاء إلى مهنة الصحافة من عالم المال في مرحلة حساسة جدا طبعها انتقال الحكم من الحسن الثاني إلى ابنه محمد السادس. يكشف الجامعي، الذي كان صوتا مزعجا لرجال السياسة ورجال الدولة على حد سواء، كيف أسس بنك «أوبلاين» وهو ابن 25 سنة، قبل أن يتركه ليتبع حرفة أبيه ويؤسس أسبوعية «لوجورنال» التي منعها الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي مرتين، بعدما نشرت حوارا مع رئيس «البوليساريو» ورسالة للفقيه البصري أظهرت اليوسفي ك«انقلابي متآمر»، ليرد على مؤسسيها قائلا: «قطعت أرجلهم لكي لا يمشوا أبعد مما قاموا به». فوق كرسي «المساء»، يفتح الجامعي علبة أسرار أسبوعيته وعلاقتها بالأمير مولاي هشام وهشام المنظري وفؤاد عالي الهمة وأزولاي وإدريس البصري وحميدو لعنيكري وسميرة سيطايل وآخرين، كما يكشف خفايا مثيرة حول ملفات أقامت الدنيا وشغلت الناس ووضعت صناع القرار في حرج حقيقي، مما اضطرهم بعدها إلى إشهار الورقة الحمراء في وجه هذه الأسبوعية المثيرة للجدل. - بعد حوالي ثمانية أشهر من المنع الذي تعرضتم له إثر نشركم حوارا مع زعيم البوليساريو، تعرضتم لمنع ثان بعد نشر «رسالة الفقيه البصري» التي قدَّمت الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، وبعض الاتحاديين في صورة انقلابيين ومتعاونين مع الجنرال أوفقير. كيف وصلت رسالة الفقيه إلى «لوجورنال»؟ اتصل بي بعض المغاربة في مدينة ليل الفرنسية لإلقاء محاضرة، وقد نقلني عمر السرغوشني -الذي كان مناضلا في الشبيبة الاتحادية- على متن سيارته إلى مكان المحاضرة؛ وكان قبلها قد أخبرني بأن شخصا اسمه بوستة، كان صديقا للفقيه البصري، ترك رسالة لم يسبق نشرها. وبينما نحن في الطريق إلى مدينة ليل، والسيارة تسير ببطء لأن الجو كان ماطرا، أخرج لي عمر السرغوشني الرسالة، قرأتها وأجبته على الفور: هذا يجب أن ينشر، لكن بعد أن يؤكد الفقيه البصري حقيقته. زرت الفقيه البصري في باريس، وقلت له: إن رسالتك التاريخية معي وسأنشرها، سواء قبلت أو لم تقبل، وأضفت: أنا الآن لا أتحدث معك كصحافي ولكن كجيل جديد، من حقه أن يعرف الذي حدث في هذه المرحلة، لأن أشياء عديدة تقع اليوم ولا نعرف أسباب وقوعها لجهلنا بارتباطاتها وامتداداتها في الماضي، لذلك أطلب منك أن تعترف لي بأن الرسالة تعود إليك وأن تفسر لي السياق الذي كتبتها فيه، وأن تعطيني الحق في نشرها. - بماذا أجابك الفقيه البصري؟ «مرمدني» كما يقال بالدارجة المغربية، لأن الرجل يملك حنكة سياسية كبيرة. بقيت أحدثه ويحدثني لأربع ساعات دون أن أعرف منه شيئا. عدت إلى لقائه أربع مرات خلال سفري هذا إلى فرنسا. في إحدى هذه المرات، جالسني وظل يراوغ في الكلام لأربع ساعات، وفجأة قال لي: «اسمح لي» لأنني على موعد مع صديقي وزير الخارجية طارق عزيز (وزير خارجية صدام حسين)، وفعلا جاءت سيارة «ليموزين» كبيرة تحمل العلم العراقي وأقلّته. بعد ذلك أخذت أزوره في بيته بالمغرب، ثم جاء هو لزيارتنا في مقر «لوجورنال» دون أن يؤكد أو ينفي علاقته بالرسالة. - ألم يوحِ إليك، بشكل من الأشكال، بأن الرسالة حقيقية وتعود إليه؟ نعم، أوحى إلي بأنها له، لكنه لم يقل لي ذلك بشكل رسمي ولم يعطني أي تفاصيل عن تاريخ كتابتها والآثار التي أحدثتها. - كم من الوقت بقيت الرسالة بين يديك قبل أن تقوم بنشرها؟ لقد تركت هذه «القنبلة» بين يدي لحوالي ستة أشهر، وهذا دليل على عدم صحة أقوال من اعتبروا أننا تسرعنا في نشرها. - لماذا قررت نشرها بعد ستة أشهر من حصولك عليها؟ الرسالة، كنت قد قررت عدم نشرها إلا بموافقة الفقيه البصري، لكن ما جعلني أغير رأيي وأنشرها هو ظهور شخص عظيم، من الرجال الكبار في تاريخ المغرب الحديث، هو عمر الخطابي، ابن عم عبد الكريم الخطابي، الذي نادرا ما تجد مثيلا لمصداقيته ورجولته، إلى درجة أن المحققين عندما لم يقووا على انتزاع اعترافات منه، بعد اعتقاله، عقب محاولة انقلاب 1972، ضغطوا على حوضه بين دفتي «زيَّار الخشب» الحديدي، وكسروه، وعندما اشتد ألمه من فرط التعذيب، طلب من الدليمي أن يعطيه مسدسا ليضع حدا لحياته، فأعطاه إياه، وحين ضغط على الزناد وجد المسدس غير محشو بالرصاص. المهم، زرت الخطابي في عيادته بالقنيطرة وأطلعته على الرسالة، فأكد لي الوقائع التي وردت فيها، لذلك إذا عدتَ الآن إلى الملف الذي نشرناه حينها في «لوجورنال» ستجد أنني اعتمدت في ما كتبته على الوقائع التي حكاها لي عمر الخطابي وليس بالأساس على الرسالة، لأن عمر الخطابي بعد اتفاقه مع الكولونيل كويرة على انقلاب 1972، كان هو من تكلف بالاتصال بعبد الرحيم بوعبيد في بيته بسلا، ثم بالفقيه البصري الذي كان حينها في القاهرة. وقد حكى لي عمر الخطابي أنه بعد أن شرح خطة الانقلاب لعبد الرحيم بوعبيد أجابه هذا الأخير قائلا: أنا معكم للقيام بأي شيء في المغرب للإطاحة بالديكتاتور (يقصد الحسن الثاني) لأنه ليس هناك أفظع من هذه «الفضيحة» التي يتخبط فيها المغرب. - إذن، ما قاله لك عمر الخطابي هو ما شجعك على نشر الرسالة؟ نعم، وأذكر أن عمر الخطابي قال لي: انظر يا بُني إذا حدث لك أي مشكل، فتأكد أنني سأصرح بأنني أنا مصدر معلوماتك. وفعلا، فقد صاغ الخطابي، يوم منعنا، بيانا قال فيه: أنا الموقع أسفله عمر الخطابي، أعترف بكل ما جاء على لساني في «لوجورنال»، وأرفق البيان برقم هاتفه. - لماذا رفض الفقيه البصري الاعتراف حينئذ بأن الرسالة حقيقية وبأنه صاحبها؟ قال إنه لم يكن يريد التشويش على اليوسفي وحكومته. أتعرف لماذا أقول إن الفقيه البصري، رحمه الله، «تكرفس عليَّ»؟ لأنه لو كان قال في اليوم الأول لمنع «لوجورنال» إن الرسالة تعود إليه، لكنا قفلنا الموضوع، فالإشاعة التي أطلقها المتربصون بنا هي أننا نحن من اخترع تلك الرسالة لإثارة الضجة وإرباك حكومة التناوب ومصادمة الاتحاد الاشتراكي مع الملك. - هل اتصلت بالفقيه البصري أو اتصل بك بعد الضجة التي أثارها نشر الرسالة؟ بعث إلي الصحافي أحمد ويحمان يحمل رسالة تضامن مع «لوجورنال». فهل كنتُ حينها محتاجا إلى تضامن الفقيه البصري أم إلى اعترافه بأن الرسالة حقيقية وليست من اختلاق بوبكر الجامعي؟ للأسف، الفقيه البصري لم يعترف بذلك إلا قبل سنة أو سنتين من وفاته. - ألم يكن في نشر تلك الرسالة، في زمن طبعته ثنائية الانتقال والمصالحة، نوع من التشويش على تجربة اليوسفي؟ دعني أقول لك إنك لن تجد جملة واحدة في الملف تقول إن اليوسفي كان طرفا في محاولة الانقلاب على الحسن الثاني. وبالرغم من وجود دلائل على ذلك في الرسالة، فإن عمر الخطابي لم يؤكد لي أنه التقى مع اليوسفي خلال الإعداد للانقلاب. - هل تريد القول إن الرسالة كانت فقط وثيقة ثانوية في هذا الملف وإن شهادة عمر الخطابي كانت هي الوثيقة الأساسية؟ لا، الرسالة كانت وثيقة مهمة، لكن كانت مهمة أيضا شهادة عمر الخطابي الذي كان أحد الفاعلين في المرحلة التي تتحدث عنها الرسالة.