بوبكر الجامعي، صحافي شاب جاء إلى مهنة الصحافة من عالم المال في مرحلة حساسة جدا طبعها انتقال الحكم من الحسن الثاني إلى ابنه محمد السادس. يكشف الجامعي، الذي كان صوتا مزعجا لرجال السياسة ورجال الدولة على حد سواء، كيف أسس بنك «أوبلاين» وهو ابن 25 سنة، قبل أن يتركه ليتبع حرفة أبيه ويؤسس أسبوعية «لوجورنال» التي منعها الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي مرتين، بعدما نشرت حوارا مع رئيس «البوليساريو» ورسالة للفقيه البصري أظهرت اليوسفي ك«انقلابي متآمر»، ليرد على مؤسسيها قائلا: «قطعت أرجلهم لكي لا يمشوا أبعد مما قاموا به». فوق كرسي «المساء»، يفتح الجامعي علبة أسرار أسبوعيته وعلاقتها بالأمير مولاي هشام وهشام المنظري وفؤاد عالي الهمة وأزولاي وإدريس البصري وحميدو لعنيكري وسميرة سيطايل وآخرين، كما يكشف خفايا مثيرة حول ملفات أقامت الدنيا وشغلت الناس ووضعت صناع القرار في حرج حقيقي، مما اضطرهم بعدها إلى إشهار الورقة الحمراء في وجه هذه الأسبوعية المثيرة للجدل. - في أبريل 1999 رفضت جميع المطابع المغربية طبع «لوجورنال»، مما اضطركم إلى الطبع في فرنسا؛ لماذا -في نظرك- حدث هذا في ذلك الوقت بالذات؟ أظن أن ذلك كان عقابا لنا على عدة ملفات مزعجة نشرناها، وبالخصوص الغلاف الذي نشرته «لوجورنال» بعد منع كريستين دور السرفاتي (زوجة أبراهام السرفاتي) في المطار من دخول المغرب، بعدما كان اليوسفي قد وعدها بالسماح لها بزيارة المغرب، فكتبت رسالة إلى اليوسفي تقول له: «إنكم رئيس حكومة، ولكنكم لا تحكمون أي شيء». ويبدو أن القصر لم يرقه هذا، وقد سبق لإدريس البصري، وهو وزير للداخلية، أن التقى بوالدي في بيت القيادي الاستقلالي امحمد الخليفة. وبعدما عبر له عن إشادة الحسن الثاني ب«لوجورنال»، اشتكى له من مسائل كنا ننشرها قائلا: الحسن الثاني يقول لكم «بقاو تطبلو فالما حتى يقصاح»، فلن يسمح لأبراهام السرفاتي بوضع قدميه في المغرب مادام هو ملكا، ويقول ثانيا توقفوا عن الحديث عن الجمهورية. نحن لم يسبق لنا أن قلنا إننا جمهوريون، ولكننا فسحنا المجال لعبد الله زعزاع ولغيره ممن لا يخفون قناعاتهم الجمهورية. لم يرد ادريس البصري حينها أن يتحدث إلي أنا لأن المخزن كان يعتبرني طفلا، وهو لن يتحدث إلى أطفال، لذلك التجأ إلى والدي، وقد رد عليهم والدي بالقول: بوبكر هو مديري الذي يدفع لي مرتبي آخر كل شهر. - ما هو التبرير الذي كانت تقدمه إليكم المطابع التي رفضت طبع «لوجورنال»؟ لقد حاولت، فيما بعد، أن أنتزع من إدريس البصري، بعد خروجه من الوزارة، اعترافا حول ما إذا كان هو الذي حرض المطابع ضدنا أم أحد غيره، لكنه ظل يقسم بالله على أن لا علم له بذلك، غير أن جوابه لم يقنعني. ما حدث هو أننا بدأنا نطبع في مطبعة «ليكونوميست» لصاحبها عبد المنعم دلمي ووقع لنا مشكل بسيط في الأداء، يحدث مثله عشرات المرات، فرفض دلمي أن يطبع جريدتينا، فأدينا له ما كان عالقا بذمتنا وقصدنا «لوماتان» التي طبعنا في مطابعها عددا واحدا ليخبرنا المسؤولون عنها بأنهم لن يطبعوا لنا عددا ثانيا. بعدها ذهبنا إلى المطابع الصغرى في الرباط فتبرم مسؤولوها منا ورفضوا التعامل معنا. أذكر أن هذا حدث في أبريل 1999، بتزامن مع حرب كوسوفو التي نسيت القناة الثانية «دوزيم» أن تقوم بتغطية جرائم القتل والذبح التي وقعت فيها بينما تخصصت في تغطية أخبار «لوجورنال»، بحيث كانت نشرة الأخبار تستضيف يوميا عبد الحفيظ الرويسي، مدير «ماروك سوار»، وأمثاله ليرددوا أننا لم نؤد ما بذمتنا للمطابع. - في أبريل 2000، أجريت أنت شخصيا حوارا مع محمد عبد العزيز، رئيس «البوليساريو»، الشيء الذي سيعرض «لوجورنال» إلى المنع؛ ما حيثيات هذا الحوار وما تلاه من إجراءات؟ عندما كنت أدرس في جامعة «أوكسفورد»، اتصل بي شخص اسمه عبد القادر غنيم، في هاتف غرفتي، وقدم إلي نفسه على أنه مواطن مغربي مقيم في واشنطن، وبدأ يحدثني بانفعال قائلا «إننا لا نقوم بمهامنا في ما يتعلق بالدفاع عن قضية الصحراء المغربية، وإن جبهة البوليساريو في أمريكا تصول وتجول وتشتغل ليل نهار»، مرددا جملة ستصبح لاحقا متداولة وهي: «دبلوماسية بنعيسى ضارباها بنعيسة» (وهو ما معناه أن الدبلوماسية المغربية عندما كان محمد بنعيسى وزيرا للخارجية كانت نائمة). عموما، جاملته على اتصاله ونسيت الأمر. وبعدما أنهيت دراستي وعدت إلى المغرب، عاود عبد القادر غنيم الاتصال بي وكرر نفس الخطاب وبنفس الحسرة، وقدم إلي مجموعة من المقترحات جديدة بأن نجعل منها ملفا حول عجز الدبلوماسية المغربية، فقلت له: الأسبوع المقبل سأكون معك في أمريكا. وبمجرد ما وصلت إلى واشنطن بدأت أبحث في الموضوع، حيث جالست رئيس مكتب شمال إفريقيا بوزارة الخارجية الأمريكية مطولا، وخرجت من اللقاء بقناعة لا تخلو من مفارقة: الغاز الجزائري يحمي مغربية الصحراء. - كيف ذلك؟ عندما سألت رئيس مكتب شمال إفريقيا بوزارة الخارجية الأمريكية قائلا: عادة ما تضعون -أنتم الأمريكيين- أكثر من سيناريو للقضايا الاستراتيجية التي تشتغلون عليها، فإذا وضعنا -افتراضا- سيناريو أن المغرب خسر الصحراء في الاستفتاء، فما الذي عساه يحدث في هذه الحال؟ أمعن النظر إلي وأجاب ببرودة: نحن لم نتوقع في يوم من الأيام أن الصحراء لن تبقى مغربية، ثم أضاف: صحيح أننا قمنا باستطلاعات للرأي وخلصنا إلى أن الاستفتاء يعني أن الصحراء لن تكون مغربية، لكننا نعرف أن خروج الصحراء من بين يدي المغرب يعني نشوب فوضى في المنطقة ستكون لها آثار سلبية على العديد من المجالات، أهمها الغاز الجزائري. ثم أضاف قائلا: أنتم المغاربة عليكم أن تساعدونا لكي نساعدكم؛ قلت له: كيف؟ فأجاب بقوله: علينا أن نجد حلا آخر، قلت: هل تقصد حلا ثالثا؟ فأجاب: شيء من ذاك القبيل. لحظتها أحسست وكأنه لطمني على خدي، وفهمت أن أمريكا تدفع المغرب إلى تبني حل ثالث لن يكون غير الحكم الذاتي. وهذا النقاش مسجل عندي. - ما الذي استنتجته في هذا اللقاء بالنسبة إلى مستقبل النزاع حول الصحراء؟ الخلاصة الأولى التي خلصت إليها في هذا اللقاء هي أن هناك خللا ما، وأن القنوات الرسمية المغربية لم تعد تشتغل، لأن الدبلوماسيين عادة لا يفصحون عن نواياهم واستراتيجياتهم من خلال الصحافة، فأن يخاطب دبلوماسي أمريكي المغاربة عبر الصحافة فذلك يعني انسداد القنوات وحصول خلل في التواصل بين المغاربة والأمريكيين. - هل يعني ذلك أن الحل الثالث فُرض على المغرب؟ نعم، لأن المشكل في الحل الثالث بالنسبة إلى المغرب كان يكمن في أن المسؤولين المغاربة سيضطرون إلى مجالسة شخص اسمه محمد عبد العزيز، ظلوا يصفونه لسنوات بالمرتزق واللص. وإذا نجح الحوار، فإن احتمال أن يكون محمد عبد العزيز رئيسا للجهة سيصبح حقيقيا.