كان بإمكان عبد الإله بنكيران أن يقف أمام شاشة التلفزيون، ويضع أمامه كومة من الأوراق، ثم يبدأ في تلاوتها كما يتلو كتبا للمطالعة لسنوات الابتدائي في المدرسة، وعندما ينتهي، يحمل أوراقه ويختفي. لكن بنكيران، وهو رئيس حكومة مسؤول وناضج، فعل ما لم يتوقعه أحد، اختار لمحاورته صحافيين هما اليوم من أبرز صحافيي المشهد السمعي البصري بالمغرب، لكنهما تحولا فجأة إلى مجرد صنمين جامدين أمام رئيس الحكومة، الذي فضل أن يحاور نفسه عوض أن يحاوره الآخرون. في كل مرة كان الصحافي أو الصحافية يحاولان طرح أسئلة على بنكيران، كان هذا الأخير يزيد في السرعة ويقول لهما إنه لم يكمل كلامه بعد. استمر عبد الإله بنكيران في سرد الأرقام وترديد عبارات المليون والمليار والدرهم والسنتيم، وتحدث عن أسعار البترول والغاز وعلاقة ذلك بصندوق المقاصة، وكان يحاول أن يوصل كلامه إلى عامة الشعب، لكن الكلام لم يكن يصل سوى إلى الأذن الأخرى لبنكيران، لأن الحوار تحول إلى مجرد مونولوغ. تكلم بنكيران كثيرا ولم يترك للصحافيين غير الفتات، وكان يقاطع أسئلتهما قبل إكمالها، بينما كان يصرخ عندما يقاطعانه. إنه يحلل لنفسه ما يحرمه على الآخرين. لكن الخطأ لم يكن خطأ بنكيران وحده، بل هو أيضا خطأ الصحافي كلحسن والصحافية البارودي، اللذين تحولا، في كثير من المرات، إلى مجرد آلة لتأكيد ما يقوله الرجل، وأحيانا يسبقانه في ذكر اسم معين، وهكذا ربح بنكيران رهان الحوار قبل بدايته. كان من الممكن أن يكون ذلك اللقاء قويا ومباشرا وأن يصل إلى عقول وقلوب المغاربة، لكن رئيس الحكومة فضل أن يطرح أسئلة على نفسه ويجيب عليها، وأن يقاطع الآخرين لكي يعطي لنفسه المزيد من الوقت، وأمطر المغاربة بشتاء غزيرة من التفاؤل، والغريب أنه كان يلوح ويغضب عندما لا يعجبه كيف يسير النقاش. في ذلك اللقاء التلفزيوني، لعب بنكيران من أجل ربح الوقت، وقت التلفزيون ووقت الحكومة، وأن ينفي الأسئلة المحرجة، لأنه عندما وصل البرنامج إلى منتصفه، لم يكن بنكيران قد قال شيئا، لا شيء على الإطلاق... وانتهى البرنامج بصفر على الشمال.