تعرض المغرب، أمس الثلاثاء بجنيف، إلى حملة انتقادات واسعة في مجال حقوق الإنسان همت على الخصوص التضييق على حرية التعبير والصحافة والأقليات. وانتقدت عدة دول ضمنها بريطانيا وسويسرا والسويد حصيلة المغرب في هذا المجال، فيما طالبت السودان من السلطات المغربية بمحاربة الإفلات من العقاب عبر إصدار قانون في القضية. من جهته، شدد الوفد السويسري على ضرورة إيجاد الآلية الكفيلة بعدم قمع التظاهرات السلمية من طرف القوات العمومية، وباتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم الإفلات من العقاب. كما أوصت الولاياتالمتحدة المغرب بالتصريح للجمعيات التي تعنى بحقوق الأقليات في المغرب، وتمكينها من ممارسة نشاطها بدون تضييق. وكان وزير العدل والحريات مصطفى الرميد قدم أمس الثلاثاء في العاصمة السويسرية جنيف التقرير الوطني الثاني عن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل، حيث ينتظر أن تتشكل لجنة من بوركينافاسو وبنغلاديش وإيطاليا لتجميع كل الملاحظات التي ستتم إثارتها خلال مناقشة التقرير المغربي، وتقديمها في تقرير مركب؛ ستتم مناقشته لاحقا من طرف ممثلي الدول الأعضاء وغير الأعضاء ومنظمات المجتمع المدني. ودافع الرميد بقوة عن وضعية حقوق الإنسان في المغرب، خلال العرض، الذي تقدم به أمس الثلاثاء في جنيف أمام رئيسة مجلس حقوق الإنسان، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان، وأعضاء فريق العمل المعني بالاستعراض الدوري الشامل. وقال الرميد إن المغرب استطاع، بانخراطه في منظومة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، تحقيق عدة مكاسب في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وتعزيز مسار البناء الديمقراطي، وتوطيد وتقوية دولة القانون والمؤسسات. كما أشار الرميد إلى انخراط المغرب في مسارات واسعة للإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية، من خلال محطات شكلت قطائع إيجابية وتدريجية مع كل التجاوزات، لاسيما من خلال تجربته في مجال العدالة الانتقالية باعتماد تدابير عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتوطيد البناء الديمقراطي؛ وأضاف أن أكبر قيمة مضافة لهذه المسارات تتمثل في انطلاقها ومواصلتها وفق مقاربة تشاركية وحوار مجتمعي تعددي، وخاصة في مسار إعداد الدستور. وقال الرميد إن الدستور الجديد يحترم حقوق الإنسان الكونية من خلال تميزه بأربعة أبعاد أساسية، هي: سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب؛ وجعل هذا الدستور سجلا دقيقا لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، مبنيا على مبادئ وقيم المساواة بين الجنسين ومبدأ المناصفة ومناهضة كافة أشكال التمييز؛ وتجريم كافة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حرصا على حفظ الكرامة الإنسانية؛ ودسترة آليات الحكامة في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط. وتطرق الرميد إلى المؤسسات الحقوقية الرسمية، التي أنشأها المغرب مؤخرا أو وسع من صلاحياتها وملاءمتها مع المؤسسات الحقوقية الدولية من خلال «الرقي بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى مجلس وطني لحقوق الإنسان، مع تقوية اختصاصاته كآلية انتصاف حقيقية، وتعزيز مجالات اشتغاله في القرب من خلال آليات جهوية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وإحداث مؤسسة الوسيط التي حلت محل مؤسسة ديوان المظالم بصلاحيات موسعة في الحماية، واقتراح تطوير أداء الإدارة والمرفق العمومي، ودسترة الهيئات المعنية بالنزاهة ومحاربة الرشوة، وبالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، وبالأسرة والطفولة، إضافة إلى المؤسسات المكلفة بالاتصال السمعي البصري، وبالمنافسة، وبالجالية المغربية بالخارج، وبالتربية والتعليم، وبالشباب والعمل الجمعوي، وباللغات والثقافة المغربية. إضافة إلى إنشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، وإحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان كاختيار وطني في مجال التنسيق بين مختلف الفاعلين، وفيما يخص تكريس المقاربة الحقوقية في السياسيات العمومية والنهوض بتفاعل المملكة مع الأنظمة الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان». وفي مجال إصلاح القضاء، قال الرميد إن المغرب أولى عناية خاصة بورش إصلاح العدالة بكل مكوناتها، خاصة منذ الخطاب الملكي لسنة 2009، الذي وضع خارطة طريق لهذا الإصلاح، مما انعكس على مجال الحقوق والحريات، حيث عرف الاجتهاد القضائي، خلال السنوات الأخيرة، تحقيق تراكمات إيجابية في مجال إعمال الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، لاسيما من خلال التصدي للشطط في استعمال السلطة وتكريس مبدأ الشرعية وتعليل القرارات الإدارية وفرض احترام القانون وحماية حرية الرأي والتعبير والتجمع والاحتجاج السلمي. ولإعطاء دفعة قوية لهذا الورش تم تنصيب هيئة عليا لتنظيم حوار وطني حول الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة خلال الشهر الجاري، تشارك في كل الأطراف المعنية من أجل بلورة واعتماد ميثاق وطني للعدالة. ولم يفت وزير العدل والحريات أن يعترف بأن «المغرب واع بحجم التحديات والإكراهات التي تواجه كل مسارات الإصلاحات، والتي تحرص المملكة على تذليلها من خلال توسيع مجال انخراط كافة الفاعلين».